الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مجيء الحال جملة وحديث عن رابط هذه الجملة]
قال ابن مالك: (فصل: تقع [3/ 81] الحال جملة خبريّة غير مفتتحة بدليل استقبال، مضمّنة ضمير صاحبها، ويغني
عنه في غير مؤكّدة، ولا مصدّرة بمضارع مثبت عار من «قد» أو منفيّ بـ «لا» أو «ما» أو بماضي اللّفظ تال لـ «إلّا» أو متلوّ بـ «أو» واو، تسمّى واو الحال، وواو الابتداء، وقد تجاء مع الضّمير في العارية من التّصدير المذكور، واجتماعهما في الاسميّة والمصدّرة بـ «ليس» أكثر من انفراد الضّمير، وقد تخلو منهما الاسميّة عند ظهور الملابسة) (1).
قال ناظر الجيش: قد تقدم أنّ الحال خبر من حيث المعنى، ووصف أيضا وكلّ منهما يجوز كونه جملة، فكذلك الحال، وأيضا هي نكرة والجملة نكرة، فجاز أن تقوم مقامها. قيل: وليس شيء من الفضلات ليس أصله المبتدأ والخبر تقع الجملة موقعه إلّا الحال؛ وذلك لأنّها خبر في المعنى، فجاز فيها ما جاز فيه، ولما كانت وصفا في المعنى اشترط في الجملة كونها خبرية، كما اشترط في الجملة الواقعة نعتا، فلهذا إذا وقعت الطلبية موقع الحال أوّلت كما تؤول الطلبية إذا وردت نعتا، فمن ذلك قولهم:«وجدت النّاس اخبر تقله» (2) أي: مقولا فيهم اخبر تقله (3).
ولما كان الاستقبال ينافي الحال اشترط في الجملة الحالية شرط زائد على جملة الصفة وهو كونها غير مفتتحة بما يدلّ على استقبال كالسين، وسوف، ولن، فلا -
(1) تسهيل الفوائد (112).
(2)
هذا قول أبي الدرداء رضي الله عنه، وهو قول يجري مجرى المثل، وذكره الميداني في مجمع الأمثال (3/ 425) برقم (4357)، وقال: يضرب في ذمّ الناس وسوء معاشرتهم، والهاء في (تقله) للسكت بعد حذف العائد، أعني أصله: اخبر تقلهم، ثم حذف الهاء، ثم أدخل هاء الوقف. اه.
وذكره ابن منظور في اللسان «قلا» ثم قال: القلى: البغض، يقول: جرّب الناس فإنك إذا جرّبتهم قليتهم وتركتهم لما يظهر لك من بواطن سرائرهم، لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر، أي: من جرّبهم وخبرهم أبغضهم وتركهم، ومعنى نظم الحديث: وجدت الناس مقولا فيهم هذا القول. اه. واستشهد به المصنف في شرحه (3/ 311).
(3)
ينظر: التذييل (3/ 824)، وتوضيح المقاصد للمرادي (2/ 164).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يقال: «جاء زيد سيركب» وقد أورد على ذلك قولهم: «مررت برجل معه صقر صائدا به غدا» وهو من أمثلة سيبويه (1).
وأجيب عنه بأنّه قليل، وهو مؤول، والمعنى: مقدرا الصيد به غدا. فإن قيل:
فليجز ذلك في الفعل، ويقدّر أيضا كما قدرتم في هذا.
فالجواب: أنّ «صائدا غدا» اسم وقع في موضعه فتصرّف فيه بخلاف الفعل؛ لأنّه واقع موقع غيره إذا كان حالا.
ويدخل تحت عموم كلام المصنف الجملة المقرونة بإن الشرطية: نحو: «جاء زيد إن يسأل أعطه» ؛ لأنّها مفتتحة بدليل استقبال، وهي ممتنعة إن ذكر الجزاء، أما إذا أتى بالشرط وحده فلا (2). تقول:«لأضربنه إن ذهب، أو مكث» والمعنى: ذاهبا أو ماكثا، وجعله بعضهم مثل:«مررت برجل معه صقر صائدا به غدا» والظاهر أن معنى الشرط ملغى هنا؛ لأنّ معنى الكلام: لأضربّنه على كل حال (3)، فليس ثمّ شرط تحقق، وإذا لم يكن ثمّ شرط فلا استقبال حينئذ، ومما يؤيد إلغاء معنى الشرط أنّ الجزاء هنا واقع قطعا، وما ذاك إلّا؛ لأنّ الشرط كذلك، فلهذا جاز وقوع جملته حالا.
قال الشيخ: وترك المصنف قيدا آخر وهو ألّا تكون الجملة تعجبية، فلا يجوز «مررت بزيد ما أحسنه» على الحال، هذا على القول بأنّ جملة التعجب خبرية. انتهى (4).
ويظهر أنّ الاحتراز عنها غير لازم؛ لأنّ جملة التعجب معناها منتقل، أو فيه حكم ما ليس بمنتقل، ومن شرط الحال كونها منتقلة، أو في حكمها، إلّا في مواضع تقدّم ذكرها، ليس هذا منها.
وإذا تقرر هذا فاعلم أنّ الجملة الواقعة حالا إمّا اسمية أو فعلية وينتظم تحت القسمين صور:
فيدخل تحت الاسمية: المصدرة بمبتدأ، أو بـ (إنّ) أو بـ (كأنّ) أو بـ (لا) -
(1) ينظر: الكتاب (2/ 49)، والمقتضب (3/ 261).
(2)
وفي الارتشاف (2/ 363): ويدخل تحت الخبرية جملة الشرط فتقع حالا.
(3)
ينظر: المقرب (1/ 154).
(4)
ينظر: التذييل (3/ 825).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التبرئة، أو بـ (ما).
