الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما قيام سهيل بن عمرو [ (1) ] والمقام الّذي خبّر به النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يوم بدر
فقال الواقدي [ (2) ]رحمه الله ولما أسر سهيل بن عمرو يوم بدر، قال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه انزع ثنيته يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا أمثل به فيمثل اللَّه بي، وإن كنت نبيا، ولعله يقوم مقاما لا تكرهه،
فقام سهيل بن عمرو حين جاءه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخطبة أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حين بلغه كلام سهيل: أشهد أنك رسول اللَّه، يريد حيث
قال النبي صلى الله عليه وسلم لعله يقوم مقاما لا تكرهه.
وقال أبو عمر بن عبد البر: [ (3) ] سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ بن غالب القرشي العامري، يكنى أبا يزيد، كان أحد أشراف قريش وساداتهم في الجاهلية أسر يوم بدر كافرا، وكان خطيب قريش، فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه:
يا رسول، اللَّه انزع ثنيته فلا يقوم عليك خطيبا أبدا، فقال صلى الله عليه وسلم: دعه فعسى أن يقوم مقاما تحمده،
وكان الّذي أسره مالك بن الدخشم، فقدم مكرز بن حفص بن الأحنف العامري فقاطعهم في فدائه، وقال: ضعوا أرجلى في القيد حتى يأتي الفداء، ففعلوا ذلك.
وكان سهيل أعلم، أي مشقوق الشفة العليا، وهو الّذي جاء في الصلح يوم الحديبيّة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين رآه: قد سهل أمركم،
وعقد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلح يؤمئذ وهو كان يتولى ذلك دون سائر قريش.
وكان المقام الّذي قام به في الإسلام الّذي
قاله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: دعه فعسى أن يقوم مقاما تحمده،
فكان مقامه ذلك أنه لما هاج أهل مكة عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وارتدّ من ارتد من العرب، قام سهيل بن
[ (1) ] ترجمته في (الإصابة) : 3/ 212- 215، ترجمة رقم (3575) .
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 1/ 107.
[ (3) ](الاستيعاب) : 2/ 669- 672، ترجمة رقم (1106) .
عمرو خطيبا، فقال: واللَّه أعلم أن هذا الذين سيمتد امتداد الشمس في طلوعها إلى غروبها، فلا يغرنكم هذا من أنفسكم، يعنى أبا سفيان، فإنه ليعلم من هذا الأمر ما أعلم، ولكنه قد ختم على صدره حسد بنى هاشم، وأتى في خطبته بمثل ما جاء به أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بالمدينة، فكان ذلك معنى قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيه لعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أعلم.
وقال أسد بن موسى عن سعيد بن عبد اللَّه الجمحيّ، عن عبد اللَّه بن عمير الليثي، عن أبيه قال: مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلى مكة وعاملها عتاب بن أسيد، فلما بلغهم موت النبي صلى الله عليه وسلم ضج أهل المسجد، فبلغ عتاب، فخرج حتى دخل شعبا من شعاب مكة، وسمع أهل مكة الضجيج، فوافى رجالهم إلى المسجد، فقال سهيل بن عمرو: أين عتاب؟ وجعل يستدل عليه، حتى أتى عليه الشعب، فقال: مالك؟ قال: مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم! فقال: قم في الناس فتكلم، قال: لا أطيق الكلام مع موت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: فاخرج معي فأنا أكفيكه، فخرجا، حتى أتيا المسجد، فقام سهيل خطيبا فحمد اللَّه وأثنى عليه، وخطب مثل خطبه أبي بكر، لم يجزم منها شيئا
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب وسهيل في الأسرى يوم بدر: ما يدعوك إلى نزع ثناياه؟ دعه فعسى أن يقيمه اللَّه مقاما يسرك،
فكان ذلك المقام الّذي قال، وضبط عتاب عمله وما حوله.
وخرج البيهقي [ (1) ] من طريق سفيان، عن عمر، عن الحسن قال: قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول اللَّه دعني أنزع ثنية سهيل ابن عمرو، فلا يقوم خطيبا في قومه أبدا، فقال: دعها فلعلها أن تسرك يوما،
قال سفيان: فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم نفر منه أهل مكة فقام سهيل بن عمرو عند الكعبة فقال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، واللَّه حىّ لا يموت.
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 6/ 367، باب إخباره صلى الله عليه وسلم بما يرجع إليه مقال سهيل بن عمرو بن عبد شمس، ورجوعه إلى ذلك، فكان كما أخبر. وفيه: من كان محمد إلهه فإن محمدا قد مات» ، وما أثبتناه من (الأصل) .
قال البيهقي [ (1) ] ثم لحق سهيل في أيام عمر بالشام مرابطا في سبيل اللَّه حتى مات بها في طاعون عمواس.
وذكر ابن سعد أن سهيلا قال يومئذ: أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت، وقد نعى اللَّه نبيكم إليكم، وهو بين أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم، فهو الموت الّذي لا يبقى أحدا، ألم تعلموا أن اللَّه قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ (2) ] وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ [ (3) ] وقال: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [ (4) ] ثم تلا: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [ (5) ] فاتقوا اللَّه واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم فإن دين اللَّه قائم وكلمة اللَّه تامة، وإن اللَّه تعالى ناصر من نصره، ومعز لدينه، وقد جمعكم اللَّه على خيركم.
فلما بلغ عمر كلام سهيل بمكة قال: أشهد أن محمدا رسول اللَّه وأن ما جاء به حق، هذا هو المقام الّذي تمنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين قال لي: لعله يقوم مقاما لا تكرهه [ (6) ] .
[ (1) ](المرجع السابق) .
[ (2) ] الزمر: 30.
[ (3) ] آل عمران: 144.
[ (4) ] آل عمران: 185، الأنبياء 35.
[ (5) ] القصص: 88.
[ (6) ](مغازي الواقدي) : 1/ 107.