الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أحكام الاستثناء بـ «حاشا»، و «عدا»، و «خلا»]
قال ابن مالك: (فصل: يستثنى بـ «حاشا» و «خلا» و «عدا» فيجررن المستثنى أحرفا، وتنصبنه أفعالا، ويتعيّن الثاني لـ «خلا» و «عدا» بعد «ما» عند غير الجرمي، والتزم سيبويه فعلية «عدا» وحرفيّة «حاشا» وإن وليها مجرور باللّام لم تتعيّن فعليتها، خلافا للمبرّد، بل اسميتها، لجواز تنوينها، وكثر فيها «حاش»، وقلّ «حشا، وحاش»، وربما قيل: ما حاشا، وليس «أحاشي» مضارع «حاشا» المستثنى بها، خلافا للمبرّد، والنصب في: «ما النساء وذكرهنّ» بـ «عدا» مضمرة، خلافا لمن أوّل «ما» بـ «إلّا»).
ــ
قال ناظر الجيش: من أدوات الاستثناء (حاشا)، و (خلا)، و (عدا) والمستثنى بهنّ منصوب، أو مجرور، فإن كان مجرورا فهنّ أحرف جرّ، وإن كان منصوبا فهنّ أفعال، مستحقة منع التصرف، لوقوعها موقع الحرف، وتأديتها معناه، فاستدلّ بالعمل على حرفيتها أو فعليتها؛ لأنّ الجرّ من عمل الحروف، والنصب من عمل الأفعال.
قال الشيخ: ولو زعم زاعم أنّها حال كون ما بعدها مجرورا، أسماء مستثنى بها، كـ (غير) و (سوى) وأنّها حال كون ما بعدها منصوبا أحرف، محمولة على (إلّا) لتوافقها مع (إلّا) في المعنى لم يكن ذلك ببعيد (1). انتهى.
وفيما أشار إليه نظر: فإنّها لو كانت حال الجرّ بها اسما لجاز تفريغ العامل لها، كما يفرغ لـ (غير) وهو لا يفرغ، ولو كانت حال النصب بها أحرفا كـ (إلّا) لجاز أيضا تفريغ العامل لما بعدها، كما يفرّغ لما بعد (إلّا) وهو لا يجوز، ولكانت نون الوقاية معها غير لازمة، إذا اتصلت ياء المتكلّم بها، وهي لازمة إذا امتنعت اسميتها حال الجرّ، والفعلية منفية؛ لأنّ الفعل لا يجرّ - تعينت الحرفية، وإذا امتنعت الحرفية حال النصب والاسمية منتفية؛ لأنّ ما بعدها معمول
لها، وليست من قبيل الأسماء العاملة، ولاتصال نون الوقاية، وهي لا تتصل بالأسماء - تعيّنت الفعلية. -
(1) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 625).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد التزم سيبويه فعليّة (عدا) وحرفية (حاش) وأمّا (خلا) فغلب فعليتها على حرفيتها، قال: وما جاء من الأفعال فيه معنى (إلّا) فـ (ليس) و (لا يكون) و (عدا) و (خلا) وما فيه ذلك المعنى من حروف الإضافة، وليس باسم كـ (حاش) و (خلا) في بعض اللغات (1) هذا نصّه، وقال - في آخر أبواب الاستثناء -: وبعض العرب يقول: ما أتاني القوم خلا عبد الله، فجعل (خلا) بمنزلة (حاش)(2). انتهى.
