الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قسما التمييز: ما يميز مفردا وما يميز جملة]
قال ابن مالك: (ويميز إمّا جملة - وستبيّن - وإمّا مفردا عددا أو مفهم مقدار أو مثليّة، أو غيريّة، أو تعجّب بالنصّ على جنس المراد بعد تمام بإضافة أو تنوين، أو نون تثنية أو جمع أو شبهه)(1).
- والتمييز ليس كذلك (2).
قال ناظر الجيش: قد تقرر أنّ التمييز قسمان: قسم يميّز المفرد، وقدّم المصنف ذكره، وقسم يميّز الجملة، وقد أخّر المصنف الكلام عليه.
وعند صاحب الكتاب (3) أنّ مميز الجملة ما ذكر بعد جملة فعلية مبهمة النسبة، نحو:«طاب زيد نفسا» وفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً (4). ومميز المفرد ما عدا ذلك، ولهذا عدّ من مميز المفرد نحو:«هو طيب نفسا، ومنشرح صدرا» كما سيأتي بعد عند ذكر العامل في التمييز، وما ذكره غير ظاهر فإنّ المبهم في هذين المثالين إنّما هو النّسبة، وكلّما ميّز نسبة فهو من قبيل مميّز الجملة لا المفرد، وليس من شرط النسبة وجود جملة، بل وجود المنتسبين، كان بينهما إسناد جملي أو لم يكن.
وقد حقّق ابن الحاجب ذلك فقال: الذات المقدّرة إنّما تكون باعتبار النسب، وذلك في الجمل كـ «حسن زيد أبا» وما يضاهيها من الصفة المنسوبة لمعمولها نحو:«زيد حسن أبا» والمضاف بالنسبة إلى المضاف إليه نحو: «يعجبني حسن زيد أبا» ؛ لأنها جميعها قصد فيها إلى نسبة الحكم إلى متعلق بالمذكور، وهو مبهم فكان ما ذكره تمييزا له. انتهى (5).
وإذا كان المميز في «طاب زيد نفسا» وفي «هو طيب نفسا» واحدا، وهو النسبة فكيف نخصّ مميز الأول باسم مميز الجملة دون مميز الثاني، وكأنّ المصنف لاحظ صورة الجملة فقط دون التفات إلى المعنى، وهو غير واضح؛ لأنّ التمييز إنما -
(1) تسهيل الفوائد (ص 114).
(2)
انظر ما اجتمع فيه الحال والتمييز وما افترقا بتفصيل أكثر في كتاب مغني اللبيب (2/ 460) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين، وكتب المتأخرين الأخرى آخر البابين.
(3)
يقصد المصنف ابن مالك.
(4)
سورة القمر: 12.
(5)
ينظر: الإيضاح في شرح المفصل (1/ 350).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
انقسم إلى القسمين المذكورين باعتبار ما ميّزه، لا باعتبار ما يذكر معه من جملة أو غيره.
وقسّم المصنف المفرد إلى عدد وإلى ما أفهم مقدارا، أو مثليّة أو غيريّة، أو تعجّبا:
فالعدد نحو: وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً (1)، وأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً (2).
والذي يفهم المقدار يتناول الكيل والوزن والمساحة، نحو:«إردبّ قمحا، ورطل زيتا، وقدر راحة سحابا» وإنّما أفرد المصنف العدد بالذكر ولم يدخله تحت مفهم المقدار، وإن كان مقدارا من جهة أنه ليس له آلة يعرف بها (3) كالمكيال للمكيل، والميزان للموزون، والذراع للممسوح، على أنّ بعضهم أدرجه في المقادير ولم [3/ 89] يلتفت إلى هذا، وكذا فعل ابن الضائع (4).
ومفهم المثليّة نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوا لي أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» (5)، ومنه قول الشاعر:
1896 -
فإن خفت يوما أن يلجّ بك الهوى
…
فإنّ الهوى يكفيكه مثله صبرا (6)
وقول العرب: «لنا أمثالها إبلا» .
ومفهم الغيريّة نحو قولهم: «لنا غيرها شاء» .
