الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الحادي عشر: القبائل العربية ومواطنها قبل الإسلام
مدخل
…
الفصل الحادي عشر: القبائل العربية ومواطنها قبل الإسلام
في البحث عن أنساب العرب وطبقاتهم بينت أن المؤرخين يرجعون العرب إلى جدين اثنين: قحطان وعدنان، وأن مساكن القحطانيين تقع في جنوبي شبه جزيرة العرب، وأن مساكن العدنانيين في شماليها. وبالرغم مما يكتنف نسبة العرب إلى جدين مختلفين من شكوك أوردها الباحثون المحدثون، فإنه لا بد من التسليم بتقسيمهم تقسيمًا جغرافيًّا، أي: إلى جنوبيين وشماليين، ولا بد من الإشارة إلى أن قبائل جنوبية قد نزحت إلى الشمال وقطنت في جوار القبائل الشمالية، والمهم في بحثنا هذا معرفة مواطن أهم هذه القبائل -على قدر الإمكان- في الجاهلية القريبة من الإسلام، وهذه خطوط عامة عنها:
القبائل العدنانية في الشمال:
يرجع النسابون قبائل الشمال إلى عدنان، فيقولون: إنه كان لعدنان ولدان أولهما عك والثاني معد، وإن القبائل التي نسلت من الأول سميت باسم "قبائل عك"، والأخرى باسم "قبائل معد". وقد نزلت قبائل عك في نواحي زبيد جنوبي تهامة. يقول ابن حزم الأندلسي: إن من ولد عك غافق بن الشاهد بن علقمة بن عك، وإن عبد الرحمن الغافقي شهيد موقعة بلاط الشهداء في فرنسا منهم1. ويقال: إن بقية من عك بقيت حتى بعد ظهور الإسلام، إنما لم يكن لها شأن يستحق الذكر.
أما ابن عدنان الآخر معد، الذي تنتسب إليه قبائل عرب الشمال، فقد ذكر النسابون ولدين له هما: قنص الذي سكنت قبائله أرض مكة وأوديتها وشعابها وجبالها وما صاقبها من البلاد، ثم نزار الذي كان من أولاده: إياد وربيعة ومضر وأنمار، وكل منهم قد أنسل أولادًا أطلق اسم كل منهم على القبيلة التي انتسبت إليه.
1 ابن حزم: جمهرة أنساب العرب، ص309.
وأما قبائل إياد فقد استوطنت تهامة، لكنها أجليت عنها إثر حرب وقعت بينها وبين ربيعة ومضر، وكانت هي الخاسرة فيها، فاضطرت إلى النزوح نحو البحرين حيث اختلطت بقضاعة. وفي أول حكم سابور الذي تولى ملك فارس وهو صبي حدث، انتقلت إياد مع كثير غيرها من القبائل العربية نحو الكوفة، وقد عاصرت هذه النقلة أيام حكم امرئ القيس بن عمرو على الحيرة، فلما شب سابور وتولى الحكم الفعلي في مملكته -بعد عهد وصاية عليه- خشي من مغبة وجود هذه القبائل في جنوب العراق، فنكل بأفرادها تنكيلًا شديدًا وشردها، وكان يخلع أكتاف من يقع في قبضته من زعمائها، فأطلق عليه لقب "ذي الأكتاف".
ويظهر أن وجود إياد قد استمر في العراق على نحو ما حتى حكم كسرى أنوشروان، في عهد المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة، وقد سخط عليهم كسرى بسبب إغارة منهم على نساء الفرس، فغزاهم ونكل بهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة في مكان عرف باسم "دير الجماجم" لكثرة ما تكدس فيه من الجثث والجماجم، ثم نفاهم عن أراضي العراق. وقد التجأت بطون من إياد إلى أرض الروم والشام وتفرقت فيها، بعد أن مرت بالموصل وطردت منها1.
