الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تعريف المستثنى]
قال ابن مالك: (وهو المخرج تحقيقا، أو تقديرا من مذكور أو متروك بـ «إلّا» أو ما بمعناها بشرط الفائدة).
قال ناظر الجيش: المخرج جنس يتناول المستثنى، وغيره كالمخرج ببقية المخصصات (1) وقوله:«بـ (إلّا) وما بمعناها» يفصل المستثنى عن غيره، والأدوات التي بمعنى (إلّا) يأتي ذكرها في الباب إن شاء الله تعالى.
ولمّا كان الاستثناء ينقسم إلى نوعين: متّصل: وهو ما لو لم يستثن لدخل، ومنقطع: وهو ما لو لم يستثن لم يدخل، أتي بقوله: تحقيقا أو تقديرا، ليشمل الحدّ النوعين، فالمتصل: هو المخرج بـ (إلّا) تحقيقا نحو: قام القوم إلّا زيدا، أي أنّ اللفظ يشمله فإخراجه بالأداة محقّق.
والمنقطع: هو المخرج بـ (إلّا) تقديرا، نحو: جاء القوم إلّا حمارا، أي أنّ اللفظ الأول غير صادق عليه، لكن يقدّر دخوله فيما بعد الأداة، على الوجه الآتي بيانه (2) وقدّر إخراجه من الأول، من حيث قدّر دخوله، ثم إنّ المخرج منه قد يكون مذكورا في المتّصل والمنقطع، كالمثالين المتقدّمين (3)، وهو الاستثناء التامّ وقد يكون غير مذكور، نحو: ما قام إلّا زيد، وهو الاستثناء غير التّام وسمّي المفرغ، أي أنّ العامل فرّغ فيه لما بعد (إلّا). وإلى ذلك الإشارة بقوله: من مذكور أو متروك؛ فتقضي عبارته انقسام المخرج من المذكور والمتروك إلى التحقيق والتقدير المشار إليهما، أما المخرج تحقيقا، أو تقديرا من مذكور فواضح (4) وكذلك المخرج تحقيقا من متروك، وأما -
(1) مثل المخرج بالبدل: (قرأت الكتاب نصفه) وبالصفة: (اعتق رقبة مؤمنة) وبالشرط: (اضرب عليّا إن أخطأ) وبالغاية: قوله تعالى: أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: 187] ينظر: شرح التصريح (1/ 346)، وزاد العلامة القرافي: المخرج بالأدلة المنفصلة السمعية والعقلية وقرائن الأحوال والعطف بـ (إلا) ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 98).
وشرح ألفية ابن مالك لابن الناظم (ص 287) تحقيق د/ عبد الحميد السيد محمد عبد الحميد طبعة دار الجيل بيروت. وشرح الجمل للزجاجي، (الشرح الكبير) لابن عصفور (2/ 248) تحقيق د/ صاحب أبو جناح طبعة الجمهورية العراقية سنة (1400 هـ/ 1980 م).
(2)
ينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 548). تحقيق د/ محمد كامل بركات طبعة جامعة الملك عبد العزيز.
(3)
قام القوم إلا زيدا - جاء القوم إلا حمارا.
(4)
في التذييل والتكميل (3/ 489): «مثال المخرج تحقيقا، من مذكور: قام إخوتك إلا زيدا، ومثال -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المخرج تقديرا من متروك فلا يتضح؛ لأنّ المراد بالمخرج من متروك المفرّغ كما تقدّم، وهو من قبيل المتصل،
والمراد بالمخرج تقديرا المنقطع، فلا يجتمعان (1)، وأشار بقوله:
بشرط الفائدة؛ إلى أنّه لا يستثنى نكرة من نكرة (2)، ولا معرفة من نكرة (3). ولا نكرة من معرفة (4)، ما لم تتحصّل الفائدة (5)، فإن حصلت، وذلك بأن تكون النكرة - مخرجة أو مخرجا منها - مختصة، جاز.
ويتعلق بهذا الموضوع كلام ينتظم في مباحث:
الأوّل:
قال المصنف (6): الباء من قولي: بـ (إلّا) متعلقة بالمخرج واحترز بذلك من (إلّا) بمعنى (غير) كقوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (7) والتي بمعنى -
- المخرج تقديرا، من مذكور: قوله تعالى ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ [النساء: 157]، فإن الظن - وإن لم يدخل في العلم تحقيقا - فهو في تقدير الداخل فيه، إذ هو مستحضر يذكره في كثير من المواضع فهو حين استثنى مخرج ما قبله تقديرا. وينظر أيضا: الهمع (2/ 223) فقول المصنف: «تحقيقا، أو تقديرا» إشارة إلى قسمي المتصل، والمنقطع، وقوله:«من مذكور أو متروك» إشارة إلى قسمي التام والمفرغ.
(1)
ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 101).
(2)
في التذييل والتكميل (3/ 499)، فلا يقال: جاء قوم إلا رجلا، ولا قام رجال إلا رجلا، فإن دخلت فائدة جاز، كقوله تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً [العنكبوت: 14].
(3)
فلا يقال: جاء قوم إلا زيدا فإن عمت النكرة جاز، نحو: ما قام أحد إلا زيد أو زيدا فالفائدة حاصلة في النفي للعموم. ينظر: الهمع (1/ 223)، وفي المساعد لابن عقيل (1/ 550).
