الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نبلاء وفرسان النظام الإقطاعي في أوروبا. ولكل من المحافد حكومته القائمة بذاتها، وأشهر المحافد أو القصور التي وصلت إلينا أسماؤها: غمدان، ناعط، صرواح، سلحين، ظفار، شبام، براقش
…
إلخ. وقد بقي بعض هذه القصور إلى ما بعد الإسلام وذكرها بعض المؤرخين في كتبهم.
وقد تجتمع عدة مخاليف في وحدة إدارية أكبر يتولى أمورها أمير واحد يسمى "قيل""جمعها: أقيال" ويقابل لقب ملك، وكان الأقيال يتحاربون ويتغازون، ويستولى أحدهم على مخلاف جاره، ويضمه إلى مخلافه، ويبسط سيطرته على أهله، ويجعل من المخلافين أو المخاليف العديدة التي يستولي عليها مملكة كبيرة ينظمها، ويجعل محفدة عاصمتها، فتنتسب المملكة إليه. وقد يطول بقاء المملكة أو يقصر، يتقلص سلطانها أو يتسع، ويتتالى الحكم عليها في أولاده. على هذه الصورة نشأت الدول في الجنوب العربي اليمني.
نظام الحكم:
لقد مر معنا سابقًا أن اليمن كانت مقسمة إلى مخاليف ومحافد وقصور يحكمها أذواء وأقيال بما هو أشبه بالنظام الإقطاعي، ثم ظهر الملوك نتيجة لتوسع الأقيال على حساب جيرانهم، وألفوا الممالك الواسعة، ونظموا شئون ممالكهم، وأمنوا العلاقات الإدارية والاقتصادية بين رعاياهم، فضربوا النقود من الذهب والفضة، ونقشوا عليها أسماءهم وأسماء المدن التي سكت فيها، وجعلوا على أحد وجهيها رسومهم، وعلى الوجه الآخر نقشوا رموزًا كصورة البوم أو الصقر ورأس الثور أو الهلال معتمدين في ذلك على نماذج يونانية.
لم يكن الملك في دول اليمن مطلق الصلاحية على العموم، بل كان حكمه على الغالب، مقيدًا إلى حد ما، إذ يستعين بمجالس استشارية تساعده في المسائل التشريعية، كما في مملكة معين وسبأ ومملكة قتبان وغيرها التي فيها مجلس للشيوخ "مشود" يشارك الملك في سن القوانين. وعلى العموم كانت السياسة العامة تقرر من قِبَل هيئة عامة مؤلفة من رجال القبائل البارزين، ويشترك مجلس الشعب مع الملك في سن القوانين، وتنظيم الأوامر الملكية التي تصدر بشكل مراسيم، وتكتب غالبا على لوحة من البرونز أو الحجر،
وتعرض في الساحات العامة والمعابد ليراها الناس جميعًا، وقد عثر بين الأنقاض على مجموعة من هذه اللوحات.
ومع ذلك كان الملك يبدو كسيد إقطاعي يخضع له سائر أمراء الإقطاع، ولا يخرج من قصره إلا قليلًا1، ويسير وفق نظام مزيج من الأرستقراطية والإقطاعية والأعراف القبلية والروح الطبقية. فقد كان الشعب يقسم إلى طبقات اجتماعية شبيهة بطبقات النظام الإقطاعي في أوروبا. فهنالك الأشراف والأذواء، فالملاك فالتجار فالصناع فالزراع ثم الرقيق، بالإضافة إلى الجاليات الأجنبية، ولكل طبقة من هذه الطبقات حدود لا تتعداها، ولا ينتقل أحد منها إلى سواها.
كان الحكم في ممالك اليمن وراثيا في أبناء الملوك، وينتقل أحيانا إلى الإخوة، إلا في حضرموت حيث يكون محصورا في أول مولود من الأشراف يولد في أثناء حكم الملك. فإذا ما استلم أحدهم الملك، نظمت قائمة بأسماء زوجات أمراء البيت المالك الحوامل، حتى إذا ولد أول مولود أخذ ونشئ نشأة خاصة، وخضع لتربية ترتفع بمواهبه، وتهيئه لاستلام الحكم عندما يحين الأوان. أما النساء في بعض ممالك اليمن فكان لهن الحق مبدئيًّا في وراثة العرش كالرجال.
لم تكن دول اليمن على العموم دول حروب وفتوح، بل كانت دولًا تركز جهودها على الأمور الاقتصادية كالتجارة والزراعة؛ لذلك قلما كانت تعتني بتنظيم الجيش وتهيئته للحروب، بل لحفظ القلاع وحفظ النظام وحراسة القوافل، ولم يكن يدعى لخوض المعارك إلا إذا دعت الحاجة إلى الدفاع عن سلامة البلاد، إذا تعرضت للاعتداء الخارجي. إنما كان الملوك يجمعون رجال المملكة ويكلفونهم بالإسهام في بناء المدن والقصور والسدود وترميمها بما يشبه نظام السخرة.
كان المجتمع اليمني شبه اشتراكي بحيث يشترك أفراد كل عائلة بالأموال والمتاع،
1 من الرسوم التي وصلتنا عن ملوك اليمن، وخاصة تلك التي رسمت على النقود المكتشفة نشاهد أنهم كانوا يحلقون لحاهم وشواربهم ويرسلون شعور رءوسهم ويضفرونها جدائل تتدلى على ظهورهم أو خدودهم. وإذا خرجوا من قصورهم ركبوا الخيول، أو استقلوا المركبات التي تجرها الخيول. وأما لباسهم فكان عبارة عن مآزر موشاة بخيوط الذهب، ويزينون زنودهم بالأساور الذهبية.