الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الاستثناء التام وأحكامه]
قال ابن مالك: (وإن لم يترك المستثنى منه فللمستثنى بـ «إلّا» النصب مطلقا بها لا بما قبلها، معدّى بها، ولا به مستقلّا، ولا بـ «أستثني» [3/ 32] مضمرا، ولا بـ «أن» مقدرة بعدها، ولا بـ «إن» مخففة، مركبة، منها ومن «لا» و «إلا» خلافا لزاعمي ذلك، ووفاقا لسيبويه، والمبرّد والجرجانيّ).
قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على الاستثناء المفرغ، شرع في الاستثناء التامّ، وهو أن يكون المستثنى منه مذكورا، وحكم المستثنى فيه النصب، سواء كان الاستثناء متصلا (1) أم منقطعا (2)، بعد كلام موجب، أو منفيّ، قدّم المستثنى على المستثنى منه، أو أخّر، ولهذا قال: مطلقا، وإن شارك النصب على الاستثناء غيره، في بعض الصّور بشروط، كما سيأتي، وقيّد الاستثناء بـ (إلا)، كما قيّد في المفرغ؛ لأن الكلام - في هذا الفصل - إنما هو فيه، وقال المصنف: نبهت بقولي: مطلقا على أن المستثنى بـ (إلّا) إذا ذكر المستثنى منه ينصب في الموجب وغيره، لكن في الموجب لا يشارك النّصب، وفي غير الموجب يشاركه البدل راجحا ومرجوحا (3).
قال الشّيخ: قوله: في الموجب لا يشارك النصب - ليس بصحيح؛ لأنّه يشاركه النعت على ما تبين، وقد ذكر هو ذلك (4).
والجواب: أنّ كلام المصنف إنّما هو في ذكر المخرج، لتقدّم ذكره، وعود الضمير عليه في قوله: وله بعد (إلا) من الإعراب إن ترك إلخ، وإن لم يترك المستثنى منه فهو قسيم لقوله: ترك، وكلاهما داخل تحت قوله: المخرج، ومعنى الاستثناء والبدل بالنسبة إلى الإخراج واحد، أما النعت فلا إخراج فيه؛ بل هو من باب آخر، وحكمه في المعنى مغاير للمقصود هنا، فكيف يصحّ قول الشيخ: لأنه يشاركه النعت؟ ثم إنّ المصنف ذكر الخلاف في الناصب للمستثنى بـ (إلا) واختار مذهبا، -
(1) بعد كلام موجب: قام القوم إلا زيدا، قام إلا زيدا القوم. أو بعد كلام منفي: ما قام القوم إلا زيد، ما قام إلا زيدا القوم.
(2)
بعد كلام موجب نحو: قام القوم إلا حمارا - قام إلا حمارا القوم. أو بعد كلام منفي نحو: ما قام القوم إلا حمارا - ما قام إلا حمارا القوم.
(3)
شرح المصنف (2/ 271).
(4)
التذييل والتكميل (3/ 516).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وطول في الاستدلال على مختاره، واستنباطه من كلام سيبويه، فيشار إلى ذلك على سبيل الاختصار؛ لأن الخطب فيه يسير، والأمر سهل.
والمذاهب التي ذكرها المصنف في العامل ستة:
أحدها: أنّ العامل (إلّا) نفسها، وهو مختاره (1)، ونسبه إلى سيبويه (2)، والمبرد (3)، والجرجانيّ (4).
الثاني: أنّ العامل ما قبل (إلّا) معدّى بها، ونسبه إلى السيرافي (5).
الثالث: أنّ العامل ما قبل (إلّا) على سبيل الاستقلال، ونسبه إلى ابن خروف (6).
الرابع: أن العامل (أستثني) مضمرا بعد (إلّا)، نسبه إلى الزّجاج (7).
الخامس: أنّ العامل (أنّ) مقدرة، ونسبه إلى الكسائيّ (8).
السادس: أنّ العامل (أن) المخففة، و (لا) فـ (إلّا) مركبة منهما، ونسبه -
(1) ومختار ابنه بدر الدين في شرح الألفية (ص 292)، وينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 555) تحقيق د/ بركات.
(2)
قال سيبويه: أن يكون الاسم بعدها خارجا مما دخل فيه ما قبله عاملا فيه ما قبله من الكلام، كما تعمل (عشرون) فيما بعدها، إذا قلت: عشرين درهما. ينظر: الكتاب (2/ 310)، والهمع (1/ 224)، والظاهر من عبارة سيبويه هذه أن المستثنى ينصب عن تمام الكلام، ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 144)، والجنى الداني في حروف المعاني (ص 476).
(3)
ينظر: المقتضب للمبرد (4/ 389)، وكافية ابن الحاجب (1/ 226).
(4)
ينظر: الجمل للجرجاني (ص 20).
(5)
ينظر الهمع (1/ 224) حيث نسب هذا الرأي لآخرين منهم ابن الباذش، وابن بابشاذ، والرندي، مع السيرافي، وشرح الألفية لابن الناظم حيث عارض هذا الرأي (ص 293)، وينظر رأي السيرافي في المساعد لابن عقيل (1/ 556).
