الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أنواع فاعل «نعم» و «بئس»]
قال ابن مالك: (فصل: فاعل «نعم» و «بئس» في الغالب ظاهر معرّف بالألف واللّام، أو مضاف إلى المعرّف بهما مباشرا أو بواسطة، وقد يقوم مقام ذي الألف واللّام «ما» معرفة تامّة؛ وفاقا لسيبويه، والكسائيّ لا موصولة؛ خلافا للفرّاء والفارسيّ.
وليست بنكرة مميزة، خلافا للزّمخشريّ، وللفارسيّ في أحد قوليه، ولا يؤكّد فاعلها توكيدا معنويّا، وقد يوصف خلافا لابن السرّاج والفارسيّ، وقد ينكّر مفردا أو مضافا، ويضمر ممنوع الإتباع مفسّرا بتمييز مؤخّر، مطابق قابل «أل» لازم غالبا، وقد يرد بعد الفاعل الظاهر مؤكدا وفاقا للمبرّد، والفارسيّ، ولا يمتنع عندهما إسناد «نعم» و «بئس» إلى الذي الجنسيّة، وندر نحو: نعم زيد رجلا ومرّ بقوم نعموا قوما، ونعم بهم قوما، ونعم عبد الله خالد، وبئس عبد الله أنا إن كان كذا وشهدت صفّين، وبئست صفّون).
قال ناظر الجيش: اعلم أنه كما اختصّ هذان الفعلان اللذان هما (نعم وبئس) في الاستعمال بمعنى مخصوص غير ما يقتضيه وضعهما وهو المدح العامّ أو الذّمّ العامّ اختصّا بأن يكون فاعلهما اسما مخصوصا مذكورا بعده المخصوص بالمدح أو الذّمّ؛ لتحصل المبالغة في حقّ فاعلهما كما كان العموم فيهما، فكان الفاعل كذلك اسما
معرّفا باللّام (1)، أو مضمرا مستترا، مفسرا باسم نكرة بعده (2). وأمّا (ما) فالأمر فيها لا يخرج عن القسمين (3)؛ لأنّها إن كانت فاعلة فهي قائمة مقام اسم فيه اللام -
(1) في شرح الفصول لابن معط (ص 130) رسالة: «فإن كان فاعلهما - أي نعم وبئس - اسما ظاهرا لزمته الألف واللام أو إضافته لما فيه الألف واللام، وإنما اشترط تعريفه باللام؛ ليفيد العموم فيوافق فعله فيما يقتضيه من العموم فإن نعم وبئس موضوعان للمدح العام والذم العام» . اه.
وينظر: شرح الألفية للشاطبي (ص 9، 10).
(2)
شرح الفصول لابن معط (ص 127) رسالة: «فالمضمر يلزم تفسيره بمفرد نكرة منصوبة على التمييز نحو: نعم رجلا زيد، وجاز إضمار الفاعل من غير تقدم شيء يعود عليه الضمير اعتمادا على المفسر المذكور بعده» . اه.
وينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 10، 11) رسالة.
(3)
المرجع السابق (4/ 20) رسالة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن كانت تمييزا فالفاعل حينئذ - ضمير مفسّر بها وكون فاعلي هذين الفعلين ما ذكر هو أشهر اللّغات وهو الغالب في الاستعمال وقد يكون فاعلهما غير ذلك.
والذي ذكره المصنّف أربعة أشياء: أحدها: الاسم النكرة مفردة أو مضافة. ثانيها:
الذي الجنسية. ثالثها: الاسم العلم نحو: نعم زيد ونعم عبد الله. ورابعها:
الضمير البارز عائدا على اسم تقدّم على كلّ من الفعلين كما ستجيء الإشارة إلى ذلك كلّه ثمّ من هذه الأربعة ما هو أشهر وما هو أندر.
وبعد الإشارة إلى ما ذكرنا فأنا أورد كلامه ثمّ أعود إلى ذكر ما يتعلق بمسائل الفصل:
قال رحمه الله تعالى (1): الغالب في فاعل (نعم وبئس) أن يكون معرفا بالألف واللام، أو مضافا إلى المعرّف بهما، أو مضافا إلى المضاف إلى المعرّف بهما، أو ضميرا مستترا مفسّرا بنكرة منصوبة على التمييز. فالأول (2): كقوله تعالى:
نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (3)، والثاني (4): كقوله تعالى: وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (5)، والثالث (6): كقول الشاعر:
1996 -
فإن تك فقعس بانت وبنّا
…
فنعم ذوو مجاملة الخليل (7)
وكقول الآخر:
1997 -
فنعم ابن أخت القوم غير مكذّب
…
زهير حسام مفرد من حمائل (8)
-
(1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 8).
