الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قريش:
قيل في تسمية قريش بهذا الاسم روايات كثيرة مختلفة، منها أنه غلب عليها، نسبةً لاسم جدها الأعلى النضر بن كنانة الذي كان يلقب به، أو لأن كنانة اشتغلت بالتجارة فكانت تجمع المال، والجمع والكسب هو التقريش. ومما قيل: إن فهر بن مالك بن النضر كان له ثلاثة أولاد، فتفرقوا ثم تجمعوا، فقالت بكر:"تقرش بنو جندلة" أي: تجمعوا.
وهناك رأي لمحمد بن سعد صاحب الطبقات الكبرى1 يقول: "إن اسم قريش مشتق من كلمة "التقريش" أي: التجمع؛ لأن قصيَّ بن كلاب جمع2 بطون كنانة، وناهض بهم خزاعة، وانتزع منها حكم مكة وسدانة الكعبة، فسمي لذلك مجمعًا". وفي هذه الحالة يكون الاسم أحدث مما إذا أخذنا بالأقوال السابقة. وقريش تنتمي إلى خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر من عرب الشمال المعدّية "العدنانية".
كان قصي أول رؤساء مكة من قريش، وقد ذكر النسابون أن اسمه زيد2، وغلب عليه لقب " قصي" لأنه أقصى عن عشيرته كنانة الساكنة في مكة، عندما توفي والده، وتزوجت أمه من رجل قضاعي ينتمي إلى قبيلة عذرة، فاحتملته معها إلى أرض زوجها بأطراف الشام. ولما أصبح شابًّا وكان "جلدا نهدا"، كما يقول محمد بن سعد، تشاجر مع شاب قضاعي، وآثر العودة إلى أهله وعشيرته في مكة، حيث كان له أخ شقيق يسمى "زهرة". ثم تزوج من "حُبَّى" ابنة زعيم خزاعة "حُلَيْل بن حُبْشِية بن سلول" الذي كان يلي أمر مكة، والحكم فيها، وولاية البيت.
ولما توفي والد زوجته آلت إليه ولاية مكة وكعبتها، والروايات مضطربة حول كيفية استيلائه عليها، فمنها ما تقول: إن والد زوجته قد أوصى له بها، أو أوصى بها لابنته،
1 محمد بن سعد: الطبقات الكبرى، 1/ 28-39.
2 قال الشاعر:
قصي لعمري كان يدعى مجمعًا
…
به جمع الله القبائل من فهر
"شفاء الغرام في أخبار البلد الحرام، ص69".
3 قيل: إن اسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة التي تتصل بخزيمة بن مدركة. "اليعقوبي: 1/ 37".
فعجزت عنها، فتركتها لزوجها، أو أن حُليلًا قد أورثها ابنه المخرش الملقب بـ "أبي غبشان" وكانت العرب تجعل لسادن البيت جُعْلًا في كل موسم، فمنعوا عنه في إحدى السنين ما كانوا يؤدونه، فغضب فدعاه قصي وسقاه، ثم اشترى منه سدانة البيت بزق من الخمر وبعير، فذهبت قصته مثلًا في الخسارة:"أخسر من صفقة أبي غبشان"1. وفي كتاب "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام"2 أن أبا غبشان لم يكن ابنًا لحليل بل شريكًا له.
غير أن هذه الروايات قد تكون موضوعة، وربما يكون الأقرب إلى الواقع أن قصيًّا استولى على السدانة بالقوة، كما جاء في رواية لابن سعد في الطبقات، منقولة عن ابن الكلبي، تقول: إنه لما توفي حليل وانتشر وُلد قصي، وكثر ماله وعظم شرفه، رأى أنه أولى بالبيت، وبولاية مكة من خزاعة بكر، فجمع قومه من كنانة وقريش، واستنصر إخوته لأمه "بنو عذرة من قضاعة" فاقتتل الفريقان قتالا شديدا حتى كثر القتلى فيهما3، ثم تداعيا إلى الصلح وحكَّما بينهما "يعمر بن عوف بن كعب الكناني" فقضى هذا بأن قصي بن كلاب أولى بالبيت ومكة من خزاعة، وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبكر موضوع، يشدخه تحت قدميه، وأن ما أصابت خزاعة وبكر من قريش وكنانة ففيه الدية مؤداة، فسمي لذلك "يعمر الشداخ"4.
كانت قريش في عهد قصي قسمين: قريش البطاح؛ لأن قصيا جمع بطون قريش في
1 ابن سعد: الطبقات، 1/ 37.
2 أبو الطيب تقي الدين بن محمد الفاسي: المرجع نفسه، 2/ 53-54؛ وفي اليعقوبي "1/ 198" بيتان من الشعر يشيران إلى شراء قصي لسدانة الكعبة:
أبو غبشان أظلم من قصي
…
وأظلم من بني فهر خزاعه
فلا تلحوا قصيًّا في شراه
…
ولوموا شيخكم إذ كان باعه
وفي مروج الذهب للمسعودي "2/ 32" من الأبيات ما يشير أيضًا إلى هذه الصفقة:
إذا افتخرت خزاعة في قديم
…
وجدنا فخرها شرب الخمور
وباعت كعبة الرحمن جهرًا
…
بزقٍّ، بئس مُفْتَخر الفجور
3 وفي اليعقوبي "1/ 198": أن القتال بين الطرفين قد حدث بعد صفقة الشراء بين قصي وأبي غبشان، وكرد فعل لاستيلاء قصي على سدانة الكعبة، سواء بهذه الطريقة أو بطريقة أخرى.
4 محمد بن سعد: الطبقات الكبرى، 1/ 38؛ ابن الأثير: الكامل، 2/ 8.