الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لولا فوارس تغلب ابنة وائل
…
دخل العدو عليك كل مكان
ضربوا الصنائع والملوك وأوقدوا
…
نارين أشرفتا على النيران
وقد اشترك عمرو بن كلثوم التغلبي في هذا اليوم، وأشار إليه في معلقته:
ونحن غداة أوقد في خزارى
…
رفدنا فوق رفد الرافدينا
فكنا الأيمنين إذا التقينا
…
وكان الأيسرين بنو أبينا
فصالوا صولة فيمن يليهم
…
وصلنا صولة فيمن يلينا
وكان من نتيجة هذا اليوم، أن ربيعة وسائر قبائل معد قد استقلت عن سيطرة اليمن، ولم يعودوا يدفعون لممثليها أية إتاوة أو خراج. وقد نظرت معد إلى كليب وائل نظرها إلى منقذ عظيم، فولوه الملك عليهم، وجعلوا له قسم الملك وتاجه، فعظم نفوذه وازداد شأنه.
حروب العدنانية فيما بينها
مدخل
…
حروب العدنانية فيما بينها:
ومنها ما كان بين فرعي القيسية: ربيعة ومضر، ومنها ما كان بين قبائل ربيعة بعضها مع بعض، أو بين قبائل مضر. والحديث عن جميع الحروب والأيام التي وقعت لمختلف قبائل العرب أمر يطول شرحه، ونحن إنما نجتزئ أهم هذه الأيام وأشهرها:
حروب البسوس
…
حرب البسوس:
وقد وقعت بين بكر وتغلب من ربيعة، ودامت سنين طويلة. ولم تكن حربا واحدة، بل هي حروب عدة، وقعت في أوقات متقطعة. وسببها أن وائل بن ربيعة المعروف بلقب "كليب" من تغلب، قد بلغ مبلغا عظيما من السيادة والنفوذ -لا سيما إثر انتصاره في يوم خزار- حيث اجتمعت تحت رايته كل قبائل معد فتوجته، وقد حاز من الجاه والعظمة ما جعل المثل يضرب بعزته فيقال:"أعز من كليب وائل".
وقد داخله من الزهو والخيلاء ما تجاوز الحد حتى طغى وبغى، فاتخذ لنفسه بقعة من الأرض أو ما يسمى بـ "الحمى" ومنع أيًّا كان من أن يطأها أو يوقع الأذى في شيء منها، أشبه ما يكون بحرم المعابد في الجاهلية، لا بل تجاوز من سبقه من أصحاب الأحماء،
إذ حرم على أي كان أن يصطاد في أرضه ويقول: "وحش أرض كذا في جواري فلا يصاد".
كما حرم أن ترد إبل مع إبله، أو أن توقد نار مع ناره، أو أن يمر أحد بين بيوته، وألا يقوم أحد بغارة إلا بإذنه. فكان سبب الحرب إذن اقتصاديا، بالإضافة إلى غطرسة كليب وغروره.
وكان كليب متزوجًا من امرأة من بكر اسمها "جليلة بنت مرة" أخت جساس بن مرة من شيبان. وصدف أن رجلا نزل ضيفا على البسوس خالة جساس، وكان للضيف ناقة ترعى مع نوق جساس في حمى كليب، فأنكرها كليب، وحذر جساسًا من أن عودة هذه الناقة إلى حماه سيدعوه إلى قتلها، فلم يكن من جساس إلا أن هدده بالقتل إن فعل ذلك.
ولما رأى كليب ناقة الضيف ترعى بعدئذ في حماه مع نوق جساس، رماها بسهم أنفذه إلى ضرعها، فصاح صاحبها لما علم بذلك "يا للذل" وصرخت البسوس على صراخه "وا ذلاه" فأسكتها جساس قائلا بأنه سيقتل بالناقة جملًا أعظم منها، يعني بذلك صهره كليبا، وفعلا نفذ وعيده، فاغتنم غفلة من كليب، وطعنه برمح في ظهره فقتله. وهذه رواية يقول بها كل من ابن الأثير وصاحب الأغاني1.
