الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تكرار «إلّا» مع إمكان الاستثناء]
قال ابن مالك: (وإن أمكن استثناء بعضها من بعض استثني كلّ من مثلوّه، وجعل كلّ وتر خارجا، وكل شفع داخلا، وما اجتمع فهو الحاصل، وكذا الحكم في نحو: له عشرة إلّا ثلاثة إلّا أربعة خلافا لمن يخرج الأول والثاني، وإن قدّر المستثنى الأول صفة لم يعتدّ به وجعل الثاني أولا)(1).
- حكم المستثنى الأول إلى أنّ ما بعد (إلّا)، وليس من هذا النوع مساو له في الدخول إن كان الاستثناء من غير موجب، وفي الخروج إن كان من موجب.
قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على المباين ما قبله في الاستثناء المتكرر شرع في ذكر المستثنيات التي كل منها بعض ممّا قبله نحو: له عشرة إلا أربعة إلّا ثلاثة إلّا اثنين، وأشار المصنف إلى أنّ الحكم في ذلك استثناء كلّ من متلوه، أي من الّذي قبله، فالأربعة مستثناة من العشرة والثلاثة مستثناة من الأربعة، والاثنان مستثنيان من الثلاثة، وذكر الشيخ أنّ في المسألة أربعة مذاهب (2):
أحدها: ما ذكره المصنف، قال: وهو مذهب أهل البصرة والكسائي (3).
والثاني: أنّ المستثنيات كلّها راجعة إلى الاسم المستثنى منه، فعلى هذا تخرج الأربعة والثلاثة والاثنان في المثال المذكور من العشرة، قال: وإلى هذا ذهب أبو يوسف القاضي (4).
الثالث: أنّ الاستثناء الباقي منقطع فإذا قال: له عشرة إلّا ثلاثة إلا اثنين لزمه تسعة كما يلزمه على المذهب الأول، لكنّ التخريج مختلف؛ لأنّه في المذهب الأول أخرجت الثلاثة من العشرة، ثمّ أخرج من الثلاثة اثنان، وأما على المذهب الثاني فإنّه أخرج الثلاثة من العشرة فبقي سبعة، وجعل الاثنين منقطعا كأنّه قال: سوى الاثنين اللذين له فإنّهما عندي، قال: وهو مذهب الفراء (5). ولا أدري ما يقول الفرّاء إذا -
(1) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 596).
(2)
ينظر: التذييل والتكميل (3/ 596، 597).
(3)
ينظر: التصريح (1/ 358)، الهمع (1/ 228) وهو مذهب ابن عصفور في المقرب (1/ 170).
(4)
هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري تلميذ أبي حنيفة، وأول من دعي: قاضي القضاة، وأول من غير لباس العلماء، فجعله خلاف هيئة الناس، توفي ببغداد (182 هـ)، ولمراجعة مذهبه ينظر:
أصول السرخسي (2/ 36 - 38).
(5)
فهو يعتبر (إلّا) الثانية بمنزلة الواو فهي تعطف ما بعدها على المستثنى، ينظر: معاني الفراء (1/ 189)، -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زادت المستثنيات على اثنين وثلاثة كالمثال المتقدم أوّلا (1).
المذهب الرابع: جواز الأمرين المذكورين في المذهب الأوّل والثاني دون تحتم أحدهما والأظهر من هذه المذاهب أولها ولم يذكر المصنف غيره، ثمّ الطريق في.
