الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إجابة اللَّه دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم على معاوية بن أبي سفيان [ (1) ] بعدم الشبع
[ (1) ] هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، أمير المؤمنين، ملك الإسلام. أبو عبد الرحمن القرشي الأموي المكيّ. أمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وقيل: إنه أسلم قبل أبيه وقت عمرة القضاء، وبقي يخاف اللحاق بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، من أبيه، ولكن ما ظهر إسلامه إلا يوم الفتح، حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له مرات يسيرة،
وحدث أيضا عن أخته أم المؤمنين أم حبيبة، وعن أبي بكر وعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما. عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني- وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية: «اللَّهمّ علمه الكتاب والحساب وقه العذاب.
وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويغالون فيه ويفضلونه، إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء، وإما قد ولدوا في الشام على حبه، وتربى أولادهم على ذلك، وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة، وعدد كثير من التابعين والفضلاء، وحاربوا معه أهل العراق. قال خليفة:
جمع عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه الشام كلها لماوية وأقره عثمان، قلت: حسبك بمن يؤمره عمر، ثم عثمان على إقليم- وهو ثغر- فيضبطه، ويقوم به أتم قيام، ويرضى الناس بسخائه وحلمه، وإن كان بعضهم تألم مرة منه، وكذلك فليكن الملك. وإن كان غيره من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خيرا منه بكثير وأفضل وأصلح، فهذا الرجل ساد، وساس العالم بكمال عقله، وفرط حلمه، وسعة نفسه، وقوة دهائه ورأيه، وله هنات وأمور، واللَّه الموعد. وكان محببا إلى رعيته، عمل نيابة الشام عشرين سنة، والخلافة عشرين سنة، ولم يهجه أحد في دولته، بل دانت له الأمم، وحكم على العرب والعجم، وكان ملكه على الحرمين، ومصر، والشام، والعراق، وخراسان، وفارس، والجزيرة، واليمن، والمغرب، وغير ذلك. قال أحمد بن حنبل: فتحت قيسارية سنة تسع عشرة، وأميرها معاوية، وقال يزيد بن عبيدة غزا معاوية قبرص سنة خمس وعشرين. وقال الزهري: نزع عثمان عمير بن سعد، وجمع الشام لمعاوية. وأقبل معاوية في أهل الشام، فالتقوا، فكره الحسن القتال، وبايع معاوية على أن جعل له العهد بالخلافة من بعده. ثم إن معاوية أجاب إلى الصلح وسر بذلك، ودخل هو والحسن الكوفة راكبين، وتسلم معاوية الخلافة في ربيع الآخر، وسمى عام الجماعة لاجتماعهم على إمام، وهو عام أحد وأربعين.
فخرج مسلم [ (1) ] من حديث أمية بن خالد قال: حدثنا شعبة عن أبي حمزة القصاب، عن ابن عباس قال: كنت مع الصبيان، فجاء فحطأني حطأه، وقال:
اذهب ادع معاوية، قال: فجئته فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع معاوية، فجئت فقلت: هو يأكل، فقال: لا أشبع اللَّه بطنه. قال ابن مثنى:
قلت لأمية: ما حطأني؟ قال: قفدني قفده [ (2) ] .