ويدخل تحت الفعلية: المصدرة بمضارع مثبت عار من (قد) أو مقرونا بها، أو بمنفي بـ (لا) أو بـ (ما) أو بـ (لم) أو بـ (لمّا) أو بـ (إن) والمصدرة بماض تال لـ (إلّا) أو متلوّ بـ (أو) أو غير تال ولا متلوّ، وحينئذ إما أن يكون مثبتا أو منفيّا فهذه سبع عشرة صورة، ثم منها ما يكون مؤكدا، ومنها ما ليس كذلك.
ولا بد للجملة الحالية من رابط يربطها بذي الحال: وذلك شأن كل جملة واقعة موقع مفرد، والرابط هنا إمّا الضمير، وهو الأصل، أو الواو، أو كلاهما. ولكون الضمير أصلا اختصّ بتعيّنه للربط في صور، ولم تختص الواو
لفرعيّتها بموضع، بل كل مكان حصل فيه الربط بها جاز مشاركة الضمير لها في ذلك ولهذا بدأ المصنف بذكر الضمير، فقال: مضمنة ضمير صاحبها وهذا يعم الصور المتقدمة كلها.
ثم قال: ويغني عنه - أي: عن الضمير - في غير كذا وكذا واو فأشار بذلك إلى الصور التي يتعين الربط فيها بالضمير، وهي ست:
الجملة المؤكدة اسمية كانت نحو: «هذا الحق لا ريب فيه» أو فعلية نحو:
«هذا الحق قد علمه الناس» . والمصدرة بالمضارع المثبت العاري من (قد) نحو:
وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (1). أو المنفي بـ (لا) نحو: وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ (2) أو بـ (ما) نحو قول الشاعر:
1843 -
عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة
…
فما لك بعد الشّيب صبّا متيّما (3)
والمصدرة بالماضي التالي لـ (إلّا): نحو قوله تعالى: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (4). أو المتلو بـ (أو) نحو قول الشاعر:
1844 -
كن للخليل نصيرا جار أو عدلا
…
ولا تشحّ عليه جاد أو بخلا (5)
-
(1) سورة الأنعام: 110، وهي في المخطوط (فذرهم
…
) وهو خطأ، واستشهد المصنف في هذا المقام بقوله تعالى: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة: 15].
(2)
سورة المائدة: 84.
(3)
البيت من الطويل، ولم يعرف قائله. وينظر في: شرح المصنف (2/ 360)، والتذييل (3/ 827)، والتصريح (1/ 392).
(4)
سورة يس: 30.
(5)
البيت من البسيط، ولم يعرف قائله. وينظر في: شرح المصنف (2/ 361)، والتذييل (3/ 827)، -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذكر ابن عصفور صورة أخرى للجملة: وهي الجملة الابتدائية إذا عطفت على حال، وذلك كراهة اجتماع حرفي عطف نحو:«جاء زيد ماشيا، أو هو راكب» لا يجوز «أو وهو راكب» قال الله تعالى: فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (1).
وبقية الصّور المتقدم ذكرها لا يتعين الربط فيها بالضمير، بل الرابط إمّا الضمير أو الواو أو مجموعهما، إلّا أنّ انفراد الواو أكثر من انفراد الضمير، واجتماعهما أكثر من انفراد أحدهما صرح المصنف بذلك في شرح الكافية (2).
فأما انفراد الضمير: فنحو: وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (3)، ونحو: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ (4)، ونحو: نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (5)، ومنه قول ربيعة بن مقروم:
1845 -
فدارت رحانا بفرسانهم
…
فعادوا كأن لم يكونوا رميما (6)
[3/ 82] وكقول الآخر:
1846 -
فظللت في دمن الدّيار كأنّني
…
نشوان باكره صبوح مدام (7)
ونحو: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ (8)، ومنه قول الشاعر:
1847 -
من جاد لا منّ يقفو جوده حمدا
…
وذو ندى منّ مذموم وإن مجدا (9)
-
- والارتشاف (2/ 364)، ومنهج السالك (213)، والهمع (1/ 246).
(1)
سورة الأعراف: 4.
(2)
ينظر: شرح الكافية الشافية (2/ 757 - 758).
(3)
سورة البقرة: 36.
(4)
سورة الفرقان: 20.
(5)
سورة البقرة: 101.
(6)
البيت من المتقارب، وينظر في: الاقتضاب (366)، وأمالي القالي (1/ 8)، وشرح المصنف (2/ 359)، وأبيات المغني (5/ 73)، والتذييل (3/ 826) واللسان «رحا» .
(7)
البيت من الكامل، وقائله امرؤ القيس، وهو في ديوانه (ص 136). وشرح المصنف (2/ 360)، والتذييل (3/ 826). والدمن: آثار الديار، والصّبوح: الشرب بالغداة، والمدام: الخمر.
(8)
سورة الرعد: 41.
(9)
البيت من البسيط، وهو لبعض الطائيين وينظر: في شرح المصنف (2/ 360)، والتذييل (3/ 826).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ونحو:
1848 -
فرأيتنا ما بيننا من حاجز
…
إلّا المجنّ وحدّ أبيض مفصل (1)
ونحو: «جاء زيد قد يعلم أني محسن إليه» ونحو: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ (2)، وكذا وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً (3)، ومنه قول زهير:
1849 -
كأنّ فتات العهن في كلّ منزل
…
نزلن به حبّ الفنا لم يحطّم (4)
ونحو: «جاء زيد لمّا يضحك» ، ونحو:«جاء زيد إن يضحك» ، ونحو قول الراجز:
1850 -
إذا جرى في كفّه الرشاء
…
جري القليب ليس فيه ماء (5)
ونحو قوله تعالى: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ (6) ونحو: «جاء زيد ما استحسنته» .
وأما انفراد الواو: فنحو: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ (7)، وكذا: لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ (8)، ونحو: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (9)، ونحو:«جاء زيد وكأنّ الوقت ليل» ونحو قول الشاعر: -
(1) البيت من الكامل، وقائله عنترة بن شداد العبسي، وهو في ديوانه وشرح المصنف (2/ 360)، والتذييل (3/ 826)، ومنهج السالك (212).