(4)
في الأصول في النّحو لابن السراج - بتصرف - «لا يجوز استثناء من النكرة في الموجب، لا تقول:
جاءني قوم إلا رجلا، لعدم الفائدة في استثنائه فإن نعته أو خصصته جاز وامتناعه من جهة الفائدة، فحيث وقعت الفائدة جاز» ينظر: الأصول في النحو لابن السراج (1/ 346) وفي الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 378): جواز الاستثناء من النكرة إذا حصلت الفائدة.
(5)
وإنما امتنع الاستثناء من المجهول؛ لأن الفائدة في الاستثناء إخراج الثاني مما دخل فيه الأول، فإن كان المستثنى منه مجهولا فلا يتحقق ذلك؛ لأنه لا يدل بظاهره على دخول المستثنى فيه حتى يخرج منه وامتنع أيضا أن يكون المستثنى مجهولا؛ لأنه لإيهامه لا يعلم قدره، فلا يتبين المستثنى والاستثناء إنما وضع لإبانة المراد وإزالة اللبس. ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 374).
(6)
شرح التسهيل (2/ 268). تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ بدوي المختون.
(7)
الأنبياء: 22. ينظر معاني القرآن للفراء (2/ 200) طبعة دار الكتب المصرية حيث قال: (إلا) -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الواو كقوله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ (1) أي: ولا الذين ظلموا (2).
قال الأخفش: والتي بمعنى (إن لم) كقوله تعالى: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ (3). والزائدة كالأولى من اللتين في قول الشاعر - أنشده ابن جنّي في المحتسب (4).
1675 -
أرى الدّهر إلّا منجنونا بأهله
…
... (5)
أي: أراه منجنونا بأهله، فتارة يرفعهم، وتارة يخفضهم.
ثم قال ابن جني: وعليه تأولوا أيضا قول ذي الرّمة: -
- في هذا الموضوع بمنزلة سوى، كأنك قلت: لو كان فيهما آلهة سوى (أو غير) الله لفسد أهلهما يعني:
أهل السماء والأرض، وشرح التصريح (1/ 349)، وينظر معاني القرآن للأخفش (1/ 115) تحقيق د/ فائز فارس، طبعة الكويت حيث قال:«فقوله تعالى: إِلَّا اللَّهُ صفة، ولولا ذلك لانتصب» .
(1)
سورة البقرة: 105.
(2)
ينظر الكتاب (1/ 263، 266) ويرى أبو علي الفارسي أن سيبويه إنما شبه (إلا) بـ (لكن) من جهة المعنى، دون اللفظ، ينظر: المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات لأبي علي النحوي (ص 493) تحقيق د/ صلاح الدين السنكاوي. مطبعة العاني - بغداد، والمساعد لابن عقيل (1/ 549)، وينظر:
الإنصاف في مسائل الخلاف، لابن الأنباري تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد (ص 266) (مسألة 35) طبعة دار الفكر حيث قال:«يعني: والذين ظلموا لا يكون لهم أيضا حجة، وهو رأي الكوفيين» .
(3)
سورة الأنفال: 73، ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء حيث قال: «ليس هاهنا استثناء بل (إلا) هاهنا مدغمة، والفرق بينها وبين (إلا) في الاستثناء من عشرة أوجه
…
» (ص 133 - 136) والمساعد لابن عقيل (1/ 549).
(4)
المحتسب لابن جني (1/ 328) طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بتحقيق الأستاذ علي النجدي ناصف، وآخرين.
(5)
قائله بعض بني أسد، والبيت من الطويل، وهو بتمامه:
أرى الدهر إلا منجنونا بأهله
…
وما صاحب الحاجات إلا معذبا
اللغة: المنجنون: الدولاب الذي يستقى عليه.
والشاهد فيه: عند ابن مالك - مجيء (إلا) زائدة، وقد أوله أبو حيان على أن (أرى) جواب لقسم مقدر، وحذفت (لا) أي: لا أرى الدهر إلا منجنونا. والبيت في المحتسب (1/ 328)، وشرح المفصل لابن يعيش (8/ 75)، والتذييل والتكميل (3/ 496)، والمقرب لابن عصفور (1 /
103).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
1676 -
حراجيج ما تنفكّ إلّا مناخة
…
... (1)
أي: ما تنفكّ مناخة، و (إلّا) زائدة، كلّ هذا قول ابن جنّي فـ (إلا) - في هذه المواضع - غير مخرجة شيئا. انتهى.
وهذا الاحتراز الذي أشار إليه مستغنى عنه؛ إذ لا إخراج في شيء من ذلك، إلا في التي بمعنى (غير) وقد قال - في شرح الكافية -: ولا حاجة للاحتراز من (إلّا) التي أصلها (إن لا)(2)، كقوله تعالى: إِلَّا تَفْعَلُوهُ (3) ولا من التي بمعنى (غير) كقوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (4)؛ لأن السابق إلى ذهن السامع - على ذكر (إلّا) - معنى الاستثناء، فأغنى ذلك عن الاحتراز، ولا سيّما، وقد تقدّم ذكر (تخرج).
قال الشّيخ: أما احترازه من (إلا) بمعنى (غير) فكان ينبغي أن يقيّد (غير) بالصّفة؛ لأنّ (غير) يكون استثناء ويكون صفة (5). وأمّا قوله: والّتي بمعنى الواو فلا تكون (إلّا) كذلك في مذهب المحققين (6)، والذي [3/ 27] استدلّ به مؤول بالاستثناء المنقطع. وأما قوله: والتي بمعنى (إن لم) فليست توجد (إلا) البسيطة التركيب بمعنى (إن لم)، بحال، والتي في الآية الكريمة إِلَّا تَفْعَلُوهُ هي (إن الشرطية)، و (لا النافية)(7)، ولم يتركّبا، بل كلّ منهما باق على موضوعه، وأما -
(1) هذا صدر بيت من الطويل، عجزه:
…
... على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا
اللغة: حراجيج جمع حرجوج، وهي الناقة الضامرة، أو الطويلة، الخسف: النقصان.
