الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم تقديم الحال على صاحبه]
قال ابن مالك: (ويجوز تقديم الحال على صاحبه وتأخيره إن لم يعرض مانع من التّقديم كالإضافة إلى صاحبه، أو من التأخير كاقترانه بـ (إلّا) على رأي، وكإضافته إلى ضمير ما لابس الحال، وتقديمه على صاحبه المجرور بحرف ضعيف على الأصحّ لا ممتنع، ولا يمتنع تقديمه على المرفوع والمنصوب خلافا للكوفيين في المنصوب بالظّاهر مطلقا، وفي المرفوع الظّاهر المؤخّر رافعه عن الحال؛ واستثنى بعضهم من حال المنصوب ما كان فعلا، ولا يضاف غير عامل الحال إلى صاحبه إلّا أن يكون المضاف جزءه أو كجزئه) (1).
قال ناظر الجيش: الحال إمّا أن يقدّم على عامله - وسيأتي الكلام عليه في الفصل بعد هذا - وإمّا على صاحبه وهو المقصود هنا، فاعلم أنّ نسبة الحال من صاحبه نسبة الخبر من المبتدأ، فالأصل تأخيره وتقديم صاحبه، كما أنّ الأصل تأخير الخبر وتقديم المبتدأ، وجواز مخالفة الأصل ثابت في الحال كما كان ثابتا في الخبر، ما لم يعرض موجب البقاء على الأصل أو الخروج عنه، فممّا يوجب البقاء على الأصل الإضافة إلى صاحب الحال مع كون الإضافة محضة (2)، نحو:«عرفت قيام زيد مسرعا، وخروج هند مسرعة» فلا يجوز التقديم على (زيد) ولا على (هند) لما يلزم فيه من الفصل بين المضاف والمضاف إليه، هكذا قيّد المصنف الإضافة بكونها محضة، ولا فرق بينها وبين غير المحضة بالنسبة إلى التقديم على صاحب الحال لما يلزم في ذلك من الفصل بين المتضايفين، فكما لا يجوز التقديم في مثل «عرفت قيام زيد مسرعا» على زيد نفسه كذلك لا يجوز في مثل «هذا شارب السويق
ملتوتا الآن أو غدا» تقديم (ملتوتا) على (السويق) نفسه (3). -
(1) ينظر: التسهيل (ص 109).
(2)
في شرح المصنف (2/ 335): مع كون الإضافة مخصّصة.
(3)
وكلام ابن الناظم في شرح الألفية (ص 322) يقتضي التسوية في المنع.
وينظر: التذييل (3/ 79 - 750)، والتصريح (1/ 380)، والأشموني (2/ 178).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأمّا تقديم الحال على المضاف إلى صاحب الحال: فيظهر من كلام المصنف جواز التقديم فيما إضافته غير محضة، ومنعه فيما إضافته محضة، فإنه قال: وإذا كان صاحب الحال مجرورا بإضافة محضة لم يجز تقديم الحال عليه بالإجماع؛ لأنّ نسبة المضاف إليه من المضاف كنسبة الصلة من الموصول فإن كانت الإضافة غير محضة جاز تقديم الحال على المضاف كقولك: «هذا شارب السويق ملتوتا الآن أو غدا» لأنّ الإضافة في نية الانفصال، فلا يعتد بها. انتهى (1).
وما ذكره المصنف في صورتي الجواز والامتناع إنما هو بالنسبة إلى عامل الحال (2)، والكلام في هذا الفصل إنّما هو بالنسبة إلى صاحب الحال، إلّا أن يقول المصنف:
يلزم من تقديمه على العامل تقديمه على صاحب الحال فلذا ذكره هنا.