والمجنّ: الترس، والحدّ: المراد به السيف، ويروى: ونصل أبيض، كما في ديوانه، ومفصل: قاطع.
(2)
سورة آل عمران: 174.
(3)
سورة الأحزاب: 25.
(4)
البيت من الطويل من قصيدة زهير بن أبي سلمى التي يمدح بها الحارث بن عوف وهرم بن سنان، وهي من المعلقات السبع، وينظر في: ديوانه (ص 77)، وشرح المعلقات للزوزني (ص 53)، وشرح المصنف (2/ 361، 368)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 340)، والأشموني (2/ 191).
والفتات: ما تفتت من الشيء ويروى: حتات، والعهن: الصوف، والفنا: عنب الذئب، وهو شجر صغير، ثمره حبّ أحمر فيه نقطة سوداء.
(5)
البيتان من الرجز المشطور، لأعرابي لم يعرف اسمه. وينظر في: دلائل الإعجاز (ص 222)، وشرح المصنف (2/ 367)، والتذييل (3/ 735)، والارتشاف (2/ 367)، والمساعد (2/ 46) والرشاء: الحبل، والقليب: البئر قبل بنائها بالحجارة.
(6)
سورة النساء: 90.
(7)
سورة آل عمران: 54.
(8)
سورة يوسف: 14.
(9)
سورة الأنفال: 5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
1851 -
له الويل إن أمسى ولا أمّ هاشم
…
قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا (1)
ونحو: «جاء زيد وما الشمس طالعة» ونحو: «جاء زيد وقد [طلعت الشمس] (2)» ، ونحو قول الشاعر:
1852 -
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر
…
للحرب دائرة على ابني ضمضم (3)
وأما اجتماع الضمير والواو فنحو: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) وكذا أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ (5) ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (6)، ومنه قول الشاعر:
1853 -
أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي
…
ومسنونة زرق كأنياب أغوال (7)
وقوله:
1854 -
ليالي يدعوني الهوى فأجيبه
…
وأعين من أهوى إليّ روان (8)
وأنشد المصنف أيضا شاهدا على ذلك:
1855 -
نظرت إليها والنّجوم كأنّها
…
مصابيح رهبان تشبّ لقفّال (9)
-
(1) البيت من الطويل، وقائله امرؤ القيس وهو في ديوانه (ص 50)، وشرح المصنف (2/ 363).
(2)
تكملة مكانها بياض في المخطوط، ويلاحظ تكرار هذين المثالين بعد.
(3)
البيت من الكامل من قصيدة عنترة بن شداد المشهورة بالمذهبة وهو في ديوانه (ص 154)، وشرح المصنف (2/ 369)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 340)، والأشموني (2/ 191) ويروى:
«ولم تكن للحرب» مكان «ولم تدر للموت» وابنا ضمضم: حصين ومرّة.
(4)
سورة البقرة: 22.
(5)
سورة البقرة: 243.
(6)
ينظر في: صحيح البخاري (3/ 178) عن أبي هريرة، وابن حنبل (2/ 243، 317).
(7)
البيت من الطويل، وقائله امرؤ القيس، وهو في ديوانه (ص 109) وشرح المصنف (2/ 362)، والهمع (1/ 246). المشرفي: السيف المنسوب إلى مشارف من قرى الشام، ومسنونة زرق: المقصود بها السّهام.
(8)
البيت من الطويل وهو لامرئ القيس أيضا وهو في: ديوانه (ص 144)، وشرح المصنف (2/ 362) والتذييل (3/ 831). وروان: نواظر، جمع رانية من «رنا، يرنو» .
(9)
البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس أيضا وهو في: ديوانه (ص 108) وشرح المصنف (2/ 362)، والتذييل (3/ 831)، والهمع (1/ 246) وتشبّ: توقد، وقفّال: جمع قافل، وهو المسافر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واستدرك الشيخ عليه فيه، فقال: ليس هذا ممّا اجتمع فيه الواو والضمير، بل وجد فيه الواو خاصة (1)، وهو استدراك صحيح، وبقية الأمثلة لا تخفى، فلا حاجة إلى الإطالة بذكرها.
وقد علم ممّا تقدّم: أنّ كل موضع جاز إغناء الواو فيه عن الضمير يجوز اجتماعهما فيه، وما لا فلا.
ومقتضى هذا: أنّ الجملة المؤكّدة لا تجامع الواو فيها الضمير؛ لأنه قد علم أنّ الواو لا تغني عنه فيها، لكن ليس في عبارة المصنف ما يشعر بذلك فإنه قال:(وقد تجامع - أي الواو - الضمير في العارية من التصدير المذكور) أي: من التصدير بمضارع مثبت عار من (قد) أو منفي بـ (لا) أو بـ (ما) أو بالماضي التالي لـ (إلا) أو المتلوّ بـ (أو) وصدق على الجملة المؤكدة بأنّها عارية من التصدير المشار إليه فينبغي جواز مجامعة الواو للضمير فيها، وليس كذلك (2).
واعلم أنّه قد خولف في ثلاث مسائل ممّا تقدم:
الأولى:
منع الزمخشري انفراد الضمير في الجملة الاسمية، وجعل قولهم:«فوه إلى فيّ» -
(1) ينظر: التذييل (3/ 831)، وعبارته: وذلك - أي: الاستشهاد بهذا البيت على اجتماع الواو والضمير في الجملة الاسمية الحالية - وهم لأنه ليس في الجملة الحالية ضمير عائد على الفاعل في (نظرت) ولا على المجرور في (إليها).
(2)
قوله ليس في عبارة المصنف ما يشعر بذلك غير حقيقي؛ لأنّ المصنف أشار إلى الصور التي يتعين الربط فيها بالضمير، وذكر منها الجملة المؤكدة.