والشاهد فيه - هنا -: زيادة (إلا) لأن (تنفك) نفيها إيجاب. ينظر: ديوان ذي الرمة (ص 173) طبعة دمشق، ومعاني القرآن للفراء (3/ 1281)، والمحتسب لابن جني (1/ 329)، وشرح المفصل لابن يعيش (7/ 106).
(2)
ينظر شرح الكافية، لابن مالك (2/ 700) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى.
(3)
سورة الأنفال: 73.
(4)
سورة الأنبياء: 22.
(5)
مثال الأول: حضر الطلاب غير محمد، ومثال الثاني: حضر رجل غير محمد.
(6)
يقصد البصريين، حيث يمنعون مجيء (إلّا) بمعنى الواو، والذي ذهب إليه ابن مالك من كونها تجيء بهذا المعنى هو مذهب الكوفيين،
ينظر الإنصاف (ص 155 - 158).
(7)
ومثل ذلك قوله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ [التوبة: 40]، وقوله تعالى: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ
…
[التوبة: 39].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: والزائدة، وإنشاده ما أنشد فليست فيما ذكره زائدة، بل هي في (أرى الدهر) موجبة لنفي سابق، أي: والله لا أرى من الدهر إلا كذا وأمّا:
1677 -
حراجيج ما تنفكّ إلّا مناخة
ففيه تأويلات، ذكرت في باب (كان)(1) انتهى.
وفي هذه المناقشات نظر:
1 -
أما قوله: كان ينبغي أن تقيّد (غير) بالصّفة؛ فلا يحتاج إلى هذا التقييد فإن الأصل في غير (الصفة)(2) أن تكون صفة والاستشهاد بها إنّما هو بالحمل على (إلّا) فإذا قيل: هذه الكلمة بمعنى (غير) فإنما يحمل على أنها تفيد معناها باعتبار موضوعها الأصلي ولا يحمل على غيره إلا بقرينة وكيف يحمل (غير) - في كلامه - على معنى (إلّا) وهو قد قال: احترز بذلك من (إلّا) بمعنى (غير)، فلو حمل (غير) على معنى (إلا) لصار كلامه: احترز بذلك بـ (إلّا) من (إلّا) وهذا لا يقال (3).
2 -
وأما قوله: (إلّا) لا تكون بمعنى الواو، في مذهب المحققين فالمصنف ما ادعى ذلك، وغايته إنّه احترز منها على تقدير صحّة مذهب الأخفش (4).
3 -
وأما قوله: إن (إلّا) - البسيطة التركيب - لم توجد بمعنى (إن لم) بحال فصحيح.
وأما كون التي في الآية (5) هي (إن) الشرطية و (لا) النافية، فقد صرّح المصنف بذلك، في شرح الكافية كما تقدّم نقله عنه والظّاهر أنّ الموجود في نسخ شرح التسهيل - من قوله: والتي بمعنى (إن لم) - غلط من النسّاخ؛ لأنّ المصنف -
(1) انظر في التذييل والتكميل (3/ 497): قال أبو حيان - في باب كان -: «وخرجه ابن عصفور والمصنف، على أن (تنفك) تامة، و (مناخة) حال، وسبقه ابن خروف في هذا التخريج، وخرجه ابن عصفور - والمصنف أيضا - على أنّ (تنفك) ناقصة و (على الخسف) الخبر و (مناخة) حال» . اه.
(2)
من الهامش، وحذفها أولى.
(3)
ينظر المرجع السابق (3/ 497).
(4)
ينظر الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 266).
(5)
قوله تعالى: إِلَّا تَفْعَلُوهُ سورة الأنفال: 73.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يخفى عليه مثل هذا، مع أنه قد ثبت عنه في شرح الكافية ما ناقضه (1) وإذا كان الكلامان لرجل واحد، وأحدهما صحيح، والآخر لا يستقيم؛ رجع غير المستقيم إلى ما كان مستقيما، فإن قيل: وعلى تقدير الرجوع إلى قوله - في شرح الكافية -:
لا حاجة إلى الاحتراز؛ لأنّ أداة الاستثناء بسيطة، وهذه مركبة؛ قيل: إنما احترز للمشابهة اللفظية إذ اللفظ بهما واحد (2).
وأما قوله - فيما أنشده شاهدا على الزيادة -: إنه مولّد (3) فالمصنف إنما ذكر أنه احترز من ذلك على مذهب من يراه - إن ثبت - وقد ذكر في تأويل:
1678 -
ما تنفك إلّا مناخة
أربعة أقوال؛ أحدها: القول بالزيادة، فدلّ ذلك على أنه لا يرى زيادتها، إنّما نقله نقلا (4).
المبحث الثاني:
قال الشيخ: بدأ المصنف بـ (إلّا)؛ لأنّها أمّ الباب، لكثرة تصرّفها، إذ يستعمل ما قبلها تامّا (5)، وغير تامّ (6) ولا يستعمل غيرها إلا حيث يكون تامّا (7)، إلا (غيرا) فإنّها تستعمل استعمال (إلّا) إلا أنّ الغالب عليها الوصفية بخلاف (إلّا) فإنّ الغالب عليها الاستثناء وتستعمل (إلّا) بين الصّفة والموصوف، وبين الحال وصاحبها وتقع بعدها، كلّما صحّ أن تكون صفة كالجمل الاسمية والفعلية؛ لذا قال سيبويه:
فحرف الاستثناء (إلّا) يعني أنه حرفه الموضوع له، الأصليّ فيه (8). -
(1) قال في شرح الكافية الشافية (2/ 700) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي: «ولا حاجة للاحتراز من (إلا) التي أصلها (إن لا) كقوله تعالى: إِلَّا تَفْعَلُوهُ [الأنفال: 73].