ثم قال المصنف: فإن ورد ما يوهم تقديم حال ما جرّ بإضافة محضة حمل على وجه لا خلاف في جوازه كقول الراجز:
1787 -
نحن وطئنا خسّئا دياركم
…
إذ أسلمت حماتكم ذماركم (3)
فقد يتوهم سامع هذا أنّ (خسّئا) بمعنى: بعداء مزدجرين، كقوله تعالى:
كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ * (4) فيجعله [3/ 69] حالا من ضمير المخاطبين ويقول: قد تقدّم حال المضاف إليه على المضاف وليس كذلك، ولكن (خسّئا) جمع خاسئ، بمعنى: زاجر، من قولهم: خسأت الكلب، أي: أبعدته وزجرته، فهو حال وصاحبه الفاعل من (وطئنا).
وقد يتوهم أنّ (فرّارا) من قول الشاعر:
1788 -
ليست تجرّح فرّارا ظهورهم
…
وفي النّحور كلوم ذات أبلاد (5)
-
(1) ينظر: شرح المصنف (2/ 335).
(2)
يقصد قول المصنف
…
فإن ورد نحو: «ما قام إلا زيد مسرعا» أضمر ناصب الحال بعد صاحبها من
…
إلخ - ينظر (2/ 335).
(3)
الشاهد من الرجز، ولم يعرف قائله. وينظر: في شرح المصنف (2/ 336)، والتذييل (3/ 749)، والمساعد لابن عقيل (2/ 22). والذمار: ما يلزم حفظه ورعايته وحمايته.
(4)
سورة البقرة: 65، وسورة الأعراف:166.
(5)
البيت من البسيط، وقائله القطامي ابن أخت الأخطل، وينظر: في ديوانه (ص 89)، وشرح المصنف (2/ 336)، والتذييل (3/ 749).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حال من الهاء والميم، و (ظهورهم) مرفوعة بـ (تجرّح) على أنه مفرّغ وليس كذلك، بل (تجرّح) مسند إلى ضمير الجماعة الموصوفة، وهو صاحب الحال و (ظهورهم) بدل بعض من كل، وهذا توجيه لا تكلف فيه (1).
قال الشيخ: ومما يوجب البقاء على الأصل أن يكون العامل في صاحب الحال فعل تعجب نحو: «ما أحسن هندا متجردة» وفيه خلاف يذكر في باب التعجب (2).
ومما يوجب الخروج عن الأصل: إضافة صاحب الحال إلى ضمير يعود إلى ما لابس الحال؛ إمّا بإضافة نحو: «جاء زائر هند أخوها» . وإما بغير إضافة نحو:
ومنه أيضا عند قوم - وإليه أشار في المتن بقوله: على رأي - اقتران صاحب الحال بـ (إلّا) نحو: «ما قام مسرعا إلا زيد» وأنشد الأخفش:
1789 -
وليس مجيرا أن أتى الحيّ خائف
…
ولا قائلا إلّا هو المتعيّنا (4)
ثم قال: فإنّ هذا ليس بحسن، وهو كلام يجوز في الشعر، وهو مثل «ما أكل إلّا زيد الخبز، وما ضرب إلّا عمرو زيدا» (5) لا تريد به: ما أكل الخبز إلا زيد وما ضرب زيدا إلا عمرو، ولكنك تضمر الفعل بعد المستثنى على قبحه، وكذا إذا ورد نحو:«ما قام إلّا زيد مسرعا» أضمر ناصب الحال بعد صاحبها كقول الراجز:
1790 -
ما راعني إلّا جناح هابطا
…
حول البيوت قوطه العلابطا (6)
أراد: ما راعني إلا جناح راعني هابطا، و (جناح) اسم رجل. -
(1) انتهى كلام المصنف، وينظر: في شرحه (2/ 335 - 336).
(2)
ينظر: التذييل (3/ 741).
وفي حكم الفصل بين فعل التعجب ومعموله بالحال مذهبان:
الأول: مذهب الجمهور: المنع.
الثاني: مذهب الجرمي وهشام: جواز الفصل.
قال أبو حيان: والصحيح المنع. ينظر: الارتشاف (2/ 347)، (3/ 37).
(3)
ينظر: شرح المصنف (2/ 335)، والتذييل (3/ 741).
(4)
البيت من الطويل، وينظر: في التذييل (3/ 741).
(5)
يقصد أنّ حكمه حكم المفعول المحصور فيه الفاعل. ينظر: الارتشاف (2/ 347).