معرفة قدر المخرج وقدر ما بقي بعد الإخراج أن يخرج الأول والثالث وما أشبهها في الوترية. ويدخل الثاني والرابع وما أشبهها في الشفعية، فمجموع الأوتار مخرج، ومجموع الأشفاع داخل، فالمخرج في المثال المتقدم الأربعة؛ لأنّها أول المستثنيات فهي وتر، فصار الباقي ستة، والداخل الثلاثة؛ لأنّها ثاني المستثنيات فهي شفع، فصارت الستة تسعة والمخرج أيضا اثنان؛ لأنها ثالثة المستثنيات فهي وتر، فصار الباقي سبعة ومثّل المصنف بقوله: عندي مائة إلّا خمسين إلّا عشرين إلّا خمسة، قال: فالباقي بعد الاستثناء في المثال المذكور بالعمل المذكور خمسة وستون (2) لأنّا أخرجنا من المائة خمسين لوتريتها، وأدخلنا عشرين لشفعيتها فصار الباقي سبعين، ثم أخرجنا العشرة لوتريتها فصار الباقي ستين، ثم أدخلنا الخمسة لشفعيتها فصار الباقي خمسة وستين ثم قال: وما زاد من المستثنيات عومل بهذه المعاملة (3) وإلى هذا أشار بقوله: وجعل كلّ وتر خارجا وكلّ شفع داخلا، وما اجتمع فهو الحاصل.
ومن أمثلة هذه المسألة: له عشرة إلا تسعة إلا ثمانية وهكذا على الترتيب إلى: إلّا واحدا والباقي في هذه الصورة بعد المخرج خمسة، بالطريق الّتي تقدمت، وبطريقة أخرى أسهل من الأولى، وهي أن تضم الأشفاع إلى المستثنى منه، وتحفظ جملة ذلك ثمّ تضم الأوتار، حافظا جملتها ثمّ تسقط مجموع الأوتار من المحفوظ فهو الحاصل، فتضم في هذا المثال إلى العشرة ثمانية، وستة، وأربعة، واثنين، فتصير الجملة ثلاثين، وتضم الأوتار وهي التسعة والسبعة والخمسة والثلاثة والواحد، فتصير الجملة خمسة وعشرين تسقطها من الجملة الأولى يبقى بعد ذلك خمسة، وهو المطلوب على مقتضى الطريقة الأولى، قال الشيخ - بعد أن مثّل بهذا المثال -: وهذا يخرج -
- والارتشاف (623)، وحاشية الصبان (2/ 153)، ومبسوط الأحكام للتبريزي (3/ 932).
(1)
قال ابن مالك: «.... وقول الفراء عندي هو الصحيح؛ لأنه جار على القاعدة السابقة أعني: جعل الاستثناء الأول إخراجا والثاني إدخالا» . اه. ينظر: شرح المصنف (2/ 297).
(2)
،
(3)
شرح المصنف (2/ 297) وشرح السيرافي على كتاب سيبويه (3/ 307) مخطوط (528) نحو تيمور بدار الكتب المصرية، مبسوط الأحكام للتبريزي (3/ 932) رسالة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على جواز الأكثر وأمّا من لم يجزه ففي ذلك وجهان: أحدهما: بطلان الاستثناء جميعه؛ لأنّ الأول بطل كونه أكثر، فبطل ما تفرع عليه، والثاني: أنه يبطل الأكثر إلى أن يصل إلى النصف فيصح، ثم يجرى الحكم المذكور في الباقي، نظير ما تقدم قال: ويخرج أيضا على مذهب من أجاز الاستثناء من العدد وفيه مذاهب، كما تقدّم (1). انتهى. وكان قدّم في شرحه الكلام على هذه المسألة حيث تكلّم على شرح الحد الّذي ذكره المصنف للمستثنى وفي ذلك ثلاثة مذاهب:
أحدها: الجواز مطلقا، قال: وهو اختيار ابن الضائع (2). وثانيها: المنع مطلقا وهو اختيار ابن عصفور (3). وثالثها: التفصيل بين أن يكون المستثنى عقدا فلا يجوز نحو: له عندي مائة (إلّا عشرة) أو غير عقد فيجوز نحو: له عندي عشرة إلّا اثنين.
ويرد المذهب المذكور قوله تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً (4)؛ فإنّ المستثنى فيه عقد وتمسك بهذه الآية الكريمة من أجاز الاستثناء من العدد مطلقا وهو متمسّك قوي، وقال ابن عصفور - محتجّا على عدم الجواز على الإطلاق -:
إنّما العدد نصوص. فلا يجوز أن ترد إلّا على ما وضعت، فكما لا يجوز أن يخرج عن النّص في غير الاستثناء، فكذلك في الاستثناء، قال: إلّا إن كان اسم العدد قد أخرج عن النصيّة، إلى أن صار ممّا يكثر به ولا يراد به ظاهره، فيصير إذ ذاك ظاهرا في العدد فيجوز أن يستثنى منه؛ لأنّه صار كسائر الظواهر التي يستثنى منها، وقال: وعليه قوله تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً إذ لو لم يستثن -
(1) التذييل والتكميل (3/ 598، 599).
