الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليها، أو بحياة الرجال الشهيرين أو بموتهم مثلهم كمثل الجنوبيين، كما أرخوا بعام "الخنان"1 وعام "الفيل"2.
وقد ذكر المسعودي في كتابه "التنبيه والإشراف""ص 178" أن بني إسماعيل قد أرخوا من بناء البيت حينما بناه إبراهيم وإسماعيل، عليهما السلام. "فلم يزالوا يؤرخون بذلك حتى تفرقت مَعَدّ، وكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا بمخرجهم، ومن بقي بتهامة من بني إسماعيل يؤرخون بخروج آخر من خرج منها من قضاعة
…
حتى مات كعب بن لؤي فأرخوا من موته إلى عام الفيل". أما السنة الدورية التي اعتمدها العرب في تقويمهم فهي القمرية لدى الشماليين. يقول المسعودي في المصدر نفسه "ص183": "جميع ما تؤرخ به الأمم من السنين شمسية
…
إلا العرب والإسرائيليين
…
فأما العرب فإنها تراعي رؤية الأهلة فتجعل حساب سنتها عليها، وشهورهم شهر ثلاثون يومًا وشهر تسعة وعشرون يوما
…
وأيام سنتهم ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما بالحساب المطلق". لكنها في الحقيقة تزيد خمس أو سدس يوم، فتختلف بذلك عن الحساب المطلق وتقل عن السنة الشمسية كما هو معلوم أحد عشر يومًا في كل عام وسنة واحدة كل 33 سنة ولذلك كان العرب في الجاهلية، كما يقول المسعودي، تنسئ لأجل اختلاف الزمان والمواقيت "لتسوي" ما بين السنة الشمسية والقمرية وفي ذلك أنزلت الآية الكريمة: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْر} [التوبة: 27] "3. وأما عرب الجنوب في اليمن فقد اعتمدوا كلا التقويمين القمري والشمسي.
1 ليس له تفسير شافٍ، وفي القاموس هو زكام الإبل، وقد يكون حدث في عهد المنذر بن ماء السماء من ملوك الحيرة وماتت الإبل فيه.
2 وهو الذي أرخ العرب به حتى خلافة عمر بن الخطاب الذي اعتبر الهجرة مبدأً للتقويم الإسلامي.
3 المسعودي: التنبيه والإشراف، ص186.
المصادر العربية الإسلامية:
يتبين مما تقدم أن الرجوع إلى الآثار المكتشفة -على قلتها- في التأريخ للعرب الجنوبيين أجدى من الاستناد إلى ما كتبه مؤرخو العرب المسلمون؛ لأن ما ذكر هؤلاء عن هذه الحقبة لا يعدو كونه مقدمة موجزة لتواريخهم المفصلة عن العصر الإسلامي الذي سبق
وذكرت أنهم اهتموا به عظيم الاهتمام، هذا فضلًا عن كون ما كتبوه عن عهد ما قبل الإسلام بأجمعه بعيدًا عن الروح العلمية، لا بل يغلب عليه العنصر القصصي المنقول عن السماع والمليء بالأساطير. وقد بلغ بعده عن الدقة أن أسماء الدول والملوك والحوادث التي أوردوها قد جاء فيها كثير من الخلط، فضلا عن التناقض والخلاف بين ما كتبه مؤرخ وآخر.
بيد أننا إذا أردنا الدقة في التعبير يجب أن نميز بين فترتين من أخبار الجاهلية: أولاهما الجاهلية البعيدة، والثانية الجاهلية القريبة من الإسلام. ولتأريخ الفترة الثانية، التي وقعت حوادثها منذ القرن الثاني قبل ظهور الإسلام حتى بزوغ فجره، فلا بأس بل من المستطاع الاعتماد بعض الشيء في بحثها على ما جاء في كتب المؤرخين المسلمين؛ ذلك أن هذه الفترة كات قريبة منهم، ولا بد أن يكون ما أورده الرواة من أخبارها قد حافظ نوعًا ما على صورته الأصلية حتى جاء عصر تدوين الأخبار فسجلت في كتب التاريخ التي وصل معظمها إلينا1.
على أن معرفة الكتابة عند المتأخرين من عرب الجاهلية -ولكن في نطاق ضيق- يعطي للأخبار المنقولة في هذه الفترة شيئًا من الثقة بصحتها، فقد بينت الدراسات الحديثة أن العرب الجاهليين كانوا يدونون أشعارهم بالكتابة. وقد نوه القرآن الكريم في بعض آياته كقوله تعالى:{وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُون} [القلم: 1] وكقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق: 1 - 4] بمعرفة القراءة والكتابة قبل الإسلام.
ومما ذكره الراوية النسابة هشام بن محمد بن السائب الكلبي أنه كان يستخرج أخبار العرب وأنسابهم وأنساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار من ولي منهم لآل كسرى من كتبهم في الحيرة. كما ورد في الأخبار أن النعمان ملك الحيرة كان قد أمر فنسخت له أشعار العرب في كراريس، وأنه كان في قريش عند ظهور الإسلام سبعة عشر شخصًا يعرفون الكتابة منهم "الشفاء بنت عبد الله العدوية" وبعض النسوة الأخريات2.
1 د. جواد علي: نفس المصدر 10/ 34.
2 نفس المصدر 1/ 15، 37-39.