(6)
البيت من الرجز، ولم يعرف قائله، وينظر في نوادر أبي زيد (ص 173)، والخصائص (2/ 211) وشرح المصنف (2/ 335)، وشرح الكافية الشافية (2/ 742)، والتذييل (3/ 742).
والقوط: قطيع الغنم، والعلابط: القطيع الضخم، وأقلها خمسون.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإذا فقد موجب البقاء على الأصل، وموجب الخروج عنه جاز أن تقدّم الحال على صاحبه مرفوعا كان أو منصوبا أو مجرورا بحرف: وأمّا المجرور بالإضافة فقد تقدّم الكلام عليه. ولمّا كان المجرور بحرف فيه خلاف، وكذا في التقديم على المرفوع والمنصوب أشار المصنف إلى ذلك وبدأ بالمجرور وتقديم حاله عليه ليس بممتنع عند المصنف، لكنه ضعيف، ومنع التقديم أكثر النحويين فلا يجيزون في نحو «مررت بهند جالسة» أن يقال:«مررت جالسة بهند» ودليلهم في منع ذلك أنّ تعلق العامل بالحال ثان لتعلقه بصاحبه، فحقه إذا تعدّى لصاحبه بواسطة أن يتعدى إليه بتلك الواسطة، لكن منع من ذلك خوف التباس الحال بالبدل، وأنّ فعلا واحدا لا يتعدى بحرف واحد إلى شيئين، فجعلوا عوضا من الاشتراك في الواسطة التزام التأخير (1).
وبعضهم يعلل منع التقديم بالحمل على حال المجرور بالإضافة.
وبعضهم يعلل بأنّ حال المجرور شبيه بحال عمل فيه حرف جر مضمن معنى الاستقرار، نحو:«زيد في الدار متكئا» فكما لا يتقدم الحال على حرف الجر في هذا وأمثاله، لا يقدّم عليه نحو:«مررت بهند جالسة» (2).
قال المصنف (3): وهذه شبه وتخيلات لا تستميل إلّا نفس من لا تثبّت له، بل الصحيح جواز التقديم في نحو:«مررت بهند جالسة» وإنما حكمت بالجواز لثبوته سماعا، ولضعف دليل المنع.
أما ثبوته سماعا ففي قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ (4) وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّ (كآفة) صفة لإرساله، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، وهو قول الزمخشري (5).
والثاني: أن (كآفة) حال من الكاف، وهو قول الزجاج، والتاء فيه للمبالغة (6). -
(1) ينظر: شرح المصنف (2/ 336).
(2)
ينظر: السابق نفسه.
(3)
ينظر: ما نقله عن المصنف هنا في شرحه (2/ 336 - 340).
(4)
سورة سبأ: 28.
(5)
ينظر: الكشاف (3/ 290)، وينظر: الأقوال الواردة في إعرابها في الدر المصون (5/ 446).
ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 254).
(6)
وتبع ابن هشام في أوضح المسالك (ص 120) هذا القول.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثالث: أنّ (كآفة) حال من (الناس)، والأصل: للناس كافة، أي:
جميعا، وهذا هو الصحيح، وهو مذهب أبي علي وابن كيسان، أعني تقديم حال المجرور بحرف، حكاه ابن برهان وقال: وإليه نذهب، كقوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ و (كآفة) حال من (الناس،) وقد تقدم على المجرور باللام، وما استعملت العرب (كافة) قط إلّا حالا. كذا قال ابن برهان (1)، وكذا أقول (2).
ولا يلتفت إلى قول الزمخشري [والزجاج. أما الزمخشري](3) فإنّه جعل (كافّة) صفة، ولم تستعمله العرب إلا حالا، وهذا شبيه بما فعل في خطبة المفصل من إدخال باء الجرّ عليه، وإضافته، والتعبير به عمّا لا يعقل (4).
