الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[من أحكام الحال: الاشتقاق وقد يأتي جامدا مؤولا]
قال ابن مالك: (واشتقاقه وانتقاله غالبان، لا لازمان، ويغني عن اشتقاقه وصفه، أو تقدير مضاف قبله، أو دلالته على مفاعلة أو سعر أو ترتيب أو أصالة أو تفريغ أو تنويع أو طور واقع فيه تفصيل. وجعل «فاه» حالا من «كلّمته فاه إلى فيّ» أولى من أن يكون أصله: جاعلا فاه إلى فيّ، أو: من فيه إلى فيّ، ولا يقاس عليه خلافا لهشام)(1).
- وأنشد المصنف على جرّ الحال بباء زائدة:
1770 -
كائن دعيت إلى بأساء داهمة
…
فما انبعثت بمزؤود ولا وكل (2)
وأنشد غيره:
1771 -
فما رجعت بخائبة ركاب
…
حكيم بن المسيّب منتهاها (3)
قال ناظر الجيش: للحال شروط بعضها يرجع إلى نفس الحال، وبعضها يرجع إلى صاحبها، إلّا أنّ منها ما هو لازم، ومنها ما هو غالب وليس بلازم.
فمن الشروط الراجعة إلى الحال: الاشتقاق والانتقال: ومختار المصنف أنّهما غالبان لا لازمان، فكون الحال بلفظ مشتق ولمعنى منتقل كـ «جئت راكبا، وذهبت -
(1) ينظر: التسهيل (ص 108).
(2)
البيت من البسيط، وهو لرجل من فصحاء طيّئ. وينظر في شرح المصنف (2/ 322)، وشرح الكافية الشافية (2/ 728)، والتذييل (3/ 692)، والمساعد (2/ 7)، والمغني لابن هشام (1/ 110) والمزؤود: المذعور، والوكل: الذي يكل أموره إلى غيره.
(3)
البيت من الوافر، وقائله القحيف بن سليم العقيلي.
وهو من شواهد ابن مالك في شرح الكافية (2/ 728)، وينظر في: التذييل (3/ 692)، ومغني اللبيب (1/ 110).
والخيبة: الحرمان من المطلوب، والركاب: الإبل التي يسار عليها.
فائدة: أنكر أبو حيان ما ذهب إليه ابن مالك فقال: ولا حجة في هذا على ما ادّعاه؛ إذ تحتمل الباء فيهما ألا تكون زائدة، بل الباء فيهما للحال، أما في البيت الأول فالتقدير: فما انبعثت ملتبسا بمزؤود.
ويعني بذلك المتكلم نفسه
…
وأما البيت الثاني فالتقدير: فما رجعت متلبسة بحاجة خائبة ركاب، وإذا احتمل أن تكون للحال لم يكن في ذلك دليل على زعمه أنّ الحال قد تجرّ بباء زائدة
…
اه.
ولابن هشام وابن عقيل دفاع عن ابن مالك، ينظر في: المغني (1/ 110، 111)، والمساعد (2/ 7).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مسرعا» أكثر من كونه بلفظ جامد ولمعنى غير منتقل (1).
فمن ورود الحال بلفظ غير مشتق قوله تعالى: فَانْفِرُوا ثُباتٍ (2)، وفَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ (3)، وفَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (4)، وهذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً * (5).
ومن وروده دالّا على معنى غير منتقل قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا (6)، وخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (7)، ويَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (8)، وطِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (9)، ومن كلام العرب:«خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها» (10).
وقد اجتمع الجمود وعدم الانتقال في قولهم: «هذا خاتمك حديدا» ، و «هذه جبّتك خزّا» وهما من أمثلة سيبويه (11).
وإنّما كان الحال جديرا بوروده مشتقّا وغير مشتق، ومنتقلا وغير منتقل؛ لأنّه خبر في المعنى، والخبر لا حجر فيه بل يرد مشتقّا وجامدا، ومنتقلا ولازما فكان الحال كذلك، وكثيرا ما يسمّيه سيبويه خبرا، وقد يسمّيه مفعولا وصفة (12).
وفي تعلق عدم الاشتقاق والانتقال بكونه خبرا في المعنى نظر؛ فإنّه كما أنه خبر معنى هو صفة في المعنى، فليس مراعاة أحد المعنيين بأولى من مراعاة الآخر.
