الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تمييز الجملة وأحكامه]
قال ابن مالك: (فصل: مميّز الجملة منصوب منها بفعل يقدّر غالبا إسناده إليه مضافا إلى الأوّل فإن صحّ الإخبار به عن الأوّل فهو له أو لملابسه المقدّر، وإن دلّ الثّاني على هيئة وعني به الأوّل جاز كونه حالا، والأجود استعمال «من» معه عند قصد التّمييز)(1).
قال ناظر الجيش: قال المصنف: المراد بمميّز الجملة ما ذكر بعد جملة فعلية مبهمة النّسبة نحو: «طبت نفسا، واشتعل رأسي شيبا» ، وفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً (2)، و «امتلأ الكوز ماء، وكفى الشيب ناهيا» وإنما أطلق مميّز الجملة على هذا النوع خصوصا مع أنّ كل تمييز فضلة عن جملة؛ لأنّ لكلّ واحد من جزئي الجملة في هذا النوع قسطا من الإبهام يرتفع بالتمييز بخلاف غيره، فإن الإبهام في أحد جزئي جملته، فأطلق على مميزه مميّز مفرد، وعلى مميز هذا النوع مميّز جملة (3). انتهى.
وقد تقدّم الكلام معه في ذلك، وأنّ المراد بمميّز الجملة ما ميّز نسبة مبهمة وأنه ليس من شرط النسبة وجود جملة، بل وجود المنتسبين، كان بينهما إسناد جملي أو لم يكن، ولا وجه لتخصيص المصنف ذلك بما ذكر بعد جملة فعلية، وتعليله ذلك بأنّ لكل واحد من جزئي الجملة في هذا النوع قسطا من الإبهام غير ظاهر؛ إذ المبهم في مثل:«طاب زيد نفسا» إنما هو النسبة، ولا إبهام في واحد من جزئيها إلّا أن يقول المصنف: لما كان الإبهام في
النسبة وهي تستلزم ذكر الجزءين صحّ نسبة الإبهام إليهما بواسطة أنهما مستلزما النسبة المبهمة، وفيه بعد.
وقال الشيخ: هذا الذي شرطه المصنف في مميز الجملة لم يشترطه النحاة بل ذلك عندهم يكون بعد جملة فعلية، أو جملة اسمية، أو اسم وفعل، مثل «زيد طيّب نفسا، وأكثر مالا، وسرعان ذا إهالة» فهذا من قبيل ما انتصب عن الجملة، وهو الذي يعبرون عنه بأنّه انتصب عن تمام الكلام، وقد جعل المصنف ذلك من قبيل مميز المفرد، ولا نعلم له سلفا في هذا الاصطلاح. انتهى (4). -
(1) التسهيل (ص 115).
(2)
سورة القمر: 12.
(3)
شرح المصنف (2/ 383).
(4)
التذييل (4/ 75، 76).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يظهر أن التمييز في مثل: «زيد طيب نفسا» بعد جملة اسمية؛ لأنّ جزئي النسبة المميزة إنّما هما (طيب) والضمير المرتفع به وليس بجملة، وكذا «زيد أكثر مالا» وكأنّ الشيخ نظر إلى مجموع «زيد طيّب نفسا» وهو غير واضح، وأمّا «سرعان ذا إهالة» فالتمييز فيه بعد جملة اسمية، وإذا كان كذلك فلا يتجه أن يجعل قسيما للجملة الاسمية، كما ذكره.
ولمّا كان مميز الجملة عند المصنف هو المذكور بعد جملة فعلية أشار إلى أنّ العامل فيه هو الفعل بقوله: منصوب منها أي: من الجملة بفعل وأمّا على الذي يقرر في المميز المذكور فقد يكون العامل الفعل، وما حمل عليه كالمصدر والوصف واسم الفعل، وهذا مذهب سيبويه (1) والمازني (2) والمبرد (3) والزجاج (4) والفارسي (5).