(6)
ينظر: الهمع (1/ 224)، وفي المساعد لابن عقيل:«وهذا مذهب ابن خروف، وزعم أن ذلك لنصب (غير) نحو: قام القوم غير زيد، بلا واسطة» . اه.
(7)
ينظر: الهمع (1/ 224)، وقد نسب في الهمع أيضا للمبرد. وينظر المساعد (1/ 556).
(8)
يرى الكسائي في مثل: قام القوم إلا زيدا، أن التقدير: إلا أن زيدا لم يقم، فالمستثنى منصوب بـ (أنّ) بعد (إلا) محذوفة الخبر. ينظر: الهمع (1/ 224)، وكافية ابن الحاجب (1/ 226)، حيث اعترض على رأي الكسائي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى الفرّاء (1).
قال غير المصنف: فإن نصبت ما بعدها غلبت حكم (أنّ) والحرف محذوف، وإن رفعت غلبت حكم (لا) فعطفت.
وقد ردّ السادس (2): بأنّ فيه إدغاما لتركيب، ولا دليل عليه، وأنّه لو صحّ التركيب لم يصحّ العمل الّذي كان قبله؛ لأنّ المعنى قد تغيّر معه، وكلّ مركب تغير معه المعنى يتغير معه الحكم، كما في (إذ ما) و (حسبما) وبأنّه غير مستقيم لفظا ومعنى، أمّا اللفظ فلأنّك لو لفظت به لم يستقم، وأمّا المعنى فعلى خلاف ذلك (3).
وقد ردّ الخامس (4): بأنّ (أن) لا تضمر، وبأنّه كان يجب النصب أبدا (5)، وبأنّه دعوى لا يقوم عليها دليل، وبأنه يلزم أن يكون لها عامل يعمل فيها؛ لأنّها مع ما تعمل فيه في تأويل المصدر، فيجعل العامل فيها عاملا فيما قدّرت من أجله، ويستغنى عنها.
وردّ الرابع (6): بأنّ فيه مخالفة النظائر؛ إذ يجمع بين فعل وحرف يدلّ على معناه، لا بإظهار، ولا بإضمار، ولمنافاة قصدهم بوضع الحرف وهو الاختصار (7). -
(1) ينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 556، 557) وفيه: عزاه السيرافي إلى الفراء، فإذا قلت: قام القوم إلا زيدا، انتصب (زيد) عنده بـ (أن) المخففة، وخبرها محذوف، ولا نافية عنده، والتقدير: أن زيدا لم يقم». اه. وينظر: كافية ابن الحاجب (1/ 226)، والهمع (1/ 224)، والإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري (1/ 261) المسألة رقم (34).
(2)
كون العامل (إلا) مركبة من (أن) المخففة و (لا).
(3)
ينظر الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري المسألة رقم (34)، والمساعد لابن عقيل (1/ 557).
(4)
كون العامل (أنّ) مقدرة، مضمرة عاملة النصب.
(5)
فيقال: ما جاءني إلا زيدا - بنصب (زيدا) بـ (أن) المضمرة، وذلك غير جائز، ينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 556).
(6)
كون العامل (أستثني) مضمرا بعد (إلّا).
(7)
ولأنه يلزم على ذلك نصب المستثنى في الاستثناء المفرّغ - أي بـ (أستثني) المضمرة - ومعروف أن المستثنى في هذه الحالة يعرب على حسب العوامل قبل (إلا). ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 146)، وفي المساعد لابن عقيل (1/ 556):«ويرد بأنه لا يجمع بين فعل وحرف يدل على معناه، لا بإظهار، ولا بإضمار، ولو جاز هذا لأولي (ليت) بـ (أتمنى)» . اه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وردّ الثالث (1): بأن «إلّا» لها اقتضاء في المستثنى؛ لأنها لو حذفت لم يكن لذكره معنى، فلو لم تكن عاملة، ولا موصلة عمل ما قبلها إليه - أي: المستثنى - مع اقتضائها إياه لزم عدم النظير (2)، والذي دعا ابن خروف إلى هذا الرأي انتصاب (غير) على الحال (3)، وفيه معنى الاستثناء، كما أنّ (ما عدا) و (ما خلا) مصدران (4) بمعنى الحال (5)، وفيهما معنى الاستثناء. اه. وسيأتي الكلام في نصب (غير) وفي مواضع (ما خلا) ونحوه (6).
وأما المذهب الأول: وهو الذي ذكره المصنف - فقد طوّل فيه، استنباطا واستدلالا والذي ذكره يحتمل التأويل والرد، ولا فائدة في التطويل، وكون «إلّا» هي العاملة فقط مذهب مرجوح (7)، ونحن نتحاكم إلى المصنف، بما قرره في باب المفعول معه، من أنّه لو كانت الواو هي الناصبة لوجب اتصال الضمير إذا وقع مفعولا معه، ومن الضرورات قول الشاعر:
1683 -
فآليت لا أنفكّ أحدو قصيدة
…
تكون وإيّاها بها مثلا بعدي (8)
-
(1) كون العامل ما قبل (إلا) بدون واسطة (إلّا) وتعديتها.
