الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما كثرة مال أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ] وولده وطول عمره بدعائه صلى الله عليه وسلم له بذلك
فخرج البخاري [ (2) ] في كتاب الدعوات في باب الدعاء بكثرة المال مع البركة من حديث غندر، وخرج مسلم [ (3) ] في المناقب، والترمذي [ (4) ] من حديث
[ (1) ] هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي ابن النجار، الإمام، المفتي، المقرئ، المحدث، راوية الإسلام، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني، خادم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقرابته من النساء وتلميذه، وتبعه، آخر الصحابة موتا.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم علما جما، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاذ، وأسيد بن الحضير، وأبى طلحة، وأم سليم بنت ملحان، وخالته أم حرام، وزوجها عبادة بن الصامت، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبى هريرة، وفاطمة النبويّة، وعدة. وعنه خلق عظيم ومنهم الحسن، وابن سيرين، والشعبي، وخلق، وبقي أصحابه الثقات الى بعد الخمسين ومائة. وكان أنس يقول: قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشرة ومات وأنا ابن عشرين وكن أمهاتى يحثثنى على الملازمة، منذ هاجر وإلى أن مات، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة، ولم يعده أصحاب المغازي في البدريين لكونه حضرها صبيا، ما قاتل، بل بقي في رحال الجيش، فهذا وجه الجمع. وقال أبو هريرة: ما رأيت أحدا أشبه بصلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من ابن أم سليم- يعنى أنسا. وقال أنس بن سيرين: كان أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحضر والسفر. مسندة ألفان ومائتان وستة وثمانون. اتفق له البخاري ومسلم على مائة وثمانين حديثا وانفرد البخاري بثمانين حديثا، ومسلم بتسعين. أما موته فاختلف فيه، فروى معمر عن حميد أنه مات سنة إحدى، وتسعين، وروى معين بن عيسى عن ابن لأنس بن مالك: سنة اثنين وتسعين، فيكون عمره على هذا مائة وثلاث سنين. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 105، ترجمة رقم (296) .
[ (2) ] باب (47) ، حديث رقم (6378) ، (6379) ، (6380) ، (6381) ، كلهم من حديث شعبة عن قتادة.
[ (3) ](مسلم بشرح النووي) : 16/ 272- 273، كتاب فضائل الصحابة، باب (32) من فضائل أنس ابن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (2480) . وقال الإمام النووي: هذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم، وفيه فضائل لأنس، وفيه دليل لمن يفضل الغنى
محمد بن جعفر قالا جميعا: حدثنا شعبه قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك عن أم سليم رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها أنها قالت: يا رسول اللَّه خادمك أنس ادع اللَّه له، فقال: اللَّهمّ أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته.
قال الترمذي: هذا حديث صحيح، وزاد البخاري متصلا به: وعن هشام بن زيد قال: سمعت أنس بن مالك بمثله. وقال مسلم بعد حديثه: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: فأتت أم سليم فقالت: يا رسول اللَّه خادمك أنس.
فذكر نحوه.
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن هشام بن زيد، قال: سمعت أنس بن مالك يقول بمثل ذلك.
وخرج البخاري في كتاب الدعوات في باب قول اللَّه تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ من حديث سعيد بن الربيع قال: حدثنا شعبة، عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: يا رسول اللَّه خادمك فادع اللَّه له، قال: اللَّهمّ أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته. ذكره في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وكثرة المال [ (1) ] .
وخرج مسلم من حديث هاشم بن القاسم قال: حدثنا سليمان عن ثابت عن أنس قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام، وخالتي فقالت
[ () ] على الفقير، ومن قال بتفضيل الفقير أجاب عن هذا بأن هذا قد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبارك له فيه، ومتى بورك فيه لم يكن فيه فتنه، ولم يحصل بسببه ضرر، ولا تقصير في حق، ولا غير ذلك من الآفات التي تتطرق إلى سائر الأغنياء بخلاف غيره. وفيه هذا الأدب البديع، وهو أنه إذا دعا بشيء له تعلق بالدنيا ينبغي أن يضم إلى دعائه طلب البركة فيه والصيانة ونحوهما. وكان أنس وولده رحمة وخيرا، ونفعا بلا ضرر بسبب دعاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
[ (4) ](سنن الترمذي) : 5/ 640، كتاب المناقب، باب (46) مناقب لأنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3829) .
