الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نباتات وحيوانات شبه جزيرة العرب:
لعله أصبح معروفًا -مما سبق- أن شبه جزيرة العرب كانت على الغالب مطيرة وخصبة صالحة للزراعة، وأطرافها وأواسطها مزدهرة مأهولة بالسكان في الأزمنة الخالية، وذات غابات كثيفة وأشجار ضخمة ونباتات متنوعة، حتى إذا قلت رطوبتها بتغير المناخ تدريجيا تحولت التربة الخصبة إلى رمال وصحارى، فاضطر السكان إلى الهجرة منها إلى المناطق الشمالية في الهلال الخصيب.
على أن الدراسات التي قام بها العلماء عن أنواع النباتات والحيوانات التي كانت تعيش في شبه الجزيرة لم تسفر عن نتائج باهرة، وهي غير كافية لإعطاء حكم صحيح عليها. وقد تفيد مراجعة بعض النصوص القديمة والأشكال والصور التي رسمها القدماء في ألواحهم الكتابية، وعلى الجدران للزخرفة والزينة في معرفة هذه النباتات والحيوانات. كما قد تفيد مراجعة بعض كتب المؤرخين الإسلاميين أيضًا، فقد جاء فيها أن مما كان يزرع في شبه الجزيرة: النخيل في الحجاز والقمح والشعير والذرة والأرز في اليمن وعمان والحسا، أما الكرمة فربما تكون قد دخلتها من الشام قبل أو بعد القرن الرابع الميلادي.
ومن مزروعات اليمن الشهيرة اللبان والمر، وبعض الأشجار الأخرى التي يستخرج منها الصمغ والبخور، وقد لعبت هذه المحاصيل دورًا مهمًّا في تجارة اليمنيين القدماء. كما اشتهر لدى عرب الجاهلية أنواع من النباتات الصحراوية كشجر السنط والأثل والغضا الذي ينتج عنه الفحم والطلح الذي يستخرج منه الصمغ. وكان العرب يزرعون في الواحات الرمان والتفاح والمشمش واللوز والليمون والبطيخ "وكان كما يروى محببًا للرسول الكريم" والموز وربما يكون الأنباط واليهود هم الذين أدخلوا هذه الأشجار إلى شبه الجزيرة. وقد وردت في المصادر العربية لفظة "حمى" التي تطلق على أمكنة مزروعة يحميها شيخ القبيلة لقبيلته ومواشيها، وربما كانت تحتوي على نباتات وأشجار لا نستطيع تعيين أنواعها. وأشهر ما جاءنا من الأسماء "حمى الربذة" الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:"لنعم المنزل الحمى"، وحمى "الشرى" وحمى "ضرية" وهو لكليب بن وائل، وكان في ناحية منه قبره الذي يزعم بدو تلك المناطق أنه معروف لديهم، وقد عرفه ياقوت بقوله: "وهو سهل الموطئ كثير الخلة وأرضه صلبة ونباته مسمنة وفيه كانت
ترعى إبل الملوك"1 وللعرب في الحمى أشعار كثيرة، فمن قول لأعرابي:
خليلي ما في العيش عيب لو أننا
…
وجدنا لأيام الحمى من يعيدها
ليالي أثواب الصبا جددٌ لنا
…
قد أنهجت هذي عليها جديدها
أما حيوانات شبه الجزيرة فأهمها وأبرزها الجمل الذي يلائم المناطق الصحراوية لطول المدة التي يتحمل فيها العطش. فالإبل تستطيع أن تسير 17 يومًا دون أن تتناول الماء في جو ترتفع فيه الحرارة إلى 100 درجة فهرنهايتية، بينما لا تطيق الأغنام والماعز انحباس الماء عنها أكثر من يوم أو يومين، كما يستطيع الجمل أن يشرب عددًا كبيرًا من جالونات الماء دفعة واحدة، وأن يتحمل ارتفاعا في درجة الحرارة يصل إلى 11 درجة فهرنهايتية فوق المعدل العادي لدرجة حرارة الجسم دون أن يفقد الكثير من الماء بالعرق، والإبل تختزن الطاقة شحمًا في أسنامها.
وينقل "أرتميدس" اليوناني وغيره عن "إسترابون" أخبارًا توحي بالثقة ربما كانت منقولة عن "أرسطون""أواخر القرن 3 ق. م" أنه وجد في الشمال الأوسط لشبه جزيرة العرب "الحجاز" قطعانًا من الحيوانات البرية وحميرًا وحشية وجمالًا برية وأيائلَ وغزلانًا، وكذلك أسودًا كثيرة ونمورًأ وذئابًا. كما أثبت "ليتمان""1943م" أن الرسوم المنقوشة على الصخور التي عثر عليها في أثناء البحث عن النقوش، التي تركها قوم ثمود على الصخور تدل على وجود حيوانات صيد مثل الغزلان البرية وبقر الوحش والوعول والخنازير البرية والأرانب البرية والنعام والأسود والذئاب والضباع، بالإضافة إلى حيوانات مستأنسة كالجمال والخيول والكلاب والماعز2.
ولا يستطاع معرفة متى استؤنس الجمل في شبه الجزيرة. وقد جاء في دائرة المعارف الإسلامية أن ذلك قد حصل حوالي القرن 11 ق. م. وفي جنوبي شبه الجزيرة، لكن بعض الدلائل تشير إلى أنه قد تم قبل ذلك بكثير. فقد تحدث "التوراة""سفر القضاة، إصحاح 7" عن حملة عربية بدوية قام بها المديانيون والعمالقة وبنو الشرق على
1 ياقوت: معجم البلدان، ج2، مادة حمى.
2 دائرة المعارف الإسلامية، مادة بدو.
اليهود؛ بسبب نزاع على موارد القوت والمزروعات في فلسطين. تقول التوراة: "كان المديانيون والعمالقة وكل بني المشرق حالِّين في الوادي كالجراد في الكثرة، وجمالهم لا عددَ لها كالرمل الذي على شاطئ البحر"، وأن ذلك قد حدث في أيام يربعل أي: جدعون أحد قضاة بني إسرائيل الذي حكم في غضون القرن 15 ق. م. فإذا كان العرب قد حملوا على اليهود بهذا العدد من الجمال المستأنسة "طبعًا"، أفما يدل ذلك على استئناسهم لهذا الحيوان قبل القرن 15 ق. م. بقرون عديدة؟ وإلا فكيف يستطيعون جمع هذا العدد الكبير منها للقتال؟
أما الجواد فتقول دائرة المعارف: إنه استخدم لأول مرة في الركوب بعد سنة 500 ق. م. وربما في تاريخ متأخر يرجع إلى أول عهد المسيح، وبذلك قد كسب العرب حيوانًا أليفًا جديدًا يمتطون صهوته، كان أنفع وأجدى لهم من الجمل في ميدان القتال.