وليته إذ أخرج (كافة) عن استعمال العرب سلك به سبيل القياس، بل جعله صفة لموصوف محذوف، لم تستعمله العرب مفردا ولا مقرونا بصفة - أعني إرساله - وحق الموصوف المستغني بصفته أن يعتاد ذكره مع صفته قبل الحذف، وأن لا تصلح الصفة لغيره، والمشار إليه بخلاف ذلك فوجب الإعراض عمّا أفضى إليه.
وأمّا الزجاج فبطلان قوله بيّن أيضا؛ لأنّه جعل (كافّة) حالا من مفرد ولا يعرف ذلك في غير محل النزاع، وجعله من مذكر مع كونه مؤنثا، ولا يتأتّى ذلك إلا بجعل تائه للمبالغة وبابه مقصور على السماع، ولا يأتي غالبا ما هي فيه إلّا على أحد أمثلة المبالغة كنسّابة، وفروقة، ومهذارة، وكافة بخلاف ذلك، فبطل أن تكون منها، لكونها على فاعلة، فإن [حملت على راوية](5) حملت على شاذ الشاذ؛ لأنّ لحاق تاء المبالغة [لأحد أمثلة المبالغة](6) شاذ، ولما لا مبالغة فيه أشذّ، فيعبر عنه بشاذ الشاذ، والحمل على الشاذ مكروه، فكيف على شاذ الشاذ.
وإذا بطل القولان تعيّن الحكم بصحة القول الثالث، وهو أن يكون الأصل: وما أرسلناك إلا للناس كافة [3/ 70]، فقدّم الحال على صاحبه مع كونه مجرورا. ومن أمثلة أبي علي في التذكرة:«زيد خير ما تكون خير منك» على أنّ المراد: زيد خير -
(1) ينظر: شرح اللمع لابن برهان (1/ 137، 138).
(2)
القائل هو ابن مالك فهذا نصه وكلامه.
(3)
تكملة من شرح المصنف (2/ 337).
(4)
حيث قال: «ولقد ندبني ما بالمسلمين من الأدب إلى معرفة كلام العرب
…
لإنشاء كتاب في الإعراب، محيط بكافة الأبواب
…
» المفصل (ص 5).
(5)
،
(6)
تكملة من شرح المصنف (2/ 338)، سقطت من المخطوط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منك خير ما تكون، فجعل (خير ما تكون) حالا من الكاف المجرورة وقدّمه، وهذا موافق لقول ابن برهان.
ومن التقديم المشار إليه قول الشاعر:
1791 -
فإن تك أذواد أصبن ونسوة
…
فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال (1)
أراد: فلن يذهبوا بدم حبال فرغا، أي: هدرا. وحبال: اسم رجل. ومنه:
1792 -
لئن كان برد الماء هيمان صاديا
…
[إليّ حبيبا إنّها لحبيب (2)
أراد: لئن كان برد الماء حبيبا إليّ هيمان صاديا] (3). ومنه أيضا.
1793 -
إذ المرء أعيته المروءة ناشئا
…
فمطلبها كهلا عليه شديد (4)
أراد: فمطلبها عليه كهلا شديد. ومن ذلك قول الآخر:
1794 -
تسلّيت طرّا عنكم بعد بينكم
…
بذكراكم حتّى كأنكم عندي (5)
أراد: تسلّيت عنكم طرّا.
وربّما قدّم الحال على صاحبه المجرور وعلى ما يتعلق به الجار، كقول الشاعر:
1795 -
غافلا تعرض المنيّة للمر
…
ء فيدعى ولات حين إباء (6)
-
(1) البيت من الطويل، وقائله: طليحة بن خويلد الأسدي.
وينظر في: إصلاح المنطق (ص 19)، والمحتسب (2/ 148)، واللباب للعكبري (1/ 292) وشرح المصنف (2/ 338)، والتذييل (3/ 746)، وشرح شواهد ابن عقيل (ص 135).
(2)
البيت من الطويل، وقائله: كثير عزة، وهو في ديوانه (2/ 192)، ونسبه البغدادي لعروة بن حزام وهو في ديوانه (ص 5)، ونسبه المبرد في الكامل (ص 379) لقيس بن ذريح، وهو في ديوانه (ص 59) وينظر في: كشف المشكل للحيدرة اليمني (1/ 482)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 338)، وشرح الكافية للرضي (1/ 207)، والخزانة (3/ 212).