قال المصنف (3): وكون (حاشا) حرفا جارّا هو المشهور ولذلك لم يتعرض سيبويه لفعليتها، أو النصب بها، إلّا أنّ ذلك ثابت بالنّقل الصحيح، عمّن يوثق بعربيته، فمن ذلك قول بعضهم:«اللهمّ اغفر لي ولمن يسمع، حاشا الشيطان، وأبا الإصبع» (4) رواه أبو عمرو الشيباني (5) وغيره. وأنشد ابن خروف - في شرح الكتاب - قول الشاعر:
1735 -
حاشا قريشا، فإنّ الله فضّلهم
…
على البريّة بالإسلام والدّين (6)
وقال الفرّاء: إذا استثنيت بـ (ما عدا) و (ما خلا) ضمير المتكلم قلت:
ما عداني وما خلاني، ومن نصب بـ (حاش) قال: حاشاني ومن خفض قال: -
(1) الكتاب (2/ 347)، والمساعد لابن عقيل (1/ 584).
(2)
الكتاب (2/ 349، 350).
(3)
شرح المصنف (2/ 306).
(4)
قال ابن السراج في الأصول (1/ 351): «وحكى أبو عثمان المازني عن أبي زيد قال: سمعت أعرابيّا يقول: اللهم اغفر لي ولمن يسمع، حاشا الشيطان، وأبا الإصبع» .
وفي شرح ابن يعيش (2/ 85): وابن الإصبع وكذا في شرح الكافية للرضي وعلى هذه الرواية لا يظهر المقصود بالعطف وهو النصب بالألف.
ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 123)، والتوطئة للشلوبين (ص 279) طبعة: دار التراث، ومغني اللبيب (1/ 122)، تعليق الشيخ محيي الدين.
(5)
هو إسحاق بن مرار أبو عمرو الشيباني الكوفي المتوفى سنة (206 هـ).
(6)
البيت من الطويل وهو للفرزدق في ديوانه (ص 266)، برواية:
إلا قريشا فإن الله فضلها
…
على البرية بالإسلام والخير
ولا شاهد في هذه الرواية.
ينظر: العيني (3/ 137)، والهمع (1/ 333)، والدرر (1/ 196)، والأشموني (2/ 165).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حاشاي (1)، هذا نصّه. وتعصّب بعض المتأخرين، مانعا فعلية (حاشا) لقول بعض العرب:(حاشاي) وأنشد:
1736 -
في فتية جعلوا الصّليب إلههم
…
حاشاي إنّي مسلم معذور (2)
وأجاب المصنف بأنّ ذلك ورد على استعمالها حرفا؛ لأنّه أكثر من استعمالها فعلا، ولو أنّ من قال: حاش الشيطان دعته حاجة إلى استثنائه نفسه، قاصدا للنصب لقال: حاشاني، كما يقال: عساني (3)، وقال بعض المتعصبين (4) - أيضا -:
لو كانت (حاش) فعلا لجاز أن يوصل بها (ما) كما (5) وصلت بـ (عدا) و (خلا) وما ذكره غير لازم، فإنّ من أفعال هذا الباب (ليس) و (لا يكون) ولم توصل (ما) بهما، وأيضا فالدليل يقتضي ألّا توصل (ما) وغيرها، من الحروف الموصلة بالأفعال، إلّا بفعل له مصدر مستعمل، حتى يقدّر الحرف وصلته واقعين موقع ذلك المصدر، ومعلوم أنّ أفعال هذا الباب ليس لها مصادر مستعملة فإذا وصل بها حرف مصدري فهو على خلاف الأصل، فلا يبالى بانفراده بذلك فيقال: لم لم يوافقه غيره، فإنّ موافقته تكثير للشذوذ ومخالفته استمرار على مقتضى الدليل، ومن ورود الجرّ بـ (حاش) - وإن كان هو المجمع عليه - قول الشاعر [3/ 54]: -
(1) التذييل والتكميل (3/ 627) والتصريح (1/ 112)، والهمع (1/ 232).
(2)
قائله الأقيشر الأسدي، واسمه المغيرة بن أسود بن عبد الله بن أسد بن خزيمة، نشأ في أول الإسلام، وعمّر عمرا طويلا، ويروى:
من معشر عبدوا الصليب سفاهة
…
...
