الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تعدد المستثنى منه]
قال ابن مالك: (وإذا أمكن أن يشترك في حكم الاستثناء مع ما يليه غيره لم يقتصر عليه إن كان العامل واحدا وكذا إن كان غير واحد والمعمول واحد في المعنى).
قال ناظر الجيش: هذا إشارة إلى القسم الثاني: وهو الذي لا يمتنع فيه الاستثناء من شيئين معا، فـ (ما) في قوله: مع ما يليه بمعنى: الذي، والضمير المنصوب في يليه عائد عليها وكذا الضمير في (غيره) وفي (عليه)، وفاعل (يليه) عائد على الاستثناء، والتقدير: وإذا أمكن أن يشترك في حكم الاستثناء مع الذي يليه الاستثناء غير الذي وليه الاستثناء لم يقتصر عليه، بل يشاركه ما قبله. وهذه العبارة تشمل ما يكون المذكور فيه مع المستثنى شيئين أو أكثر، ثم إنه إذا أمكن الاشتراك فقد لا يمنع من الحمل عليه مانع وقد يمنع منه مانع، وقد تعرّض المصنف لتمثيل القسمين فقال (1):
إذا ذكر شيئان أو أكثر والعامل واحد، فالاستثناء معلق بالجميع إن لم يمنع مانع نحو: اهجر بني فلان وبني فلان إلا من صلح، فـ (من صلح) مستثنى من الجميع؛ إذ لا موجب للاختصاص فلو ثبت موجب عمل بمقتضاه نحو: لا نحدث النساء ولا الرجال إلا زيدا، وقد تضمنت الأمرين آية المائدة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
…
إلى: إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ (2) فاشتملت على ما فيه مانع وهو وَما أُهِلَّ وما قبله، وعلى ما لا مانع فيه وهو ما بين (به) و (إلا) فـ ما ذَكَّيْتُمْ مستثنى من الخمسة إذا كانت تذكيته سبب موته. انتهى كلامه فيما العامل فيه واحد.
قال الشيخ - بعد نقل كلام المصنف هذا -: وينبغي أن يكون الحكم كذلك إذا كرر العامل لمجرد التوكيد نحو: اهجر بني فلان وبني فلان إلا من كان صالحا. انتهى (3).
ثمّ قال المصنف - مشيرا إلى صحة الصورة الّتي يتعدّد العامل فيها -: ويتعلّق الاستثناء أيضا بالجميع إن كان قبله جملتان أو أكثر، والعامل غير واحد، والمعمول واحد في المعنى نحو قوله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ
…
(4) إلى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا (5). -
(1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 294).
(2)
سورة المائدة: 3.
(3)
انظر التذييل والتكميل (3/ 583).
(4)
سورة النور: 4.
(5)
سورة النور: 5. والشاهد فيهما - على رأي ابن مالك -: أن الاستثناء في قوله: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا من الجمل السابقة؛ لأنها في معنى معمول واحد، وإن كان العامل فيها ليس واحدا، وهذه الجمل هي -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال المصنف: واتفق العلماء على تعليق الشّرط بالجميع في نحو: لا تصحب زيدا ولا تزره، ولا تكلّمه إن ظلمني، واختلف في الاستثناء في نحو: لا تصحبه ولا تزره ولا تكلمه إلّا تائبا من الظّلم؛ فذهب مالك والشافعيّ إلى تساوي الاستثناء والشرط في التعليق بالجميع (1)، وهو الصحيح؛ للإجماع على سدّ كلّ منهما مسدّ الآخر في نحو: اقتل الكافر إن لم يسلم، واقتله إلّا أن يسلم (2). انتهى كلامه.
وهذه المسألة - أعني التي يتعدّد فيها الاستثناء حملا - قد تكلّم عليها في أصول الفقه، وانتهت الأقوال إلى ستة؛ منها: القولان المشهوران: أحدهما: رجوع الاستثناء إلى الجميع، وهو رأي الشافعي. والثاني: رجوعه إلى الجملة الأخيرة وهو رأي أبي حنيفة، وقيّد الأصوليّون الجمل بكونها معطوفة بالواو، ولم يتعرّض المصنف له وقيّد المصنف المعمول بكونه واحدا في المعنى، ولم يجعل أصحاب الأصول ذلك قيدا إلّا رأي منسوب لأبي الحسين في تفصيل نقلوه عنه في المسألة المذكورة وقد فرّق الأصوليون بين الاستثناء والشرط، بأنّ الشرط مقدّر التقديم، وإذا قدّر تقديمه انسحب حكمه على المذكور بعد، بخلاف الاستثناء، فلا يلزم عوده إلى جميع ما تقدّم، ونقل الشيخ عن المهاباذيّ (3)، أنّه قال في شرح اللمع له:
إذا استثني من جمل مختلفة لم يكن المستثنى إلّا من الجملة التي تليه، نحو قوله تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا (4) فالّذين تابوا مستثنى من الفاسقين، لا غير. وحمله على أنّه مستثنى من جميع الكلام خطأ ظاهر؛ لأنّه لا يجوز أن يكون معمولا لعاملين [3/ 44] مختلفين، ويستحيل ذلك، ولأنّك لو حملته على أنّه مستثنى من جميع ما قبله لصار تقدير الكلام: فاجلدوهم ثمانين جلدة إلا الذين تابوا ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا إلا الذين تابوا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا (5). -
- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ، فَاجْلِدُوهُمْ، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً، وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.
(1)
مذهب أبي حنيفة أن الاستثناء راجع إلى الجملة الأخيرة فقط. ينظر: أصول السرخسي (2/ 44، 45).
(2)
ينظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 295).
(3)
هو أحمد بن عبد الله المهاباذي الضرير من تلاميذ عبد القاهر الجرجاني. ينظر: البغية (ص 138).
(4)
سورة النور: 4، 5.
(5)
ينظر: التذييل والتكميل (3/ 585)، والارتشاف (2/ 310)، والبحر المحيط (6/ 433).