وقال ابن عصفور: ذهب المحققون إلى أن العامل فيه الجملة التي انتصب عن تمامها، لا الفعل ولا الاسم الجاري مجراه واختاره ابن عصفور، واستدلّ على ذلك بقوله:«داري خلف دارك فرسخا» فهو منتصب عن تمام الكلام، وليس ثمّ فعل ولا ما يشبهه، وليس من قبيل المنتصب عن تمام الاسم؛ لأنّ الدار ليست الفرسخ، وكذلك الخلف؛ إذ الخلف ليس له مقدار يحصره، والفرسخ معلوم المقدار واستدلّ أيضا بأنه قد يكون في الكلام فعل، ولا يكون طالبا للتمييز نحو:
«امتلأ الإناء ماء» (6).
ونازعه الشيخ في الدليلين؛ أما الأول: فيدّعي فيه أنّ التمييز منتصب عن تمام الاسم؛ لأنّ الخلف مبهم المسافة، وقوله: إن الخلف ليس بالفرسخ، أما من حيث المدلول والقطع عن هذا التركيب فصحيح. -
(1) ينظر: الكتاب (1/ 204)، وفيه قال:«وقد جاء من الفعل ما قد أنفذ إلى مفعول ولم يقو قوة غيره ممّا قد تعدى إلى مفعول، وذلك قولك: امتلأت ماء، وتفقأت شحما» .
(2)
ينظر: رأي المازني في التذييل (4/ 77)، وتوضيح المقاصد (2/ 175).
(3)
ينظر: المقتضب (3/ 32).
(4)
ينظر: التذييل (4/ 78)، والهمع (1/ 251).
(5)
ينظر: الإيضاح للفارسي (ص 173) بتحقيق د/ كاظم المرجان.
(6)
لعل هذا كلام ابن عصفور في شرح الإيضاح، وينظر: في التذييل (4/ 78)، ويراجع المقرب (1/ 163).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما في هذا التركيب فليس بصحيح، بل مسافة خلف دارك هي الفرسخ.
وأما الثاني: فقال: لا أسلم أنّ (امتلأ) لا يطلب (ماء) بل هو طالب له من حيث إنّ المطاوع دالّ على العامل وهو طالب له من حيث المعنى، وإن لم يصح إسناده إليه. انتهى (1).
وأشار المصنف بقوله: يقدّر غالبا إسناده إليه
…
إلى آخره - إلى أنّ الأكثر أن يصلح مميّز الجملة لإسناد الفعل إليه مضافا إلى المجعول فاعلا كقولك: «طابت نفسي، واشتعل شيب رأسي» ، ومنه: وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (2). لأنّ الأصل: وسع علمه كل شيء، ومن هذا النوع قول الشاعر:
1902 -
تلفّتّ نحو الحيّ حتّى وجدتني
…
وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا (3)
وهذا هو التمييز المحوّل، وهو الذي تعنيه النحاة بقولهم: مميّز الجملة يكون منقولا من فاعل.
واحترز المصنف بقوله: غالبا إلى أنّ مميز الجملة قد ينسلب عنه هذا الوصف الذي ذكره، وذلك بألّا يصح إسناد الفعل إليه، وإذا لم يصح إسناد الفعل إليه فقد يصح وقوعه عليه مضافا إلى المجعول مفعولا كقوله تعالى: وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ [3/ 95] عُيُوناً (4). قال المصنف: فإن أصله - على الأصح -: وفجرنا عيون الأرض. وقد لا يصح وقوع الفعل عليه كما لم يصح إسناده إليه، نحو:«امتلأ الكوز ماء» ، ونحو قوله تعالى: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً * (5). فأفاد كلام المصنف أنّ مميّز الجملة على ثلاثة أقسام، منه ما هو منقول من الفاعل وهو الغالب، ومنه ما هو منقول من المفعول، ومنه ما ليس بمنقول من أحدهما، لا بمعنى أنه منقول من شيء آخر غيرهما؛ بل بمعنى أنه لا يصح فيه
أن يكون منقولا.
فأمّا كون التمييز منقولا من الفاعل فمجمع عليه، وأمّا كونه منقولا من المفعول -
(1) ينظر: التذييل (4/ 79).
(2)
سورة طه: 98.