المعذور: المختون، وهو مقطوع العذرة، وهي: قلفة الذكر، يقال: عذر الغلام، وأعذره، وكذلك الجارية، الأكثر: عذر الغلام، وختن الجارية، والبيت من الكامل.
والشاهد: في قوله: «حاشاي» ؛ حيث جرّ ياء المتكلم بـ (حاش)، فلو كان في محل نصب لاتصلت نون الوقاية بالفعل. ينظر: العيني (1/ 377)، والتصريح (1/ 112)، والهمع (1/ 232)، والدرر (1/ 197).
(3)
ينظر: التذييل والتكميل (3/ 638).
(4)
قال سيبويه (1/ 337): «لو قلت أتوني ما حاشا زيد لم يكن كلاما» . اه.
(5)
أجاز أبو الحسن الأخفش دخول (ما) المصدرية على قلة. قال التبريزي: وأجاز بعضهم على قلة فقال:
رأيت الناس ما حاشا قريشا
…
فإنّا نحن أفضلهم فعالا
مبسوط الأحكام (3/ 914)، وينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 244)، والبسيط (ص 121)، وشرح الأشموني (2/ 165)، والخزانة (2/ 36)، والهمع (1/ 233)، والدرر اللوامع (1/ 197).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
1737 -
حاشا أبي ثوبان إنّ أبا
…
ثوبان ليس ببكمة فدم
عمرو بن عبد الله إنّ به
…
ضنّا عن الملحاة والشّتم (1)
وقبلها قوله:
1738 -
وبنو رواحة ينظرون إذا
…
نظر النّديّ بآنف خشم (2)
قال المصنف: وروي: «أبا ثوبان» بالنصب (3).
ومن شواهد الجرّ بـ (عدا) قول الشاعر:
1739 -
تركنا في الحضيض بنات عوج
…
عواكف قد خضعن إلى النّسور
أبحنا حيّهم قتلا وأسرا
…
عدا الشمطاء والطّفل الصّغير (4)
ومن شواهد الجرّ بـ (خلا) قول الشاعر:
1740 -
خلا الله لا أرجو سواك إنمّا
…
أعدّ عيالي شعبة من عيالكا (5)
-
(1) البيت من الكامل وهو لجميع الأسدي، واسمه المنقذ بن الطماح.
اللغة: البكمة: - من البكم - وهو الخرس، والفدم: العيي الثقيل، والضنّ: البخل. والملحاة: - بفتح الميم -: مصدر ميمي، كالملاحاة، وهي المنازعة.
الشاهد: في قوله: «حاشا أبي ثوبان» ، حيث جرّ المستثنى بـ (حاشا). ينظر: المفضليات (ص 367)، والأصمعيات (ص 218)، والكشاف (2/ 362)، والإنصاف (ص 162)، والبحر المحيط (5/ 301)، والهمع (1/ 232)، والدرر (1/ 196)، والأشموني (2/ 165)، والبيتان من الكامل.
(2)
الندي: النادي، وأراد به أهله، وآنف: جمع قلة للأنف، وخشم: جمع أخشم، وهي العظام، الكثيرة اللحم.
(3)
شرح المصنف (1/ 308).
(4)
البيتان من بحر الوافر وهما مجهولا القائل.
اللغة: الحضيض: القرار من الأرض، عند منقطع الجبل، وأراد به الموضع الذي وقعت فيه الحرب، وبنات عوج: أي بنات خيول عوج، وهو جمع أعوج، والعوج من الخيل: التي في أرجلها تجنيب، وهو انحناء، وتوتر في رجل الفرس، وهو مستحب، وعواكف: جمع عاكفة، من عكف على الشيء يعكف عكوفا، إذا أقبل، والنسور: جمع نسر، وهو الطائر المعروف، والشمطاء: التي يخالط سواد شعرها بياض. والشاهد: في البيت الثاني؛ حيث جرّ المستثنى بـ (عدا) ويؤكد هذا قافية البيت الأول إذ هي مجرورة. ينظر: التصريح (1/ 363)، والهمع (1/ 232)، والدرر (1/ 197)، والأشموني (2/ 163)، والعيني (3/ 132).