(2)
يعني أن اللفظ والنطق بـ (إلا) الاستثنائية، والمركبة من (إن) الشرطية و (لا) النافية واحد.
(3)
أي قول أبي حيان، ينظر: التذييل والتكميل (3/ 498).
(4)
أي نقله عن ابن جني في المحتسب، كما سبق.
(5)
نحو: حضر القوم إلا محمدا.
(6)
نحو: ما حضر إلا محمد.
(7)
فيقال: قام القوم: عدا، خلا، حاشا، زيد، ولا يقال: قام عدا، خلا، حاشا زيد.
(8)
ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 115)، والكتاب (2/ 309)، والتذييل والتكميل (3/ 498).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المبحث الثالث:
قال الشيخ: قدّم المصنف ذكر نوعي الاستثناء - المتّصل والمنفصل - وذكر أن الإخراج يكون بـ (إلا)، وما بمعناها ولا يستوي في الأدوات التي بمعنى (إلا) الاستثناءان، فإنّ الأفعال لا يستثنى بها المنفصل، كـ (خلا) وأختيها (1)، فكان ينبغي أن يبين ذلك، إذ ظاهر كلامه التسوية (2) انتهى.
وليس هذا موضع تبيين ما يختصّ بالمتصل، وبالمنقطع من الأدوات حتّى ينبغي له ذلك، وليس أيضا في كلامه ما يقتضي عموم إدخال كلّ الأدوات في الاستثناءين، فيلزم من كلامه التسوية المشار إليها.
المبحث الرابع:
اختلف النحاة، في أنّ المستثنى - في الاستثناء المتصل - يخرج من ماذا؟ فذهب الكسائيّ إلى أنه يخرج من المستثنى منه، أي: المحكوم عليه فقط (3)؛ فـ (زيد) من نحو: جاء القوم إلّا زيدا، مسكوت عنه بالنسبة إلى المجيء وعدمه، إن لم يحكم عليه بشيء، غير أنه أخرج من القوم المحكوم عليهم بالحكم المتقدم واستدلّ الكسائيّ بقوله تعالى: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى (4) وأجيب عن ذلك بأنّه جاء تأكيدا (5) فقيل: إنّ المعاني المستفادة من الحروف لا تؤكد، فلا يقال: ما قام زيد نفيا، فيؤكد معنى (ما)؛ لأنّ الحرف وضع للاختصار، والتأكيد مبني على الإطالة، فلا يجمع بينهما، والجواب الحقّ أنّ أَبى أفاد معنى زائدا، وهو أنّ معنى السجود والمفهوم من الاستثناء ناشئ عن الإباء، لا عن غيره (6) وكذا قوله -
(1) عدا وحاشا.
(2)
ينظر التذييل والتكميل (3/ 498) وفي هذا النقل تصرف.
(3)
في المساعد لابن عقيل (1/ 548): «وذهب الكسائي إلى أنه مخرج من الاسم، وهو مسكوت عنه، لم يحكم عليه بشيء، فإذا قلت: قام القوم إلا زيدا، فيحتمل أن (زيد) قام وأنه لم يقم. اه.
(4)
سورة طه: 116.
(5)
وجاء كذلك من قوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ [الحجر: 30، 31].
(6)
يعني أن عدم سجود إبليس كان إباء، و (إلا) لا تعطي إلا عدم السجود فعلا، أما أنه إباء فلا تفيد (إلا) ذلك، فلذلك ذكرت هذه الجملة أَبى ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 273، 274).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (1)؛ لأنّ نفي الكون يقتضي نفي الأهلية فهو أبلغ في نفي السجود المستفاد من الاستثناء لو سكت عليه.
وقد أبطل مذهب الكسائيّ بالاستثناء المنقطع، فإنّ المخرج فيه من الحكم، لا من الاسم (2)، وإذا ثبت ذلك في المنقطع ثبت في المتّصل؛ لأنّ معنى (إلّا) الاستثناء في الحالين، وبقولنا: لا إله إلّا الله، إذ لو كان ما بعد (إلّا) مسكوتا عنه لم يكن في اللّفظ إثبات للمقصود.
قال الشيخ: والذي يقطع ببطلان مذهبه أنّه لا يوجد في كلامهم: قام القوم إلّا زيدا، فإنّه قام (3). انتهى.
وفي كون هذا قاطعا بالبطلان نظر؛ لأنّ مراد الكسائيّ أنّا لم نحكم عليه بالقيام لأنه أخرج بالاستثناء، فالحكم مسند إلى القوم الذين ليس فيهم زيد، ومع أنّا لم نحكم عليه بالقيام لم نحكم عليه بعدمه، بل هو مسكوت عنه فالاستثناء عنده لم يفد إلّا عدم قصده بالحكم، كأنه يقول: ليس مقصودا بالحكم ولا يلزم تلبّسه، ومقتضى كلام الشّيخ أنّه مقصود بالحكم فأخرجه من القوم المحكوم عليهم بالقيام، ثم حكمت عليه بذلك، ويقال: حيث كان مقصودا بالحكم [3/ 28] لا يصحّ إخراجه بالاستثناء، وإذا لم يصح إخراجه بطل تصور قولنا: قام القوم إلا زيدا فإنّه قام (4). وذهب الفراء إلى أنّ المستثنى يخرج من الحكم لا من الاسم (5) بدليل المنقطع كما تقدّم في الرد على الكسائي وأجيب بأنه داخل مع المحكوم عليه تقديرا، فهو مخرج منه أيضا كما تقدم أول الباب ولم ينصر الكسائيّ أن يجيب عنه بهذا الجواب أيضا وذهب سيبويه والجمهور إلى أنّ الإخراج من كليهما، أي: من الاسم -
(1) سورة الأعراف: 13.
