الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[استثناء شيئين بأداة واحدة]
قال ابن مالك: (فصل؛ لا يستثنى بأداة واحدة - دون عطف - شيئان، وموهم ذلك بدل ومعمول عامل مضمر، لا بدلان؛ خلافا لقوم).
ــ
وأما الرفع فكأنّه قال: وأبوك لي، يعني أنّه مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف لتقدم ما يدلّ عليه، كأنّه قال: وعمرو لي صديق أيضا، وهو نظير: إنّ زيدا قائم وعمرو (1). وهذا تخريج الخليل، وخرّجه غيره على غير ذلك، وقد نبّه عليه ابن عصفور فقال: فإن عطفت على المستثنى المقدم فإنّه يفارق العطف على المستثنى المؤخر في أنّه يجوز في العطف النصب على اللّفظ والرفع على المعنى فنقول: ما قام إلّا زيدا أحد وعمرا؛ على لفظ (زيدا)، وعمرو على ما كان يجوز في (زيد) لو تأخّر فكأنّك قلت: ما قام أحد إلّا زيد وعمرو، ثمّ قال: وهذا الوجه ضعيف جدّا.
المسألة الثانية: قال الشيخ: إذا عطفت على المستثنى المقدم المنصوب اسما؛ نصبت نحو: قام إلّا زيدا وعمرا القوم، ولا يجوز غير النّصب، فإن أخرت المعطوف بعد المستثنى منه فالاختيار النصب، نحو: قام إلّا زيد القوم وعمرا، ويجوز أن يرفع حملا على المعنى؛ لأنّ (قام إلّا زيدا القوم) في معنى: لم يقم زيد من القوم، فكما يجوز: لم يقم زيد من القوم وعمرو؛ كذلك جاز: قام إلّا زيدا القوم وعمرو (2). اه. وإذا جاز الحمل على المعنى في هذه المسألة فجواز الحمل عليه في المسألة الّتي قبلها أولى.
قال ناظر الجيش: أي: لا يقال: قام القوم إلّا زيدا عمرا، بل إنّما يقال: قام القوم إلّا زيدا وعمرا؛ بالعطف، أو إلا زيدا إلّا عمرا، بحسب ما نريد من المعنى، على ما يأتي في الفصل بعده، وكذا إذا استثنيت بعد الأفعال المتعدّية إلى مفعولين، نحو: أعطيت، لا تقول: أعطيت الناس المال، إلّا عمرا الدنانير، أشار إلى منع ذلك ابن السّراج (3) قال: لأنّ حرف الاستثناء إنما يستثنى به واحد فتقول: أعطيت الناس دراهم إلّا عمرا، ثمّ قال: فإن قلت: ما أعطيت أحدا درهما إلّا عمرا -
(1) الكتاب (2/ 335).
(2)
التذييل والتكميل (3/ 673).
(3)
الأصول لابن السراج (ص 219)، والمساعد لابن عقيل (1/ 570).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دانقا (1)، وأردت الاستثناء؛ لم يجز، فإن أردت البدل جاز، وأبدلت (عمرا) من (أحد) و (دانقا) من (دراهم) كأنّك قلت: ما أعطيت إلّا عمرا دانقا.
قال المصنف: حاصل كلامه - يعني ابن السراج - جواز أن يقال: ما أعطيت أحدا درهما إلّا عمرا دانقا، على أن يكون الاسمان اللّذان بعد (إلّا) بدلين، لا منصوبين على الاستثناء. وفي هذا ضعف بيّن؛ لأنّ البدل في الاستثناء لا بدّ من اقترانه بـ (إلّا) فكان ذلك أشبه شيء بالمعطوف بحرف، فكما لا يقع بعد حرف معطوفان، كذلك لا يقع بعد حرف الاستثناء بدلان، فإن ورد ما يوهم ذلك قدّر ناصب للثاني (2) كما يقدّر خافض للثاني في نحو:
1710 -
أكلّ امرئ تحسبين امرأ
…
ونار توقّد بالليل نارا (3)
وفي منع المصنف ما أجازه ابن السراج من جعل الاسمين بعد (إلّا) في المثال المتقدم بدلين - نظر؛ فإنّ غاية مستنده في المنع أنّه شبهه بالمعطوف بحرف، كما تقدّم، وعلى تقدير تسليم هذا الشبه لا خلاف في صحة عطف اثنين بحرف واحد، بعد (أعطيت) وشبهه، مما يقتضي معمولين نحو: ما أعطيت أحدا درهما عمرا دانقا؛ لأنه يصحّ عطف معمولين على معمولين لعامل واحد، وإذا جاز العطف جاز البدل؛ لأنّه أسند منع البدل إلى عدم صحة العطف وقد تبيّن جوازه، والعطف الممتنع الّذي أشار إليه المصنف إنّما هو عطف معمولين على معمولي عاملين، كما -
(1) الدانق: من الأوزان وربما قيل: داناق، كما قالوا - للدرهم -: درهام وهو سدس الدرهم، اللسان مادة (دنق).
(2)
ينظر شرح المصنف (2/ 292)، وقد نقل هذا الاعتراض الشيخ أبو حيان في التذييل والتكميل (3/ 576، 577) ثم قال: «وفيه تعقب؛ لأن قوله: لأن البدل في الاستثناء لا بد من اقترانه بـ (إلا) ليس بصحيح» ويمكن إبطال هذا التعقب بأن ابن مالك أراد بالبدل البدل الاستثنائي، وهو الذي في معنى المنصوب على الاستثناء، ولم يقصد ما أراده أبو حيان من مطلق البدل.
(3)
البيت من بحر المتقارب وهو لأبي دؤاد الإيادي، الشاعر الجاهلي وقيل: لعدي بن زيد. المعنى:
ليس كل من له صورة امرئ كاملا، بل المرء الكامل من له خصال سنية وليس كل نار توقد بالليل نارا، إنما النار نار توقد لقرى الزوار. والشاهد فيه: جر (نار) بـ (كل) محذوفة، وتقديره: وكل نار، فحذف المضاف وترك المضاف إليه بإعرابه، ولا يجوز أن تكون معطوفة على امرئ، والعامل فيها (كل) الأولى؛ لئلا يلزم العطف على معمولي عاملين مختلفين. ينظر ديوان عدي بن زيد (ص 199)، والكتاب (1/ 66)، والإنصاف (ص 251)، والمقرب (1/ 237)، والهمع (2/ 52).