(5)
سبق تخريجه. والشاهد فيه: - هنا - جر المستثنى بـ (خلا).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال المصنف: رواه من يوثق بروايته: «خلا الله» بالجرّ (1)، ومن النّصب بـ (عدا) وإن كان المشهور - قول الشاعر:
1741 -
يا من دحا الأرض ومن طحاها
…
أنزل بهم صاعقة أراها
تحرّق الأحشاء من لظاها
…
عدا سليمى، وعدا أباها (2)
ومن النّصب بـ (خلا) قول الآخر:
1742 -
وبلدة ليس بها طوريّ
…
ولا خلا الجنّ بها إنسيّ (3)
واتفق الجمهور على وجوب النّصب بـ (عدا) و (خلا)، مصحوبين بـ (ما) كقوله:
1743 -
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل (4).
وقول الآخر:
1744 -
تملّ الّندامى ما عداني فإنّني
…
بكلّ الذي يهوى نديمي مولع (5)
وسبب ذلك أنّ (ما) مصدرية، ولا يليها حرف جرّ، وإنمّا توصل بجملة فعلية، أو اسمية قليلا، وأجاز الجرمي جرّ ما بعدهما حينئذ - ورواه عن العرب (6)، والوجه فيه أن تجعل (ما) زائدة، و (عدا، وخلا) حرفي جرّ، وفيه شذوذ؛ لأنّ -
(1) شرح المصنف (2/ 310).
(2)
البيتان من بحر الرجز لقائل مجهول.
اللغة: دحا، وطحا: بمعنى بسط، والصاعقة: نار تسقط من السماء في رعد شديد، واللظى: النار.
والشاهد: في نصب المستثنى بـ (عدا) في قوله: «عدا سليمى» ، و «عدا أباها». ينظر: الهمع (1/ 232)، والدرر (1/ 196)، والتذييل والتكميل (3/ 630) رسالة، ومبسوط الأحكام للتبريزي (3/ 787) رسالة.
(3)
رجز للعجاج.
(4)
لبيد بن ربيعة العامري، وقد سبق تخريجه وهو بتمامه:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
…
وكل نعيم لا محالة زائل
(5)
لم يعين قائله، والبيت من الطويل.
الندامى: جمع نديم، وهو شريب الرجل، الذي ينادمه. والشاهد فيه: نصب المستثنى بـ (عدا) مما يدل على أنها فعل؛ لذا لحقتها نون الوقاية. ينظر: شرح المرادي (177 / ب)، والشذور (ص 262)، والعيني (1/ 363)، (2/ 124)، والهمع (1/ 323)، والدرر (1/ 197).
(6)
ينظر: شرح الرضي (1/ 230)، والغرة شرح اللمع لابن الدهان (2/ 139).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(ما) إذا زيدت مع حرف الجرّ لا تتقدم عليه، بل تتأخر عنه، نحو: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ (1) وعَمَّا قَلِيلٍ (2) وحيث نصب الاسم بعد (عدا) و (خلا) موصولين بـ (ما) أو غير موصولين بـ (ما) نصبه الأفعال، على أنه مفعول به وسيأتي الكلام على فاعل الأفعال المشار إليها وعلى محلّها أيضا، واعلم أنه تجرد (حاشا) عن معنى الاستثناء، وتستعمل مقصودا بها تنزيه الاسم المذكور بعدها عن السوء، فيقال: - حينئذ - حاش زيد، وحاشا لزيد؛ منونة، وغير منونة، وقد يبتدئون بتنزيه اسم الله تعالى، على جهة التعجّب، كما في قوله تعالى: قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ (3)، وإذا قصد بها هذا المعنى خرجت عن أن تكون حرفا؛ لأنّ الحرف لا يضاف، ولا ينوّن ولا يباشر حرفا مثله، وهل هي اسم أم فعل؟ في ذلك خلاف.