(2)
وفي التذييل والتكميل (3/ 293): «وذهب الفراء إلى أنه لم يخرج زيد من القوم وإنما أخرجت (إلا) وصف زيد من وصف القوم؛ لأن القوم موجب لهم القيام، وزيد منفي عنه القيام» . اه. وفي معاني القرآن للفراء (2/ 287): «إنما الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد (إلا) من معنى الأسماء قبل (إلا)» . اه.
(3)
ينظر التذييل والتكميل (3/ 494)، حيث يستدل أبو حيان على ضعف مذهب الكسائي، ويبرهن على أن الاستثناء إنما يكون من الحكم - الفعل - والاسم - المستثنى منه - معا دون حاجة إلى ذكر الفعل بعد (إلا).
(4)
ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 374)، والتذييل والتكميل (3/ 495).
(5)
ينظر المساعد لابن عقيل (1/ 549).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحكم؛ فالمستثنّى مخرج من المستثنى منه وحكمه من حكمه (1).
المبحث الخامس:
أورد الشّيخ على المصنّف أنّ الظاهر من قوله: وهو المخرج من مذكور أو متروك إنّ المستثنى يخرج من الاسم، كما هو رأي الكسائيّ (2).
والجواب: أنّ مراد المصنّف أنّه مخرج من الاسم المحكوم عليه بما تقدم، فيلزم أن يكون مخرجا من الاسم والحكم، لأنه إخراج من اسم مقيد بحكم، وما كان يظهر اختباره لمذهب الكسائيّ، إلّا لو قال: وهو المخرج من كذا، دون الحكم والمحكوم به عليه، وكما نقل عن الكسائيّ أنّه قال: يخرج من الاسم، دون الحكم، أما حيث أطلق الإخراج من الاسم فلا يؤخذ إلّا مع قيده.
المبحث السّادس:
قال ابن الحاجب: الاستثناء مشكل التعقّل؛ لأنك إذا قلت: جاء القوم إلا زيدا.
لم يخل إمّا أن يكون (زيد) داخلا في القوم أو لا، (فإن كان) غير داخل لم يستقم؛ لأنّ إجماع أهل العربيّة - في الاستثناء المتصل - أنه إخراج ما بعد (إلّا) ممّا قبلها، وإجماعهم مقطوع به، في تفاصيل العربية (3).
وقال القاضي (4): لا إخراج، وقول القائل:(عشرة إلا ثلاثة) موضوع بإزاء -
(1) قال القرافي، في كتابه الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 374): «والصحيح أن الاستثناء إنما هو الاسم من الاسم، والفعل من الفعل، إذ لم يقم دليل على تخصيص أحدهما، دون الآخر، فإذا قلت:
قام القوم إلا زيدا، كنت قد استثنيت (زيدا) من جملة القوم، وقيامه من قيامهم». اه.
(2)
في التذييل والتكميل (3/ 493): «وظاهر قول المصنف أن المستثنى مخرج من الاسم المستثنى منه، مذكورا كان أو متروكا، وهذا مذهب الكسائي، زعم أنك إذا قلت: قام القوم إلا زيدا، فمعناه الإخبار بالقيام عن القوم الذين ليس فيهم زيد، وزيد مسكوت عنه، لم يحكم عليه بقيام، ولا بنفيه، فيحتمل أنه قام، ويحتمل أنه لم يقم» . اه.
(3)
ينظر: شرح ابن الحاجب على كافيته (2/ 351)(نزار الباز) تحقيق د/ جمال عبد العاطي مخيمر، والإيضاح في شرح المفصل لابن
الحاجب (1/ 321) تحقيق د/ موسى بناي العليلي. طبعة العاني بغداد 1982 م.
(4)
هو أبو الحسين عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني قاضي أصولي، كان شيخ المعتزلة لقب بقاضي القضاة ولم يطلق هذا اللقب على غيره، ولي القضاء بالري، ومات فيها. صنف: تنزيه القرآن عن المطاعن، والأمالي، وغيرها، ينظر: طبقات الشافعية (3/ 319)، ولسان الميزان (3/ 386).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سبعة، وقد تبين بطلانه يعني في كتب الأصول حيث نقلوا ذلك عنه وإن كان داخلا كان الإخراج ثابتا، وهو مشكل، فإنه إذا قيل: جاء القوم، وزيد منهم، فقد وجب نسبة المجيء إليه كأنّه منهم، فإذا خرج بعد ذلك فقد نفي عنه المجيء، فيصير مثبتا، منفيّا، في حال واحدة، وهو تناقض، ولهذه الشبهة فسّر القاضي إلى مذهبه المذكور (1)، والصواب الذي يجمع رفع الإشكالين أن نقول: لا نحكم بالنسب إلّا بعد كمال ذكر المفردات، في كلام المتكلم، فإذا قال المتكلم قام القوم إلا زيدا فهم القيام أولا بمفرده، وفهم القوم بمفردهم، وأنّ فيهم زيدا، وفهم إخراج (زيد) منهم، بقوله: إلّا زيدا، ثّم حكم بنسبة القيام إلى هذا المفرد الذي أخرج منه (زيد) فحصل الجمع بين المسالك المقطوع بها على وجه مستقيم وهو أنّ الإخراج حاصل بالنسبة إلى المفردات وفيه توفية بإجماع النحويّين وأنّك ما نسبت إلا بعد أن أخرجت، فلا مناقضة حينئذ. انتهى كلامه. وهو تقدير حسن لكن يلزم منه أنّ المستثنى يخرج من الاسم دون الحكم.
