الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إشارته صلى الله عليه وسلم بأن قريشا إذا أحدثت في دين اللَّه الأحداث سلط اللَّه عليها شرار خلقه فنزعوهم من الملك ونزعوا الملك منهم حتى لم يبقوا لهم شيئا فكان كما أخبر، وصارت العرب بعد الملك همجا ورعاعا لا يعبأ اللَّه بهم
فخرج البخاري من حديث شعيب عن الزهريّ قال: سمعت محمد بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهم عنده في وفد من قريش- أن عبد اللَّه بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك من قحطان فغضب فقام، فأثنى على اللَّه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون بأحاديث ليست في كتاب اللَّه، ولا تؤثر عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأولئك جهالكم فإياكم والأماني التي تضل أهلها
فإنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه اللَّه في النار على وجهه ما أقاموا الدين. تابعه أبو نعيم، عن ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير، ذكره في أول كتاب الأحكام [ (1) ]، وفي مناقب قريش [ (2) ] بهذا الإسناد وقال فيه: إن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص.
وخرج أبو بكر بن أبي شيبة [ (3) ] من حديث أبي أسامة، عن عوف، عن زياد بن مخراف، عن أبي موسى، قال: قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على باب فيه نفر من قريش، وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: هل في البيت إلا قريش؟ قالوا:
يا رسول اللَّه، غير فلان ابن أختنا، فقال: ابن أخت القوم منهم، ثم قال إن هذا
[ (1) ](فتح الباري) : 13/ 142- 143، كتاب الأحكام، باب (2) باب الأمراء من قريش، حديث رقم (7139) .
[ (2) ](المرجع السابق) : 6/ 661، كتاب المناقب، باب (2) مناقب قريش حديث رقم (3500) .
[ (3) ](المصنف) : 5/ 319، باب (181) من قال: ابن أخت القوم منهم، حديث رقم (26473) ، (26474) ، (26475) بألفاظ متقاربة والمعنى قريب من (الأصل) .
الأمر في قريش، ما داموا، إذا ما استرحموا رحموا، وإذا ما حكموا عدلوا، وإذا ما قسموا أقسطوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منهم صرف ولا عدل.
وخرج أيضا من حديث الفضل بن دكين، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن الحارث بن القاسم، عن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبي مسعود قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لقريش: إن هذا الأمر لا يزال فيكم وأنتم ولاته، ما لم تحدثوا، فإذا فعلتم ذلك سلط اللَّه عليكم شرار خلفه يلتحونكم كما يلتحى القضيب [ (1) ] .
وخرجه الحاكم [ (2) ] من طريق الحسين بن حفص قال: حدثنا سفيان بن أبي ثابت، عن القاسم بن الحارث، عن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر فيكم، وأنتم ولاته ما لم تحدثوا أعمالا تنزعه، فإذا فعلتم ذلك سلط اللَّه عليكم شرار خلفه، فالتحوكم كما يلتحى القضيب.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
وخرج الإمام أحمد [ (3) ] من حديث هشام، عن قتادة، عن أبي الطفيل، قال: انطلقت أنا وعمرو بن صليع حتى أتينا حذيفة قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول إن هذا الحي من مضر لا تدع للَّه في الأرض عبدا صالحا إلا فتنته وأهلكته، حتى يدركها اللَّه بجنود من عباده فيذلها حتى لا تمنع ذنب تلعه.
وله عنده طرق.
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ](المستدرك) : 4/ 548، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8534)، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (3) ](مسند أحمد) : 6/ 540، حديث رقم (22805) ، من حديث حذيفة بن اليمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث محمد بن المثنى قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن عبد اللَّه بن بريدة، عن سلمان بن ربيعة قال:
انطلقت في نفر من أصحابى حتى قدمنا مكة، فطلبنا عبد اللَّه بن عمرو فلم نوافقه، فإذا قريب من ثلاثمائة راحل، فرجعناه فلقيناه في المسجد، فإذا شيخ عليه بردان قطريان، وعمامة ليس عليه قميص، فقال: ممن أنتم؟ قلنا: من أهل العراق، قال: أنتم يا أهل العراق تكذبون وتكذبون وتسخرون، قلنا لا نكذب ولا نكذب ولا نسخر، قال: كم بينكم وبين الأيلة [ (2) ] ؟ قلنا: أربعة فراسخ، قال: يوشك بنو قنطوراء بن كركر أن يسوقكم من خراسان وسجستان سوقا عنيفا، ثم يخرجون حتى يربطوا ويربطون خيولهم بنهر دجلة، قوم صغار الأعين خنس الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم [ولم يخرجاه] .