(2)
أي: يكون المقتضى ما بعده، غير عامل فيه.
(3)
أي: بما قبلها دون واسطة لعمل النصب. ينظر: الهمع (1/ 224).
(4)
في (شرح فصول ابن معط) للقاضي شهاب الدين الخوى (ص 188)، تحقيق د/ أحمد مرسي الجمل، رسالة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، كقول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
…
وكل نعيم لا محالة زائل
فـ (ما) في (ما خلا) مصدرية، وما بعدها فعل؛ لأنّ (ما) المصدرية لا تكون صلتها إلا فعلا، وفاعلهما مضمر، والتقدير: ما خلا بعضهم زيدا.
(5)
فهما منصوبان على الحالية، دون واسطة لعمل النصب.
(6)
سيأتي بمشيئة الله تعالى، وينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 556).
(7)
لأن الضمير المتصل بها - أي بـ (إلا) - والناصب شأنه أن يتصل به الضمير المنصوب، نحو:
إنه، وليته، ولعله، وكذلك بقية النواصب من الأفعال والحروف. ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 145).
(8)
البيت من بحر الطويل، قائله: أبو ذؤيب الهذلي.
اللغة: آليت: أقسمت، أحدو: من قولهم: (حدوت البعير) إذا سقته، وأنت تغني في أثره، لينشط في السير، ويروى:(أحذو) - بالذال - من: حذوت النعل بالنعل، إذا سويت أحدهما على قدر الأخرى، والخطاب لخالد ابن أخته، وكان يبعثه إلى معشوقة له، فأفسدها عليه، واستمالها
إلى نفسه. والبيت في -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على أنّ المصنف قد اعتذر عن انفصال الضمير بعد (إلّا) بما ليس بالقوي (1)، وقد ذكروا - في هذا المذهب - أنّه ليس لنا حرف ينصب فقط، وإنّ الحرف العامل في الاسم حقّه أن يعمل ما اختصّ الاسم به وهو الجرّ (2).
وأمّا المذهب الثاني: وهو أنّ العامل ما قبل (إلّا) بواسطة (إلّا) فهو أقوى المذاهب المذكورة، وأرجحها (3) وهو رأي الجمهور (4)، وعزاه جماعة إلى سيبويه (5)، ونظّروه بالمفعول معه، فإنّ العامل فيه ما قبل الواو، وبواسطتها، وهو الصحيح (6)، وقد ردّه المصنّف بصحة تكرير الاستثناء، نحو: قبضت عشرة إلّا أربعة إلّا درهما إلّا ربعا، إذ لا فعل في المثال المذكور - إلّا (قبضت)، فإذا جعل معدّى بـ (إلّا) لزم تعديته إلى الأربعة بمعنى الحطّ، وإلى الدّرهم بمعنى الجبر، وإلى الرّبع بمعنى الحطّ، وذلك حكم بما لا نظير له، فإنّه استعمال فعل واحد، معدّى بحرف واحد، على معنيين متضادين». اه (7).
والجواب: أنّ (إلّا) - في هذا الكلام - ليست بمعنى الحطّ فقط؛ وإنما جاء إدخال الدرهم في الحكم، من جهة أنه مستثنى [3/ 33] من منفيّ فهو مثبت، فـ (إلّا) حطته من الأربعة الخارجة، فلزم دخوله في الحكم لذلك (8)، ومما ردّ به المصنف هذا المذهب قولنا: قاموا إلا زيدا إلّا عمرا، فإنّ الثاني موافق للأول، في المعنى، فإن جعلا منصوبين بالفعل، معدّى إليهما بـ (إلّا) لزم من ذلك عدم النظير؛ إذ ليس في الكلام فعل معدّى بحرف واحد، إلى شيئين، دون عطف، فوجب اجتنابه». اه (9). -
- ديوان الهذليين (1/ 159)، وشرح التصريح (1/ 105)، وفي ديوان أبي ذؤيب (ص 33).
والشاهد فيه: اتصال الضمير - إياها - شذوذا، بواو المعية، والأصل ألا يتصل الضمير بها؛ لأنها ليست الناصبة بنفسها.
(1)
شرح المصنف (2/ 275) وما بعدها.
(2)
ينظر: المقتصد في شرح الإيضاح للإمام عبد القاهر الجرجاني (2/ 700)، تحقيق د/ كاظم المرجان طبعة دار الرشيد - العراق.
(3)
ينظر في بيان سبب الترجيح: المقتصد في شرح الإيضاح (2/ 699، 700)، وينظر في معارضيه: المساعد لابن عقيل (1/ 556).
(4)
،
(5)
ينظر في ذلك: الهمع (1/ 224).
(6)
ينظر: المقتصد في شرح الإيضاح (2/ 700).
(7)
ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 293)، حيث يرى هذا الرأي.
(8)
ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (1/ 1).
(9)
ينظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 277).