الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
راية واحدة، ثم اجتمعت بعدئذ مرتين: المرة الأولى تحت راية ربيعة بن الحارث، والمرة الثانية تحت راية كليب بن ربيعة1.
1 د. جواد علي: 4/ 348.
القبائل المعدية وزهير بن جناب الكلبي ممثل اليمينة
مدخل
…
القبائل المعدية وزهير بن جناب الكلبي ممثل اليمنية:
وقد درج رؤساء معد بعد ذلك على خطة الخروج على طاعة حكام اليمن، أو من عينه هؤلاء الحكام عليهم، إذ ملت قبائل معد التبعية للجنوب، فثارت على ممثليه في الشمال.
كانت قبائل الشمال المعدية متفرقة، لا تكف عن الخصام والانقسام، مما دفع القبائل الضعيفة منها إلى الاستظلال بدولة تحميها من أخواتها القويات. وكان أكثر خضوع القبائل المعدية "العدنانية" لدولة حمير في اليمن، تؤدي لها الإتاوة كل عام. وكانت القبيلة من أهل البادية إذا دخلت في رعاية حمير، طلبت منها أن تولي عليها أميرًا. وكان من هذا القبيل قيام دولة كندة كما رأينا سابقا.
وأشهر من تولى الرئاسة على بدو الشمال "بكر وتغلب من ربيعة"، تحت رعاية الدولة الحميرية، زهير بن جناب الذي ينتهي نسبه إلى عذرة الكلبي، وهو من الذين اجتمعت إليه قضاعة القحطانية اليمنية. وقد عرف زهير بشدة بطشه وبسالته وشجاعته ورجاحة عقله، وعرف باسم "الكاهن" لسداد رأيه. فصار يجمع الإتاوة والخراج من القبائل التي تولى الإشراف عليها لقاء النجعة والكلأ والمرعى.
وظلت قبائل الشمال تذعن لدولة اليمن، بشخص ممثلها، وتوليها الاحترام، إلى أن أصابها الوهن بسبب ظروف الاحتلال الحبشي لليمن "525م" فذهبت هيبتها من قلوبهم، وراحوا يفكرون في الخروج عن سيطرتها، والإمساك عن دفع الإتاوة لها. وكان قطع الإتاوة والخروج عن طاعة اليمن على يد ربيعة والد الفارس المشهور "كليب" الذي كان معاصرا لزهير بن جناب.
يقول ابن الأثير: إن أبرهة الحبشي حين طلع إلى نجد، أتاه زهير فأكرمه وفضله على من أتاه من العرب، ثم أقره على بكر وتغلب فتولى أمرهم. ويقول عن زهير: إنه عمَّر
طويلًا جدًّا "عاش مائتين وخمسين سنة، أوقع فيها مائتي وقعة، وقيل: عاش أربعمائة وخمسين سنة". إن هذا القول، وإن يكن أقرب إلى الخرافة ولا يمكن تصديقه، إلا أن ما يمكن أن نستنتجه منه، ومن ذكر اتصاله بأبرهة الحبشي -إذا صحت روايته عن هذا الاتصال- أن ولاية زهير لقبائل الشمال ربما تكون قد حدثت في عهدين؛ في عهد حمير، ثم في عهد أبرهة، بعد أن قضى الأحباش على ملكها، وأن ذلك ربما يكون قد حدث في الربع الأول من القرن السادس الميلادي حتى بعد منتصفه.
وتتمة رواية ابن الأثير أنه قد صدف في إحدى السنين أن أصاب القوم قحط، فأمحلت الأرض وتأخروا عن الدفع، فجاءهم زهير يلح عليهم بدفع الإتاوة. ولما شكوا إليه ضيق ذات يدهم، لم يعرهم أذنا صاغية، بل منعهم من النجعة والمرعى حتى يؤدوا ما عليهم، فصبروا على مضض، حتى إذا رأوا مواشيهم تكاد أن تهلك، لم يروا بدًّا من شق عصا الطاعة. فأنفذوا إلى زهير رجلا يدعى "زَيَّابة" من بني تيم اللات لاغتياله، فجاء "زيابة" إليه وهو نائم، وغرز سيفه في بطنه، وظن أنه بذلك قد قضى عليه1. غير أن الضربة جاءت غير مميتة، إذ تظاهر زهير بالموت كي لا يجهز عليه زيابة بضربة أخرى، فنجا من الموت2.
ونقل زهير إلى قومه، ولما شفي جمع الجموع من أهل اليمن3، وسار إلى بكر وتغلب، وقاتلهم قتالًا شديدًا انهزمت فيه بكر وتغلب، وأُسر كليب ومهلهل ابنا ربيعة، وأخذت الأموال، وكثرت القتلى في بني تغلب، كما أسر جماعة من فرسانهم ووجوههم.
صعب الأمر على قبائل ربيعة، فتجمهرت وولت عليها ربيعة والد كليب ومهلهل،
1 الأغاني: 21/ 7244-7246 "يكاد صاحب الأغاني وابن الأثير يتفقان تمام الاتفاق في تفاصيل هذه القصة".
2 ابن الأثير: 1/ 299-300: "لم يكن مع زهير آنذاك سوى نفر قليل من قومه، فأمرهم أن يظهروا أنه ميت، ويستأذنوا بكرا وتغلب بدفنه. فلما أذنتا لهم، ساروا بجنازة وهمية، فحفروا وعمقوا ودفنوا ثيابًا ملفوفة لم يشك من رآها في أن فيها جسدًا ميتًا".
3 لما بلغ بكرًا وتغلب قدومه، وتأكد عدم موته قال زيابة:
طعنة ما طعنت في غلس الليل
…
زهيرًا وقد توافى الخصوم
حين يحمي له المواسم بكر
…
أين بكر وأين منها الحلوم؟
خانني السيف إذ طعنت زهيرًا
…
وهو سيف مضلل مشئوم