وقد تقدم أنّه مخرج منهما على مذهب سيبويه فلا يتجه ما قال ابن الحاجب لذلك.
قال الشيخ: قول المصنّف: وهو المخرج، وقول النّحاة: الاستثناء إخراج كذا - ليس بجيّد أصلا، ولا يجوز، فإنّ المستثنى ما دخل قطّ تحت الاسم الأول، ولا تحت حكمه، فيوصف بالإخراج، إذ لو دخل ما صحّ إخراجه البتّة، وإصلاح ذلك أن يقال: المستثنى هو المنسوب إليه بعد الأداة مخالفة المنسوب إليه قبلها (2)، وقوله: إنّ المستثنى ما دخل تحت الاسم الأول، غير جيد إذ لو لم يكن داخلا لم يكن لذكره فائدة، والذي ينبغي أن يقال: إنّه داخل في الأول، بالنسبة إلى اللفظ دالّ عليه، وعلى غيره وضعا، لا بالنسبة إلى قصد المتكلّم.
المبحث السّابع:
قد تقدّم أنّ المصنف إنما احتاج - بعد قوله: وهو المخرج تحقيقا - إلى قوله: أو تقديرا -
(1) ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 374، 375).
(2)
انظر التذييل والتكميل (3/ 496)، وقصد النحاة - ومنهم ابن مالك - بالإخراج أنه داخل في حكم الأول قبل دخول (إلا)، ومخرج بعد دخولها وبهذا تظهر فائدة (إلا). أما تعريف أبي حيان فإنه يلغي أثر (إلا) حيث يقول: هو المنسوب إليه بعد الأداة وكأن الأداة لم تفعل شيئا وهذا نزوع منه نحو الظاهرية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ليشمل الحدّ المنقطع أيضا، ووجه إخراجه تقديرا أنّه لمّا لم يتناوله لفظ المستثنى منه - كما في المتّصل - قدّر دخوله فيه، ليصدق عليه لفظ المخرج وعلى هذا فلفظ «المخرج» صادق على المنقطع كصدقه على المتّصل لكنّ المتّصل يخرج تحقيقا، لتحقّق دخوله في المستّثنى منه والمنقطع يخرج تقديرا لأنه لم يتحقق دخوله في المستثنى منه، بل هو مقدّر الدخول، كما تقدم. والمشهور من كلام النّحاة أنّ المنقطع ليس يخرج من شيء، ولهذا قال ابن الحاجب: إنّ حد الاستثناء مشكل؛ لأنّ الاستثناء يجمع المتّصل والمنقطع، ولا يميز المتصل إلّا بالإخراج، ولا إخراج في المنقطع، وكلّ أمرين نصل أحدهما مفقود في الآخر يستحيل جمعهما في حدّ واحد، فالأولى أن يحدّ كلّ منهما على حدته، المتصل على حدته، والمنقطع على حدته (1). انتهى.
فإن عنى هؤلاء أنّ الإخراج من اللفظ لم يكن فيه مخالفة للمصنف، وإن عنوا أن لا إخراج أصلا، لا لفظا ولا تقديرا وضحت المخالفة، نعم، قد ذكر النحاة أن المنقطع ينقسم إلى قسمين: قسم يتصوّر فيه الاتصال بوجه ما من المجاز، وقسم لا يتصور فيه ذلك، كما يأتي تقريره في المبحث التاسع، فيمكن الرّجوع بقول المصنّف: إن المنقطع يخرج أيضا إلى ما ذكروه، لكنّ المصنّف جعل كل منقطع مخرجا تقديرا، وهم إنما صوّروا الاتّصال مجازا في أحد القسمين، واستأنس المصنف لما قرّره بقول ابن السّرّاج:
إذا كان الاستثناء منقطعا فلا بد أن يكون الكلام الذي قبل (إلا) قد دلّ على ما يستثنى، فتأمل هذا فإنه يدقّ، فمن ذلك قوله جلّ وعلا: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ (2) فالعاصم الفاعل، ومَنْ رَحِمَ قد دلّ على العصمة والنجاة، فالتقدير - والله أعلم -: لكن من رحم يعصم أو معصوم (3).
وعلى هذا التقدير قال المصنّف: لو قلت: صهلت الخيل إلّا البعير، ورغت الإبل إلّا الفرس؛ لم يجز، لأنّ المستثنى منه لا يتناوله بوجه من الوجوه، فلا يصحّ استعماله لعدم الفائدة (4). -
(1) ينظر الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 361) وفي النقل تصرف.
(2)
سورة هود: 43، وينظر في تقرير ذلك: الهمع (1/ 223)، وبسط وتوضيح في الاستغناء (ص 471، 481، 513، 518).
(3)
الأصول (1/ 225، 226) وفي عبارته: (فتفقد) بدل (فتأمل).