(2)
يعني: فاعل (نعم) المعرف بالألف واللام.
(3)
سورة الأنفال: 40.
(4)
يعني فاعل (نعم) المضاف إلى المعرف بالألف واللام.
(5)
سورة النحل: 30.
(6)
يعني: فاعل (نعم) المعرف بالإضافة إلى المضاف إلى المعرف بالألف واللام.
(7)
البيت من الوافر ولم أهتد إلى قائله.
والشاهد في البيت: قوله: «فنعم ذوو مجاملة الخليل» ؛ فقد استشهد به على مجيء فاعل (نعم) مضافا لما أضيف لما فيه (أل) وقد عبر عن ذلك أبو حيان بأنه مضاف إلى ذي (أل) بواسطة.
ينظر الشاهد في منهج السالك لأبي حيان (ص 388)، والدرر (2/ 110)، والهمع (2/ 85)، ومعجم الشواهد العربية (1/ 317).
(8)
البيت من بحر الطويل، وقائله أبو طالب بن عبد المطلب عم الرسول عليه الصلاة والسلام من قصيدة طويلة يمدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم ويعاتب قريشا على ما حدث منها، وقد روي في الروض الأنف (2/ 16) «حساما مفردا» بالنصب. اللغة: أخت القوم: عاتكة بنت عبد المطلب، وزهير: هو زهير بن أمية بن -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإلى ما في (ابن) أشرت بقولي: أو بواسطة، ومثال الرّافع قوله تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (1)، وقول الشاعر:
1998 -
لنعم موئلا المولى إذا حذرت
…
بأساء ذي البغي واستيلاء ذي الإحن (2)
و (ما) في نحو: «ما صنعت» عند سيبويه والكسائيّ فاعل بمنزلة ذي الألف واللّام وهي معرفة تامة (3) أي غير مفتقرة إلى صلة، وإلى ذا أشرت بقولي: وقد يقوم مقام ذي الألف واللّام (ما) معرفة تامة وهي عند الفرّاء وأبي علي الفارسيّ فاعلة موصولة مكتفى بها، وبصلتها عن المخصوص (4)، وأجاز الفراء أن يركب (نعم) مع (ما) تركيب (حبّ) مع (ذا) كقول العرب:«بئسما تزويج، ولا مهر» (5) -
- المغيرة وأمه عاتكة المذكورة غير حال، وزهير مخصوص بالمدح، حسام: سيف قاطع، وحسام، ومفرد، خبران لمبتدأ محذوف، أي هو حسام مفرد، وحمائل: علّاقة السيف.
والشاهد فيه: «فنعم ابن أخت القوم» ؛ فقد جاء فاعل (نعم) اسما مضافا إلى اسم مضاف إلى مقترن بـ (أل).
ينظر الشاهد في ديوان أبي طالب (ورقة 3) مخطوط بدار الكتب برقم (38 ش)، وشرح ابن الناظم (182)، والأشموني (3/ 28) والهمع (2/ 85)، والتصريح (2/ 95)، والدرر (2/ 109).
(1)
سورة الكهف: 50.
(2)
البيت من البسيط ولم ينسب لقائل معين.
اللغة: اللام - في (لنعم) - للتوكيد، موئلا: ملجأ، المولى: مخصوص بالمدح، حذرت: خيفت، والبأساء: الشدة، والبغي: الظلم، الإحن: بكسر الهمزة وفتح الحاء جمع (إحنة) بكسر الهمزة وسكون الحاء وهي الحقد.
الشاهد في البيت: «لنعم موئلا المولى» ؛ حيث إن فاعل (نعم) فيه ضمير مستتر مفسر بالتمييز وهو قوله: «موئلا» والتقدير: لنعم الموئل موئلا المولى ..
ينظر الشاهد في شرح ابن الناظم على الألفية (ص 182)، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 389)، والأشموني (3/ 32)، والمقاصد النحوية (4/ 6).
(3)
أي: اسم تام مكنى به عن اسم معرف بـ (أل) الجنسية. يراجع رأي سيبويه في الكتاب (1/ 73) والتذييل والتكميل (4/ 473)، ومنهج السالك (ص 395)، والأشموني (3/ 36)، ويراجع رأي الكسائي في: التذييل والتكميل (4/ 473)، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي أيضا (3/ 97)، والأشموني (3/ 36).
(4)
لمراجعة رأي الفراء ينظر: معاني القرآن للفراء (1/ 57)، والتذييل والتكميل (4/ 473) رسالة، وشرح التسهيل للمرادي (183 / أ)، وشرح الأشموني (3/ 36). ولمراجعة رأي الفارسي ينظر:
الشيرازيات (2/ 550) رسالة، وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 97)، والأشموني (3/ 36).