وبقيت ربيعة ومضر في جهات تهامة، إلى أن قامت الفتن والخلافات بين مختلف بطونها، فنزحت ربيعة إلى وسط شبه الجزيرة العربية "جهات نجد وغمر كندة" وما يلي ذلك شرقا حتى الخليج العربي. ومن أشهر قبائل ربيعة قبيلة عبد القيس التي نزلت في البحرين حيث كانت قبائل إياد قد سبقتها إليها، فجاءت عبد القيس وأجلتها واحتلت مكانها، واقتسمت البلاد بين بطونها، وقصد قسم منها عمان.
كما نزلت قبائل أخرى من ربيعة، كقبائل بكر بن وائل "ومنها الشاعر المعروف الحارث بن حلزة" وتغلب بن وائل "ومنها الشاعر المشهور عمرو بن كلثوم" وعنزة في ظواهر نجد والحجاز وتهامة، إلى أن وقعت الحرب فيما بينهم إثر مقتل كليب على يد جساس، فتفرقوا ونزلت قبائل من بكر في العراق والبحرين، وأخرى من تغلب في العراق وفي بادية الشام.
1 جورجي زيدان: تاريخ العرب قبل الإسلام، ص176.
وعند ظهور الإسلام كانت قبائل ربيعة تسكن اليمامة "في نجد" وهي قبائل حنيفة وبني قيس بن ثعلبة. ومن إحدى هذه القبائل، وهي قبيلة ضبيعة، نبغ عدد من الشعراء المعروفين، منهم: الأعشى ميمون بن قيس، والمرقش الأكبر عمرو بن سعد، والمرقش الأصغر ربيعة بن قيس وعمرو بن قميئة وهما ابنا أخوي المرقش الأكبر، وطرفة بن العبد. وإلى أحمس بن ضبيعة ينتسب الشاعر المسيَّب واسمه زهير بن علس وهو خال الشاعر الأعشى "أعشى بكر" ومنهم الشاعر المتلمس وهو جرير بن عبد المسيح1. ومن ربيعة قبيلة أسد، وكانت مساكنها شمالي وادي الرمة.
وأما القبائل التي نسلت من مضر بن نزار فقد شكلت شعبا عظيما على رأي النسابين. فمن أبناء مضر: إلياس وقيس عيلان. وقد أصبح لقبائل قيس عيلان شأن عظيم، إذ أصبحت تؤدي معنى العدنانية في مقابل القحطانية. ولم تزل مضر في تهامة بعد خروج ربيعة منها، حتى كثر عددها، وضاقت البلاد ببطونها، وتنافست على الكلأ والمرعى، وبغى بعضهم على بعض، واقتتلوا فتفرقوا، وظعنت قيس إلى بلاد نجد إلا بعض قبائلها، كهوازن التي قصدت الطائف وذي المجاز وحنينًا وغرب نجد بوجه عام.
ومن قيس عيلان تحدرت بعض القبائل البارزة مثل: سعد وهوازن وسليم، وكانت تسكن الجزء الغربي من نجد. وإلى قيس تنتسب عطفان التي منها عبس وذبيان، وبنو سليم وثقيف التي سكنت الطائف، عامر التي سكنت في نجد، وهلال وكلاب وكعب.
ومن القبائل المضرية مدركة وطابخة، وقد انحدرتا من إلياس "خندف" بن مضر. ومن مدركة تحدرت هذيل التي سكنت في السراة "بين مكة والمدينة" وقد اشتهر الهذليون بكثرة شعرهم وجودته، وخذيمة التي منها أسد وكنانة، التي سكنت بجوار مكة، وانحدرت منها قريش.
ومن طابخة تحدرت الرباب، وقد سكنت على أطراف الدهناء، وإليها تنتسب قبائل عبد مناة وعدي وعوف وثور ومزينة التي سكنت جبل رضوى قرب المدينة، وضبة
1 ابن حزم: جمهرة أنساب العرب، ص275، 276، 300.