الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حذف عامل الحال جوازا أو وجوبا]
قال ابن مالك: (ويضمر عاملها جوازا لحضور معناه أو تقدّم ذكره في استفهام أو غيره، ووجوبا إن جرت مثلا، أو بيّنت ازدياد ثمن أو غيره شيئا فشيئا، مقرونة بـ «الفاء» أو «ثمّ»، أو نابت عن خبر، أو وقعت بدلا من اللّفظ بالفعل في توبيخ وغيره).
ــ
1828 -
قهرت العدا لا مستعينا بعصبة
…
ولكن بأنواع الخدائع والمكر (1)
قال ناظر الجيش: يجيء الحال منصوبا بعامل (2)[3/ 79] مضمر كما كان ذلك في غيرها من المنصوبات، وذلك على ضربين:
الضرب الأول: ما الإضمار فيه جائز، وذلك لسببين: أحدهما حضور معنى العامل، والثاني تقدّم ذكره.
فمثال الأول: قولهم للمرتحل: «راشدا مهديّا» وكذا «مصاحبا معانا» أي:
اذهب، وللقادم من سفر:«مأجورا مبرورا» أي: رجعت، وللمحدّث:
«صادقا» أي: تقول، ولمن تعرض لأمر:«متعرضا لغنى لم يعنه» أي: دنا، ومعنى لغنى: لأمر عنّ له، أي: عرض، والمراد به أنّه دخل في شيء لا يعنيه (3).
وقد جوّزوا الرفع في هذه الأمثلة على إضمار مبتدأ (4).
ومثال الثاني: قولك في استفهام: «راكبا» لمن قال لك: «كيف جئت؟» وفي غير استفهام: «بلى مسرعا» لمن قال: «لم تنطلق» بإضمار (جئت) في الأول، و (انطلقت) في الثاني، ومنه قوله تعالى: بَلى قادِرِينَ (5) بإضمار (نجمعها) وهو تقدير سيبويه (6)، وقال الفراء: إنه مفعول بـ (يحسب) دلّ عليه -
(1) البيت من الطويل لزياد بن يسار وينظر في: شرح المصنف (2/ 351)، والتذييل (3/ 803)، والارتشاف (2/ 360)، والهمع (1/ 148، 245).
والشاهد: في «لا مستعينا» ؛ حيث أفرد الحال الواقعة بعد «لا» للضرورة الشعرية، والقياس أن تردف بأخرى.
(2)
في المخطوط: «بالألف» ، وهو سهو.
(3)
ينظر: الارتشاف (2/ 360).
(4)
ينظر: الارتشاف (2/ 360) وفيه قال: وذكر سيبويه الرفع في هذا على إضمار مبتدأ. ويراجع الكتاب (1/ 320).
(5)
سورة القيامة: 4.
(6)
ينظر: الكتاب (1/ 346)، وشرح المصنف (2/ 351).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَيَحْسَبُ الأول، أي: فليحسبنا قادرين على أن نسوّي بنانه (1).
الضرب الثاني: ما يجب فيه الإضمار، وذلك في صور:
إحداها: ما جرت الحال فيه مثلا كقولهم: «حظيّين بنات صلفين كنّات» (2) بإضمار (عرفتم) أو نحو ذلك.
الثانية: الحال التي بيّنت ازدياد ثمن شيئا فشيئا نحو: «اشتريته أو أخذته بدرهم فصاعدا» أي: فذهب الثمن صاعدا (3)، وهذا الكلام إنما يكون جوابا لمن قال:«بكم اشتريت هذا المتاع؟» فأخبر أن أدناه مشترى بدرهم والثمن حاله الزيادة بعد ذلك (4).
وحاصل الأمر: أنه لا يقال في مشترى واحد، إنما يقال في أشياء متعددة مختلفة الأثمان أدون ما فيها بدرهم وما عداه أكثر من درهم.
الثالثة: الحال التي بينت غير الازدياد شيئا فشيئا نحو: «تصدّق بدينار فسافلا» أي: فانحط المتصدق به سافلا (5)، وهذا الكلام أيضا إنما يقال: إذا كان المتصدق به متعددا مختلف المقدار، أعلاه دينار وما عداه أقل منه ثم أقل، عكس ما قيل في الصورة الأولى.