وخرج أبو نعيم الحافظ والإمام أحمد والحاكم [ (3) ] وصححه من حديث موسى بن إسماعيل وابن عائشة قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن يونس بن
[ (1) ](المستدرك) : 4/ 547، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8532) وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وهذا الحديث ساقط من (التلخيص) .
[ (2) ] الأبلة: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام. (معجم البلدان) : 1/ 347، موضع رقم (1196) .
[ (3) ](المستدرك) : 4/ 564، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8583) ، قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) بل محمد بن زيد بن سنان واه كأبيه.
ولفظ الحاكم: «يوشك اللَّه أن يملأ أيديكم من العجم، ويجعلكم أسدا لا يفرون فيضربون رقابكم ويأكلون فيئكم» .
وللإمام أحمد من حديث سمرة بن جندب، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يملأ اللَّه عز وجل أيديكم من العجم، ثم يكونون أسدا لا يفرون، فيقتلون مقاتلتكم، ويأكلون فيئكم. حديث رقم (19615) ، وحديث (19734) ، (19735) ، (19736) كلهم من حديث سمرة بن جندب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
عبيد، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: يوشك اللَّه أن يملأ أيديكم من العجم يجعلهم أسد لا يفرون، فيضربون رقابكم، ويأكلون فيئكم.
وخرج أيضا من حديث ابن أبي داود عن مروان بن سالم عن الأعمش، عن زيد بن وهب وأبى وائل شقيق بن سلمة، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة [ (1) ] .
قال: أبو نعيم: رواه إبراهيم بن قتيبة، عن أبي داود فقال: زيد بن وهب عن حذيفة.
وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا سعد بن إياس الجريريّ، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: يوشك أهل العراق أن لا يجيء إليهم درهم ولا قفيز، قالوا: مما ذاك يا أبا عبد اللَّه؟ قال من قبل العجم يمنعون ذاك [ (3) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
[ (1) ](المستدرك) : 4/ 500، باب الفتن والملاحم، حديث رقم (8396)، ولفظه:«اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة» . وقال الحاكم:
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، واتفق البخاري ومسلم على حديث أبي هريرة:«يخرب الكعبة ذو السويقتين» .
[ (2) ](المستدرك) : 4/ 501، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8400) .
[ (3) ] هذا آخر الحديث في (الأصل)، ثم زاد في (المستدرك) :«ثم سكت هنية، ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجيء إليهم دينار ولا مدّ، قالوا: مم ذاك؟ قال: من قبل الروم يمنعون ذلك....» . وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة
…
وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) .
وخرجه أبو داود [ (1) ] من حديث بشير بن بكر قال: حدثنا جابر قال:
حدثني أبو عبد [السلام][ (2) ] عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء [ (3) ] كغثاء السيل، ولينزعن اللَّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن اللَّه في قلوبكم الوهن [ (4) ]، فقال قائل:
يا رسول اللَّه وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت.
وخرجه الإمام أحمد [ (5) ] من حديث عبد الصمد بن حبيب الأزدي عن أبيه، عن شبيل بن عوف، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بنحوه أو قريب منه.
وخرج البخاري [ (6) ] تعليقا من حديث سعيد بن عمر عن أبي هريرة قال: كيف أنتم إذ لم تجيبوا دينار أو درهما؟ فقيل وكيف ترى ذلك كائنا يا أبا هريرة؟. قال: إي والّذي نفس أبي هريرة بيده، عن قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال: عمّ ذاك؟ قال: تنتهك ذمة اللَّه وذمة رسوله، فيشدّ اللَّه قلوب أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم.
[ (1) ](سنن أبي داود) : 4/ 483- 484، كتاب الملاحم، باب (5) في تداعي الأمم على الإسلام، حديث رقم (4297) .
[ (2) ] في (الأصل) : «أبو عبد اللَّه» وصوبناه من (سنن أبي داود) ، وأبو عبد السلام هذا هو صالح بن رستم الهاشمي، مولاهم الدمشقيّ، سئل عنه أبو حاتم الرازيّ فقال: مجهول لا نعرفه.
[ (3) ] الغثاء- بضم الغين-: ما يحمله السيل من وسخ، شبههم به لقلة غنائهم.
[ (4) ] الوهن: الضعف، فاستعمله هنا في دواعيه وأسبابه.
[ (5) ](مسند أحمد) : 4/ 375، حديث رقم (21891) ، من حديث ثوبان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (6) ](فتح الباري) : 6/ 344، كتاب الجزية والموادعة، باب (17) إثم من عاهد ثم غدر، وقول اللَّه تعالى: الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ [الأنفال: 56] حديث رقم (3180) .