(4)
شرح التسهيل لابن مالك (2/ 269).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأقول: ليس في كلام ابن السّرّاج، ولا فيما أشار [3/ 29] إليه المصنّف من امتناع:(صهلت الخيل إلا البعير) ما يقتضي تقدير دخول المستثنى المنقطع في المستثنى منه، غاية ما يلزم أن يكون للّفظ الأول دلالة عليه، أو إشعار به، وقد قال هو في شرح الكافية: المراد بذلك ما هو من مألوفات المذكور، كالمتاع وآثار المكان ممّا يستحضر بذكر ما قبل أداة الاستثناء فلذلك يحسن استثناء الحمار، ونحوه ممّا يألفه الناس، ولا يحسن استثناء الذئب ونحوه مما لا يألفه الناس ويحسن استثناء الظّن بعد ذكر العلم، ولا يحسن استثناء الأكل، ونحوه (1).
المبحث الثّامن:
ذكر المصنف - على مقتضى تقريره في المنقطع - صورا؛ منها: تقدير دخول الثّاني في الأول، كقوله تعالى: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ (2)، فالظنّ مستحضر بذكر العلم لقيامه مقامه في كثير من المواضع (3).
ومنها: الفائق ما قبله مع اتحاد الجنس نحو: له عليّ ألف إلا ألفين، ووجهه أنّ المقرّ إذا اقتصر على مقدار بمنزلة المنكر غيره فكأنّه قال: له عليّ ألف، لا غير، إلّا ألفين، فهما مخرجان تقديرا، ذكر ذلك الفراء (4).
وأقول: هذا الكلام - من الفرّاء - إنّما أتى به على قاعدته، في المستثنى الفائق للمستثنى منه، وستأتي.
ومنها: قوله تعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (5)؛ لأن العباد المضافين هم المخلصون (6) فلم يكن الغاوون فيهم، فالتقدير - والله أعلم -: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ولا غيرهم إلّا من اتبعك، وقد يجعل -
(1) شرح الكافية لابن مالك (2/ 702) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي.
(2)
سورة النساء: 157.
(3)
فإنّ الظن وإن لم يدخل في العلم تحقيقا؛ لأنه ليس منه، فإنّه في تقدير الداخل فيه إذ هو مستحضر بذكره، لقيامه مقامه في كثير من المواضع، فهو حين استثني مخرج مما قبله تقديرا. ينظر الهمع (1/ 223)، والمساعد لابن عقيل (1/ 548).
(4)
معاني القرآن للفراء (2/ 28).
(5)
سورة الحجر: 42.
(6)
وهذا معنى ما في الهمع (1/ 223) حيث قال: إذا لحظ في الإضافة معنى الإخلاص.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
متصلا، على أن يراد بالعباد: المخلصون وغيرهم (1)، والانقطاع مذهب ابن خروف والاتّصال مذهب الزّمخشريّ (2).
ومنها قوله تعالى: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ (3). على إرادة:
لا من يعصم من أمر الله إلّا من رحمه الله، وهو أصحّ الوجوه والتقدير: لا عاصم اليوم من أمر الله لأحد، أو تقول: العاصم يستدعي معصوما فكان بمنزلة المذكور، كأنّه قيل: لا معصوم عاصم من أمر الله إلّا من رحمه الله، وفي هذه الآية الكريمة أربعة أوجه:
وجهان على الاتصال؛ أي: لا عاصم إلا الراحم، ولا معصوم إلّا المرحوم.
ووجهان على الانفصال؛ أي: لا عاصم إلا المرحوم، ولا معصوم إلا الرّاحم.
ومنها: المستثنى السابق زمانه زمان المستثنى منه كقوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ (4) فـ ما قَدْ سَلَفَ وإن لم يكن داخلا في المنهيّ عن نكاحه فمن الجائز أن تكون المؤاخذة به باقية، فبين بالاستثناء عدم بقائها فكأنه قيل: الناكح ما نكح أبوه مؤاخذ بفعله إلا ما قد سلف.
ومنها: قولهم: لأفعلنّ كذا وكذا إلا حل ذلك أن أفعل كذا وكذا. مثّل به سيبويه ثمّ قال: فإنّ (أفعل كذا وكذا) بمنزلة فعل كذا وكذا (5)، وهو مبني على (حل) و (حل) مبتدأ كأنه قال: ولكن حلّ ذلك أن أفعل كذا وكذا.
قال السّيرافي: (إلا) بمعنى (لكن)؛ لأنّ ما بعدها مخالف لما قبلها وذلك أنّ قوله: (لأفعلنّ كذا وكذا) عقد بين عقده على نفسه وحلّه إبطاله، ونقضه كأنّه قال: عليّ فعل كذا مقصودا لكن إبطال هذا العقد فعل كذا (6).
قال المصنّف: وتقدير الإخراج في هذا أن يجعل قوله: (لأفعلنّ كذا) بمنزلة: لا -
(1) ينظر: البحر المحيط لأبي حيان (5/ 452).
(2)
ينظر في بيان مذهبي ابن خروف، والزمخشري: الهمع (1/ 223)، والاستغناء في أحكام الاستثناء (474).
(3)
سورة هود: 43.
(4)
سورة النساء: 22، وينظر الهمع (1/ 223)، وشرح ألفية ابن مالك لابن الناظم (228)، تحقيق د/ عبد الحميد السيد، دار الجيل - بيروت.
(5)
الكتاب (2/ 342).
(6)
ينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 551)، وشرح السيرافي (3/ 122 / ب)، المخطوط (رقم 137) نحو بدار الكتب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أرى لهذا العقد مبطلا إلا فعل كذا فهذا استثناء منقطع بجملة. وجعل ابن خروف من هذا القبيل (1) قوله تعالى: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ (2) على أن يكون مَنْ (3) مبتدأ، و (يعذبه الله) خبرا وجعل الفراء من هذا قراءة بعض السّلف (4): فشربوا منه إلا قليل منهم (5). على تقدير: إلّا قليل منهم لم يشربوا (6).