ومفهم التعجب نحو: «ويحه رجلا، وحسبك به فارسا، ولله درّه إنسانا (7)، -
(1) سورة الأعراف: 142.
(2)
سورة يوسف: 4.
(3)
ينظر: التذييل (4/ 20 - 22)، وفيه قال: وجعل المصنف مفهم مقدار قسيما للعدد هو قول أبي علي الفارسي، قال في الإيضاح: والمقادير على ثلاثة أضرب: ممسوح ومكيل وموزون، وكذا قال ابن عصفور. وينظر: الإيضاح (ص 180)، والمقرب (1/ 164).
(4)
قال أبو حيان: وأدرج شيخنا أبو الحسن الأبّذي وابن الضائع تحت المقادير العدد. التذييل (4/ 21)، وينظر: شرح الجمل لابن الضائع (1/ 146 أ) مخطوط تحت رقم (20 نحو).
(5)
ينظر في: سنن أبي داود (2/ 518)، وصحيح البخاري (2/ 29) وذكر في شرح المصنف (2/ 380)، والتذييل (4/ 23).
(6)
البيت من الطويل، وقائله الرماح بن أبرد، وينظر في شرح المصنف (2/ 380)، وشرح الكافية الشافية (2/ 773)، والتذييل (3/ 725)، (4/ 24).
(7)
تنظر هذه الأقوال في: شرح المصنف (2/ 380).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و:
1897 -
…
... أبرحت جارا (1)
و:
1898 -
…
يا جارتا ما أنت جاره (2)
واعلم أنّ مميز المفرد أكثره فيما كان مقدارا وإن جاء في غيره فلشبهه به ومناسبته إيّاه، وذلك قليل، ومنه الأمثلة السابقة المتقدمة.
قال الشيخ: مذهب الفارسي أنّ (مثلا) ليس من المقادير (3). وعلى هذا أتى به المصنف فعطفه على المقدار. وجعله سيبويه من المقادير (4)، ووجهه أنّ مثل الشيء يساويه ويقادره في الشيء الذي أشبهه فيه (5). وقال ابن الضائع:«لي مثله رجلا» شبيه بالمقادير؛ لأنّه لمّا حذف موصوف «مثله» وانبهم أشبه المقدار، وقد جعله سيبويه -
لشبهه بالمقادير - منها (6).
وقال الشيخ أيضا: إنّ سيبويه جعل «ويحه رجلا، وحسبك به فارسا، ولله درّه إنسانا» شبيهة بالمقادير. انتهى (7). -
(1) جزء من بيت للأعشى وهو بتمامه:
تقول ابنتي حين جدّ الرّحي
…
لـ أبرحت ربّا وأبرحت جارا
وهو من المتقارب، وينظر في: ديوانه (ص 49)، والكتاب (1/ 299)، والإيضاح لابن الحاجب (1/ 350). والمراد بالربّ هنا الممدوح.
(2)
من مجزوء الكامل للأعشى أيضا وسبق تخريجه في باب الحال.
(3)
ينظر: التذييل (4/ 24)، وعبارة الفارسي في الإيضاح: وقالوا: «لي مثله رجلا» فنصبوا «رجلا» لحجز الإضافة بينه وبين «مثل» وإن لم يكن ما تقدم من المقادير، ولكن لما كان «مثله» شائعا في أشياء مبهما فيها صار الناصب لذلك في التبيين كتبيين الناصب في المقادير. (ص 180) بتحقيق د/ كاظم المرجان.
(4)
ينظر: الكتاب (2/ 172).
(5)
ينظر: التذييل (4/ 24).
(6)
السابق نفسه، وينظر: شرح الجمل لابن الضائع (1/ 146 ب مخطوط).
(7)
التذييل (4/ 32)، وينظر: الكتاب (2/ 174)، وعبارته: هذا باب ما ينتصب انتصاب الاسم بعد المقادير، وذلك قولك:«ويحه رجلا، ولله درّه رجلا، وحسبك به رجلا» وما أشبه ذلك.