(3)
البيت من الطويل، وقائله الصمّة بن عبد الله القشيري، وينظر في: حماسة أبي تمام (2/ 56)، وشرح المصنف (2/ 383)، والصحاح واللسان «وجع» .
والليت: صفحة العنق، والأخدع: عرق في العنق.
(4)
سورة القمر: 12.
(5)
سورة النساء: 79، 166. وينظر: شرح المصنف (2/ 384).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فعليه أكثر المتأخرين، وقد أنكر ذلك الآمدي، وقال: لم يذكره النحويون، وأوّل كلام الجزولي على أن يكون مراده أنّه منقول من المفعول الذي لم يسمّ فاعله، نحو «ضرب زيد ظهرا وبطنا، وفجّرت الأرض عيونا» (1) ووافق هذا رأي الشلوبين، فإنه لم ينصب (عيونا) على التمييز، بل جعل نصبها على الحال، قال: وهي حال مقدّرة (2)، ونازعه ابن الضائع في كونها مقدّرة، وقال: إنّ التفجير، وكونها عيونا - مثلا - زمان ليس أحدهما قبل الآخر، ولكن (عيونا) ليس بمشتق فيحتاج إلى تأويله بما هو مشتق (3). وجعل ابن أبي الربيع (عيونا) بدلا من (الأرض)، أي: عيونها، وحذف الضمير، وجوّز أن يكون نصبها على إسقاط حرف الجرّ أيضا، والأصل: وفجرنا الأرض بعيون (4).
ولا يخفى ما في تخريجي الشلوبين وابن أبي الربيع من التكلف الذي لا داعي إليه، والقول بأنّه تمييز منقول من المفعول أسهل من ذلك مع أنّه لا محذور فيه ولا مانع يمنع منه.
وأمّا نحو: «امتلأ الكوز ماء» ومثله «تفقأ زيد شحما» فليس ثمّ خلاف في أنّ المنصوب فيه تمييز؛ لأنّ العرب ألزمت فيه التنكير والتأخير، وقد عرفت أنّ التمييز فيه لا يصلح أن يكون منقولا من فاعل ولا مفعول، فيكون التمييز في مثله مشبّها بالمنقول في أنّه وقع بعد كلام مبهم النسبة فأزال إبهامها، على أنّ منهم (5) من جعل التمييز في ذلك من قسم المنقول أيضا وذلك بأن جعله فاعلا لفعل يطاوعه (امتلأ) وهو (ملأ) ولفعل يطاوعه (تفقّأ) وهو غير ظاهر، فإنّ المراد من قول النحاة: تمييز محول من الفاعل؛ أنّه يصح تقدير كونه فاعلا للفعل الذي نصبه تمييزا،
و «امتلأ الكوز ماء» ليس كذلك، وأيضا فإنّه لا بدّ مع تقديره فاعلا أن يقدّر مضافا إلى الاسم الذي يصير فاعلا آخر الأمر، وأنت لو قلت:«ملأ ماء الكوز» لم يكن صحيحا. -
(1) ينظر: التذييل (4/ 81)، والارتشاف (2/ 378).
(2)
ينظر: في المرجعين السابقين. وكلام أبي علي الشلوبين في شرح الجزولية الكبير (3/ 1007) موافق لما عليه ابن مالك.
(3)
ينظر في: التذييل (4/ 82)، وشرح الجمل لابن الضائع (67 / ب) مخطوط رقم (19 نحو).
(4)
التذييل (4/ 83 - 85)، والارتشاف (2/ 378).
(5)
هو أبو حيان في التذييل (4/ 85).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والظاهر أن التمييز في نحو: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً * (1) من التمييز المشبّه بالمنقول؛ إذ لا يتصور فيه النقل، والذي يدل على أنّ المنصوب في هذا المذهب مميّز جواز دخول (من) عليه. وقد جعله بعضهم من المنتصب عن تمام الاسم، كالمنتصب في «لله درّه شجاعا، وحسبك به فارسا، وويحه رجلا» يعني أنّ هذه الكلمات مشبّهة بالمقادير، فانتصب التمييز بعدها كما ينتصب بعد المقادير (2)، وقد تقدّم لنا البحث في نحو:«لله درّه فارسا» وتقدير ابن الحاجب فيه أنه من مميز الجملة، وتقدّم بحث ابن الدّهان في ذلك أيضا، ولا يخفى أنّ الحكم بأنّ التمييز في نحو:
وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً * شبيه بتمييز الأعداد والمقادير، بعيد جدّا فلا ينبغي التعويل عليه.