وقال في الشرح (2/ 361): وقد تجامعه - أي: الضمير - واو الحال، أو تغني عنه في غير مؤكدة
…
ثم قال في (2/ 374): وإن كانت الجملة الحالية مؤكدة منعت الواو اسمية كانت أو فعلية نحو: «هو الحق لا ريب فيه» وكقول امرئ القيس:
خالي ابن كبشة قد علمت مكانه
…
وأبو يزيد ورهطه أعمامي
وخلت هذه من الواو لاتحادها بصاحبها من وجهين:
أحدهما: كونها حالا، والحال وصاحبها شيء واحد في المعنى.
والثاني: كونها مؤكّدة، والمؤكّد هو المؤكّد في المعنى. وقد لزم من الاتحاد من وجه في غير المؤكدة تغليب عدم الواو على وجودها فليترتب على الاتحاد من وجهين لزوم عدم الواو. اه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نادر (1).
قال المصنف: وهي من المسائل التي حرفته عن الصواب وعجزت ناصره عن الجواب، وقد تنبّه في الكشاف فجعل قوله تعالى: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ * (2) في موضع نصب على الحال (3)، وكذا فعل في قوله تعالى: لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ (4)؛ فقال: هو جملة محلها النصب على الحال، كأنّه قيل: والله يحكم نافذا حكمه، كما تقول:«جاءني زيد لا عمامة على رأسه ولا قلنسوة» تريد: حاسرا، هذا نصه في الكشاف (5).
وعندي أنّ إفراد الضمير أقيس من إفراد الواو؛ لأنّ إفراد الضمير قد وجد في الحال وشبهيها وهما الخبر والنعت.
وإفراد الواو مستغنى بها عن الضمير لم يوجد إلّا في الحال فكان لإفراد الضمير مزية على إفراد الواو. انتهى (6).
وقد كثّر المصنف الشّواهد على صحّة انفراد الضمير (7)، وفيما تقدّم منها كفاية.
المسألة الثانية:
منع ابن جني إغناء الواو عن الضمير، وزعم أنّه لا بدّ من تقديره معها، فتقدّر «جاء زيد والشمس طالعة»: جاء زيد والشمس طالعة وقت مجيئه، ثم حذف الضمير، ودلت الواو على ذلك (8). وكأنّه يرى أنّ الربط لا يكون بالواو، وخالفه في ذلك الجمهور (9). -
(1) ينظر: المفصل (ص 64) وفيه قال الزمخشري: والجملة تقع حالا، ولا تخلو من أن تكون اسمية أو فعلية، فإن كانت اسمية فالواو، إلّا ما شذّ من قولهم:«كلمته فوه إلى فيّ» وما عسى أن يعثر عليه في الندرة.
(2)
سورة البقرة: 36، وسورة الأعراف: 24، وسورة طه:123.
(3)
ينظر: الكشاف (2/ 76). ويراجع المساعد لابن عقيل (2/ 46)، والهمع (1/ 246).
(4)
سورة الرعد: 41.
(5)
ينظر: الكشاف (2/ 364).
(6)
ينظر: شرح المصنف (2/ 365، 366).
(7)
ينظر: السابق (2/ 364، 365).
(8)
ينظر: الارتشاف (2/ 366)، والهمع (1/ 246).
(9)
ينظر: الارتشاف (2/ 366).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المسألة الثالثة:
منع الأخفش دخول الواو على الجملة الاسمية إذا كان خبرا المبتدأ فيها اسما مشتقا متقدّما، فلا يجوز «جاء زيد وحسن وجهه» تريد: ووجهه حسن (1)، قال: لأنك لو أزلت الواو لانتصب «حسن» فتقول: «مررت بزيد حسنا وجهه» .
والجواب: أنّ ما قاله ليس بلازم؛ لأنه يجوز تقدير الحال اسما مفردا ينصب كما ذكر، وتمتنع الواو، ويجوز تقديرها جملة تقدّم خبرها على المبتدأ فيها فترفع، ويجوز دخول الواو [3/ 83] قال الشاعر:
1856 -
وقد أغتدي ومعي القانصان
…
وكلّ بمربأة مقتفر (2)
وقال:
1857 -
عهدي بها الحيّ الجميع وفيهم
…
عند التفرّق ميسر وندام (3)
هكذا أنشد الشيخ هذين البيتين ردّا على الأخفش (4) ولا يظهر كونهما ردّا عليه؛ لأنّ الخبر المتقدم في الجملة ليس اسما مشتقّا، اللهمّ إلّا أن يريد الأخفش بالمشتق ما كان عاملا فيحسن الاستشهاد عليه بذلك.
وقول المصنف: واجتماعهما في الاسمية والمصدّرة بـ (ليس) أكثر من انفراد الضمير، أمّا الاسمية فقد ذكرت أمثلة اجتماع الضمير والواو فيها، وأمّا المصدرة بـ (ليس) فمن اجتماعهما فيها قوله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ (5)، ومنه قول الشاعر: -
(1) ينظر: المرجع السابق نفسه، والتذييل (3/ 836).
(2)
البيت من بحر المتقارب من رائية ساكنة مشهورة لامرئ القيس يصف فيها فرسه وخروجه إلى الصيد. انظر: الديوان (ص 111) طبعة دار صادر.
المفردات: أغتدي: أذهب وقت الصباح. القانصان: الصائدان وهما فرساه، المربأة: المكان المرتفع تربأ منه. المقتفر: المتتبع للأثر.
وشاهده: اقتران جملة الحال بالواو مع تقدم الخبر فيها.
(3)
البيت من الكامل، وقائله لبيد بن ربيعة، وهو في: ديوانه (288)، وكتاب سيبويه (1/ 190)، وشرح المفصل لابن يعيش (6/ 62). والجميع: المجتمعون، والميسر: القمار على الجزور ليعود نفعه على المعوزين، والندام: المنادمة، أو جمع نديم.
(4)
ينظر: التذييل (3/ 836).