(2)
المرجع السابق (3/ 598).
(3)
ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 257) بتحقيق أبو جناح، قال ابن عصفور في المقرب (1/ 170): «
…
وإن أمكن استثناء بعضها من بعض جعلت الآخر مستثنى من الذي قبله والذي قبله مستثنى من الذي قبله إلى أن تنتهي إلى الأوّل ويكون إعراب الأول منها على حكمه لو انفرد وما عداه منصوب لا غير. نحو قولك: عندي عشرة إلا خمسة إلا اثنين إلا واحدا، فالواحد مستثنى من اثنين والاثنان من الخمسة والخمسة من العشرة، وطريق معرفة قدر المستثنى في هذه المسائل أن تخرج الآخر من الذي قبله وما بقي أخرجته مما قبله، ولا تزال تفعل ذلك إلى أن تنتهي إلى الأول، فالمستثنى إذن في المسألة المتقدمة أربعة. وذلك: أنك أخرجت الواحد من الاثنين فبقي واحد فأخرجت حكم الاسم الواقع بعد (إلا) إن كان من جنس ما قبله. اه.
(4)
سورة العنكبوت: 14.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لجاز أن يراد بألف سنة الزمن الطويل لأنّ الألف والمائة والسبعين مما يستعمل للتكثير (1).
وقال ابن الضائع (2) - ردّا على ابن عصفور في قوله: أسماء العدد نصوص -: نعم ما لم تقترن بها قرينة تزيل نصّيتها، وقد سلم ذلك في الأعداد التي يراد بها التّكثير، قال:
ثمّ الآية دليل عليه، فإن لم يرد بها التكثير، فقد أوقع الألف على ما دونه، فإن قال:
لمّا كان العدد الكثير قد صار غير نصّ، لكونه يستعمل ولا يراد به تحقيق العدد قلت:
ما من عدد إلّا ويتصوّر فيه التّكثير، بالنّظر إلى ما دونه مثل أن يقول القائل: قد رأيتك عشر مرّات، قاصدا بذلك التكثير، قال: ثمّ النحويون يجمعون على جواز: عندي عشرة إلّا واحدا إلّا ثلاثة، وإنمّا اختلفوا في المقرّ به فزعم الأكثرون أنّه إقرار بستّة، وزعم آخرون أنه باثني عشرة. انتهى ردّ ابن الضّائع على ابن عصفور.
وقد ردّ الشّيخ (3) كلام ابن الضائع هذا، وقوّى اختيار ابن عصفور من جهة الدّليل، وقال: لا يكاد يوجد استثناء من عدد في شيء من كلام العرب إلّا في الآية الكريمة (4) لمّا كانت الألف ممّا يكثر به وأشار المصنف بقوله: وكذا الحكم في نحو: له عشرة إلا ثلاثة إلّا أربعة، إلى ما نقله عن السيرافي من قوله: فإن كان بعض المستثنيات أكثر من الّذي قبله، نحو: له عشرة إلّا ثلاثة إلّا أربعة، فالسيرافي يستثني الثلاثة ويزيد على السبعة الباقية: إلّا أربعة، فيكون المقرّ به أحد عشرة، وغير الفرّاء يستثنى من العشرة إلّا أربعة بعد استثناء الثلاثة فيكون المقر به ثلاثة (5).
قال المصنف - بعد نقل هذا الكلام -: وقول الفراء عندي هو الصحيح فإنّه جاز على القاعدة السابقة أعني: جعل الاستثناء الأول إخراجا والثاني إدخالا (6). انتهى.