(3)
ما بين المعقوفين تكملة من شرح المصنف.
(4)
البيت من الطويل نسب للمعلوط القريعي، وقيل: للمعلوط السعدي وقيل: للمخبل السعدي وينظر في: شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1148)، وشرح الكافية الشافية (2/ 746)، والبحر المحيط (7/ 281)، والدر المصون (5/ 447)، والتذييل (3/ 746). وسقط من شرح المصنف المطبوع.
(5)
البيت من الطويل، ولم يعرف قائله، وينظر: في شرح المصنف (2/ 338)، والتذييل (3/ 747)، والأشموني (2/ 177). وطرّا: جميعا، والبين: الفراق.
(6)
البيت من الخفيف، ولم يعرف قائله وينظر: في شرح المصنف (2/ 338)، وشرح الكافية الشافية -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أراد: تعرض المنية للمرء غافلا، ومثله قول الآخر:
1796 -
مشغوفة بك قد شغفت وإنّما
…
حمّ الفراق فما إليك سبيل (1)
أراد: شغفت بك مشغوفة.
وإذ قد بيّنت دلائل السماع مستوفاة، فلأبيّن ضعف شبه المنع: فمن ذلك: ادّعاء أنّ حقّ الحال إذا عدّي العامل لصاحبه بواسطة أن يعدّى إليه بتلك الواسطة، فيقال المدّعي ذلك: لا نسلم هذا الحق حتى يترتب عليه التزام التأخير تعويضا، بل حق الحال لشبهه بالظرف أن يستغني عن واسطة، على أنّ الحال أشدّ استغناء عن الواسطة، ولذلك يعمل فيها ما لا يعدّى بحرف جر كاسم الإشارة وحرف التنبيه والتشبيه والتمنّي.
ومن شبه التزام التأخير: إجراء حال المجرور بحرف مجرى حال المجرور بإضافة فيقال لصاحب هذه الشبهة: المجرور بحرف كالأصل للمجرور بالإضافة، فلا يصح أن يحمل حال المجرور [بحرف](2) عليه لئلّا يكون الأصل تابعا والفرع متبوعا، وأيضا فالمضاف بمنزلة موصول، والمضاف إليه بمنزلة صلته، والحال منه بمنزلة جزء صلته، فوجب تأخيره كما يجب تأخير أجزاء الصلة، وحال المجرور بحرف لا يشبه جزء صلة، فأجيز تقديمه؛
إذ لا محذور في ذلك ومن الشبه: تشبيه باب «مررت بهند جالسة» بباب «زيد في الدار متكئا» وإلحاق أحدهما بالآخر، فيقال للمعتمد على هذا: بين البابين بون بعيد، وتفاوت شديد، فإنّ (جالسة) من قولنا:
«مررت بهند جالسة» منصوب بـ (مررت) وهو فعل متصرف لا يفتقر في نصب الحال إلى واسطة، كما لا يفتقر إليها في نصب ظرف أو مفعول له أو مفعول مطلق، وحرف الجر الذي عدّاه لا عمل له إلا الجر، ولا جيء به إلّا لتعدية (مررت) والمجرور به بمنزلة منصوب فيتقدم حاله كما يتقدم حال المنصوب، ولكونه بمنزلة منصوب أجري في اختيار النصب «أزيدا مررت به» مجرى «أزيدا لقيته» .
وأمّا (متكئا) في المسألة الثانية فمنصوب بـ (في) لتضمنها معنى الاستقرار، وهي أيضا رافعة ضميرا عائدا على (زيد) وهو صاحب الحال، فلم يجز لنا أن نقدم -
- (2/ 746) والتذييل (3/ 747)، والبحر المحيط (7/ 281)، والدر المصون (5/ 447).
(1)
البيت من الكامل، ولم يعرف قائله، وينظر في: شرح المصنف (2/ 339)، والأشموني (2/ 137)، والدر المصون. وحمّ: قدّر.