قال المصنف (4): وإذا ولي حاشا مجرور باللّام فارقت الحرفية بلا خلاف؛ إذ لا يدخل حرف جرّ على حرف جرّ، وإذا لم تكن حرفا فهي إمّا فعل، وإمّا اسم، فمذهب المبرّد أنّها - حينئذ - فعل (5)، والصّحيح أنها اسم، منتصب انتصاب المصدر الواقع بدلا من اللفظ بالفعل، فمن قال: حاشَ لِلَّهِ بالإضافة - وهي قراءة ابن مسعود (6) - فهي مثل: سبحان الله، ومعاذ الله (7)، ومن قال:(حاشا لله)، بالتنوين - وهي قراءة أبي السّمّاك (8) - فهو مثل: رعيا لزيد، وأما القراءة -
(1) سورة آل عمران: 159.
(2)
سورة المؤمنون: 40.
(3)
سورة يوسف: 51.
(4)
شرح المصنف (2/ 308) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، د/ بدوي المختون.
(5)
ينظر: المقتضب للمبرد (4/ 392) تحقيق/ عبد الخالق عضيمة.
(6)
هو عبد الله بن مسعود بن الحارث أبو عبد الرحمن الهذلي المكي، أحد السابقين والبدريين، والعلماء الكبار من الصحابة، إليه منتهى قراءة عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، والأعمش، توفي سنة (32 هـ). ينظر: غاية النهاية (1/ 458، 459).
(7)
في الكشاف للزمخشري (2/ 317): فمعنى (حاشا الله): براءة الله، وتنزيه الله، وهي قراءة ابن مسعود، على إضافة (حاشا) إلى (الله)، إضافة البراءة. اه. وقد نقل هذا الكلام بنصه عن الزمخشري في البحر المحيط (5/ 302).
(8)
هو أبو السماك، قعنب بن أبي قعنب، العدوي البصري، له اختيار في القراءة، شاذ عن العامة، رواه عنه أبو زيد، سعيد بن أوس، وأسند الهذلي قراءة أبي السماك عن هشام البربري، عن عباد بن راشد، عن الحسن عن سمرة، عن عمر، وهذا سند لا يصح. ينظر: غاية النهاية (2/ 27).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المشهورة وهي: حاشَ لِلَّهِ - بغير تنوين - فالوجه فيها أن يكون (حاشا) مبنيّا، لشبهه بـ (حاشا) التي هي حرف، فإنّه شبيه بها لفظا، ومعنى، فجرى مجراه، في البناء (1) كما جرى في (عن) من:
1745 -
…
من عن يميني تارة وأمامي (2)
مجرى (عن) في نحو: رويت عن زيد. انتهى.
وقد أفهمت عبارة المصنّف - في المتن (3) أنّ المبرد دائما يدّعي الفعلية فيها إذا وليها المجرور باللّام، وهو الظاهر فإنه حال إضافتها - لا يمكن أن يكون فعلا، وكذا إذا نونت وإن وليها المجرور المذكور، وحينئذ تبعد دعوى المبرد؛ لأنّ معناها - مضافة وغير مضافة، منونة - وغير منونة واحد، وهو التّنزيه، كما تقدّم، فكيف يدّعي الفعليّة في بعض الصور، دون بعض مع إمكان غيرها؟ فالظاهر اتفاقهم، وإن وليها اللام، كما قال المصنف، وفي (حاشا) لغات أربع:
إحداها: إثبات الألف الأولى والأخيرة.
الثانية: إثبات الأولى، وحذف الأخيرة.
الثالثة: عكسها.
الرابعة: حذف الألف الأخيرة، مع سكون آخرها (4).