واعلم أنّ في تقسيم التمييز المنتصب عن تمام الكلام طريقة أخرى، وهو أنه ثلاثة أقسام: منقول، ومشبه بالمنقول، وما ليس بمنقول ولا مشبّه به. فالمنقول: إمّا من فاعل، أو من مفعول، أو من مبتدأ، نحو:«طاب زيد نفسا» ، وفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً (3)، و «زيد أحسن وجها منك» فإنّ أصله: وجه زيد أحسن من وجهك، وإذا اختصرت قلت: منقول من مضاف، فإنه يشمل الثلاثة؛ إذ الأصل في المثالين الأولين أيضا: طابت نفس زيد، وفجرنا عيون الأرض.
والمشبّه بالمنقول: نحو: «امتلأ الإناء ماء» وقد عرفت وجه كونه مشبّها.
والذي ليس بمنقول ولا مشبّه به: نحو: «حبّذا رجلا زيد» وأدرج ابن الضائع «حبّذا رجلا» في المشبّه بالمنقول (4) وهو الأقرب فعلى هذا لا تكون الأقسام ثلاثة، بل إنّما يكون معنا قسمان لا غير. وقد أدرجوا في المشبّه بالمنقول نحو:«نعم رجلا زيد» وكون التمييز في «نعم رجلا زيد» منتصبا عن تمام الكلام نظر.
والظاهر أنه لم يميّز نسبة، إنّما ميز الضمير المبهم المرفوع بـ «نعم» فهو على هذا مميز مفرد، فيكون منتصبا عن
تمام الاسم، ويعضد هذا الذي ذكرته قول ابن الضائع: والظاهر من كلام سيبويه أنّ التمييز في «نعم رجلا» ونحوه أشبه بالمقادير. وقول ابن عصفور أنّه أشبه بالمنقول ليس كذلك، بل هو كـ «ويحه رجلا» -
(1) سورة النساء: 79، 166، وسورة الفتح:28.
(2)
ينظر في: التذييل (4/ 86).
(3)
القمر: 12.
(4)
ينظر: التذييل (4/ 90)، وشرح الجمل لابن الضائع (146 / أ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وبابه، ومنه أيضا:«ربّه رجلا» فهذا كله نمط واحد. انتهى (1).
وليس المراد بأنّ «نعم رجلا» أشبه بالمقادير أنه شبهها في المقدارية؛ لأنّ ذلك باطل قطعا، وإنّما المراد أنه بيّن المراد من لفظ الضمير كما بين «درهما» «عشرين» مثلا وقد تقدّم في الفصل الأول عند الكلام على «ويحه رجلا، وحسبك به فارسا» ما يشبه هذا.
ثم نبّه المصنف بقوله: فإن صحّ الإخبار به عن الأوّل فهو له أو لملابسه المقدّر على أنّه إذا قيل: «كرم زيد أبا» مثلا، كان فيه احتمالان:
الأول: أن يكون المراد: كرم زيد نفسه أبا، أي: ما أكرمه من أب.
