الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما كفاية المصطفى صلى الله عليه وسلم كيد سراقة بقوله صلى الله عليه وسلم اللَّهمّ اصرعه
فخرج البخاري [ (1) ] من حديث الليثي عن عقيل، قال: قال ابن شهاب:
فأخبرني عروة ابن الزبير، أن عائشة رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنها قالت:
لم أعقل أبويّ قط إلا وهما يدينان بالدين، فذكر الحديث إلى أن قال ابن شهاب: وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن مالك ابن جعشم، أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول: جاءتنا رسل كفار قريش، يجعلون في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبي بكردية كل واحد منهما من قتله أو أسره، فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة إني رأيت آنفا أسودة بالساحل، أراها محمدا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم. فقلت له:
إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقا بأعيننا يبغون ضالة لهم.
ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت، فأمرت جاريتي، أن تخرج بفرسي من وراء أكمة فتحبسها عليّ. وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت، فخططت بزجة الأرض، وخفضت عاليه، حتى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت فأهويت بيدي إلي كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها، أضرهم أم لا.
فخرج الّذي أكره، فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي حتى بلغتا الراكبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها، فنهضت، فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمه إذ لأثر يدها غثان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الّذي أكره، فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم،
ووقع في نفسي- حين لقيت ما ألقيت من الحبس عنهم- أن سيظهر أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقلت له:
[ (1) ](جامع الأصول) : 11/ 587- 588، كتاب ذكر الهجرتين، حديث رقم (9203) .
إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني شيئا، ولم يسألاني إلا أن قال: أخف عنا ما استطعت، فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة، فكتب لي في رقعة من أدم، ثم مضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وخرج أيضا من حديث عبد الصمد [ (1) ] قال: حدثني أبي، حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه شيخ يعرف، والنبي صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف، فيلقي الرجل أبا بكر، فيقول: يا أبا بكر! من هذا الرجل الّذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، قال: فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق، وإنما يعني السبيل هو الخير،
فالتفت أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال:
يا رسول اللَّه هذا فارس قد لحقنا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللَّهمّ اصرعه، فصرعته فرسه، فقال: يا نبي اللَّه، مرني بما شئت، فقال: قف مكانك، لا تتركن أحدا يلحق بنا،
قال: فكان أول النهار جاهدا [ (2) ] على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة له [ (3) ] . وذكر الحديث.
وخرج البخاري ومسلم من حديث شعبه قال: سمعت أبا إسحاق الهمدانيّ يقول: سمعت البراء يقول: لما أقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، قال: تبعه سراقة بن مالك بن جعشم، قال: فدعا عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فساخت [قوائم] فرسه، فقال: ادع اللَّه لي ولا أخبر بك، فدعا اللَّه.
الحديث [ (4) ] .
[ (1) ](المرجع السابق) : حديث رقم (9206) .
[ (2) ] الجاهد: المبالغ الباذل غاية ما يقدر عليه.
[ (3) ] المسلّحة: قوم ذوو سلاح، والمسلحة أيضا ك كالثغر، والمرقب، وهو الموضع الّذي يقيم فيه قوم يحفظون من ورائهم من العدو، لئلا يهجموا غليهم، ويدخلوا إليهم، وهو بالأعجمية:
اليزك. (جامع الأصول) .
[ (4) ](المرجع السابق) : 596- 597، حديث رقم (9204) .
وخرجا من حديث البراء مطولا، وفيه: ثم قال: ألم يأن للرحيل؟ قلت بلى، قال: فارتحلنا بعدا ما زالت الشمس، واتبعنا سراقة بن مالك، قال:
ونحن في جدد من الأرض، فقلت: يا رسول اللَّه أتينا، فقال: لا تحزن إن اللَّه معنا،
فدعا عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فارتطمت فرسه إلى بطنها، فقال: إني قد علمت أنكما قد دعوتما علي، فادع اللَّه لي، فاللَّه لكما أن أرد عنكما الطلب فدعا اللَّه فنجا، فرجع لا يلقي أحدا إلا رده. اللفظ المسلم.