غير أن صاحب الأغاني، يضيف إلى ذلك رواية أخرى تقول: إن ليس جساس هو الذي رمى كليبًا، بل كان في صحبته ابن عمه المزدلف عمرو بن أبي ربيعة، وأن عمرًا هذا هو الذي طعن كليبًا وحطم صلبه، ويمضي في رواية مقتل كليب قائلا: إن قتله كان لشدة طغيانه على بكر قبيلة جساس، إذ منعها من ارتياد الماء:"فمرت بكر بن وائل على نِهْيٍ "غدير" يقال له "شُبَيْث" فنفاهم كليب عنه، وقال: لا يذوقون منه قطرة، ثم مروا على نهي آخر يقال له "الأحص" فنفاهم عنه وقال: لا يذوقون منه قطرة، ثم مروا على بطن الجريب "وادٍ عظيم في نجد" فمنعهم إياه، فمضوا حتى نزلوا "الذنائب" "موضع بنجد" واتبعهم كليب وحيه حتى نزلوا عليه، ثم مر عليه جساس وهو واقف
1 ابن الأثير: 1/ 312؛ الأغاني: 5/ 1680.
على غدير الذنائب فقال: طردت أهلنا عن المياه حتى كدت تقتلهم عطشًا، فقال كليب: ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون. فمضى جساس ومعه ابن عمه المزدلف، وقال بعضهم: بل جساس ناداه فقال: هذا كفعلك بناقة خالتي، فقال له: أَوَقد ذكرتها، أما أني لو وجدتها في غير إبل مرة لاستحللت تلك الإبل بها. فعطف عليه جساس فرسه، فطعنه برمح فأنفذ حضنيه "من دون الإبط إلى الكشح". فلما تداءمه "أدركه" الموت قال: يا جساس اسقني من الماء، قال: ما عقلتُ "منعت" استسقاءك الماء منذ ولدتك أمك إلا ساعتك هذه. وهو يشير بذلك إلى أن كليبا قد منع قوم جساس الماء طوال حكمه، وجساس لم يمنعه إياه إلا هذه الساعة. وقد عطف المزدلف عمرو بن أبي ربيعة بعدئذٍ على رأس كليب فاحتزه1. وفي هذه الرواية دليل على تغلب السبب الاقتصادي على حرب البسوس، وأن ما فعله جساس لم يكن سوى تعبير عن ثورة عامة ضد عسف كليب واستبداده.
عندئذ هَبَّ المهلهل2 أخو كليب -وهو الشاعر الفارس المعروف- للأخذ بثأر أخيه، فجز شعره وقصر ثوبه، وحرم على نفسه اللهو والشراب، وألا يشم طيبًا، ولا يدَّهن بدهن حتى يقتل بكل عضو من كليب رجلًا من بني بكر بن وائل. لكنه نزل على رأي قومه بأن يفاوض خصومه قبل قتالهم، فأذن لوفد منهم بأن يقصد "مرة" والد جساس، فاتصل به الوفد وخيره بين ثلاث خصال: إما أن يدفع إليهم بجساس ليقتل بكليب، أو بهمام أخي جساس لأنه عدل لكليب، أو أن يَقِيد من نفسه3.
فرفض "مُرَّة" كل هذه العروض قائلا: أما جساس فغلام حديث السن، ركب رأسه فهرب فلا علم لي به، وأما همام فأبو عشرة وأخو عشرة ولو دفعته إليكم لصيَّح بنوه في وجهي وقالوا: دفعت أبانا للقتل بجريرة غيره؟ وأما أنا فلا أتعجل الموت، وهل تزيد
1 الأغاني: 5/ 1681.
2 اسمه عدي بن أبي ربيعة وقيل: امرؤ القيس، وهو خال امرئ القيس بن حجر الكندي، وإنما لقب مهلهلًا؛ لأنه أول من هلهل الشعر وقصد القصائد "ابن الأثير: 1/ 317".
3 الأغاني: 5/ 1680-1685؛ ابن الأثير: 1/ 312-320؛ محمد أحمد جاد المولى بك، المصدر نفسه، ص142 وما بعدها.