(5)
سورة البقرة: 267.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
1858 -
أعن سيّئ تنهى ولست بمنته
…
وتدعى بخير أنت عنه بمعزل (1)
ومثله:
1859 -
وقد علمت سلمى وإن كان بعلها
…
بأنّ الفتى يهذي وليس بفعّال (2)
ومن انفراد الواو قول الشاعر:
1860 -
دهم الشّتاء ولست أملك عدّة
…
والصّبر في السّبرات غير مطيع (3)
ومثله:
1861 -
تسلّت عمايات الرّجال عن الصّبا
…
وليس صباي عن هواها بمنسل (4)
وأما انفراد الضمير فقد تقدّم شاهده، وقد يقال: إنّ كلام المصنف يقتضي أنّ اجتماع الضمير والواو في غير الاسمية والمصدرة بـ (ليس) ليس أكثر، وقد تقدّم أنّ اجتماعهما أكثر من انفراد أحدهما، ولم يقيد ذلك باسمية ولا غيرها.
والجواب: أنّ هاتين الجملتين قلّ انفراد الضمير فيهما حتى إنّ بعضهم منع ذلك في الجملة الاسمية كالزمخشري، وقد تقدّم.
فقصد المصنف أن ينبّه على أنّ انفراد الضمير يقلّ فيهما، فقال: واجتماعهما
…
أكثر من انفراد الضمير، ولا يلزم أنّ اجتماعهما ليس أكثر فيما عدا المذكور.
وقوله: وقد تخلو منهما الاسمية عند ظهور الملابسة إشارة إلى أنّ الجملة قد تخلو من الضمير والواو معا.
قال المصنف: حكى سيبويه الاستغناء عن الواو بنية الضمير إذا كان معلوما، كقولك:«مررت بالبرّ قفيز بدرهم» أي: قفيز منه بدرهم، وجاز هذا كما جاز في الابتداء «السّمن منوان بدرهم» على تقدير: منه، فلو قيل: بع السمن منوان -
(1) البيت من الطويل ولم يعرف قائله وينظر في: شرح المصنف (2/ 366)، والتذييل (3/ 832)، ومنهج السالك (ص 214).
(2)
البيت من الطويل، وقائله امرؤ القيس وهو في: ديوانه (ص 109)، وشرح المصنف (2/ 366)، والتذييل (3/ 832).
(3)
البيت من الكامل، ولم يعرف قائله وينظر في: شرح المصنف (2/ 366)، والتذييل (3/ 834)، والهمع (1/ 246). والسّبرة: الغداة الباردة.
(4)
البيت من الطويل وهو لامرئ القيس وهو في ديوانه (ص 100)، وشرح المصنف (2/ 367)، والتذييل (3/ 835).
قال ابن مالك: (وقد تصحب الواو المضارع المثبت عاريا من «قد» أو المنفي بـ «لا» فيجعل على الأصحّ خبر مبتدأ مقدّر. وثبوت «قد» قبل الماضي غير التّالي لـ «إلّا» والمتلوّ بـ «أو» أكثر من تركها إن وجد الضّمير، وانفراد الواو حينئذ أقلّ من انفراد «قد»، وإن عدم الضّمير لزمتا)(1).
- بدرهم، على تقدير: منه، وجعل الجملة حالا لجاز وحسن (2).
ومراد المصنف أنها تخلو لفظا، وإلّا فالضمير مقدر، ولهذا صحّ الابتداء بالنكرة، وعبارة سيبويه تشعر بذلك (3). وقوله: واو تسمّى واو الحال، وواو الابتداء أي:
للواو المذكورة اسمان، فباعتبار كون ما دخلت عليه حالا سميت واو الحال، وإنما سميت واو الابتداء؛ لأنه قد يجيء بعدها الجملة الابتدائية، وواو الحال أعم.
ونقل ابن عمرون أنّ صدر الأفاضل (4) قال: الحال بيان هيئة الفاعل والمفعول، وأنت إذا قلت:«تقلّدت سيفي والشمس طالعة» لم يكن طلوع الشمس مبيّنا لهيئة المتقلّد، ولا المتقلّد والواو واو المفعول فيه لا الحال. والنحويون سهوا في واوين أحدهما هذه. قال ابن عمرون: لمّا لم يقف على المسألة نسب القوم إلى السّهو، وبيان الحال سهل؛ لأنّ معناه:(مبكرا) وشبهه مما يساعد عليه المعنى (5).
قال الشيخ: وزعم بعض المتأخرين أنها عاطفة كواو (ربّ) واستدلّ عليه بأنّ (أو) لا يصحّ دخولها عليها، قال تعالى: أَوْ هُمْ قائِلُونَ (6) ولو كانت خلاف العاطفة لم يمتنع ذلك. انتهى (7).
ويمكن أن يقال: إنّما امتنع دخول (أو) عليها؛ لمشاكلتها العاطف لفظا، لا لأنّها عاطفة حقيقة.
قال ناظر الجيش: لما قدّم أن الجملة المصدرة بمضارع مثبت عار من (قد) أو بمضارع منفي بـ (لا) لا تصحبها الواو ويتعين الربط فيها بالضمير - أراد الآن أن -
(1) تسهيل الفوائد (ص 113).
(2)
شرح المصنف (2/ 367).
(3)
يراجع الكتاب (1/ 394، 396، 397).
(4)
هو أبو الفضل القاسم بن الحسين الخوارزمي المتوفى (سنة 617 هـ) في شرحه على المفصل الموسوم بالتخمير (1/ 443) بتحقيق د/ عبد الرحمن العثيمين - مكتبة العبيكان - الأولى/ 2000 م.
(5)
وفي الارتشاف (2/ 366): قيل: وإنما وقعت مثل هذه الجملة حالا - يعني «جاء زيد والشمس طالعة» - وليست هيئة لزيد على تقدير: جاء زيد موافقا طلوع الشمس.
(6)
سورة الأعراف: 4.
