الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإما إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لحمل أم سليم [ (1) ]
فخرج البخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا عبد اللَّه ابن عون، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي، فلما رجع أبوه طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن ما كان. وقال مسلم: مما كان، فقربت إليه العشاء، فتعشى ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: واروا الصبي، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: أعرستم الليلة؟ فقال: نعم.. قال:
اللَّهمّ بارك لهما، فولدت غلاما، فقال لي أبو طلحة: احفظه. وقال مسلم:
احمله حتى آتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم وأرسلت معه بتمرات، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أمعه شيء؟ قالوا: تمرات، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها، ثم أخذ من
[ (1) ] هي أم سليم الغميصاء- ويقال: الرميصاء- ويقال: سهلة، ويقال: أنيفة. ويقال: رميثة بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية الخزرجية، أم خادم النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك. فمات زوجها مالك بن النضر، ثم تزوجها أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري، فولدت له: أبا عمير، وعبد اللَّه، شهدت حنينا وأحدا فهي من أفاضل النساء. عن أنس: أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، فقال أبو طلحة: يا رسول اللَّه! هذه أم سليم معها خنجر، فقالت: يا رسول اللَّه، إن دنا منى مشرك بقرت بطنه. عن أنس قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: إني قد آمنت: فإن تابعتنى تزوجتك، قال: فأنا على مثل ما أنت عليه، فتزوجته أم سليم، وكان صداقها الإسلام. روت أربعة عشر حديثا، اتفقا لها على حديث، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 64، ترجمة رقم (157) .
[ (2) ](فتح الباري) : 9/ 733، كتاب العقيقة، باب (1) تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه، وتحنيكه، حديث رقم (5470) .
[ (3) ](مسلم بشرح النووي) : 14/ 371، كتاب الأدب، باب (5) استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه، وجواز تسميته يوم ولادته، واستحباب التسمية بعبد اللَّه، وإبراهيم، وسائر أسماء الأنبياء، عليهم السلام، حديث رقم (23) .
فيه فجعله في في الصبى وحنكه به، وسماه عبد اللَّه. ذكره البخاريّ في أول كتاب العقيقة.
وخرج مسلم [ (1) ] من حديث سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: مات ابن [أبي] طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقربت له عشاءه، ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع عليها، فلما رأت أنه قد شبع، وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة أرأيت إن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال:
لا، قالت: فاحتسب ابنك قال: فغضب، وقال: تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتنى؟ يا بنى فانطلق حتى آتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بارك اللَّه لكما في غابر ليلتكما،
قال: فحملت، قال: فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقا فدنوا من المدينة، فضربها المخاض فاحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
قال يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة ما أجد الّذي كنت أجد، انطلق فانطلقنا، قال: وضربها المخاض حين قدما فولدت غلاما، فقالت لي أمي: يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
قال: فصادفته ومعه ميسم، فلما رآني قال: لعل أم سليم ولدت، قلت:
نعم، قال: فوضع الميسم، قال: وجئت به فوضعته في حجره، ودعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعجوة من عجوة المدينة فلاكها في فيه حتى ذابت، ثم قذفها في في الصبي، فجعل الصبي يتلمظها، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى حب
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 16/ 244- 246، كتاب فضائل الصحابة، باب (20) من فضائل أبي طلحة الأنصاري رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (2144) .
الأنصار التمر، قال: فمسح وجهه وسماه عبد اللَّه. تفرد به مسلم من هذا الطريق وهذه الألفاظ
[ (1) ] .
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر بن ثابت، عن أنس بن مالك قال: كان لأم سليم من أبي طلحة ابن، فمرض مرضه الّذي مات فيه، فلما مات غطته أمه بثوب، فدخل أبو طلحة فقال: كيف أمسى ابني؟ قالت: أمسى هادئا، فتعشى، ثم قالت له في بعض الليل: أريت لو أن رجلا أعارك عارية، ثم أخذها منك إذا جزعت؟ قال: لا.
قالت: فإن اللَّه أعارك ابنك، وقد أخذه منك، قال: فغدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بقولها، وقد كان أصابها تلك الليلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بارك اللَّه لكما في ليلتكما.
قال: فولدت له غلاما كان اسمه عبد اللَّه، قال: فذكروا أنه كان من خير أهل زمانه [ (2) ] .