(2)
تكملة من شرح المصنف (2/ 339).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[متكئا](1) على (في)؛ لأنّ العمل لها، وهي عامل ضعيف متضمن معنى الفعل دون حروفه، فمانع التقديم في نحو:«زيد في الدار متكئا» غير موجود في نحو «مررت بهند جالسة» . وربّما قدّم الحال في نحو: «زيد في الدار متكئا» (2).
وأمّا إذا كان صاحب الحال منصوبا أو مرفوعا: فالبصريون يجيزون تقديم الحال عليه مطلقا نحو: «لقيت راكبة هندا» و «جاء مسرعا زيد» .
وأمّا الكوفيون فلهم تفصيل في ذلك (3)، وهو أنّهم منعوا تقديم حال المنصوب عليه إذا كان ظاهرا، قالوا: لئلّا يتوهم كون الحال مفعولا وكون صاحبه بدلا، ولكون العلة هذه أجاز بعضهم التقديم إن كان الحال فعلا لزوال المحذور، وهو توهم المفعولية والبدلية، وإلى ذلك الإشارة بقوله: واستثنى بعضهم - أي: بعض الكوفيين - من حال المنصوب ما كان فعلا.
وأما المرفوع فإن كان ضميرا جاز التقديم عليه كقوله تعالى: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ (4). ومنه قول الشاعر:
1797 -
مزبدا يخطر ما لم يرني
…
وإذا يخلو له الحمى رتع (5)
وإن كان ظاهرا لم يجز عندهم تقديم حاله.
وبعض العلماء يزعم أنّ الكوفيين لا يمنعون تقديم حال المرفوع إذا كان الفعل متقدما نحو: «قام مسرعا زيد» وإنّما يمنعون تقديم حال إذا كان الفعل متأخرا، نحو:«مسرعا قام زيد» وهذا القول هو الذي أشار إليه المصنف في المتن بقوله: وفي المرفوع الظاهر المؤخر رافعه عن الحال ولم يذكر ذلك قيدا في المنصوب ولهذا قال:
خلافا للكوفيين في المنصوب الظاهر مطلقا أي: قدّم عامله على الحال أو أخّر. -
(1) ما بين المعقوفين تكملة من شرح المصنف.
(2)
إلى هنا نهاية كلام المصنف وينظر: في شرحه (2/ 336 - 340).
(3)
ينظر: مذهبا البصريين والكوفيين في هذه المسألة في شرح المصنف (2/ 240، 241)، وشرح الكافية الشافية (2/ 747 - 749)، وشرح الكافية للرضي (1/ 206)، والارتشاف (2/ 349)، والتصريح (1/ 378)، والهمع (1/ 241).
(4)
سورة القمر: 7.
(5)
البيت من الرمل، وقائله: سويد بن أبي كاهل، وهو مركب من بيتين، وهما في ديوانه (ص 31) هكذا:
مزبدا يخطر ما لم يرني
…
فإذا أسمعته صوتي انقمع
ويحييني إذا لاقيته
…
وإذا يخلو له لحمي رتع
-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والصحيح: ما ذهب إليه البصريون لورود السماع بذلك، ولضعف العلة التي أبدوها، فإن (راكبة) من قولنا:«لقيت راكبة هندا» يتبادر الذهن إلى حاليته، فلا يلتفت إلى عارض توهم المفعولية (1). ومن شواهد تقديم الحال على المنصوب الظاهر قول الشاعر:
1798 -
وصلت ولم أصرم مسبين أسرتي
…
وأعتبتهم حتّى يلاقوا ولائيا (2)
[3/ 71] أراد: وصلت أسرتي مسبين (3)، ومثله قول الحارث بن ظالم:
1799 -
وقطّع وصلها سيفي وإنّي
…
فجعت بخالد طرّا كلابا (4)
ومن تقديم الحال عليه أيضا وهو فعل قول الشاعر:
1800 -
لن يراني حتى يرى صاحب لي
…
أجتني سخطه يشيب الغرابا (5)
أراد: لن يراني صاحب أجتني سخطه حتى الغراب يشيب. ومن شواهد تقديم حال المرفوع الظاهر والفعل متقدّم
قول الشاعر:
1801 -
يطير فضاضا بينهم كلّ قونس
…
وتتبعها منهم فراش الحواجب (6)
ومثله: -
- وينظر: الشاهد في المقتضب (4/ 170)، وشرح المصنف (2/ 341)، وشرح الكافية الشافية (2/ 748)، والتذييل (3/ 758).
