الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم تقدم المستثنى على صفة المستثنى منه]
قال ابن مالك: (وإتباع المتوسّط بين المستثنى منه وصفته أولى من النّصب، خلافا للمازني في العكس).
ــ
في لفظ الإيجاب ولم يجوّز فيه إلا النصب على الاستثناء (1).
نحو: ما أتاني القوم إلا أباك بخلاف: ما جاء أحد إلا زيد؛ لأن الإيجاب لا يصلح فيه، وردّ ذلك سيبويه (2). قال المصنف (3): وهو بالردّ حقيق، لمخالفته السماع والقياس، فمن السّماع الدالّ على البدل قوله تعالى: ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ (4) وفَعَلُوهُ يقع في الإيجاب، وأما القياس فإنّه يقتضي جواز البدل أيضا؛ وذلك أنّ المسوّغ للبدل - فيما أجمع على جواز البدل فيه - الصلاحية لحذف المستثنى منه، وإقامة المستثنى مقامه، وذلك موجود - في:«ما أتاني أحد إلّا أبوك» فوجب تساويهما في الحكم بجواز البدل كما تساويا في تضمّن المسوّغ.
قال ناظر الجيش: إذا توسط المستثنى، بين المستثنى منه وصفته نحو: ما فيها أحد إلّا زيد خير من عمرو، وما مررت بأحد إلا عمرو خير من زيد؛ فالإتباع عند سيبويه (5) والمبرد (6) أولى من النصب، ومذهب المازنيّ عكس ذلك: وهو أنّ النصب على الاستثناء أولى من الإتباع، ولهذا قال المصنف: خلافا للمازنيّ في العكس (7) والصحيح [3/ 36] ما ذهب إليه سيبويه؛ لأنّ الصفة فضلة، فلا اعتداد -
(1) في المساعد لابن عقيل (1/ 561): «وهذا المذهب حكاه سيبويه ولم يسمّ القائل به، واستدل قائله بأن الأصل قبل دخول الثاني النصب، فإذا دخل لا يتغير ما كان، وإنما يجوز عندهم الإبدال فيما يصلح للإيجاب نحو: ما جاءني أحد إلا زيد، والسماع يردّ مذهبهم، قرأ الجمهور: ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [النساء: 66]. وحكى يونس عن أبي عمرو أنّ الوجه في اللغة: ما قام القوم إلا عبد الله. بالرفع» . اه.
(2)
الكتاب (3/ 312).
(3)
شرح التسهيل لابن مالك (2/ 284).
(4)
سورة النساء: 66. ينظر الكشف عن وجوه القراءات (1/ 392) لمكي بن أبي طالب والملخص لابن أبي الربيع (1/ 352).
(5)
ينظر الكتاب (2/ 336).
(6)
ينظر المقتضب للمبرد (4/ 399).
(7)
ينظر شرح المصنف (2/ 284) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، وفي المساعد لابن عقيل (1/ 561) تحقيق د/ بركات: «والمشهور عن المازني جواز الوجهين واختيار النصب
…
وكذا ابن عصفور في بعض تصانيفه وذكر عنه في بعضها أنه يوجب النصب .. ووجه خلافه أن حكم البدل إذا اجتمع مع الصفة أن -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالمقدّم عليها، ولأن المستثنى في نحو: ما جاء أحد إلا زيدا، إنما رجح إتباعه على نصبه، ولأنّه إذا أتبع شاكل ما
قبله لفظا، فإذا أتبع وبعده صفة متبعة شاكل ما قبله، وما بعده، فكان إتباعه متوسطا أولى من إتباعه غير متوسّط، ووجه ترجيح الإتباع أن الوصف فضلة، فلا اعتداد بالتقدم عليها.
قال المبرد: وكان المازنيّ يختار النصب ويقول: إذا أبدلته من شيء فقد طرحته من لفظي وإن كان في المعنى موجودا فكيف أنعت ما قد سقط (1).
قال المبرد: والقياس عندي قول سيبويه؛ لأنّ الكلام إنّما يراد معناه، والمعنى الصحيح أن البدل والمبدل منه موجودان معا لم يوضعا على أن يسقط أحدهما إلّا في بدل الغلط، فإنّ المبدل منه بمنزلة ما ليس في الكلام (2).
وقد رجح اختيار المازنيّ بأمرين:
أحدهما: أن البدل على نية تكرار العامل، فإذا أبدلت كنت قد فصلت بين الصفة والموصوف بجملة، وإمّا الفصل الثاني بالاستثناء، فيسهله كونه مفردا معمولا لما تقدّم (3).
الثاني: أنه إذا اجتمعت صفة وبدل قدمت الصفة عليه، والذي يظهر أنّ حكم البدل في باب الاستثناء - ليس جاريا على أحكام البدل في غيره، وتسميته بدلا إنّما هو باعتبار عمل العامل فيه وصحة حلوله محلّ المبدل منه، وبهذا يندفع ما أورده من الإشكالات، ومن أمثلة هذه المسألة: من لي إلّا زيد صديقا، مثّل بها سيبويه (4)، فـ (من) مبتدأ و (لي) خبره، وفيه ضمير مرفوع ومنه استثني، و (صديقا) حال منه، والحال صفة في المعنى، فقد تقدّم المستثنى على الصّفة، وتعرض المصنف له في الشرح.
- تكون الصفة مقدمة على البدل. اه.
(1)
المقتضب (4/ 399)، تحقيق الشيخ عبد الخالق عضيمة (طبعة المجلس الأعلى).
(2)
المقتضب (4/ 400).
(3)
ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 212، 214).
(4)
الكتاب (2/ 337).