ثم قال: وانتصب الرجل؛ لأنه ليس من الكلام الأول، وعمل فيه الكلام الأول، فصارت الهاء بمنزلة التنوين. ومع هذا أيضا أنّك إذا قلت: ويحه فقد تعجبت وأبهمت من أيّ أمور الرجل تعجبت، وأي الأنواع تعجبت منه، فإذا قلت: فارسا وحافظا فقد اختصصت ولم تبهم، وبيّنت في أي نوع هو. اه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يريد سيبويه أنّها شبيهة بالمقادير في المقدارية؛ لأنّ هذا لا يصحّ وإنّما أراد أنّ في نحو: «حسبك به فارسا» احتمالات مبهمة والتمييز أزالها كما أزال الإبهام عن المقدار، وكذا إذا قيل:«لله درّه فارسا» ؛ لأنّه يتعجب منه في صور شتّى، فلا يعلم أيّها هو، فـ (فارسا) بيّن أنّ التعجب وقع من فروسيته (1).
ولم يجعل ابن الحاجب التمييز في نحو: «لله درّه فارسا، وحسبك به شجاعا» مميز مفرد، قال: لأنّ المعنى فيه: لله درّ فروسيّته، فهو مثل:«يعجبني حسن زيد أبا» والمعنى: حسن أبوّته، وإذا كان المعنى كذلك فهو من باب تمييز
الجمل؛ لأنه من باب تمييز النسبة الإضافية، وكذا المعنى في «حسبك به ناصرا»: حسبك بنصرته (2).
وفي كلام ابن الدّهان ما يعضد هذا، فإنّه قال - بعد أن نفى أن يكون هذا من التمييز المنقول، ومن الذي انتصب عن تمام الاسم في المقادير -: والذي عندي في هذا أنّ التقدير: لله درّ شجاعته زيد، ثم نقل «زيد» فجعل مضافا إليه «در» فخرجت «الشجاعة» تمييزا، وقام «الشجاع» مقامها توسعا.
قال: وكذلك:
1899 -
يا جارتا ما أنت جاره (3)
في أحد قولي الفارسي (4)، تقديره: ما جوارك، أقام الكاف مقام الجوار، فقال:
ما أنت، فخرج الجوار منصوبا على التمييز، وجعل موضعه (جارة) كما تقدّم. وإن جعل (ما) نافية، وجعل (جارة) خبر (أنت) استراح، أي: ما أنت جارة، بل أكثر من ذلك. انتهى كلام ابن الدهان، ولا يبعد المعنى على ما قرره.
ومعنى «أبرحت جارا» بيّن أن الإعجاب من جهة الجوار، فعلى هذا التمييز للنسبة، وكلام المصنف إنما هو في تمييز المفرد، فلا ينبغي التمثيل به في هذا الفصل. قال الشيخ:«أبرحت جارا» من قول الشاعر:
1900 -
فأبرحت ربّا وأبرحت جارا
-
(1) وهذا مفهوم كلامه السابق.
(2)
ينظر: الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 355).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
ينظر: الإيضاح للفارسي (ص 180) بتحقيق د/ كاظم المرجان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنشده سيبويه، وقال الأعلم: هو عجز بيت، وأوله:
1901 -
تقول ابنتي حين جدّ الرّحي
…
لـ أبرحت ربّا وأبرحت جارا (1)
قال: وذهب الأعلم إلى أنه مما انتصب عن تمام الكلام، وأنه منقول من فاعل، وتقديره: أبرح ربّك وأبرح جارك، فأسند الفعل إلى غيرهما، ثم نصبهما تفسيرا.
وذهب ابن خروف إلى أنّه مما انتصب عن تمام الاسم، وعلى هذا أنشده سيبويه، وجاء به على أن الربّ هو التاء في
أبرحت وهو خطاب الشاعر لممدوحه، ويقوي ذلك إنشاده إياه:(فأبرحت) بالفاء، ولا يصح إيصاله بصدر البيت على أن يكون معمولا للقول، فلا يكون عجزا لذلك الصدر. انتهى (2).