(5)
في معاني القرآن للفراء (1/ 57، 58): «فإذا جعلت (نعم) صلة لـ (ما) كانت بمنزلة قولك: -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والصحيح جعل (ما) فاعلة بـ (بئس) وكونها خبر (تزويج ولا مهر) والتقدير: بئس التزويج تزويج مع انتفاء المهر.
وجعل الزمخشريّ وأبو علي الفارسيّ - في أحد قوليه - (ما) نكرة مميزة (1) وسيأتي إبطال ذلك إن شاء الله
تعالى.
ولا يؤكد فاعل (نعم) وبئس توكيدا معنويّا باتفاق؛ لأنّ القصد [3/ 92] بالتوكيد المعنويّ دفع توهّم إرادة الخصوص بما ظاهره العموم أو دفع توهّم المجاز بما ظاهره الحقيقة وفاعل (نعم) و (بئس) في الغالب بخلاف ذلك؛ لأنه قائم مقام الجنس إن كان ذا جنس، أو مؤول بالجامع لأكمل خصال المدح اللائق بمسمّاه، إن كان فاعل (نعم) وبالجامع لأكمل خصال الذّم إن كان فاعل (بئس) والتوكيد المعنويّ مناف للقصدين فاتفق على منعه.
وأما التوكيد اللفظيّ فلا يمتنع؛ فلك أن تقول: نعم الرجل الرجل زيد.
وأما النعت؛ فلا ينبغي أن يمنع على الإطلاق، بل يمنع إذا قصد به التخصيص مع إقامة الفاعل مقام الجنس؛ لأنّ تخصيصه - حينئذ - مناف لذلك القصد، وأمّا إذا تؤول بالجامع لأكمل الخصال فلا مانع، من نعته حينئذ؛ لإمكان أن ينوى في النّعت ما نوي في المنعوت (2) وعلى هذا يحمل قول الشاعر:
1999 -
نعم الفتى المرّي أنت إذا هم
…
حضروا لدى الحجرات نار الموقد (3)
-
- (كلما) وإنما كان بمنزلة (حبذا) فرفعت بها الأسماء ثم قال: «وسمعت العرب تقول في (نعم) المكتفية: بئسما تزويج ولا مهر، فيرفعون التزويج بـ (بئس)» . اه.
وينظر: الكشاف (1/ 397)، ويراجع رأي الفارسي هذا في الشيرازيات (2/ 550) وكذلك رأيه الثاني.
(1)
في المفصل للزمخشري (ص 273): «وقوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ (نعم) فيه مسندة إلى الفاعل المضمر، و (ما) مميزة وهي نكرة لا موصوفة ولا موصولة والتقدير: نعم شيئا هي» . اه.
(2)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 484)، ومنهج السالك (ص 392).
(3)
البيت الكامل، وقائله زهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي المشهور، من قصيدة يمدح بها سنان بن أبي حارثة المرّي.
اللغة: المري: - بضم الميم، وتشديد الراء - نسبة إلى مرة، أحد أجداده، والحجرات: - جمع حجرة بفتحتين - وهي شدّة الشتاء.
والشاهد في البيت: قوله: «المرّي» فهو صفة للفتى، الذي هو فاعل (نعم) و (أنت) مخصوص بالمدح.
والجمهور على منع النعت خلافا لأبي الفتح ابن جني، وحمله ابن السراج وأبو علي الفارسي على البدل ولا حجة لهما في ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وحمل ابن السّراج، وأبو عليّ مثل هذا على البدل، وأبيا النعت، ولا حجة لهما (1). وحكى الأخفش: أنّ ناسا من
العرب يرفعون بـ (نعم) النكرة مفردة ومضافة (2)، فإلى هذا أشرت بقولي: وقد ينكر مفردا أو مضافا (3)، فيقال على هذا: نعم امرأ زيد، ونعم صاحب قوم عمرو، ومنه قول الشّاعر:
2000 -
بئس قرينا بفن هالك
…
أمّ عبيد وأبو مالك (4)
ومن ورود الفاعل نكرة، غير مضافة قول الشّاعر:
2001 -
أتحسبني شغفت بغير سلمى
…
وسلمى بي متيّمة تهيم
وسلمى أكمل الثقلين حسنا
…
وفي أثوابها قمر وريم
نياف القرط غرّاء الثنايا
…
ورئد للنّساء، ونعم نيم (5)
-
(1) في الأصول لابن السراج (1/ 76): «ولا يجوز توكيد المرفوع بـ (نعم)، قالوا: وقد جاء في الشعر منسوبا لزهير:
نعم الفتى المرّي أنت
…
وهذا يجوز أن يكون بدلا غير نعت، فكأنه قال: نعم المري أنت». اه.