ومزبدا: من أزبد الجمل: إذا ظهر الزبد على مشافره ساعة هياجه. ويخطر: من الخطر، وهو ضرب الفحل بذنبه حين هياجه. والحمى: ما يحميه الإنسان فلا يقترب منه أحد، ويروى: لحمي.
(1)
ينظر: شرح المصنف (2/ 340).
(2)
البيت من الطويل، ولم يعرف قائله، وهو في شرح المصنف (2/ 340)، وشرح الكافية الشافية (2/ 747)، والهمع (1/ 241) وأعتبتهم: أي: أرضيتهم.
(3)
في المخطوط: وصلت أسرتي مسئين.
(4)
البيت من الوافر، وقاله الحارث بن ظالم في فتكه بخالد بن جعفر بن كلاب وينظر: في المفضليات (314)، وشرح المصنف (2/ 340)، والتذييل (3/ 752).
(5)
البيت من الخفيف، ولم يعرف قائله، وينظر: شرح المصنف (2/ 340)، والتذييل (3/ 752)، والمساعد (2/ 23).
(6)
البيت من الطويل، وقائله: النابغة الذبياني، وهو في ديوانه (ص 11)، والخصائص (2/ 270)، وشرح المصنف (2/ 341)، والتذييل (3/ 751). والفضاض: المتفرق من كل شيء، والقونس:
أعلى الرأس، وفراش الحواجب: عظامها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
1802 -
فسقى بلادك غير مفسدها
…
صوب الغمام وديمة تهمي (1)
ومثله:
1803 -
ترحّل من أرض العراق مرقّش
…
على طرب تهوي سراعا رواحله (2)
ومثله:
1804 -
فما كان بين الخير لو جاء سالما
…
أبو حجر إلّا ليال قلائل (3)
ومن تقديمه والفعل متأخر قول العرب: «شتّى تؤوب الحلبة» (4) أي: مفرّقين يرجع الحالبون. ومثله قول الشاعر:
1805 -
سريعا يهون الصّعب عند أولي النّهى
…
إذا برجاء صادق قابلوا اليأسا (5)
وقد تقدّم الكلام على حال المجرور بإضافة بالنسبة إلى تقديمه على المضاف وعدمه، ولم يبيّن أي مضاف إليه يجيء الحال، وقد أشار إليه المصنف في آخر هذا الفصل بقوله: ولا يضاف غير عامل الحال إلى صاحبه إلا أن يكون المضاف جزأه أو كجزئه.
وينبغي أن يعلم أولا: أنّ حقّ المجرور بالإضافة ألّا يكون صاحب حال كما لا يكون صاحب خبر؛ لأنّه مكمل للمضاف وواقع منه موقع التنوين، فإن كان المضاف بمعنى الفعل حسن جعل المضاف إليه صاحب حال نحو:«عرفت قيام زيد مسرعا وهو راكب الفرس عريان» وإلى هذين المثالين الإشارة بقوله: ولا يضاف غير عامل الحال إلى صاحبه؛ لأنه يعلم منه أنّ إضافة عامل الحال إلى صاحب الحال جائزة، وأنّ -
(1) البيت من الكامل، وقائله: طرفة بن العبد، يمدح قتادة بن مسلمة وهو في ديوانه (ص 88)، وشرح المصنف (2/ 341)، والتذييل (3/ 750)، والهمع (1/ 241). وتهمي: تسيل.
(2)
البيت من الطويل، وقائله: طرفة بن العبد. وينظر: في ديوانه (ص 78) وشرح المصنف (2/ 341)، والتذييل (3/ 750).