وعلى ما ذهب إليه ابن خروف من أنّه تمييز منتصب عن تمام الاسم يحسن تمثيل المصنف به ومجيئه بذلك على أنه من قبيل مميز المفرد، لكن الظاهر خلاف ذلك، وتفسيرهم إياه بأن معناه: أعجبت جارا وأنّ الإعجاب من جهة الجوار يدلّ على أنّ التمييز فيه مميز جملة، لا مميز مفرد، وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن يمثل به المصنف؛ لأنّه بصدد ذكر مميز المفرد، وهذا مميز جملة.
والباء من قوله (3): بالنصّ على جنس المراد تتعلق بـ: يميّز.
قال الشيخ: وينبغي أنّ النكرة إذا لم يكن فيها بيان ألّا تقع تمييزا.
وقد اختلفوا من ذلك في مسائل:
منها:
(ما) في باب (نعم) أجاز الفارسيّ أن تكون تامة بمعنى «شيء» وتنتصب تمييزا (4)، وتبعه الزمخشري (5)، ومنع ذلك غيره (6). -
(1) البيت للأعشى وسبق تخريجه وينظر: الكتاب (2/ 175)، وتحصيل عين الذهب للأعلم بهامش الكتاب (1/ 299) بولاق.
(2)
انتهى كلام الشيخ: أبي حيان وينظر: في التذييل (4/ 24 - 33).
(3)
أي: المصنف في المتن.
(4)
ينظر: المسائل الشيرازيات للفارسي (2/ 550) رسالة دكتوراه بجامعة عين شمس تحقيق د/ علي منصور تحت رقم (211210).
(5)
ينظر: المفصل (ص 273)، وشرح المفصل (7/ 134).
(6)
منهم أبو ذرّ مصعب بن أبي بكر الخشني. التذييل (4/ 37).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنها: (مثل) أجاز سيبويه التمييز بها، فتقول:«لي عشرون مثله» (1) وحكى «لي ملء الدار أمثالك» (2) ومنع ذلك الكوفيون (3).
ومنها: (غير) أجاز يونس التمييز بها، فتقول:«لي عشرون غيرك» (4) ومنع ذلك الفراء (5). قال (6): وهو أحرى أن يمنعه الكوفيون، وقد تلقى سيبويه هذا عن يونس بالقبول، فينبغي أن ينسب إليه جوازه.
ومنها: «أيّما رجل» أجاز التمييز بها الجمهور، ومنع ذلك الخليل وسيبويه (7).
وتمام المميز بإضافة نحو: «لله درّه إنسانا» ، ومِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً (8)، وأَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً (9)، ومنه «زيد أشجع الناس رجلا» .
وتمامه بتنوين نحو: «رطل زيتا، ومدّ برّا» . [3/ 90] وقد يكون التنوين مقدرا كما يأتي تمثيله.
وتمامه بنون تثنية نحو: «لي منوان سمنا» وتمامه بنون جمع نحو: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (10).
وجرى المصنف في تمثيله بهذه الآية الكريمة، وبنحو: مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وما يورده من المضاف في قسم مميز المفرد على ما تقدّم تقريره عنه في ذلك، وقد علمت مما تقدّم أنّ هذا قسم مميز الجملة، لأنه ميّز نسبة.
وتمامه بنون شبه الجمع نحو: وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً (11).
قال المصنف: وفهم من سكوتي عن نون شبه المثنى أنّ التمييز لا يقع بعده، ويعني بذلك «اثنين واثنتين» (12).
(1) ينظر: الكتاب (1/ 427).
(2)
ينظر: الكتاب (2/ 173).
(3)
ينظر: الهمع (1/ 250).
(4)
ينظر: الكتاب (1/ 428).
(5)
ينظر: الهمع (1/ 250).
(6)
القائل هو أبو حيان في التذييل (4/ 38).
(7)
إلى هنا انتهى نقله عن أبي حيان وينظر في: التذييل (4/ 36 - 39).
(8)
سورة آل عمران: 91.
(9)
سورة المائدة: 95.
(10)
سورة الكهف: 103.
(11)
سورة الأعراف: 142.
(12)
ينظر: شرح المصنف (2/ 380، 381).