وقد دلّ على كونه صفة في المعنى تسمية سيبويه له بذلك فمن تسميته خبرا قول سيبويه: هذا باب ما ينتصب؛ لأنّه خبر لمعروف يرتفع على الابتداء قدّمته أو أخّرته -
(1) ينظر: شرح المصنف (2/ 322).
(2)
سورة النساء: 71.
(3)
سورة النساء: 88.
(4)
سورة الأعراف: 142. وعلى إعراب أَرْبَعِينَ حالا يكون المعنى: فتم بالغا هذا العدد.
وفي إعرابها وجوه أخرى تنظر في التذييل (3/ 694)، والبحر المحيط (4/ 380)، والدر المصون (3/ 337).
(5)
سورة الأعراف: 73، وسورة هود:64.
(6)
سورة الأنعام: 114.
(7)
سورة النساء: 28.
(8)
سورة مريم: 33.
(9)
سورة الزمر: 73.
(10)
ينظر: كتاب سيبويه (1/ 155).
(11)
المثال الأول في الكتاب (1/ 396)، والثاني في (2/ 118).
(12)
ينظر: شرح المصنف (2/ 322 - 323)، وسنشير إلى مواضع ذلك عند سيبويه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذلك «فيها عبد الله قائما» و «عبد الله فيها قائما» (1).
ومن تسميته مفعولا فيه قوله: هذا باب ما ينتصب من الأسماء التي ليست بصفات ولا مصادر؛ لأنّه حال يقع فيه الأمر فينتصب؛ لأنّه مفعول فيه، وذلك «كلّمته فاه إلى فيّ» و «بايعته يدا بيد» (2).
ومن تسميته صفة قوله بعد أن مثّل بـ «أمّا صديقا مصافيا فليس بصديق مصاف» :
فالرفع لا يجوز هنا؛ لأنك قد أضمرت صاحب الصفة
…
إلى آخره (3).
وكل هذه الإطلاقات باعتبار المعنى لا باعتبار اللفظ فلا بعد فيها.
وذهب ابن عصفور إلى أنّ الحال لا تكون غير منتقلة إلّا إذا كانت مؤكدة، وأمّا إذا كانت الحال مبينة فلا تكون إلّا منتقلة أو في حكم المنتقلة (4).
وأراد بما هو في حكم المنتقلة نحو: «ولد زيد أشهل العينين وقصير القامة» ، وجعل منه قول الشاعر:
1772 -
فجاءت به سبط العظام كأنّما
…
عمامته بين الرجال لواء (5)
لأنّ (جاءت) في البيت بمعنى: ولدت (6). وقد تقدّم من استشهادات المصنف ما يدفع دعوى ابن عصفور لمجيئها غير منتقلة وهي مبيّنة.
وقد قصد المصنف أن ينبّه على المواضع التي وردت الحال فيها غير مشتقة، وعبّر عن ذلك بقوله: ويغني عن اشتقاقه كذا وكذا
…
إلى آخره أي: أن الحال يستغني عن الاشتقاق في الأكثر لأحد أمور تسعة:
الأول: أن يكون موصوفا كقوله تعالى: فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (7) وهذه -
(1) ينظر: الكتاب (2/ 88).
(2)
الكتاب (1/ 391).
(3)
ينظر: الكتاب (1/ 387).
(4)
ينظر: شرح الجمل (1/ 336)، والمقرب (1/ 151 - 153).
(5)
البيت من الطويل، ونسب لزيد بن كثوة العنبري، وينظر في: شرح الحماسة للمرزوقي (269)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 337)، (2/ 365)، والتذييل (3/ 696)، والصحاح، واللسان (سبط) ويقال: سبط العظام لمن كان حسن القدّ والاستواء.
(6)
وقد قال أبو حيان بما قال به ابن عصفور. ينظر: التذييل (3/ 696)، والارتشاف (2/ 336).
(7)
سورة مريم: 17.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحال تسمّى موطّئة، فـ (بشرا) منصوب على الحال وسَوِيًّا نعت له، والحال في الحقيقة الصفة، فأصل «مررت بزيد رجلا صالحا»: مررت بزيد صالحا، وإنّما ذكرت (رجلا) توطئة للحال، ولمّا كانت الحال صفة معنوية أشبهت اللفظية، ومن حكم اللفظية أن تجري على موصوف في اللفظ ففعلوا في الحال في بعض المواضع ذلك للإشعار بأنها صفة في المعنى.