(7)
ينظر: التذييل (3/ 840).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ينبّه على أنه إن وردت مصحوبة بالواو قدّر بعدها مبتدأ مخبر عنه بالمضارع المذكور لتصير الجملة اسمية فيتّجه مباشرة الواو إيّاها، وكأنه أشار بقوله: على الأصح إلى أنّ بعضهم لا يقدر مبتدأ، ويجعل الواو مباشرة المضارع على قلّة، وقد نقل ابن عمرون ذلك عن الجزولي (1)، والوارد من ذلك قول بعض العرب (قمت وأصكّ عينه» رواه الأصمعي (2)، وقال عنترة:
1862 -
علّقتها عرضا وأقتل قومها
…
زعما لعمر أبيك ليس بمرغم (3)
وقال زهير:
1863 -
بلين وتحسب آياتهن
…
ن عن فرط حولين رقّا محيلا (4)
وقال آخر:
1864 -
فلمّا خشيت أظافيرهم
…
نجوت وأرهنهم مالكا (5)
قال المصنف: ويمكن أن يكون من ذلك قوله تعالى: قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ (6)، وقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (7)، وقراءة غير نافع: ولا تسئل عن أصحاب الجحيم (8)، وقراءة -
(1) قال في مقدمته: ولا تجيء الواو مع المضارع غير الماضي معنى إلّا قليلا.
قال أبو علي الشلوبين: مثاله «قمت وأصك عينه» والصواب في هذا الموضع أن الواو لم تدخل لتأكيد ربط المضارع بما قبله
…
وإنما دخلت الواو هنا مؤكدة لربط الجملة الاسمية بما قبلها وأن المبتدأ بعدها مضمر، والتقدير: وأنا أصك عينه»؛ لأنه قد كثر مجيء المبتدأ بعد هذه الواو فجاز إضماره إذا فهم معناه. ينظر: شرح المقدمة الجزولية الكبير لأبي علي الشلوبين (2/ 735، 736) تحقيق د/ تركي ابن سهو - مؤسسة
الرسالة، الثانية، 1994 م.
(2)
ينظر: شرح المصنف (2/ 367).
(3)
البيت من الكامل وهو في: ديوان عنترة (ص 143)، وشرح المصنف (2/ 367)، والتذييل (3/ 841)، والتصريح (1/ 392).
(4)
البيت من المتقارب، وهو في: شرح ديوان زهير للأعلم (ص 96)، وشرح المصنف (2/ 367)، والمحيل: الذي أتى عليه حول.
(5)
البيت من المتقارب، وقائله عبد الله بن همام السلولي، وينظر: شرح المصنف (2/ 367)، والأشموني (2/ 144)، وشواهد ابن عقيل (137).
(6)
سورة البقرة: 91.
(7)
سورة الحج: 25.
(8)
سورة البقرة: 119، وقراءة نافع بفتح التاء من (تسأل) وجزم اللام بلا الناهية. ينظر: الإتحاف (1/ 414).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابن ذكوان: فاستقيما ولا تتبعان (1) بتخفيف النون (2)، وتقدير المبتدأ في الآيات المتقدمة والأمثلة لا يخفى (3).
وقد اقتضى الأمر أن يذكر أحوال [3/ 84] المضارع إذا كان منفيّا، فإنّ المصنف تعرّض هنا لذلك وكذا الشيخ أيضا.
فاعلم أنّ أدوات النفي التي تصحب الفعل المذكور: (لا، وما، ولم، ولمّا، وإن) ولا تصحبه (لن) لما علمت.
أمّا (لا): فقد تقدّم أنّ الفعل المنفي بها لا تصحبه الواو ويتعين الضمير فيه للربط وأنّه إن ورد مقرونا بها قدّر خبر مبتدأ كما في المثبت، والذي يقتضيه كلام ابن عصفور أنّ الواو لا يمتنع دخولها على المضارع المنفي، ولم يفصل بين (لا) وغيرها، وقد صرح ابن عمرون بجواز الواو، وحمل على ذلك وَلا تَتَّبِعانِّ في قراءة من خفف النون، وقد قدّر المصنف فيها مبتدأ، أي: وأنتما لا تتبعان، كما تقدّم (4).
وأمّا (ما): فقد حكم لها المصنف بحكم (لا) فمنع الواو، وقد علم من كلام ابن عصفور جواز ذلك (5)، وقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في «تعليقته على المقرب» تقول:«جاء زيد وما يضحك غلامه» (6).
وأمّا (لم): فقد يأتي المضارع المنفي بها بالضمير فقط، أو بالواو فقط أو بهما، فمثال الأول: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ (7). ومثال الثاني:
1865 -
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر
…
للموت دائرة على ابني ضمضم (8)
-
(1) سورة يونس: 89.
(2)
ينظر: الإتحاف (2/ 119).
(3)
،
(4)
ينظر: شرح المصنف (2/ 368).
(5)
نص كلامه في المقرب: فإن كان الفعل المضارع منفيّا وكانت الجملة مشتملة على ضمير عائد على ذي الحال جاز أن تأتي بالواو وألا تأتي بها (ص 222 من المقرب ومعه المثل طبعة دار الكتب العلمية).
(6)
انظر التعليقة ورقة 58 - مكتبة الأزهر - 4947 (رواق المغاربة).
(7)
سورة آل عمران: 174.
(8)
سبق تخريجه قريبا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومثال الثالث - وهو اجتماع الضمير والواو - قوله تعالى: أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ (1)، وقوله: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ (2)، ومنه قول كعب بن زهير:
1866 -
لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم
…
أذنب وإن كثرت فيّ الأقاويل (3)
وقول الآخر:
1867 -
سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه
…
فتناولته واتّقتنا باليد (4)
وأنشد المصنف شاهدا على انفراد الضمير غير ما تقدم قول الشاعر:
1868 -
فأدرك لم يجهد ولم يثن شأوه
…
يمرّ كخذروف الوليد المثقّب (5)
وقول الآخر:
1869 -
وأضرب القونس يوم الوغى
…
بالسّيف لم يقصر به باعي (6)
وقول الآخر:
1870 -
إذ يتّقون بي الأسنّة لم أخم
…
عنها ولو أنّي تضايق مقدمي (7)
ثم قال: وكثّرت شواهد (لم)؛ لأنّ ابن خروف قال: فإن كانت ماضية معنى لا لفظا احتاجت إلى الواو كان فيها ضمير أو لم يكن، والمستعمل بخلاف ما قاله (8). -
(1) سورة الأنعام: 93.