(3)
البيت من الطويل، وقائله: النابغة الذبياني في رثاء النعمان بن الحارث الغساني، وهو في ديوانه (ص 90)، وشرح المصنف (2/ 341)، والتذييل (3/ 751)، والتصريح (2/ 153) وأبو حجر:
كنية النعمان.
(4)
هذا مثل يضرب في اختلاف الناس وتفرقهم، وأصله: أنهم كانوا يوردون إبلهم وهم مجتمعون، فإذا صدروا تفرقوا واشتغل كل واحد منهم بحلب ناقته، ثم يؤوب الأول فالأول. ينظر: مجمع الأمثال (2/ 150).
(5)
البيت من الطويل، ولم يعرف قائله وينظر: في شرح المصنف (2/ 342)، والتذييل (3/ 758).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إضافة ما ليس عاملا في الحال إلى صاحبه غير جائزة إلا إن كان المضاف جزءا من المضاف إليه أو كجزء من المضاف إليه كما تضمنه كلامه (1)، فأمّا إضافة عامل الحال إلى صاحبه: فقد تقدّم تمثيله ومنه أيضا قوله تعالى: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً (2).
ومثله قول الشاعر:
1806 -
تقول ابنتي إنّ انطلاقك واحدا
…
إلى الرّوع يوما تاركي لا أبا ليا (3)
ومثال ما المضاف فيه جزء من المضاف إليه قوله تعالى: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً (4)، ومثال ما هو فيه كجزء قوله تعالى: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً (5) وإنما حسن جعل الذي أضيف إليه جزؤه أو كجزئه صاحب حال؛
لأنه قد يستغنى به عن المضاف، ألا ترى أنه لو قيل في الكلام: ونزعنا ما فيهم من غلّ إخوانا، واتبع إبراهيم حنيفا؛ لحسن، بخلاف الذي يضاف إليه ما ليس بمعنى الفعل، وما ليس جزءا ولا كجزء، فإنّه لا سبيل إلى جعله صاحب حال؛ لأنّه لو قلت:«ضربت غلام هند جالسة» أو نحو ذلك لم يجز بلا خلاف (6).
وقد ذكر ابن عصفور وغيره أنّ (إخونا) منصوب على المدح، وأنّ (حنيفا) حال من ملّة على تأولها بـ (دين). وهذا بناء منهم على أنّ الحال لا تكون من المضاف إليه، إلّا إن كان المضاف عاملا فيه رفعا أو نصبا من حيث المعنى، وهو رأي -
(1) ينظر: شرح المصنف (2/ 342).
(2)
سورة المائدة: 48.
(3)
البيت من الطويل، وقائله: مالك بن الريب التميمي وينظر: في شرح المصنف (2/ 342)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 326)، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 193)، والأشموني (2/ 179).
والشاهد: في «واحد» ؛ حيث نصب على الحال من الكاف التي أضيف إليها الانطلاق؛ لأنه فاعل له.
(4)
سورة الحجر: 47.
(5)
سورة النحل: 123.
(6)
ينظر: شرح المصنف (2/ 342)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 327) وقال أبو حيان: أجاز بعض البصريين مجيء الحال من المضاف إليه الصريح. ينظر: الارتشاف (2/ 348)، ومنهج السالك (ص 193) وفي الهمع (1/ 340). وجوّز بعض البصريين وصاحب البسيط مجيء الحال من المضاف إليه مطلقا. وينظر: توضيح المقاصد للمرادي (2/ 151)، والتصريح (1/ 380).
وقال ابن عقيل: وقول ابن المصنف - تبعا لأبيه - رحمهما الله: «إنّ هذه الصورة ممنوعة بلا خلاف» ليس بجيد، فإنّ مذهب الفارسي جوازها، وممن نقله عنه الشريف أبو السعادات ابن الشجري في أماليه.
ينظر: شرح ابن عقيل (2/ 269)، وحاشية الداودي عليه (1/ 1080) والأمالي الشجرية (1/ 156، 157)، والأشموني (2/ 179).