الثاني: أن يكون مقدرا قبله مضاف كقول العرب: «وقع المصطرعان عدلي عير» (1) أي: مثل عدلي عير، وعليه قول الشاعر:
1773 -
تضوّع مشكا بطن نعمان أن مشت
…
به زينب في نشوة خفرات (2)
أي: مثل مسك، واختار الشيخ نصب (مسكا) على التمييز، قال: وهو منقول من الفاعل، قال: وجعله تمييزا أمدح (3).
الثالث: أن يكون دالّا على مفاعلة كقولهم: «كلّمته فاه إلى فيّ» و «بايعني يدا بيد» [3/ 60] و «بعته رأسا برأس» أي: مشافهة، ومناجزة، ومماثلة.
وفسّر سيبويه «يدا بيد» بقوله: (نقدا)(4).
قال الصفار - شارح كتاب سيبويه -: وهو تفسير معنى؛ لأنّ المعنى على التعجيل والمناجزة.
قال: ولا يصح أن يقدّر جاعلا (5) يدا بيد؛ لأنّك لم ترد أن تجعل يدك في يده، -
(1) أي: وقعا معا ولم يصرع أحدهما الآخر: والعدل: نصف الحمل يكون على أحد جنبي البعير.
والعير: الحمار الوحشي أو الأهلي، يقال لهما ذلك لأنهما يعيران، أي: يسيران.
وفي اللسان (عدل): «وقعا المصطرعان عدلي بعير» .
وفي مجمع الأمثال (3/ 427). «وقعا كعكمي عير» يعني أنهما حصلا في التوازن والتعادل سواء.
والعكم: العدل. وينظر اللسان (عكم).
(2)
البيت من الطويل، وقائله: عبد الله بن نمير الثقفي. وينظر في أمالي القالي (2/ 24)، والأغاني (11/ 190)، وشرح المصنف (2/ 324)، وفي إصلاح المنطق (258)، واللسان (ضوع):
ويقال: ضاع المسك وتضوّع وتضيّع، أي: تحرك وانتشرت رائحته، ونسوة خفرات: شديدات الحياء.
(3)
ينظر التذييل (3/ 698).
(4)
ينظر الكتاب (1/ 391).
(5)
هذا التقدير مذهب الكوفيين، وسيأتي الحديث عنه ضمن مذاهب العلماء في نصب هذه الأمثلة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا أن يكون اسما وضع موضع المصدر (1)؛ لأنّه لا مصدر له من لفظه، قال: وهو حال من الضمير في «بايعته» والمعنى: ذا يد، أي: في حال أنّه ذو يد على ملكه (2)، ويصحّ أن يكون حالا من المبيع المحذوف، والمعنى: بايعته شيئا في حال أنّ ذلك الشيء المبيع ذا يد، أي: مجعولا عليه اليد.
ولا يقتصر على (فاه) ولا على (يد) ولا على (رأسا) بل (3) يلزم الجار فيه، قال سيبويه - بعد أن مثّل بقولهم:«كلمته فاه إلى فيّ» و «بايعته يدا بيد» ونحوهما -:
واعلم أن هذه الأشياء - التي في هذا الباب - لا ينفرد منها شيء دون ما بعده، وذلك أنه لا يجوز أن تقول:«كلمته فاه» حتى تقول: «إلى فيّ» ؛ لأنك إنما تريد مشافهة، والمشافهة لا تكون إلّا من اثنين، وإنما يصحّ المعنى إذا قلت:«إلى فيّ» .
ولا يجوز أن تقول: «بعته يدا» ؛ لأنك إنما تريد أخذ مني وأعطاني، وإنّما يصح المعنى إذا قلت:(بيد)؛ لأنهما عملان (4). انتهى.
فإن قلت: بم يتعلق الجارّ في نحو: «فاه إلى فيّ» و «يدا بيد» قلت: قد نظّر سيبويه (إلى) في قولك: «فاه إلى فيّ» بالباء في قولهم: «بعت الشاء شاة بدرهم» بعد أن حكم على (بدرهم) بأنّه إنّما جيء به ليبيّن السّعر، كما جاءت «لك» في «سقيا» ليبيّن ما يعني (5).
هذا نصّه، وظاهره أنّ الجارّ في مثل «فاه إلى فيّ» و «يدا بيد» وفي «الشاء شاة بدرهم» يتعلق بمحذوف تقديره:
أريد، ونحوه.