[ (1) ] باب (26) ، حديث رقم (6344) .
أمى: يا رسول اللَّه، خويدمك ادع اللَّه له، قال: فدعا لي بكل خير، وكان في آخر ما دعا لي أن قال: اللَّهمّ أكثر ماله، وولده، وبارك له فيه
[ (1) ] .
ومن حديث عمر بن يونس قال: حدثنا عكرمة، حدثنا إسحاق قال:
حدثني أنس قال: جاءت أمي أم سليم إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد أزرتنى بنصف خمارها وردتني بنصفه، فقالت: يا رسول اللَّه، هذا أنس ابني أتيتك به يخدمك، فادع اللَّه له، فقال: اللَّهمّ أكثر ماله وولده، قال أنس: فو اللَّه إن مالي لكثير، وإن ولدى وولد ولدى ليتعادون على نحو المائة اليوم
[ (2) ] .
ولمسلم [ (3) ] والترمذي [ (4) ] من حديث جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عمر قال: حدثنا أنس بن مالك، قال: مر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فسمعت أم سليم صوته، فقالت: بأبي وأمى يا رسول اللَّه! أنيس، قال: فدعا لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاث دعوات قد رأيت منهن [ (5) ] اثنتين في الدنيا، وأما الثالثة في الآخرة.
قال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روى هذا الحديث من غير وجه، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
خرج البيهقيّ [ (6) ] من حديث أبي حاتم الرازيّ قال: حدثنا محمد بن عبد اللَّه الأنصاريّ قال: حدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: يا رسول اللَّه إن لي خويصة [ (7) ] قال: وما هي؟ قالت: خادمك أنس، قال: فما ترك
[ (1) ] باب (32) ، حديث رقم (2481) .
[ (2) ](المرجع السابق) : حديث رقم (143) .
[ (3) ](المرجع السابق) : حديث رقم (144) .
[ (4) ](سنن الترمذي) : 5/ 639- 640، كتاب المناقب، باب (46) مناقب لأنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3827) .
[ (5) ] وفي بعض الأصول: «فيها» .
[ (6) ](دلائل البيهقي) : 6/ 195، باب دعائه صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك الأنصاري رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بكثرة المال والولد، وإجابة اللَّه تعالى له فيه.
[ (7) ] خويصة بتشديد الصاد وبتخفيفها: تصغير خاصة.
خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، ثم قال: اللَّهمّ ارزقه مالا وولدا، وبارك له فيه، قال: فإنّي من أكثر الأنصار مالا.
قال أنس: وحدثتني ابنتي أمينة أنه قد دفن من صلبي إلى مقدم الحجاج البصرة تسع وعشرون ومائة.
ومن طريق الترمذيّ قال: حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود، عن أبي خلدة قال: قلت لأبي العالية سمع أنس من النبي صلى الله عليه وسلم قال: خدمه عشر سنين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيه ريحان كان يجيء منه ريح المسك [ (1) ] .
ومن حديث نوح بن قيس قال: حدثني ثمامة بن أنس، عن أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: يا رسول اللَّه خادمك أنس ادع اللَّه له، قال: اللَّهمّ عمره وأكثر ماله.
وقال الإمام أحمد [ (2) ] : حدثنا معتمر عن حميد أن أنسا عمر مائة سنة إلا سنة، ومات سنة إحدى وتسعين.