الثاني: أن يكون المراد: كرم أبو زيد أبا، أي: ما أكرم أباه من أب، فالتمييز في الاحتمال المتقدّم للأول - أي: هما في الحقيقة شيء واحد - وهو في الاحتمال المتأخر لملابس الأول [3/ 96] أي المضاف إليه تقديرا، وليس تقدير الإضافة شرطا، وإنّما ذكرته تقريبا. هذا كلام المصنف (2)، ومفهومه أنه إن لم يصح الإخبار به عن الأول لا يكون فيه هذان الاحتمالان، بل احتمال واحد. لكن كلام المصنف وإن أفهم نفي الاحتمالين، لا يفهم تعيين أحدهما، والمتعين هو أن يكون للمتعلق خاصة، وذلك نحو:«حسن زيد علما» وليس في كلام المصنف ما يشعر بذلك، وكأنه إنما استغنى عن ذكره؛ لأنّه قد علم من قوله: إنّ مميز الجملة يقدر مضافا إلى الاسم الأول - أنّ التمييز يجب أن يكون مباينا للاسم الذي أسند الفعل إليه آخرا؛ لأنه لو لم يباينه لكان بمعناه، فلا يصح حينئذ تقدير إضافته إليه، فكان الأصل في مميز الجملة أن يكون غير الأول، وذلك الغير هو المتعلق فكان المذكور تمييزا للمتعلق، أي: لمتعلق الاسم الأول لا له، فإذا اتّفق أنّ في بعض الصور صورة يمكن أن يصدق التمييز فيها على الاسم المذكور قبله ساغ لك مع الوجه الأول وهو جعل التمييز للمتعلق أن يجعله لذلك الاسم نفسه.
وقد تلخص لنا مما تقدّم: أنّ مميز الجملة - أعني مميز النسبة - إن كان صالحا؛ -
(1) ينظر: التذييل (4/ 90)، ويراجع سيبويه (2/ 175).
(2)
انظر: شرح التسهيل (2/ 384).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأن يجعل خبرا لما نسب إليه الحكم صحّ أن يجعل له، وصحّ أن يجعل لمتعلق له نحو:«حسن زيد أبا» فإنّ (أبا) صالح لأن يكون خبرا عن زيد فجاز أن يراد به نفس زيد، فيكون الممدوح بحسن الأبوّة زيدا باعتبار أبوّته لغيره، وجاز أن يراد أبو زيد فتكون الأبوّة الممدوحة هي المتعلقة بزيد. وإن كان الاسم غير صالح لما ذكر لم يكن إلّا للمتعلق خاصة، وذلك نحو:«حسن زيد دارا» .
وقد يتوجه ها هنا سؤال: وهو أن يقال: قد تقرر أنّ مميز الجملة يقدّر في الأصل مضافا إلى الاسم الذي قبله، فإذا قلت:«كرم زيد أبا» وكان المراد نفسه، أي:
أنّه هو الأب، فما وجه صحة الإضافة فيه؟
والذي يظهر في الجواب: أن تمنع هذه الدعوى من أصلها، فيقال: لا نسلم أنّ مميز الجملة على الإطلاق يقدّر مضافا إلى الاسم الأول، وإنما يلزم ذلك في المميز المنقول، وأما غير المنقول فليس فيه التقدير المذكور، ومن ثمّ يعلم أنّ مميّز الجملة ليس محصورا في المنقول، بل الأكثر فيه كونه منقولا، وقد يكون غير منقول كما تقدّم، ومما يوضح ذلك أنّ الأب في قولنا:«كرم زيد أبا» إذا كان هو زيدا جاز دخول (من) عليه، فيقال:«كرم زيد من أب» بخلاف إذا كان المراد بالتمييز المذكور أبا زيد، فإنه لا يجوز دخولها عليه؛ لأنّه منقول، والمنقول لا يجوز ذلك فيه.
وقد أشار المصنف إلى جواز دخول (من) على مثل هذا التمييز في المسألة التي ذكرها متفرعة عمّا تقدّم، وذلك قوله: وإن دلّ التّالي على هيئة وعني به الأوّل جاز كونه حالا والأجود استعمال «من» معه عند قصد التّمييز والمراد بهذا الكلام أنك إذا قلت: «كرم زيد ضيفا» وقصدت أنّ زيدا ضيف كريم، جاز لك أن تجعل (ضيفا) حالا لدلالته على هيئة، وجاز أن تجعله تمييزا لصلاحيته لأن يقرن بـ (من) وأنّ الأجود عند قصد التمييز، أن يجاء بـ (من) رفعا لتوهم الحالية.
وإن لم يعن به الأول بل أريد كرم ضيف زيد، لم يجز نصبه على الحال، بل يتعين كونه تمييزا، ولا يجوز دخول (من) عليه؛ لأنه فاعل في الأصل.