وقال ابن خروف: «إلى فيّ» متعلق باستقرار في موضع الحال من (فاه).
قال ابن عمرون: هذا ليس بشيء؛ لأنّ (فاه) لا تتم به المعنى فكيف يجوز أن -
(1) كما هو تفسير السيرافي وغيره لكلام سيبويه، وسيأتي أيضا، وينظر شرح المفصل لابن يعيش (2/ 61)، والتذييل (3/ 698).
(2)
قال الرضي:
…
ينبغي أن تقول في «يدا بيد» أي: ذو يد بذي يد، على حذف مضاف، أي:
النقد بالنقد. شرح الكافية (1/ 202)، وينظر: التذييل (3/ 698).
(3)
«بل» مكررة في المخطوط سهوا.
(4)
الكتاب (1/ 392)، وينظر: ابن يعيش (2/ 62).
(5)
ينظر: الكتاب (1/ 394).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يكون الجار والمجرور حالا؟
وجوّز ابن خروف أيضا أن يكون في موضع رفع، أي: هو إلى فيّ، أو ذلك إلى فيّ.
وردّه ابن عمرون أيضا بأنّه يكون منفصلا من (فاه) ثمّ قال: والصحيح أنّه يتعلق بـ (فاه)؛ لأنّه واقع موقع مشافهة. قال: كذا ذكره ابن جني عن أبي علي.
انتهى. وفيما أشار إليه نظر.
وقد نظّروا لزوم الجارّ في مثل «فاه إلى فيّ» و «يدا بيد» ونحوهما من الأسماء بلزومه في مثل «سادوا كابرا عن كابر» و «أبيع هذا ناجزا بناجز» (1) فـ (كابرا) و (ناجزا) أحوال كـ (فاه) و (يدا) ولا يفرد (كابرا) و (ناجزا) كما لا يفرد (فاه) و (يدا) إلّا أنّ (كابرا) و (ناجزا) من قبيل الصفات، و (فاه) و (يدا) من قبيل الأسماء.
قال سيبويه - بعد الباب الذي ذكر فيه (فاه) و (يدا) -: هذا باب ما ينتصب من الصفات كانتصاب الأسماء في الباب الأول - يعني أنّه لا يفرد فيه ما قبل عمّا بعد - ثم قال: وذلك قولك: «أبيعكه الساعة ناجزا بناجز، وسادوا كابرا عن كابر» فهذا كقولك: «بعته رأسا برأس» (2).
الرابع: أن يكون دالّا على سعر كقولهم: «بعت الشاء شاة ودرهم، والبرّ قفيزا بدرهم، والدّار ذراعا بدرهم» أي: مسعرا (3).
ويجوز رفع «شاة ودرهم، وقفيز بدرهم، وذراع بدرهم» على الابتداء، وهو مبتدأ محذوف منه الصفة (4)،
التقدير: قفيز منه، وذراع منه، وبدرهم الخبر.
وإذا قلت: «شاة بدرهم» فكذلك؛ لأنّ التقدير: شاة منها بدرهم.
وأما «شاة ودرهم» فقال سيبويه: زعم الخليل أنه يجوز «بعت الشّاء شاة ودرهم» إنّما يريد: شاة بدرهم، ويجعل «بدرهم» هو خبر الشّاة، وصارت -
(1) ينظر: التذييل (3/ 699).
(2)
الكتاب (1/ 397)، وينظر: التذييل (3/ 699).
(3)
ينظر: الكتاب (1/ 392).
(4)
ينظر: المساعد لابن عقيل (2/ 8، 9).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الواو بمنزلة الباء في المعنى كما كانت في «كلّ رجل وضيعته» في معنى مع.
انتهى (1).
وظاهره جعل إعراب «شاة ودرهم» نظير «شاة بدرهم» التقدير: شاة منها ودرهم، لقوله: إنّ «ودرهم» هو بمعنى «وبدرهم» ، و «بدرهم» خبر فتكون «ودرهم» كذلك (2).
فإن قلت: هل يجوز أن يكون الخبر محذوفا كما هو في «كلّ رجل وضيعته» ، التقدير: بعت الشاء شاة منها ودرهم مقترنان؟
قلت: فيه بعد؛ لأن هذا التقدير لا يفيد المراد من هذا الكلام؛ لأنّه لا يلزم من الإخبار بكون شاة ودرهم مقترنين أنّه باع كلّ شاة من الشاء بدرهم، وهذا هو المقصود بالإخبار.