[ () ] مجالد: عن الشعبي عن قبيصة بن جابر، قال صحبت معاوية، فما رأيت رجلا أثقل حلما، ولا أبطأ جهلا، ولا أبعد أناة منه. قال الزبير بن بكار: كان معاوية أول من اتخذ الديوان للختم وأمر بالنيروز والمهرجان، واتخذ المقاصير في الجامع، وأول من قتل مسلما صبرا، وأول من قام على رأسه حرس، وأول من قيدت بين يديه الجنائب، وأول من اتخذ الخدام الخصيان في الإسلام، وأول من بلغ درجات المنبر خمس عشرة مرقاة، وكان يقول:
أنا أول الملوك. قلت: نعم،
فقد روى سفينة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا،
فانقضت خلافة النبوة ثلاثين عاما وولى معاوية، فبالغ في التجمل والهيئة، وقل أن بلغ سلطان إلى رتبته، وليته لم يعهد بالأمر إلى ابنه يزيد، وترك الأمة من اختياره لهم، ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم، وما هو ببريء من الهنات، واللَّه تبارك وتعالى يعفو عنه. مسندة في (مسند بقي) مائة وثلاثة وستون حديثا، وقد عمل الأهوازي مسندة في مجلد، واتفق له البخاري ومسلم علي أربعة أحاديث، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة. قال أبو مسهر: صلي الضحاك بن قيس الفهري على معاوية، ودفن بين باب الجابية وباب الصغير فيما بلغني. قال أبو معشر، والليث، وعدة: مات معاوية في رجب سنة ستين، وقيل: في نصف رجب وقيل: لثمان بقين منه. وعاش سبعا وسبعين عاما. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 89- 91، ترجمة رقم (257) .
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 16/ 392- 393، كتاب البر والصلة والآداب، باب (25) من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه، أو دعا عليه، وليس هو أهلا لذلك، كان له زكاه وأجرا ورحمة، حديث رقم (97) .
[ (2) ] وفسر الراويّ: أي قفدني أو حطأني، فبحاء ثم طاء مهملتين وبعدها همزة، وقفدني بقاف ثم فاء ثم دال مهملة. وقوله: حطأة، بفتح الحاء وإسكان الطاء بعدها همزة، وهو الضرب باليد مبسوطة بين الكتفين، وإنما فعل هذا بابن عباس ملاطفة وتأنيسا، وأما دعاؤه علي معاوية أن لا يشبع
وخرجه أيضا من حديث إسحاق بن منصور قال: حدثنا النضر بن شميل، قال: حدثنا شعبة حدثنا أبو حمزة قال: سمعت ابن عباس يقول كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاختبأت منه. فذكر الحديث بمثله [ (1) ] .
وقال البيهقي: وقد روى عن أبي عوانه عن أبي حمزة أنه استجيب له فيما دعا في هذا الحديث على معاوية. وذكر من حديث موسى بن إسماعيل قال:
حدثنا أبو عوانة، عن أبي حمزة قال: سمعت ابن عباس قال: كنت ألعب مع الغلمان فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد جاء فقلت: ما جاء إلا إليّ، فاختبأت على باب، فجاء فحطأني حطأة فقال: اذهب فادع لي معاوية، وكان يكتب الوحي، قال:
فذهبت فدعوته له، فقيل: إنه يأكل، فأتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال:
فاذهب فادعه فأتيته، فقيل: إنه يأكل، فأتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال في الثالثة: لا أشبع اللَّه بطنه، قال فما شبع بطنه أبدا.
قال البيهقي: وروي عن هزيم عن أبي حمزة في هذا الحديث زيادة تدل على الاستجابة [ (2) ] .
[ () ] حين تأخر، ففيه الجوابان السابقان: أحدهما: أنه جرى على اللسان بلا قصد، والثاني: أنه عقوبة له لتأخيره. وقد فهم مسلم رحمة اللَّه من هذا الحديث، أن معاوية لم يكن مستحقا للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله غيره من مناقب معاوية، لأنه في الحقيقة يصير دعاء له. وفي هذا الحديث جواز ترك الصبيان يلعبون بما ليس بحرام، وفيه اعتماد الصبي فيما يرسل فيه من دعاء إنسان ونحوه، من حمل هدية، وطلب حاجة، وأشباهه، وفيه جواز إرسال صبي غيره ممن يدل عليه في مثل هذا، ولا يقال: هذا تصرف في منفعة الصبي، لأن هذا قدر يسير، ورد الشرع بالمسامحة به للحاجة، واطرد به العرف، وعمل المسلمين، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. (شرح النووي) .
[ (1) ](المرجع السابق) : حديث رقم (98) .
[ (2) ](دلائل البيهقي) : 6/ 242- 243.