الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما زوال الشك من قلب أبيّ بن كعب [ (1) ] في الحال بضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره ودعائه له
فخرج مسلم [ (2) ] من حديث ابن نمير قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد اللَّه بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن جده عن أبي بن كعب
[ (1) ] هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك النجار، وسيد القراء، وأبو منذر، الأنصاري، النجاري، المدني، المقرئ، البدري، ويكنى أيضا أيا الطفيل. شهد العقبة، وبدرا، وجمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض على النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه علما مباركا، وكان رأسا في العلم والعمل، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
قال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: «إن اللَّه أمرني أن أقرأ، وفي لفظ: «أمرنى أن أقرئك القرآن» قال: اللَّه سماني لك؟ قال:
«نعم» ، قال: وذكرت عند رب العالمين؟ قال: «نعم» ، فذرفت عيناه.
قال أنس بن مالك: جمع القرآن على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي.
وروى أبو قلابة عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أقرأ أمتى أبى» .
قال الواقدي: وفاة أبى بن كعب في خلافة عمر، ورأيت أهله وغيرهم يقولون. مات في سنة اثنتين وعشرين بالمدينة. ولأبى في الكتب الستة نيف وستون حديثا له عند بقي بن مخلد مائة وأربعة وستون حديثا، منها في البخاري ومسلم ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بسبعة. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 40- 41، ترجمة رقم (88) .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 6/ 349، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (48) بيان أن القرآن على سبعة أحرف التخفيف، والتسهيل، ولهذا
قال النبي صلى الله عليه وسلم هون على أمتى.
واختلف العلماء في المراد بالسبعة أحرف، قال القاضي عياض: هو توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر، قال:
وقال الأكثرون: هو حصر للعدد سبعة، ثم قيل: هي سبعة في المعاني: كالوعيد، والمحكم، والمتشابه، والحلال، والحرام، والقصص، والأمثال، والأمر، والنهي، ثم اختلف هؤلاء في تعيين السبعة، وقال آخرون: هي في أداء، التلاوة وكيفية النطق بكلماتها: من إدغام وإظهار، وتفخيم وترقيق، وإمالة، ومد، لأن العرب مختلفة اللغات في هذه الوجوه، فيسر اللَّه تعالى عليهم ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته، ويسهل على لسانه. وقال آخرون: هي الألفاظ والحروف، وإليه أشار ابن شهاب بما رواه مسلم عنه في الكتاب، ثم اختلف هؤلاء فقيل: سبع قراءات وأوجه،
قال: كنت في المسجد، فدخل رجل يصلى فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقرأ فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من
[ () ] وقال أبو عبيد: سبع لغات العرب، يمنها ومعدها، وهي أفصح اللغات وأعلاها، وقيل: بل السبعة كلها لمضر وحدها، وهي متفرقة في القرآن غير مجتمعة في كلمة واحدة، وقيل: بل هي مجتمعة في بعض الكلمات، كقوله تعالى: عَبَدَ الطَّاغُوتَ، نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وبِعَذابٍ بَئِيسٍ، وغير ذلك. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وضبطها، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا. وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة، وألفاظها أخرى، وليست متضاربة، ولا متنافية، وذكر الطحاوي أن القراءة بالأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة للضرورة، ولاختلاف لغة العرب، ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة، فلما كثر الناس والكتاب، وارتفعت الضرورة، كانت قراءة واحدة. قال الداوديّ: وهذه القراءات السبع التي يقرأ الناس اليوم بها، ليس كل حرف منها هو أحد تلك السبعة، بل تكون متفرقة فيها، وقال أبو عبيد اللَّه بن أبي صفرة: هذه القراءات السبع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث، وهو الّذي جمع عليه عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه المصحف، وهذا ذكره النحاس وغيره.
وقال غيره: ولا تكن القراءة بالسبع المذكورة في ختمة واحدة، ولا يدرى أي هذه القراءات كان آخر العرض على النبي صلى الله عليه وسلم، وكلها مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم ضبطتها عنه الأمة، وأضافت كل حرف منها إلى من أضيف إليه من الصحابي، أي أنه كان أكثر قراءة به، كما أضيفت كل قراءة منها إلى من اختار القراءة بها من القراء السبعة وغيرهم. قال المازردى: وأما قول من قال: المراد سبعة معان مختلفة: كالاحكام والأمثال والقصص فخطأ، لأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف، وقد تقرر إجماع المسلمين أنه يحرم إبدال آية أمثال بآية أحكام. وقال: وقول من قال المراد خواتيم الآية، فيجعل مكان غَفُورٌ رَحِيمٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ فاسد أيضا للإجماع على منع تغيير القرآن للناس. وهذا مختصرها، ونقلة القاضي عياض في المسألة. واللَّه تعالى أعلم.
التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية [ (1) ] ، فلما رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري [ (2) ] ، ففضت عرقا، وكأنما انظر إلى اللَّه عز وجل فرقا.
فقال: يا أبي إني أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون
[ (1) ] قال الإمام النووي: معناه وسوس لي الشيطان تكذيبا للنبوة أشد مما كنت عليه في الجاهلية.
ولأنه في الجاهلية كان غافلا أو متشككا، فوسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب. قال القاضي عياض: معنى قوله: سقط في نفسي: أنه اعترته حيرة ودهشة. قال: وقوله: «ولا إذا كنت في الجاهلية» معناه أن الشيطان نزع في نفسه تكذيبا لم يعتقده، وقال: وهذه الخواطر إذا لم يستمر عليها لا يؤاخذ بها، قال القاضي عياض: قال المازري: معنى هذا أنه وقع في نفس أبي بن كعب نزعة شيطان غير مستقرة، ثم زالت في الحال، حين ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده في صدره، ففاض عرقا.
[ (2) ] قال القاضي عياض: ضربه صلى الله عليه وسلم في صدره تثبيتا له حين رآه قد غشيه ذلك الخاطر المذموم.
قال: ويقال: فضت عرقا، وفصت عرقا بالضاد المعجمة، والصاد المهملة. وقال: وروايتنا هذه بالمعجمة قال الإمام النووي: وكذا هو في معظم أصول بلادنا، وفي بعضها بالمهملة.
قوله: «أرسل إلى أن اقرأ على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلى الثالثة اقرأه على سبعة أحرف»
هكذا وقعت هذه الرواية الأولى في معظم الأصول، ووقع في بعضها زيادة،
قال: أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف فردت إليه أن هون على أمتي فرد إليّ الثانية، اقرأه على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلى الثالثة، اقرأه على سبعة أحرف.
ووقع في الطريق الّذي بعد هذا من رواية ابن أبي شيبة أن قال: اقرأه على حرف، وفي المرة الثانية على حرفين، وفي الثالثة على ثلاثة، وفي الرابعة على سبعة.
هذا مما يشكل معناه، والجمع بين الروايتين، وأقرب ما يقال فيه: أن قوله في الرواية الأولى فرد إلى الثالثة المراد بالثالثة الأخيرة وهي الرابعة، فسماها ثالثه مجازا، وحملنا على هذا التأويل، تصريحه في الرواية الثانية أن الأحرف السبعة إنما كانت في المرة الرابعة وهي الأخيرة، ويكون قد حذف في الرواية الأولى أيضا بعض المرات.
قوله: «ولك بكل ردة رددتها»
وفي بعض النسخ: رددتكها هذا يدل على أنه سقط في الرواية الأولى ذكر بعض الردات الثلاث، وقد جاءت مبينة في الرواية الثانية.
وقوله تعالى: «ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألينها،»
معناه مسألة مجابة قطعا، وأما باقي الدعوات فمرجوة، ليست قطعية الإجابة.
على أمتي، فرددت إلى الثانية أن اقرأه على حرفين، فرددت اليه أن هون على أمتى، فرد إليّ الثالثة أن اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكل ردة رددتكها مسألة.
فقلت: اللَّهمّ اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه السلام.
ومن حديث أبي بكر بن أبي شيبة [ (1) ] قال: حدثنا محمد بن بشر، قال:
حدثني إسماعيل بن أبي خالد قال: حدثني عبد اللَّه بن عيسى، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال: أخبرنى أبي بن كعب أنه كان جالسا في المسجد إذ دخل رجل يصلّى فقرأ قراءة. واقتصّ الحديث بمثل حديث ابن نمير.
وقد خرج هذا الحديث [ (2) ] مسلم أيضا، وخرجه أبو داود والنسائي وقاسم بن أصبغ، والترمذي [ (3) ] بزيادات وبقصة، وقد ذكرتها كلها، وما في معناها، والكلام عليها في كتاب (نهاية الجمع لأخبار القراءات السبع)[ (4) ] .
[ (1) ](المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث رقم (820) بدون رقم. وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 188، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حين شك في القراءة، وإجابة اللَّه تعالى له فيما دعاه في الحال.
[ (2) ](المرجع السابق) : حديث رقم (821) .
[ (3) ](سنن الترمذي) : 5/ 624، كتاب المناقب، باب (33) مناقب معاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبى عبيدة بن الجراح رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، حديث رقم (3792) . وقال أبو عيسى:
هذا حديث حسن صحيح، وقد روى عن أبى بن كعب قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه.
[ (4) ] وأحد مؤلفات المقريزي رحمه الله، وله نظير باسم (نهاية الجمع في القراءات السبع) نظما بغير رمز للشيخ زين الدين سريجا بن محمد الملطي، المتوفى سنه (788) هـ-. (كشف الظنون) :
20/ 780.