وفي لفظ لهما: فلما دنا دعا عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فساخ فرسه في الأرض إلى بطنه، ووثب عنه،
وقال: يا محمد قد علمت أن هذا عملك، فادع اللَّه لي أن يخلصني مما أنا فيه، ولك على لأعمين على من ورائي، وهذه كنانتي فخذ سهما منها، فإنك ستمر على إبلي وغلماني، بمكان كذا وكذا، فخذ منها حاجتك، قال: لا حاجة لي في إبلك [ (1) ] .
وذكر أبو نعيم [ (2) ] عن محمد بن إسحاق أنه قال: قال أبو بكر الصديق رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنه فيما يزعمون- واللَّه تعالى أعلم- في دخوله الغار مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومسيره معه حين ساروا، في طلب سراقة بن جعشم إياهم:
قال النبي ولم أجزع يوقرني
…
ونحن في سدنة في ظلمة الغار
لا تخش شيئا فإن اللَّه ثالثنا
…
وقد توكل لي منه بإظهار
وإنما كيد من تخشى بوادره
…
كيد الشياطين كادته لكفار
واللَّه مهلكهم طرا بما كسبوا
…
وجاعل المنتهى منهم إلى النار
وأنت مرتجل عنهم وتاركهم
…
إما غدوا وإما مدلج سار
وهاجر أرضهم حتى يكون لنا
…
قوم عليهم ذوو عز وأنصار
حتى إذا الليل وارانا جوانبه
…
وسد من دون من نخشى بأستار
سار الأريقط يهدينا وأنيقه
…
ينعبن بالقوم نعبا تحت أكوار
[ (1) ](المرجع السابق) : 598.
[ (2) ](دلائل أبي نعيم) : 334- 336، حديث رقم (237) ، وما بين الحاصرتين تصويبات منه.
يعسفن عرض الثنايا بعد أطولها
…
وكل سهب دقيق الترب موار
حتى إذا قلت قد أنجدن عارضنا
…
من مدلج فارس في منصب وار
يردي به مشرف الأقطار معترم
…
كالسيد ذي اللبدة المستأسد الضاري
فقال كروا، فقلنا إن كرتنا
…
من دونها لك نصر الخالق الباري
إن تخسف الأرض بالأخرى وفارسها
…
فانظر إلى مربع في الأرض خوار
فهيل لما رأى أرساغ مقربة
…
قد سخن في الأرض لم تحفر بمحفار
فقال هل لكم أن تطلوا فرسي
…
وتأخذوا موثقي في نصح أسرار
وأصرف الحي عنكم إن لقيتهم
…
وأن أعور منهم عين عواد
فادع الّذي هو عنكم كف عدوتنا
…
يطلق جوادي فأنتم خير أبرار
فقال قولا رسول اللَّه مبتهلا:
…
يا رب إن كان ينوي غير إخفار
فنجه سالما من شر دعوتنا
…
ومهرة مطلقا من كل آثار
فأظهر اللَّه- إذ يدعو- حوافره
…
وفاز فارسه من هول أخطار
وقال أبو جهل [بن هشام] فيما يزعمون حين سمع بشأن سراقة [بن مالك] ، وما يذكر من أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وما رأى من أمر الفرس حين أصابه ما أصابه، وتخوف أبو جهل سراقة أن يسلم حين رأى ما أرى:
بني مدلج إني أخاف سفيهكم
…
سراقة مستغو لنصر محمد
عليكم به لا يفرقن جموعكم
…
فتصبح شتي بعد عز وسؤدد
يظن سفيه الحي أن جاء شبهة
…
على واضح من سنة الحق مهتد
فأني يكون الحق ما قال إذ غدا
…
ولم يأت بالحق المبين المسدد
ولكنه ولي غريبا بسخطة
…
إلى يثرب منا، فيا بعد مولد
ولو أنه لم يأت يثرب هاربا
…
لأشجاه وقع المشرفي المهند
فقال سراقة بن مالك يجيب أبا جهل فيما قال:
أبا حكم واللَّه لو كنت شاهدا
…
لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه
عجبت ولم تشكك بأن محمدا
…
نبي وبرهان ذا يكاتمه
عليك بكف القوم عنه فإنني
…
أرى أن يوما ما ستبدو معالمه
بأمر يود النصر فيه بالبها
…
لو أن جميع الناس طرا يسالمه