(2)
سورة مريم: 20.
(3)
البيت من البسيط وهو في ديوان كعب (ص 20)، وشرح المصنف (2/ 369).
(4)
البيت من الكامل، وقائله النابغة الذبياني، وهو في: ديوانه (ص 40)، وشرح المصنف (2/ 370)، والتذييل (3/ 845)، والأشموني (2/ 191) والنصيف: الخمار.
(5)
البيت من الطويل، وقائله امرؤ القيس، وهو في: ديوانه (ص 19)، وشرح المصنف (2/ 369)، ومنهج السالك (215)، وشرح الشذور لابن هشام (ص 156)، والسرور في شرح الشذور (ص 123) رسالة والبيت في وصف فرسه، والشأو: السبق والغلبة، والخذروف: لعبة للصبيان، وهي خشبة طويلة يدورها الصبي بخيط فيسمع لها دويّ وتدور بسرعة شديدة فلا تكاد ترى لسرعتها.
(6)
البيت من السريع، وقائله: أبو قيس بن الأسلت الأنصاري وينظر في: المفضليات (ص 286)، وشرح المصنف (2/ 369)، ومنهج السالك (ص 216). والقونس: أعلى الرأس.
(7)
البيت من الكامل، وقائله عنترة بن شداد، وهو في: ديوانه (ص 154)، وشرح المصنف (2/ 369)، ومنهج السالك (215). ولم أخم: لم أجبن. ومقدمي: موضع قدمي.
(8)
ينظر: شرح المصنف (2/ 370).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما (لما): فقال المصنف: المنفي بها كالمنفي بـ (لم) في القياس إلّا أنّي لم أجده مستعملا إلّا بالواو، كقوله تعالى: وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ (1)، وقال الشاعر:
1871 -
بانت قطام ولمّا يحظ ذو مقة
…
منها بوصل ولا إنجاز ميعاد (2)
وأمّا (إن): فلم يتعرض لذكرها المصنف، وقال الشيخ: لا أحفظه من لسان العرب، والقياس يقتضي جوازه، تقول: جاء زيد إن يدري كيف الطريق. انتهى (3).
وإذا كانت (لما) في القياس كـ (لم) وكذا (إن) جاز أن يكون الرابط الضمير وحده، أو الواو وحدها، أو كليهما.
ونبّه المصنف بقوله: وثبوت (قد) قبل الماضي
…
إلى آخر الفصل على أنّ (قد) تصحب الماضي لفظا، إذا لم يكن قبله (إلّا) ولا بعده (أو).
والحاصل: أنّ للفعل المذكور باعتبار اجتماع الضمير، والواو و (قد)، وانفراد الضمير، واجتماعه مع الواو أو مع (قد)، واجتماع الواو و (قد) دون الضمير حالات خمسا:
الأولى: اجتماع الثلاثة كقوله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ (4)، وكقوله
تعالى: وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ (5)، وقوله تعالى: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ (6)، وقال امرؤ القيس:
1872 -
أتقتلني وقد شغفت فؤادها
…
كما شغف المهنوءة الرجل الطّالي (7)
-
(1) سورة البقرة: 214.
(2)
البيت من البسيط، ولم يعرف قائله. وينظر في: شرح المصنف (2/ 370)، والتذييل (3/ 846)، ومنهج السالك (216). والمقة: المحبّة.
(3)
ينظر: التذييل (3/ 848).
(4)
سورة البقرة: 75.
(5)
سورة الأنعام: 119.
(6)
سورة يونس: 91.
(7)
البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس بن حجر وهو في: ديوانه (ص 109)، وشرح المصنف (2/ 370)، والمحتسب (1/ 339)، ومنهج السالك (ص 215).
وشغفت: بلغ حبي شغاف قلبها، والمهنوءة: الناقة التي طليت بالقطران، والطالي: اسم فاعل من طلى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال علقمة:
1873 -
تكلّفني ليلى وقد شطّ وليّها
…
وعادت عواد بيننا وخطوب (1)
الحالة الثانية: انفراد الضمير، وهي أقلّ من التي قبلها، وذلك كقوله تعالى:
أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ (2)، وكقوله تعالى: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا (3)، وكقوله تعالى: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا (4)، وكقوله تعالى: وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (5)، ومنه قول امرئ القيس:
1874 -
له كفل كالدّعص لبّده النّدى
…
إلى حارك مثل الغبيط المذأّب (6)
وقوله أيضا:
1875 -
درير كخذروف الوليد أمرّه
…
تتابع كفّيه بخيط موصّل (7)
الحالة الثالثة: اجتماع الضمير مع الواو وحدها، وهي أقلّ من التي قبلها كقوله تعالى:
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ (8)، وكقوله تعالى: الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا (9)،
وكقوله تعالى: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ (10)، وقوله [3/ 85] تعالى: وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (11)، وكقوله تعالى: قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً (12). -
(1) البيت من الطويل، وقائله: علقمة بن عبدة بن النعمان المعروف بعلقمة الفحل. وهو في: ديوانه (ص 33)، وشرح المصنف (2/ 371) والتذييل (3/ 849).
(2)
سورة النساء: 90.
(3)
سورة يوسف: 65.
(4)
سورة التوبة: 92.
(5)
سورة يوسف: 16.
(6)
البيت من الطويل لامرئ القيس وهو في: ديوانه (ص 17)، وشرح المصنف (2/ 371)، ومنهج السالك (214)، واللسان «ذأب» .