وقال الشيخ - ما معناه -: إنّ هذه اللغات في (حاشا) التي تستعمل للتنزيه، والمرادة من الصور، ظاهر عبارة المصنّف أنّ اللغات المذكورة في المستثنى بها أيضا، -
(1) لمراجعة القراءتين المذكورتين ينظر: معاني الفراء (2/ 341)، والمحتسب (2/ 341)، والبحر المحيط (5/ 303)، والمساعد لابن عقيل (1/ 585).
(2)
قائله: قطري بن الفجاءة الخارجي، وهو عجز بيت من الكامل، وصدره:
ولقد أراني للرماح دريئة
…
...
والدريئة: الحلقة التي يتعلم عليها الطعن والرمي.
والشاهد: في مجيء (عن) اسما بمعنى جانب، وهي ساكنة، كما كانت حرفا. ينظر: شرح المفصل (8/ 40)، والخزانة (4/ 258)، والتصريح (29/ 190)، والهمع (2/ 36)، والأشموني (2/ 226).
(3)
أي قوله: «وإن وليها مجرور باللام لم يتعين فعليتها خلافا للمبرد. ينظر: تسهيل الفوائد (ص 106).
(4)
ينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 585) تحقيق د/ بركات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد نقل غير المصنف أنّ (حشى) جاءت للاستثناء حاش (1)، وأنشد عليه:
1746 -
حشى رهط النّبيّ فإن منهم
…
بحورا لا تكدّرها الدّلاء (2)
وأشار المصنف بقوله: وربّما قيل: (ما حاشا) إلى ما روي من قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«أسامة أحبّ الناس إليّ ما حاشا فاطمة» (3) وأنشد الشيخ على ذلك (4):
1747 -
رأيت الناس ما حاشا قريشا
…
فإنّا نحن أفضلهم فعالا (5)
وأشار المصنّف أيضا بقوله: وليس (أحاشي) مضارع (حاشا) المستثنى بها إلى أنّ المبرد استدلّ على فعلية (حاشا)(6) التي هي أداة الاستثناء بقول النابغة:
1748 -
ولا أرى فاعلا في النّاس يشبهه
…
وما أحاش من الأقوام من أحد (7)
قال المصنف: وهذا منه غلط؛ لأنّ (حاشا) إذا كانت فعلا، وقصد بها الاستثناء، فهي واقعة موقع (إلّا) ومؤدية معناها، فلا تتصرف، كما لا تتصرف -
(1) في التذييل والتكميل (3/ 639): «يعني في التي تستعمل للتنزيه والبراءة من السوء ولا يحفظ (حاش) في المستثنى بها، وحفظ حاشا» . اه.
(2)
البيت من الوافر، ولم أهتد إلى قائله. رهط الرجل: أهله، والدلاء: جمع دلو.
والشاهد: في استعمال (حاشا) المحذوفة والألف الأولى للاستثناء. ينظر: المقرب (1/ 172). اللسان مادة (حشا).
(3)
أخرجه ابن حنبل (2/ 96، 106، 107).
(4)
نسب في العيني (3/ 136)، وشواهد المغني (ص 127) إلى الأخطل، وليس في ديوانه.
(5)
البيت من بحر الوافر.
الشاهد في قوله: «ما حاشا» ؛ حيث دخلت (ما) على (حاشا) وهو قليل، عند بعض العلماء، شاذ عند غيرهم، كسيبويه، وأكثر النحويين. ينظر: الهمع (1/ 233)، والغرة لابن الدهان (2/ 190)، والخزانة (2/ 36)، والتصريح (1/ 365)، والأشموني (2/ 165)، والمساعد لابن عقيل (1/ 586).
(6)
في المساعد لابن عقيل (1/ 586): «خلافا للمبرّد في استدلاله على فعلية (حاشا) في الاشتقاق، بتصريف الفعل نحو: حاشيت زيدا، أحاشيه؛ لأنّ حاشيت مشتق من حاشا حرف الاستثناء، كما اشتق سوفت من سوف» . اه.
