الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللتين دار حديث العلماء حول ما إذا كانتا تابعتين لمعين ومعاصرتين لها، أم لم يكونا كذلك.
مملكة قتبان:
لقد استنتج العلماء من الآثار التي اكتشفت أن مملكة باسم "قتبان" قد تكون عاصرت دولة معين. وقد أشار بعض المؤرخين الكلاسيكيين إلى القتبانيين في تواريخهم. وربما تكون هذه الدولة قد عاصرت الفترة الواقعة بين 1000 ق. م و200 ق. م. حسبما جاء في دراسة للعالم "هومل" الذي استنتج من النصوص التي عثر عليها "غلازر" أسماء 18 من الملوك الذين حكموها. ولغلازر -في الواقع- يعود الفضل في وقوف العلماء على أخبارها، فقد كانت الكتابات التي عثر عليها أول نصوص قتبانية تصل إلى أوروبا، غير أن العلماء لم يتفقوا حتى الآن -لقلة هذه النصوص- على تعيين مبدأ ونهاية لهذه المملكة. فقد جعل بعضهم بداية الدولة سنة 1000 ق. م. وبعضهم الآخر 600 ق. م. لكن الاختلاف كان شديدًا حول تحديد نهايتها، إذ جعله بعضهم 200ق. م. وبعضهم الآخر 50 ق. م. وآخرون 200 ميلادية. ولا بد من توفر كثير من الأدلة والنصوص الأثرية للوصول إلى نتيجة.
وكذلك صعب على العلماء أن يحددوا بدقة الموضع الذي أقام فيه القتبانيون دولتهم، وقد ذهب "غلازر" إلى أنه الموضع الذي سماه بطليموس "مامالي قوم" "Mamali Kome" وأنه يقع على سهل تهامة. ولم يبعد "سترابون" عن هذا عندما قال نقلًا عن "إيراتوستين" "194 ق. م" بأن القتبانيين كانوا يسكنون في الجنوب الغربي من أرض السبئيين "أي: بين صنعاء وباب المندب" بينما يحدد "هومل" موقع الدولة بكونه لا يبعد أكثر من 110كم جنوب شرقي مأرب1. ومن مراجعة كتاب "البلدان" لياقوت الحموي يتضح أن قتبان موضع في نواحي عدن.
على أن الكتب العربية القديمة لم تنوِّه بشيء يستحق الذكر عن القتبانيين، إذ لم يرد في أخبار الجاهلية القريبة من الإسلام شيء عنهم، اللهم إلا ما قيل من أنهم من قبائل
1 د. تلف نلسن، فرتز هومل، أدولف جرومان: التاريخ العربي القديم، ص 58.
حمير، مع أنه لم يرد في النصوص القتبانية ولا الحميرية ما يشير إلى صلة نسب بين الطرفين. ويعلل الدكتور جواد علي ذلك باندماج قتبان -بعد ضعفها وفقدان استقلالها- في مملكة سبأ، ثم فيما أطلق عليه اسم "مملكة سبأ وذو ريدان""أي الدولة الحميرية" ذلك أن معظم القبائل التي خضعت لهذه الدولة -بعد أن علا شأنها- قد نسبت إليها وفي جملتها قتبان.
أما من حيث الملوك الذين حكموها فلم يستطع العلماء وضع قائمة كاملة بأسمائهم ولا يزال ثمة ثغرات فيها، إنما استنتجوا من النصوص أن حكامها كانوا في أول فترة من حكمهم يحملون لقب "مكرب" التي تترجم بكلمة "مقرب" في لغتنا، وهي تعبر عن التقرب إلى الآلهة، فهي لقب مقدس، ويفيد القيام بوظائف الكهانة، أي: إن الحاكم هو في الوقت نفسه كاهن وشفيع للناس عند الآلهة، مثل هذا اللقب كمثل "مزود" عند المعينيين. لكن الأمر تطور بعدئذ إذ أضافوا إلى ألقابهم "ملك"، وفي فترة تالية نزعوا عن أنفسهم لقب "مكرب" واكتفوا بلقب "ملك"1.
كانت لهجة الكتابات القتبانية أقرب إلى اللهجة المعينية منها إلى اللهجة السبئية، لكن أغلب النصوص التي نملكها عنهم قد كتبت في أغراض شخصية لا تفيد المؤرخ كثيرًا، إنما تتضمن بعض الكتابات نصوصًا رسمية تتعلق بفرض الضرائب وبالتجارة، أو تحتوي على قوانين من جملتها كتابة هي عبارة عن قانون من القوانين الجزائية، ذكر بأنه صدر "باسم الملك" وورد بعد اسمه كلمة "مشود"، وهي تعني المجلس الذي يجتمع فيه رؤساء المملكة والمشايخ والأعيان؛ للبت في الأمور وتقنين القوانين وإدارة الحروب وتنفيذ الأعمال، فهو مجلس الملك ومجلس المدينة، وكان مركزه في العاصمة "تمنع" وهي مدينة كحلان الحالية. ويظهر أنه كان ثمة مجالس شبيهة به في كل مدينة من المدن القتبانية للبتِّ في الأمور المشابهة.
والجدير بالذكر أن القانون المذكور قد حدد عقوبة القتل "القاتل يعاقب بالقتل، أو بعقوبات أخرى بحسب الأوامر التي يصدرها الملك بمقتضى هذا القانون" كما حدد
1 د. جواد علي: 2/ 8-11.