والكفل: العجز، والدّعص: الرمل، وحارك الفرس: كاهله، والغبيط: قتب الهودج، والمذأب: الواسع.
(7)
البيت من الطويل وهو لامرئ القيس أيضا وهو في ديوانه (ص 102)، وشرح المصنف (2/ 371)، ومنهج السالك (ص 214)، واللسان (درر).
والدرير: وصف للفرس، وهو المكتنز اللحم، والخذروف: لعبة يلعب بها الصبيان وسبق بيان معناها.
(8)
سورة البقرة: 28.
(9)
سورة آل عمران: 168.
(10)
سورة هود: 42.
(11)
سورة يوسف: 45.
(12)
سورة مريم: 8.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحالة الرابعة: اجتماع الضمير مع (قد) وحدها، وهي أقلّ من التي قبلها، ومثاله قول الشاعر:
1876 -
أتيناكم قد عمّكم حذر العدا
…
فنلتم بنا أمنا ولم تعدموا نصرا (1)
ومثله:
1877 -
وقفت بربع الدّار قد غيّر البلى
…
بيارقها والسّاريات الهواطل (2)
الحالة الخامسة: اجتماع الواو و (قد) وهي أقلّ من التي قبلها ومثاله قول امرئ القيس:
1878 -
فجئت وقد نضت لنوم ثيابها
…
لدى السّتر إلا لبسة المتفضّل (3)
وقول النابغة:
1879 -
فلو كانت غداة البين منّت
…
وقد رفعوا الخدور على الخيام (4)
وقول علقمة:
1880 -
فجالدتهم حتّى اتّقوك بكبشهم
…
وقد حان من شمس النّهار غروب (5)
وكون الحالات خمسا، وكل حالة منها أكثر استعمالا من التي بعدها هو مقتضى كلام المصنف في الشرح صريحا، وأمّا كلامه في المتن فغير واف بخمس الصور، على ما فيه من المخالفة لما ذكر في الشرح وذلك من وجهين:
أحدهما: قوله: وثبوت (قد) قبل الماضي غير التالي لـ (إلّا) والمتلوّ بـ (أو) أكثر من تركها إن وجد الضمير.
وقال في الشرح: وانفراد الضمير مع التجرد من (قد) والواو أكثر من اجتماعه -
(1) البيت من الطويل، ولم يعرف قائله وينظر: في شرح المصنف (2/ 372) ومنهج السالك لأبي حيان (ص 215)، والارتشاف (2/ 369).
(2)
البيت من الطويل، وقائله النابغة الذبياني من قصيدة يرثي بها النعمان بن الحارث وهو في ديوانه (ص 87)، وشرح المصنف (2/ 372)، ومنهج السالك (ص 215)، والأشموني (4/ 190) والسّاريات: السّحب التي تأتي ليلا.
(3)
البيت من الطويل، وهو في: ديوانه (ص 98) من معلقته، وشرح المصنف (2/ 374).
(4)
البيت من الوافر، وهو في: ديوان النابغة الذبياني (ص 111)، وشرح المصنف (2/ 374)، والتذييل (3/ 854).
(5)
البيت من الطويل وهو في: شرح ديوانه (ص 31)، وشرح المصنف (2/ 374).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مع أحدهما (1).
الثاني: قوله: وانفراد الواو حينئذ - أي: حين وجد الضمير - أقلّ من انفراد (قد).
وقال في الشرح: واجتماعه - أي: الضمير - مع الواو وحدها أكثر من اجتماعه مع (قد) وحدها (2).
وأمّا لزوم الواو و (قد) إذا لم يكن ضمير فقد أشار إليه بقوله: وإن عدم الضمير لزمتا؛ أي: الواو و (قد).
وقد قال المصنف: وزعم قوم أنّ الفعل الماضي لفظا لا يقع حالا وليس قبله (قد) ظاهرة إلّا وهي قبله مقدرة (3).
وهذه دعوى لا يقوم عليها حجّة؛ لأنّ الأصل عدم التقدير ولأنّ وجود (قد) مع الفعل المشار إليه لا يزيد معنى على ما يفهم منه إذا لم توجد، وحقّ المحذوف المقدّر ثبوته أن يدل على معنى لا يدرك بدونه.
فإن قيل: (قد) تدلّ على التقريب - قلنا: دلالتها على التقريب مستغنى عنها بدلالة سياق الكلام على الحالية، كما أغنى عن تقدير السين وسوف سياق الكلام في مثل قوله تعالى: وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ (4) ولو كان الماضي معنى لا يقع حالا إلّا وقبله (قد) مقدّرة لامتنع وقوع المنفي بـ (لم) حالا، ولكان المنفي بـ (لما) أولى منه بذلك؛ لأنّ (لم) لنفي (فعل) و (لمّا) لنفي (قد فعل) وهذا واضح لا ريب فيه.
وأجاز بعض من قدّر (قد) قبل الفعل الماضي الاستغناء عن تقديرها بجعل الفعل صفة لموصوف مقدّر (5)، وهو أيضا تكلّف شيء لا حاجة إليه. انتهى (6). -
(1) ينظر: شرح المصنف (2/ 371).
(2)
شرح المصنف (2/ 371).
(3)
هذا مذهب الفراء والمبرد وأبي علي والجزولي والأبذي وابن عصفور والعكبري.
ينظر: معاني الفراء (1/ 24)، والمقتضب (4/ 120 - 124)، واللباب للعكبري (1/ 293، 294)، والتذييل (3/ 852)، والارتشاف (2/ 370)، والهمع (1/ 247).
(4)
سورة يوسف: 6.
(5)
منهم المبرد والعكبري. يراجع المقتضب (4/ 124)، واللباب للعكبري (1/ 294)، والبحر المحيط (3/ 317).
(6)
انتهى كلام المصنف وينظر: في شرحه (2/ 372 - 373).