(7)
استدل المبرد بقوله: لا أحاش، على فعلية حاشا الاستثنائية، ورد ذلك عليه.
ينظر: ديوان النابغة (ص 33)، الإنصاف (161)، وشرح المفصل (2/ 85)، والغرة لابن الدهان (2/ 190)، وشرح الجمل لابن العريف (109 / أ)، وابن القواس (ص 397)، والمغني (ص 121)، والخزانة (2/ 44)، والهمع (1/ 233)، والدرر (1/ 198)، والأشموني (2/ 167) والبيت من البسيط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(عدا) و (خلا) و (ليس) و (لا يكون) بل هي أحقّ بمنع الصّرف؛ لأنّ فيها مع مساواتها (إلّا) - وقع شبيهها بـ (حاش) الحرفية لفظا ومعنى، وأمّا (أحاشي) فمضارع (حاشيت) بمعنى استثنيت، وهو فعل متصرف مشتقّ من لفظ (حاش) المستثنى بها، كما اشتقّ (سوفت) من لفظ (سوف) و (لوليت) من لفظ (لولا) و (أنّهت) من لفظ (إنّها) وأمثال ذلك كثيرة (1).
وأشار أيضا بقوله: والنصب في: ما النّساء إلى ما روي من كلام العرب: «كلّ شيء مهمه ما النساء وذكرهنّ» (2)، ومعناه: كلّ شيء يستر، ما عدا النساء وذكرهنّ، فحذفوا (عدا) وأبقوا عملها (3).
قال المصنف: وزعم بعض الناس أنّ (ما) - هنا - بمعنى (إلا)، وليس بشيء (4) قال الشيخ: لأنّ (ما) لم يثبت لها قطّ معنى (إلّا) في لسان العرب بخلاف كونها مصدريّة (5)، قال: وإنّما أضمر [3/ 55](عدا) لأنّها متفق على فعليتها،
بخلاف (خلا) و (حاشا) فكانت أولى، ونقل عن السهيليّ أنّ (ما) في هذا المثال المذكور بمعنى (ليس) أي: ليس النساء وذكرهنّ (6).
قال الشيخ: فهذا مذهب ثالث؛ لأنّها عنده نافية، ليست مصدريّة، ولا بمعنى (إلا)(7).
(1) شرح المصنف (2/ 309).
(2)
ذكره الميداني في مجمع الأمثال (2/ 132) برواية «كل شيء مهمه ما خلا النساء وذكرهن» ، وينظر اللسان مادة «مهمه» في اللسان: مههت: لنت، ومهّ الإبل: رفق بها، وسير مهه ومهادة:
رفيق، والمهة: الطراوة والنضارة.
(3)
في المساعد لابن عقيل (1/ 586): «فالتقدير: ما عدا النساء، فحذف الفعل الواقع صلة (ما) وبقي معموله، كما حذف الفعل الواقع صلة أن من قول من قال: «أما أنت منطلقا انطلقت» . اه.
تحقيق د/ بركات. قال الجوهري والأحمر والفراء: «يقال في المثل: كلّ شيء مهه ما النساء وذكرهن، أي: أنّ الرجل يحتمل كلّ شيء حتّى يأتي ذكر حرمه، فيمتعض حينئذ فلا يحتمله، قال: وقوله (مهه): أي: يسير، ويقال أيضا: مهاة، أي: حسن، ونصب النساء على الاستثناء، أي: ما خلا النساء، وإنما أظهروا التضعيف في (مهه) فرقا بين فعل، وفعل. اه.
(4)
شرح المصنف (2/ 310).
(5)
أي: وهو ثابت في كلام العرب، ينظر: التذييل والتكميل (3/ 642).
(6)
شرح المصنف (2/ 310).
(7)
المرجع قبل السابق الصفحة نفسها.