وخرج البيهقيّ من حديث مسدد قال: حدثنا أبو الأحوص، حدثنا سعيد بن مسروق عن عباية بن رافع، قال: كانت أم أنس بن مالك تحب أبي طلحة،
[ (1) ] قال الإمام النووي: وفي هذا الحديث فوائد: منها: تحنيك المولود عند ولادته، وهو سنة بالإجماع، ومنها أن يحنكه صالح من رجل أو امرأة، ومنها التبرك بآثار الصالحين وريقهم، وكل شيء منهم، ومنها كون التحنيك بتمر وهو مستحب ولو حنك بغيره حصل التحنيك، ولكن التمر أفضل، ومنها جواز لبس العباءة، ومنها التواضع، وتعاطى الكبير أشغاله، وأنه لا ينقص ذلك مروءته، ومنها استحباب التسمية بعبد اللَّه، ومنها استحباب تفويض تسميته إلى صالح فيختار له اسما يرتضيه، ومنها جواز تسميته يوم ولادته. واللَّه تعالى أعلم.
[ (2) ] وفي هذا الحديث مناقب لأم سليم رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها من عظيم صبرها، وحسن رضاها بقضاء اللَّه تعالى، وجزالة عقلها في إخفائها موته على أبيه في أول الليل ليبيت مستريحا بلا حزن، ثم عشته وتعشت ثم تصنعت له، وعرضت له بإصابته فأصابها. وفيه استعمال المعاريض عند الحاجة لقولها: هو أسكن ما كان، فإنه كلام صحيح، مع أن المفهوم منه أنه قد هان مرضه وسهل وهو في الحياة، وشرط المعاريض المباحة أن لا يضيع بها حق أحد. واللَّه تعالى أعلم.
فولدت له غلاما فمات، فخرج أبو طلحة إلى حاجته، فلما كان من الليل جاء أبو طلحة فأتته امرأته بجفنته [ (1) ] التي كانت تأتيه بها، ثم طلب منها ما يطلب الرجل من امرأته، ثم قال: ما فعل ابني؟.
فقالت: يا أبا طلحة ما رأيت كما فعل جيراننا هؤلاء؟ أنهم استعاروا عارية فجاء أصحابها يطلبونها، فأبوا أن يردوها عليهم. قال: بئس ما صنعوا قالت: فأنت هو، كان ابنك عارية من اللَّه عز وجل، وانه قد مات، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ بارك لهما في ليلتهما، فتلقت فولدت غلاما،
فقال: عباية لقد رأيت لذلك الغلام سبعة بنين كلهم قد قرأ القرآن. قال البيهقيّ [ (2) ] : ورواه إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك موصولا [ (3) ] .
[ (1) ] كذا في (الأصل)، وفي (دلائل البيهقي) :«بتحفته» . وأخرجه البخاري أيضا في كتاب الجنائز، باب (41) من لم يظهر حزنه عند المصيبة، وقال محمد بن كعب القرظي: الجزع القول السيء والظن السيء. وقال يعقوب عليه السلام: نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ حديث رقم (1301) قال الحافظ في (الفتح) : وفي قصة أم سليم هذه من الفوائد أيضا جواز الأخذ بالشدة وترك الرخصة مع القدرة عليها، والتسلية عند المصائب، وتزين المرأة لزوجها، وتعرضها لطلب الجماع منه، واجتهادها في عمل مصالحه، ومشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليها، وشرط جوازها أن لا تبطل حقا لمسلم. وكان الحامل لأم سليم على ذلك المبالغة في الصبر والتسليم لأمر اللَّه تعالى، ورجاء إخلافه عليها ما فات منها، إذ لو أعلمت أبا طلحة بالأمر في أول الحال تكند عليه وقته، ولم تبلغ الغرض الّذي أرادته، فلما علم اللَّه صدق نيتها بلغها مناها، وأصلح لها ذريتها. وفيها إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن من ترك شيئا عوضه اللَّه خيرا منه، وبيان حال أم سليم من التجلد وجودة الرأى وقوة العزم. وقد كانت أم سليم تشهد القتال، وتقوم بخدمة المجاهدين إلى غير ذلك مما انفردت به عن معظم النسوة.
[ (2) ](دلائل البيهقي) : 6/ 198- 200، باب ما جاء في دعائه صلى الله عليه وسلم بالبركة لحمل أم سليم من أبي طلحة.
[ (3) ] هو الّذي كناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي عمير،
فكان صلى الله عليه وسلم يمازحه بقوله: أبا عمير! ما فعل النغير؟
وسبق شرح ذلك الحديث مستوفي.
ومن ذلك الوجه أخرجه البخاريّ، ورواه زياد النميري، عن أنس، وفي آخره قصة تحنيكه ذلك الصبي، ثم مسح ناصيته، وسماه عبد اللَّه، فكانت تلك المسحة غرة في وجهه [ (1) ] .
[ (1) ] وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 543، حديث رقم (11617) ، 4/ 24، حديث رقم (12454) ، 4/ 49، حديث رقم (12614) ، 4/ 206، حديث رقم (13651) كلهم من مسند أنس ابن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.