وقال المصنّف (7): ومن هذا النوع (8) قوله صلى الله عليه وسلم: «ما للشيطان من سلاح أبلغ في الصّالحين من النّساء إلا المزوّجون أولئك المطهّرون المبرؤون من الخنا» (9).
ويمكن أن يكون من هذا قراءة ابن كثير وأبي عمرو: إلا امرأتك إنه مصيبها مآ أصابهم (10) فهي مبتدأ وما بعدها الخبر. وبهذا التوجيه يكون الاستثناء في النّصب والرفع من: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ (11) وهو أولى من أن يستثنى المنصوب من (أهلك) والمرفوع من (أحد.)
ومنها: (إن لفلان مالا إلا أنه شقيّ) و (ما زاد إلا ما نقص) و (ما نفع إلا ما ضرّ) و (لا تكوننّ من فلان في شيء، إلا سلاما بسلام) وهي من أمثلة سيبويه (12) ومن أمثلة غيره: جاء الصالحون إلا الطالحين، وجاء زيد إلا عمرا، وما في الأرض أخبث منه إلا أباه، فالمستثنى في هذه الأمثلة مخرج تقديرا فكأنك قلت: عدم -
(1) كون (إلا) بمعنى (لكن).
(2)
سورة الغاشية: 22، 23، 24.
(3)
ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 493، 494).
(4)
ينظر: البحر المحيط: (2/ 265، 267).
(5)
سورة البقرة: 249.
(6)
أي على تقدير (إلا) بمعنى (لكن) وما بعدها مبتدأ وخبر.
(7)
شرح المصنف (2/ 266) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.
(8)
كون (إلا) بمعنى (لكن) وما بعدها مبتدأ وخبر.
(9)
أخرجه أحمد بن حنبل (5/ 164) والخنا: الفحش والمعنى: لكن المزوجون هم المطهرون.
(10)
سورة هود: 81، وهي قراءة الأعمش وابن مسعود وغيرهما.
(11)
سورة هود: 81، فـ (امرأتك) بالرفع بدل من (أحد) بدل بعض من كل ولم يصرح معه بضمير؛ لأن قوة تعلق المستثنى بالمستثنى منه يغني عن الضمير غالبا. ينظر: شرح التصريح على التوضيح (2/ 350)، والاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 475، 416، 673).
(12)
ينظر: الكتاب (2/ 319، 326)، ولتوضيح التوجيه الصحيح لهذه الأمثلة ينظر: الأصول في النحو لابن السراج (1/ 291).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البؤس، ثم استثنيت من البؤس كونه شيئا وما عرض له عارض، ثم استثنيت من العارض النقض، وما أفاد شيئا إلا ضرّا ولا تعامله بشيء إلّا مشاركة، وكأن السامع توهّم مجيء غير الصالحين فأزلت توهّمه بالاستثناء وكأنك عرفت علم السّامع، بمرافقة زيد لعمرو وقدّرت أنّه توهّم أنّك اقتصرت على زيد، اتكالا على علم السّامع بمرافقتهما، فأزلت توهّمه بالاستثناء (1) وكأنك قلت: ما يليق خبثه بأحد إلا أباه.
ثم قال المصنف: وسبيلك هذا السّبيل، فيما يرد من أمثال هذا البحث (2).
المبحث التاسع:
قسّم النحاة الاستثناء المنقطع قسمين: قسم يتصوّر فيه الاتصال على جهة المجاز وقسم لا يتصوّر فيه الاتصال بحال، وبنوا عليهما اللّغة الحجازية واللّغة التّميميّة (3).
كما سيأتي في موضعه، فمثال ما لا يتصوّر فيه الاتصال بحال قوله تعالى: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (4) فـ ابْتِغاءَ وَجْهِ ليس من جنس جزاء النّعمة، وجعلوا منه قوله تعالى: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ (5) قالوا: فالمرحوم ليس من جنس العاصم وكذا قوله تعالى: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ (6) ومثال ما يتصوّر فيه الاتصال على جهة المجاز: ما في الدّار أحد إلا حمارا، قالوا: ووجه المجاز في ذلك أحد أمرين: إما أن يقام الثاني مقام الأول لكون المحلّ للأوّل فلمّا وجد فيه [3/ 30] الثاني، جعل كأنّه الأول لحلوله محلّه فيجعل الحمار كأنّه (أحد)، لقيامه مقام الأحد، وذلك أنّ الدار إنّما يتخذها من يعقل من الآدميّين، فلما لم يوجد فيها إلا ما لا يعقل عومل معاملته، لقيامه مقامه، وأما أن يكون أطلق الأول على مسماه، وعلى ما يلابس مسماه، فكأنّه قال: ما في الدّار أحد، ولا ما لابسه، فأراد بالأحد الأحد، وما يلابسه، -
(1) ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 452، 453، 456، 514، 516، 523).
(2)
ينظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 267).
(3)
ينظر: شرح الأشموني (2/ 146، 147).
(4)
سورة الليل: 19، 20.
(5)
سورة هود: 43.
(6)
سورة النساء: 157.
أي ينصب اتباع وتميم ترجحه وتجيز اتباع، ويقرؤون: إلا اتباع الظن بالرفع على أنه بدل من العلم باعتبار الموضع، ولا يجوز أن يقرأ بالخفض على الإبدال منه باعتبار اللفظ لأنه معرفة موجبة و (من) الزائدة لا تعمل فيها. ينظر: شرح التصريح على التوضيح (2/ 353)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 289).