الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما ظهور صدقه صلى الله عليه وسلم في موت ميمونة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بغير مكة
فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث موسى بن إسماعيل قال: حدثنا عبد الواحد ابن زياد حدثنا عبد اللَّه بن الأصم: نقلت ميمونة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بمكة وليس عندها من بني أختها أحد فقالت: أخرجوني من مكة فإنّي لا أموت بها، إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخبرني أني لا أموت بمكة، فحملوها حتى أتوا بها سرف، إلى الشجرة التي بني بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تحتها، في موقع القبة، فماتت.
ومن حديث عفان قال [ (2) ] : حدثنا عبد الواحد بن زياد فذكره وزاد: فماتت، فلما وضعتها في لحدها أخذت ردائي فوضعته تحت خدها في اللحد فأخذه ابن عباس فرمى به.
وأما ظهور صدقه صلى الله عليه وسلم في ركوب أم حرام البحر مع غزاة في سبيل اللَّه كالملوك على الأسرة
فخرج البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم،
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 6/ 437، باب ما جاء في إخباره صلى الله عليه وسلم زوجته ميمونة بنت الحارث رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنها لا تموت بمكة، فماتت بسرف سنة ثلاث وثلاثين.
[ (2) ](المرجع السابق) .
[ (3) ](فتح الباري) : 6/ 12، كتاب الجهاد والسير، باب (3) الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء، حديث رقم (2788) ، (2789) .
[ (4) ](مسلم بشرح النووي) : 13/ 61- 62، كتاب الإمارة، باب (49) فضل الغزو في البحر، حديث رقم (1912) . وفيه معجزات للنّبيّ صلى الله عليه وسلم منها إخباره ببقاء أمته بعده وأنه تكون لهم شوكة وقوة وعدد، وأنهم يغزون، وأنهم يركبون البحر، وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها
كان يدخل على أم حرام بنت ملحان، فتطعمه، وكانت أم حرام بنت ملحان تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوما فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه فنام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت يا رسول اللَّه ما يضحكك؟ قال: ناس من أمتي غزاة في سبيل اللَّه يركبون ثبج البحر
[ () ] تكون معهم وقد وجد بحمد اللَّه تعالى كل ذلك. وفيه فضيلة لتلك الجيوش وأنهم غزاة في سبيل اللَّه. واختلف العلماء متى جرت الغزوة التي توفيت فيهما أم حرام في البحر وقد ذكر في هذه الرواية في مسلم أنها ركبت البحر في زمان معاوية فصرعت عن دابتها فهلكت قال القاضي:
قال أكثر أهل السير والأخبار أن ذلك كان في خلافة عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأن فيها ركبت أم حرام وزوجها الى قبرس فصرعت عن دابتها هناك. فتوفيت ودفنت هناك.
وعلى هذا يكون قوله في زمان معاوية معناه في زمان غزوة في البحر لا في أيام خلافته قال: وقيل: بل كان ذلك في خلافته قال وهو أظهر في دلالة قوله في زمانه.
وفي هذا الحديث جواز ركوب البحر للرجال والنساء وكذا قاله الجمهور، وكره مالك ركوبه للنساء لأنه لا يمكنهن غالبا التستر فيه ولا غض البصر عن المتصرفين فيه ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن لا سيما فيما صغر من السفيان مع ضرورتهن إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال.
قال القاضي- رحمه اللَّه تعالى- وروى عن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- منع ركوبه، وقيل: إنما منعه العمران للتجارة وطلب الدنيا لا للطاعات وقد روى ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ركوب البحر إلا لحاج أو معتمر أو غاز.
وضعف أبو داود هذا الحديث وقال: رواته مجهولون واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن في القتال في سبيل اللَّه تعالى والموت فيه الأجر، لأن أم حرام ماتت ولا دلالة فيه لذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل: إنهم شهداء، إنما يغزون في سبيل اللَّه، ولكن قد ذكر مسلم في الحديث الّذي بعد هذا بقليل حديث زهير بن حرب من رواية أبي هريرة من قتل في سبيل اللَّه فهو شهيد، ومن مات في سبيل اللَّه فهو شهيد، وهو موافق لمعنى قول اللَّه تعالى: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.
ملوكا على الأسرة، أو كالملوك على الأسرة، تشك أيهما، قال: قالت: فقلت:
يا رسول اللَّه، قال: ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه كما قال في الأول، قال: فقلت يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت.