واعلم أنّ الجارّ في «شاة بدرهم، وقفيزا بدرهم» ونحوهما لازم الذكر كما تقدّم في «يدا بيد» والكلام في متعلقه كما تقدّم.
وأدرج سيبويه في باب «شاة ودرهما» : قامرته درهما في درهم، وأخذت زكاة ماله درهما لكلّ أربعين درهما (3). مسوّيا بين الصور في الحكم. ومنه يعلم أنّ اقتصار المصنف على كونه دالّا على سعر ليس بجيد إلّا أن يريد دالّا على سعر وما في معناه.
واعلم أنّه لا يجوز في مثل: «بعت داري الذّراع بدرهم أو بعتها الذراعان بدرهم، وبعت البرّ القفيزان بدرهم» إلّا الرفع.
قال سيبويه: ولم يشبّه هذا بقوله: «فاه إلى فيّ» ؛ لأنّ هذا في بابه بمنزلة -
(1) الكتاب (1/ 393).
(2)
قال ابن الحاجب - بعد الحديث عن قولهم: «بايعته يدا بيد» -: وكذلك «بعت الشاء شاة ودرهما» أصله: شاة بدرهم، أي: شاة مع درهم، ثم كثر ذلك فنصبوا «شاة» نصب «يدا» ثم أبدلوا من باء المصاحبة واوا، وإذا أبدلت باء المصاحبة واوا وجب أن يعرب ما بعدها بإعراب ما قبلها، كقولهم:«كل رجل وضيعته» وقولهم: «امرأ ونفسه» . الإيضاح في شرح المفصل (1/ 340).
(3)
ينظر: الكتاب (1/ 392).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المصادر التي تكون حالا نحو: لقيته كفاحا، ونحو (العراك) و (طاقتي)(1) وليس كل مصدر في هذا الباب يدخله الألف واللام، ويكون معرفة بالإضافة، فالأسماء أبعد.
ولذلك كان الذّراع رفعا؛ لأنّه لا يجوز أن تجعله معرفة وتجعله حالا. انتهى (2).
وكذا لا يجوز في «بعته ربح الدّرهم درهم» إلّا الرفع، ونصّ عليه سيبويه (3).
الخامس: أن يكون دالّا على ترتيب نحو: «ادخلوا رجلا رجلا، وتعلّم الحساب بابا بابا، وتصدقت بمالي درهما درهما» ولا يفرد اللفظ الأول في مثل هذا عن الثاني، بل يجب التكرار.
قال سيبويه: ولا يجوز: «تصدقت بمالي درهما» فيرى المخاطب أنّك تصدقت بدرهم، وكذا ما أشبهه. انتهى.
والتكرار في مثل هذا المراد به استغراق الرجال والأبواب والدراهم (4).
وفي نصب الثاني من هذا النوع خلاف، قيل: إنه صفة للأول، وقيل: توكيد، وقيل: بدل (5)، وعلى التقادير الثلاثة هو لازم الذكر كما تقدم.
قال الشيخ: ومختاري أنهما منصوبان بالعامل؛ لأن مجموعهما هو الحال، لا أحدهما، والحالية مستفادة منهما لا من أحدهما، فصارا يعطيان معنى المفرد، فأعطيا إعرابه وهو النصب [3/ 61] ونظير ذلك قولهم:«هذا حلو حامض» فكلاهما مرفوع على الخبرية؛ لأنّ الخبر إنّما حصل من مجموعهما، فأعطيا إعراب المفرد الذي نابا منابه وهو الرفع. انتهى (6). -
(1) في الكتاب: ونحو قوله: أرسلها العراك، وفعلت ذاك طاقتي.
(2)
ينظر: الكتاب (1/ 394).
(3)
السابق (الموضع نفسه).
(4)
قال ابن الحاجب: العرب تكرر الشيء مرتين، فيستوعب تفصيل جميع جنسه باعتبار المعنى الذي دلّ عليه اللفظ المكرر، فإذا قلت: بينت له الكتاب كلمة كلمة، فمعناه: بينت له مفصلا باعتبار كلماته، وكل ما يفيد هذه الهيئة المخصوصة صحّ وقوعه حالا. الإيضاح في شرح المفصل (1/ 340).
(5)
الأول مذهب ابن جني، والثاني مذهب الزجاج، والثالث مذهب الفارسي. ينظر: الارتشاف (2/ 334)، والهمع (1/ 237 - 238)، والتصريح (1/ 370).