وما اختاره غير ظاهر فإنّه قرّر أنّ من شرط إخراج الأوّل وإدخال الثّاني صحّة استثناء كلّ من الذي قبله، والشرط المذكور مفقود ههنا فتعيّن إخراج الثّلاثة والأربعة من العشرة كما تعيّن إخراج زيد وعمرو من القوم، في
قولنا: قام القوم إلّا -
(1) ينظر الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 284)(رسالة)، وشرح الكافية لابن القواس (1/ 266 - 297)(رسالة)، ومبسوط الأحكام (3/ 814)(رسالة).
(2)
شرح الجمل لابن الضائع (2/ 210 - 211 ب).
(3)
ينظر التذييل والتكميل (3/ 501) رسالة.
(4)
سورة العنكبوت: 14.
(5)
المرجع السابق الصفحة نفسها.
(6)
ينظر: التذييل والتكميل (3/ 600).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيدا إلا عمرا. قال الشيخ - في مسألة العدد -: فـ إخراج كليهما من الأوّل مذهب أكثر النحويّين (1). انتهى.
ثمّ إنّ الفرّاء ليس مستنده في إدخال الأربعة في المثال المتقدم ما ذكره المصنّف، من أنّ القاعدة جعل الاستثناء الأول إخراجا، والثّاني إدخالا، بل مستنده أنّ الأربعة استثناء منقطع، كأنّه قال: عندي عشرة إلّا ثلاثة سوى الأربعة التي له عندي، كما تقدّم أنّ مذهبه حمل الاستثناء الثّاني على الانقطاع في مثل: له عشرة إلّا ثلاثة إلّا اثنين وإذا كان يحمل الاثنين على الانقطاع مع إمكان استثنائه ممّا قبله، فحمله (إلّا أربعة) بعد (إلّا ثلاثة) عليه أولى لعدم إمكان استثنائه ممّا قبله، ويمكن في مثل: عندي عشرة إلّا ثلاثة إلّأ أربعة (2) قول ثالث، غير القولين المتقدمين، وهو أن يحكم ببطلان الاستثناء الثاني وهو الأربعة؛ لأنّ القاعدة - كما ذكر المصنف - استثناء كلّ ممّا قبله والاستثناء الزائد على المستثنى منه والمستغرق له باطل فيكون المقرّ به على هذا سبعة، وقال المصنف - بعد الكلام على مسألة الفراء -: وهذا - يعني القول بإخراج الأوّل والثاني معا من الأوّل - إنّما يكون إذا لم يكن المستثنى الثّاني بعض المستثنى الأول - كما في مسألة العدد، فأمّا إن كان بعضه نحو: قام القوم إلّا إخوتك إلّا زيدا، وزيد بعض الإخوة فأخرجه من الإخوة، فيلزم أن يكون قام، ولا يجوز أن يكون مستثنى مع الإخوة؛ لأنّ الإخوة تشمله، فلم يحتج لتخصيصه. انتهى.
قال المصنف [3/ 48] ونبهت بقولي: وإن قدّر المستثنى الأول صفة لم يعتدّ به، وجعل الثاني أولا على أنّ المتكلم بذلك المثال - يعني المثال المتقدم في كلامه وهو:
عندي مائة إلّا خمسون إلّا عشرين إلا عشرة إلّا خمسة - يجعل (إلّا) الأولى وما وليها مقصودا بها الوصف لا
الاستثناء، كما في قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (3). فعلى هذا التقدير يكون (إلّا) الأولى وما بعدها في حكم المسكوت عنه، ويكون المستثنى الأوّل (عشرين) فكأنّه قال: عندي مائة إلّا -
(1) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 600)، والتبصرة للصيمري (1/ 378)، وشرح الكافية لابن الحاجب (1/ 321)(رسالة) وشرح الرضي (1/ 225)، ومبسوط الأحكام للتبريزي (3/ 866)(رسالة).
(2)
ينظر المتبع في شرح اللمع لأبي البقاء العكبري (ص 315)(رسالة) بمكتبة كلية الآداب - جامعة القاهرة، وشرح المصنف (2/ 297)، والتذييل والتكميل لأبي حيان (3/ 600).
(3)
سورة الأنبياء: 22.