وشرط الحال في هاتين الصورتين: أن يكون مصحوبا بـ (الفاء) أو بـ (ثمّ)، كما نبّه عليه في المتن، والفاء أكثر في الكلام؛ نصّ على ذلك سيبويه (6)، وعللّ ذلك بأنّ (ثم) للمهلة - ولا معنى للمهلة هنا - وأمّا الواو فلا تدخل في هذا الكلام لعدم إفادتها المعنى المراد. -
(1) ينظر: التذييل (3/ 803)، وفي معاني الفراء (3/ 208): وقوله: (قادرين) نصبت على الخروج من (نجمع) كأنك قلت في الكلام: أتحسب أن لن نقوى عليك، بلى قادرين على أقوى منك، يريد: بلى نقوى قادرين، بلى نقوى مقتدرين على أكثر من ذا.
(2)
يضرب هذا المثل في أمر يعسر طلب بعضه ويتيسر وجود بعضه، والحظيّ: الذي له حظوة ومكانة عند صاحبه، والصّلف: ضده، وأصله:
قلة الخير، ويقال: امرأة صلفة، إذا لم تحظ عند زوجها وكنّات: جمع كنّة، وهي امرأة الابن وامرأة الأخ أيضا.
ونصب «بنات» و «صلفين» على إضمار فعل، كأنه قال: وجدوا أو أصبحوا. ينظر: مجمع الأمثال للميداني (1/ 372).
(3)
ينظر: كتاب سيبويه (1/ 290)، والمقتضب (3/ 255).
(4)
ينظر: الارتشاف (2/ 361).
(5)
ينظر: شرح المصنف (2/ 351).
(6)
ينظر: الكتاب (1/ 290، 291).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصورة الرابعة: الحال النائبة عن خبر نحو: «ضربي زيدا قائما» (1) وقد سبق الكلام عليها في باب المبتدأ.
الخامسة: الحال الواقعة بدلا من اللفظ بالفعل [في](2) توبيخ وغير توبيخ، فالتوبيخ قولك:«أقائما وقد قعد الناس؟» و «أقاعدا وقد سار الركب؟» وكذا إذا أردت ذلك المعنى - أي: التوبيخ - ولم تستفهم، تقول:«قاعدا قد علم الله وقد سار الركب» (3) ومنه أيضا: «أتميميّا مرّة وقيسيّا أخرى؟» بإضمار (أتتحول؟)(4)، و «ألاهيا وقد جدّ قرناؤك؟» أي: أتعبث؟ (5)، ومن التوبيخ أيضا قول الشاعر:
1829 -
أراك جمعت مسألة وحرصا
…
وعند الحقّ زحّارا أنانا (6)
الأنان: الأنين، والعامل فيه زحّارا؛ لأنّ (زحر) قريب المعنى من (أنّ).
وغير التوبيخ قولك: «هنيئا مريئا» أي: ثبت لك هنيئا أو هنّأه ذلك هنيئا، فعلى إضمار (ثبت) تكون الحال مقيدة وعلى إضمار (هنّأ) تكون الحال مؤكدة، ونصّ على التقديرين سيبويه (7). ويتناول غير التوبيخ الحال المضمر عاملها في الإنشاء كقول الشاعر:
1830 -
ألحق عذابك بالقوم الذين طغوا
…
وعائذا بك أن يعلوا فيطغوني (8)
أراد: وأعوذ عائذا بك، فحذف الفعل وأقام الحال مقامه كما كان يفعل بالمصدر لو قال: عائذا بك (9). -
(1) أصله عند أكثر البصريين: ضربي زيدا إذا كان قائما، فالمبتدأ «ضربي» وخبره «إذا» و «كان» تامة؛ لأنها لو كانت ناقصة لكان خبرها «قائما»
…
شرح المصنف (1/ 278).
(2)
زيادة لحاجة السياق.
(3)
ينظر: كتاب سيبويه (1/ 240).
(4)
السابق (1/ 243).
(5)
ينظر: شرح المصنف (2/ 351).
(6)
البيت من الوافر وقائله: المغيرة بن حبناء يخاطب أخاه صخرا، وينظر في: كتاب سيبويه (1/ 342)، والمقرب (1/ 258)، وشرح المصنف (2/ 193، 352) واللسان «زحر» . وزحارا بالحاء - وهي في المخطوط بالخاء تصحيفا.
(7)
ينظر: الكتاب (1/ 316، 317)، وشرح المصنف (2/ 352).
(8)
البيت من البسيط، وقائله: عبد الله بن الحارث السهمي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وينظر: في شرح الحماسة للمرزوقي (475)، وكتاب سيبويه (1/ 342)، والروض الأنف (1/ 208) وشرح المصنف (2/ 193، 352)، واللسان «عوذ» .
(9)
بعدها في المخطوط: «
…
فحذف الفعل وأقام الحال مقامه عياذا بك» وهو تكرار للجملة السابقة.