(6)
ينظر: التذييل (3/ 700 - 701)، والارتشاف (2/ 334) وما بعدها، والهمع (1/ 238).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والذي اختاره هو الظاهر، وتنظيره بمسألة الخبر تنظير صحيح، ولو نصب «حلو وحامض» في مثل «رأيت الرمّان حلوا حامضا» لكان الحال مجموعهما لا أحدهما، فكذلك هذا.
ونقل الشيخ عن الأخفش أنه لا يجوز أن يدخل حرف العطف في شيء من هذه المكررات، فلا يقال: بيّنت له الحساب بابا فبابا، ولا: بابا وبابا، ولا: ادخلوا رجلا فرجلا (1).
السادس: أن يكون دالّا على أصالة الشيء كقوله تعالى: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (2)، ونحو:«هذا خاتمك حديدا» وهو من أمثلة سيبويه (3).
السابع: أن يكون دالّا على فرعيّة الشيء نحو: «هذا حديدك خاتما» .
الثامن: أن يكون دالّا على تنويع، نحو:«هذا مالك ذهبا» .
التاسع: أن يكون دالّا على طور واقع فيه تفضيل، نحو «هذا بسرا أطيب منه رطبا» (4). وسيأتي الكلام على هذه المسألة. -
(1) ينظر: التذييل (3/ 701).
وعبارته: ولو ذهب ذاهب إلى أنّ النصب إنما هو بالعطف على تقدير حذف الفاء، وأن المعنى: بيّنت له الحساب بابا فبابا، وادخلوا أول فأول، لكان وجها حسنا عاريا عن التكلف؛ لأن المعنى: بيّنت له الحساب بابا بعد باب، وادخلوا رجلا بعد رجل، والذي يدل على إرادة الفاء كونه يجوز ذلك في المرفوع، والمنصوب، والمجرور.
فمثال المرفوع قول الشاعر:
كرة وضعت لصوالجة
…
فتلقفها رجل رجل
أي: فرجل.
ومثل المنصوب: ونقلوا بعيرا بعيرا، أي: فبعيرا.
ومثال المجرور: قيراط قيراط، أي: فقيراط. إلّا أنه يعكّر على هذا المذهب ما زعم أبو الحسن من أنّه لا يجوز أن يدخل حرف العطف في شيء من هذه المكررات، إلا الفاء في الموضع الذي يكون فيه الترتيب، نحو: ادخلوا الأول فالأول، ولا تقول: بيّنت له الحساب بابا فبابا. اه.
وأجاز الرضي عطف الثاني على الأول بالفاء أو بثم في موضع الترتيب. ينظر: شرح الكافية (1/ 208).
(2)
سورة الإسراء: 61.
(3)
ينظر: الكتاب (1/ 396).
(4)
ينظر: شرح المصنف (2/ 324).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واعلم أنّ في نصب (فاه) من «كلّمته فاه إلى فيّ» ثلاثة مذاهب (1):
أحدها: أنّه حال، وهو مذهب سيبويه، وقد تقدّم الكلام عليه. قال سيبويه:
هذا باب ما ينتصب من الأسماء التي ليست بصفة ولا مصادر؛ لأنّه حال يقع فيه الأمر فينتصب لأنه مفعول فيه، وذلك «كلمته فاه إلى فيّ» (2) وقد تقدّم هذا عنه أيضا، قال المصنف: هو نصب على الحال؛ لأنه واقع موقع (مشافها) ومؤدّ معناه (3).
وسيبويه فسره بـ (مشافهة) ولهذا ذهب السيرافي إلى أنّ (فاه) اسم وضع موضع المصدر الموضوع موضع الحال، فـ (فاه) موضوع موضع (مشافهة) الموضوعة موضع (مشافها)(4).
الثاني: وهو مذهب الكوفيين، أنه منصوب بعامل مقدر على المفعولية وذلك العامل هو الحال، فأصله: كلمته جاعلا فاه إلى فيّ (5).
الثالث: مذهب الأخفش أنّه منصوب على إسقاط حرف الجر، وأصله: كلمته من فيه إلى فيّ (6).