وخرجه الترمذي [ (1) ] من حديث مالك بهذا الإسناد مثله أو نحوه ولم يقل:
تشك أيهما، قال: ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
قال: وأم حرام بنت ملحان هي أخت أم سليم وهي خاله أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وترجم عليه البخاري باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء.
وخرج في كتاب الاستئذان [ (2) ] من حديث مالك بهذا الإسناد: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل إلى أم حرام بنت ملحان فتطعمه
…
الحديث.
وخرجه أبو داود [ (3) ] عن مالك به وقال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل إلى أم حرام، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل يوما.
الحديث.
وخرجوه من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حيان، عن أنس، وترجم عليه البخاري باب ركوب البحر [ (4) ] .
[ (1) ](سنن الترمذي) : 4/ 152- 153، كتاب فضائل الجهاد، باب (15) ما جاء في غزو البحر، حديث رقم (1645) .
[ (2) ] باب (41) من زار قوما فقال عندهم، حديث رقم (6282) ، (6283) .
[ (3) ](سنن أبي داود) : 3/ 14، كتاب الجهاد، باب (10) فضل الغزو في البحر، حديث رقم (2490) .
[ (4) ](سنن النسائي) : 6/ 347- 348، كتاب الجهاد، باب (40) فضل الجهاد في البحر، حديث رقم (3171)، وثبيج البحر: أي وسطه ومعظمه. وأخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب (75) ركوب البحر، حديث رقم (2894) ، (2895) .
وخرجه البخاري [ (1) ] من حديث الليث، عن محمد بن يحيى بن حيان، عن أنس، عن أم حرام. ومن حديث أبي إسحاق عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أنس [ (2) ] .
وخرجه في باب ما قيل في قتال الروم [ (3) ] من حديث ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان أن عمير بن الأسود العقبي حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو نازل في ساحل حمص، وهو في بناء له، ومعه أم حرام، قال عمير: فحدثتنا أم حرام: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أول جيش من أمتى يغزون البحر قد أوجبوا، قالت أم حرام: قلت:
يا رسول اللَّه أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم، قالت: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم أول جيش من أمتى يغزون مدينة قيصر مغفور لهم، فقلت أنا فيهم يا رسول اللَّه؟ قال: لا.
قال المؤلف- رحمه الله: وكان ركوب أم حرام البحر مع زوجها عبادة بن الصامت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فلما وصلوا إلى جزيرة قبرس، خرجت من البحر فقربت إليها دابة لتركبها، فصرعتها، وماتت فذهبت في موضعها، وذلك في خلافة عثمان رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنه سنة ثمان وعشرين، وأمير تلك الغزاة معاوية بن أبي سفيان، فقد تضمن هذا الخبر ضروبا من علامات النبوة منها: إعلامه ببقاء أمته بعده، وأن فيهم أصحاب قوة وشوكه ونكاية في العدو، وأنهم يتمكنون من البلاد حتى يغزو البحر، وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها تكون مع من يغزو البحر، وأنها تدرك زمان الغزوة.
[ (1) ](فتح الباري) : 6/ 21- 22، كتاب الجهاد والسير، باب (8) فضل من يصرع في سبيل اللَّه فمات وهو منهم، وقول اللَّه عز وجل: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء: 100]، وقع: وجب، حديث رقم (2799- 2800) ، وفي الإسناد تابعيان، هو وشيخه، وصحابيان، أنس وخالته، وكان ذلك سنة ثمان وعشرين في خلافه عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، (فتح الباري) .
[ (2) ](المرجع السابق) : باب (63) غزو المرأة في البحر، حديث رقم (2877)(2878)
[ (3) ](المرجع السابق) : باب (93) ما قيل في قتال الروم، حديث رقم (2924) .
قال ابن عبد البر: وأما
قوله صلى الله عليه وسلم: ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه
فإنه أراد- واللَّه أعلم- أنه رأى الغزاة في البحر من أمته ملوكا على الأسرة في الجنة ورؤياه وحي، ويشهد لقوله:
ملوكا على الأسرة،
ما ذكر اللَّه تعالى في أهل الجنة عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ [ (1) ] قال أهل التفسير: الأرائك السرر في الحجال، ومثله قوله تعالى: عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ [ (2) ] وهذا الحديث إنما ورد تنبيها على فضل الجهاد في البحر وترغيبا فيه.
[ (1) ] ياسين: 56.
[ (2) ] الحجر: 47.