وخرج مسلم [ (1) ] معنى هذا الحديث بلفظ آخر، أوجب تفريقه وإلا فهو في المعنى متفق عليه، وهو الحادي والتسعون من أفراد مسلم، وأوله: منعت العراق درهمها وقفيزها. قاله أبو نصر الحميدي.
وخرج مسلم من حديث زهير عن سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبّها، ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه [ (2) ] .
وخرج مسلم [ (3) ] من حديث الجريريّ عن أبي نضرة، قال: كنا عند جابر بن عبد اللَّه فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم، قلنا من أين ذاك؟ قال من قبل العجم، يمنعون ذلك، قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى اليهم دينار ولمدّ، قلنا من أين ذاك؟ قال من قبل الروم، ثم سكت هنية، ثم
قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر أمتى خليفة يحثي المال حثيا، لا يعده عددا،
قال: قلت لأبي نضرة، وأبي العلاء: أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا.
قال المؤلف رحمه الله: هذا الحديث موقوف على جابر، ومثله لا يقال بالرأي، فيحمل على أنه سمعه من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكذا رواية الحاكم لهذا الحديث، فإنّها موقوفة أيضا على جابر، وقد منعت العجم جباية خراج
[ (1) ]
(مسلم بشرح النووي) : 8/ 237، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (8) لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، حديث رقم (2896)، ولفظه: «حدثنا زهير عن سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه.
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
[ (3) ](مسلم بشرح النووي) : 18/ 254- 255، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (2913) .
العراق، وتغلبوا عليه منذ عهد بني العباس، لما خرجت الديلم سنة بضع وعشرين وثلاثمائة.
وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث أبي بكر بن داود عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أقبل سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: إن في وجه سعد خيرا، قال: قتل كسرى: قال: يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لعن اللَّه كسرى إن أول الناس هلاكا العرب، ثم أهل فارس.
وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث عبد اللَّه حدثني أبي حدثنا موسى بن داود قال حدثنا عبد اللَّه بن المؤمل: عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت:«قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة أن أول من يهلك من الناس قومك، قالت: قلت: جعلني اللَّه فداءك، ابني تيم؟ قال لا، ولكن هذا الحي من قريش تستحليهم المنايا وتنفس عنهم أول الناس هلاكا، قلت: فما بقاء الناس بعدهم؟ قال: هم صلب الناس فإذا هلكوا هلك الناس» .
ومن حديث إسحاق بن سعيد [ (3) ] عن أبيه عن عائشة قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يقول: يا عائشة قومك أسرع أمتي بي لحاقا، قالت: فلما جلس، قلت: يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداءك لقد دخلت وأنت تقول كلام ذعرني، قال: وما هو؟ قالت: تزعم أن قومي أسرع أمتك بك لحاقا، قال:
نعم. قالت: ومم ذاك؟ قال: تستحليهم المنايا، وتنفس عليهم أمتهم، قالت:
فقلت: فكيف الناس بعد ذلك؟ - أو عند ذلك- قال: دبي يأكل شداده ضعافه
[ (1) ](مسند أحمد) : 3/ 314، حديث رقم (10277) ، من مسند أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ](المرجع السابق) : 7/ 109، حديث رقم (23936) من حديث السيدة عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها.
[ (3) ](مسند أحمد) : 7/ 119، حديث رقم (23998) من حديث السيدة عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها. وزاد في آخره: قال أبو عبد الرحمن: فسره رجل هو الجنادب التي لم تنبت أجنحتها.
حتى تقوم عليهم الساعة،
قال أبو عبد الرحمن: فسره رجل هو الجنادب التي لم تنبت أجنحتها» .
قال المؤلف- رحمه الله: ويؤيد ذلك كله ما خرجه البخاري [ (1) ] في باب أيام الجاهلية من آخر المناقب من حديث أبي عوانة عن بيان بن بشر أبي بشر عن قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم فقال: ما لها لا تتكلم؟ قالوا:
حجت مصمته قال لها: تكلمي فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش، قالت: من أي قريش أنت؟ قال: إنك لسئول، أنا أبو بكر، قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الّذي جاء اللَّه به بعد الجاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت أئمتكم، قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رءوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى، قال: فهم أولئك على الناس.
وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سعيد بن طارق عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسرع قبائل العرب فناء قريش، أن تمر المرأة بالنعل فتقول: هذا نعل قرشي.