قال المصنف - بعد نقل هذه المذاهب -: وأولى الثلاثة أوّلها؛ لأنّه قول يقتضي تنزيل جامد منزلة مشتق على وجه لا يلزم منه لبس ولا عدم النظير وذلك موجود بإجماع في هذا الباب وغيره، فوجب الحكم بصحته، ومن نظائره المستعملة في هذا الباب:«بايعته يدا بيد، وبعت الشّاء شاة ودرهما، والبرّ قفيزا بدرهم، والدار ذراعا بدرهم» ولا
خلاف في أنّ (يدا وشاة وقفيزا وذراعا) منصوبة نصب الحال، لا نصب المفعول به، ولا نصب المسقط منه حرف جر، فإذا أجري «كلمته فاه إلى -
(1) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (2/ 61)، وشرح الكافية للرضي (1/ 203) والتذييل (3/ 702)، والارتشاف (2/ 235)، والهمع (1/ 2237).
(2)
ينظر: الكتاب (1/ 391).
(3)
ينظر: شرح المصنف (2/ 324).
(4)
ينظر: كلام السيرافي بهامش سيبويه (1/ 195)(بولاق).
(5)
ينظر: في شرح المصنف (2/ 324)، وتعليق الفرائد للدماميني (6/ 167) مطبوع وسيأتي ردود العلماء عليه.
(6)
ينظر: في شرح المصنف (2/ 324)، والارتشاف (2/ 335). وردّ المبرد مذهب الأخفش بأنه تقدير لا يعقل؛ إذ الإنسان لا يتكلم من فم غيره، إنما يتكلم كل إنسان من في نفسه. ينظر: الارتشاف (2/ 335)، وتعليق الفرائد (6/ 167).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيّ» ذلك المجرى توافقت النظائر، بخلاف تقدير: جاعلا، أو (من) فلا نظير له في الباب، وفي تقدير (من) ضعف زائد وهو أنه يلزم منه تقدير (من) في موضع (إلى) ودخول (إلى) في موضع (من)؛ لأنّ مبدأ غاية كلام المتكلم فمه لا فم المكلّم، فلو كان معنى (من) مقصودا لقيل:«كلمته من فيّ إلى فيه» على إظهار (من) و «كلمته فيّ إلى فيه» على تقديرها. انتهى كلام المصنف (1).
ومما ردّ به السيرافي على الكوفيين: أنه يمتنع «كلّمته وجهه إلى وجهي، وعينه إلى عيني» . قال: ولو كان على الإضمار لم يمتنع هذا، لكنه لما كان على ما قال سيبويه لم يطرد؛ لأنّه من وقوع الأسماء موقع الصفات، والأصل غير ذلك (2).
ومما ردّ به على المذهبين معا: أن العرب ترفعه على المعنى الذي تنصبه وليس للرفع وجه إلّا الحال. قال سيبويه: وبعض العرب تقول: «كلّمته فوه إلى فيّ» ، أي: كلّمته وفوه إلى فيّ، أي: كلمته وهذه حاله. انتهى (3).
وأجاز هشام الكوفي القياس على «كلّمته فاه إلى فيّ» فيقال على رأيه:
«ماشيته قدمه إلى قدمي، وكافحته وجهه إلى وجهي» (4).
وذكر ابن خروف عن الفراء: «حاذيته ركبته إلى ركبتي، وجاورته بيته إلى بيتي، وصارعته جبهته إلى جبهتي» بالرفع والنصب (5). قال المصنف - بعد ذكر هذا -: ولا يرد شيء من ذلك ولكن الاقتصار فيه على السماع أولى؛
لأنّ فيه إيقاع جامد موقع مشتقّ، وإيقاع معرفة موقع نكرة، وإيقاع مركب موقع مفرد (6).
قال المصنف: وأجاز أكثر البصريين بعد سيبويه تقديم (فاه) على (كلّمته) لتصرفه، ومنع ذلك الكوفيون وبعض متأخري البصريين، أي: يقال: فاه إلى فيّ كلّمته (7). -
(1) ينظر: شرح المصنف (2/ 324 - 325).
(2)
ينظر: شرح السيرافي للكتاب (3/ 197) رسالة تحقيق محمد حسن يوسف، والتذييل (3/ 702 - 703)، وهامش سيبويه (1/ 195) بولاق، وتعليق الفرائد للدماميني (6/ 167).
(3)
ينظر: الكتاب (1/ 391)، والتذييل (3/ 703).
(4)
ينظر: شرح المصنف (2/ 325)، والتذييل (3/ 706)، والارتشاف (2/ 336).
(5)
ينظر: المراجع السابقة.
(6)
،
(7)
ينظر: شرح المصنف (2/ 325).