وخرج البخاري في (الأدب المفرد) من طريق عارم قال: حدثنا سعيد ابن زيد، عن سنان قال: حدثنا أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل علينا أهل البيت، فدخل يوما، فدعا لنا، فقالت أم سليم خويدمك، ألا تدعو له؟ قال: اللَّهمّ أكثر ماله، وولده، وأطل حياته، واغفر له،
فدعا لي بثلاث، فدفنت مائه وثلاثة، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين، وطالت حياتي حتى استحييت من الناس، وأرجو المغفرة.
وخرج البخاريّ في (الصحيح)[ (3) ] من حديث خالد بن الحارث، حدثنا حميد الطويل، عن أنس قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم، فأتته بتمر وسمن، قال:
[ (1) ](سنن الترمذيّ) : 5/ 641، كتاب المناقب، باب (46) مناقب لأنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3833)، ثم قال: هذا حديث حسن، وأبو خلدة اسمه خالد بن دينار، وهو ثقة عند أهل الحديث، وقد أدرك أبو خلدة أنس بن مالك، وروى عنه.
[ (2) ](مسند أحمد) : 3/ 547، حديث رقم (11642) ، 4/ 36، حديث رقم (12541) ، 4/ 138، حديث رقم (13182) ، ثلاثتهم من مسند أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
أعيدى سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه، فإنّي صائم. ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة، فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فقالت أم سليم: يا رسول اللَّه! إن لي خويصة، قال: ما هي؟ قالت: خادمك أنيس، فما ترك خير آخرة، ولا دنيا إلا دعا له به: اللَّهمّ ارزقه مالا وولدا، وبارك له فيه،
فإنّي لمن أكثر الأنصار مالا. حدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبى مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة. وترجم عليه: باب من زار قوما، فلم يفطر عندهم.
[ () ](3)(فتح الباري) : 4/ 285، كتاب الصوم، باب (61) من زار قوما فلم يفطر عندهم، حديث رقم (1982)، وقال في آخره: قال ابن أبي مريم: أخبرنا يحيى بن أيوب، قال: حدثني حميد سمع أنسا رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ: ابن أبي مريم هو سعيد، وفائدة ذكر هذه الطريق بيان سماع حميد لهذا الحديث من أنس، لما اشتهر من أن حميدا كان ربما دلس عن أنس، ووقع في رواية الكريمي والأصيلي في هذا الموضوع:«حدثنا ابن أبي مريم» فيكون موصولا.
وفي هذا الحديث من الفوائد: جواز التصغير على معنى التلطف لا التحقير، وتحفه الزائر بما حضر بغير تكليف، وجواز رد الهدية إذا لم يشق ذلك على المهدي، وأن أخذ من رد عليه ذلك ليس من العود في الهبة. وفيه حفظ الطعام وترك التفريط فيه، وجبر خاطر المزور إذا لم يؤكل عنده بالدعاء له، ومشروعية الدعاء عقب الصلاة، وتقديم الصلاة أمام طلب الحاجة، والدعاء بخيرى الدنيا والآخرة، والدعاء بكثرة المال والولد، وأن ذلك لا ينافي الخير الأخروي، وأن فضل التقلل من الدنيا يختلف باختلاف الأشخاص. وفيه زيارة الإمام بعض رعيته، ودخول بيت الرجل في غيبته، لأنه لم يقل في طرق هذه القصة أن أبا طلحة كان حاضرا. وفيه إيثار الولد على النفس، وحسن التلطف في السؤال، وأن كثرة الموت في الأولاد لا ينافي إجابة الدعاء بطلب كثرتهم، ولا طلب البركة فيهم، لما يحصل من المصيبة بموتهم، والصبر على ذلك من الثواب.
وفيه التحدث بنعم اللَّه تعالى، وبمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم لما في إجابة دعوته من الأمر النادر، وهو اجتماع كثرة المال مع كثرة الولد، وكون بستان المدعو له صار يثمر مرتين في السنة دون غيره. وفيه التاريخ بالأمر الشهير، ولا يتوقف ذلك على صلاح المؤرخ به، وفيه جواز ذكر البضع فيما زاد على عقد العشر، خلافا لمن قصره على ما قبل العشرين. (فتح الباري) .