قال المؤلف- رحمه الله: قد صدق اللَّه ورسوله فقد كان من بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خلفاء قضوا بالهدى ودين الحق، ثم قامت خلفاء خلطوا وبدلوا سنن الهدى، فسلط اللَّه عليهم أولا شيعة بنى العباس، وهم العجم أهل خراسان، فاجتاحوا بنى أمية الذين بدلوا نعمه اللَّه كفرا، واتخذوا دين اللَّه دغلا، ومال اللَّه دولا، وعبيد اللَّه خولا، حتى أفنوهم إلا قليلا مشردين في أقطار الأرض، جزاء بما كسبوا، فلما ملك بنو العباس عتوا وتجبروا وطغوا فسلط اللَّه تعالى عليهم مماليكهم الأتراك، فقتلوا المتوكل جعفر بن محمد، ثم قتلوا المستعين
[ (1) ](فتح الباري) : 7/ 186- 187، كتاب مناقب الأنصار، (26) أيام الجاهلية، حديث رقم (3834) .
[ (2) ](مسند أحمد) : 2/ 643، حديث رقم (8232) .
أحمد بن محمد، وتحكموا في الدولة، وتلاعبوا بدين اللَّه، ثم بعث اللَّه على بني العباس الديلم بنو بويه، فتغلبوا على البلاد وساموا الناس بعتوهم سوء العذاب، وتحكموا في بني العباس، تحكم المالك في مماليكه، يقتلونهم ويسملون أعينهم، وأظهروا مع ذلك مذاهب رديئة، حتى أخرج اللَّه الأتراك فبطشت السلجوقية بطش الجبابرة، وتحكمت تحكم الفراعنة، إلى أن يأذن اللَّه بانقراض تحكم العرب، وأدال اللَّه العجم عليها، فقتل عدو اللَّه جنكيزخان وأشياعه الناس، حتى محوهم من المشرق، وأزالو كلمة الإسلام وشرائعه من تلك الجهات بأسرها، ثم قام حفيده عدو اللَّه هولاكو، فشمل قتله عامة أهل بغداد، والجزيرة، ودمر المعتصم باللَّه فلم يقم بعده قائم من قريش، وصار ممالك العالم شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، بأيدي العجم، ففي المشرق من حدود الصين إلى الجزيرة أشياع جنكيزخان، وفي المغرب بأسره البرابر في الشمال، والروم ثم الفرنجة إلا قليلا مع بنى عثمان وبنى فرمان، وهم أروام في مصر والشام، والحجاز، المماليك الأتراك، ثم المماليك الحراكسة، وفي اليمن بنو على بن عمر بن رسول الأكراد إلا قليلا مع الشريف الرضى صاحب صنعاء، والهند كله بأيدي العجم وأكثر الشمال بيد الفرنج، ومعظم الجنوب بأيدي الحبشة وكلا الفريقين نصارى، يأسرون من المسلمين ويعذبونهم أشد العذاب، فتحت أيديهم في الأسر، من المسلمين والمسلمات، عشرات الألوف، ويمر بهم من أنواع البلاء ما لا يمكن وصفه، ومع ذلك فأن جميع قبائل العرب، قيسها وتميمها، رعاع غوغاء لا يملكون دنيا، ولا يقيمون دينا، دأب ملوك الأرض يقتلونهم ويأسرونهم، جزاء بما كسبت أيديهم، وما ربك بظلام للعبيد، ولا يعترض بخلفاء مصر فإنّهم منذ أولهم الحاكم أحمد وإلى يومنا هذا ليس لأحد منهم أمر ولا نهى ولا نفوذ كلمة، وإنما هو واحد من عرض الناس، والسلاطين مع هذا تسجنهم وتنفيهم عن المدينة إلى الأطراف إذا تنكروا لهم، قد رضي الخليفة منهم من دينهم ودنياهم أن يقال له أمير المؤمنين، وحكم الملوك
الأقطار في رعاياهم، قد تساوى الناس في معرفتهم، فلا حاجة بنا إلى وصفه وتبيينه، وللَّه در أبي دعبل وهب بن ربيعة الجمحيّ [ (1) ] . حيث يقول:
تبيت النشاوى منت أمية
…
وبالطف قتلى ما ينام حميمها
وما أهلك الإسلام إلا قلة
…
تأمّر نوماها ودام نعيمها
وصارت قناة الدين في كف ظالم
…
إذا مال منها ظالم لا يقيمها
واللَّه الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب [ (2) ] .
[ (1) ] هو وهب بن ربيعة الجمحيّ، من جميح، وكان شاعرا محسنا، وأكثر أشعاره في عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأزرقي والي اليمن. (الشعر والشعراء) :408.
[ (2) ] هذه العبارة في (الأصل) قبل الأبيات، وما أثبتناه أجود للسياق.