ويراجع مذهب ابن السراج أيضا في: منهج السالك لأبي حيان (ص 392)، والتذييل والتكميل (4/ 484)، ومغني اللبيب بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (ص 587).
(2)
في التذييل والتكميل (4/ 488) رسالة: «فأما رفعهما النكرة المفردة، وما أضيف إلى نكرة فأجاز ذلك الكوفيون والأخفش وابن السراج ومنعه عامة النحويين إلا في الضرورة» .
وينظر أيضا: منهج السالك (391، 392) وشرح المرادي (184 / أ)، والدرر (2/ 613)، والخزانة (9/ 416).
(3)
شرح التسهيل (3/ 10).
(4)
البيت من السريع، ولم أهتد إلى قائله.
اللغة: بفن: الشيخ الكبير، هالك: صفة له، أم عبيد: الفلاة، والمفازة، وقيل: الأرض الخالية أو ما أخطأها المطر، وأبو مالك: كناية عن الجوع الكبير.
والشاهد في البيت: «بئس قرينا بفن» ؛ فقد وقع فاعل بئس - في الشعر - نكرة مضافة إلى نكرة».
ينظر الشاهد في منهج السالك (ص 391)، وأمالي القالي (2/ 183)، والهمع (2/ 86)، والدرر (2/ 663).
(5)
هذه الأبيات من الوافر وقائلها تأبط شرّا، ثابت بن جابر بن سفيان، كما في اللسان مادة «فوم» .
تنظر ترجمة تأبط شرّا في الشعر والشعراء (1/ 318).
اللغة: ريم: ولد الظبية، ويكنى به عن طويلة العنق، القرط: - بضم القاف وسكون الراء - ما يعلق في الأذن من الحلي، ونياف القرط: بعيدة مهواه ويكنى به عن طويلة العنق، غراء الثنايا: وهي الأسنان التي -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ووافق الفراء الأخفش في كون الفاعل نكرة مضافة، قال (1): فإن أضفت النكرة إلى نكرة رفعت ونصبت، كقولك: نعم غلام سفر زيد (2)، وقال أبو الحسن الأخفش: من قال هذا رجل وأخوه ذاهبان على تنكير الأخ قال هنا: نعم أخو قوم، وصاحبهم زيد، ومن قال: هذا رجل وأخوه ذاهبين - على تعريف الأخ - لم يجز العطف هنا؛ لأنّ (نعم) لا ترفع معرفة إلا بالألف واللام، أو بالإضافة إلى معرّف بها. فظاهر هذا القول من أبي الحسن يشعر بأنّه لا يجيز: نعم الذي يفعل زيد، ولا: نعم من فعل زيد، ومثل هذا لا ينبغي أن يمتنع؛ لأنّ (الذي يفعل) بمنزلة الفاعل، ولذلك اطرد الوصف؛ ويقتضي النظر الصحيح أنّه لا يجوز مطلقا ولا يمنع مطلقا، بل إذا قصد به الجنس جاز، وإذا قصد به العهد منع، وهذا مذهب المبرّد والفارسيّ (3) وهو الصّحيح، وممّا يدلّ على أن فاعل (نعم) قد يكون موصولا أو مضافا إلى موصول قول الشاعر:
2002 -
وكيف أرهب أمرا أو أراع له
…
وقد زكأت إلى بشر بن مروان
فنعم مزكأ من ضاقت مذاهبه
…
ونعم من هو في سرّ وإعلان (4)
-
- في مقدم الفم، ريد - مسهلة الهمزة -: الترب، بكسر التاء، ورئد الرجل كذلك، نيم: قيل:
القطيفة، وقيل: الضجيع، والمقصود هنا النعمة التامة ومن يؤتنس به».
الشاهد: في البيت الأخير قوله: «ونعم نيم» ؛ حيث وقع فاعل (نعم) اسما منكرا مفردا.
ينظر الشاهد في: منهج السالك (392)، والدرر (2/ 613)، وشرح التسهيل للمرادي (184 / أ)، والخزانة (9/ 416).
(1)
الضمير المستتر في (قال) عائد على الفراء وانظر شرح التسهيل (3/ 10).
(2)
في التذييل والتكميل (4/ 492) وقال الفراء: «يجوز رفع النكرة المضافة إلى نكرة ونصبها فتقول:
نعم غلام سفر غلامك، ونعم غلام سفر غلامك». اه.
وينظر: معاني القرآن للفراء (1/ 57).
(3)
ينظر: التذييل والتكميل (484)، ومنهج السالك (ص 392)، والمساعد لابن عقيل (137 / أ).
(4)
البيتان من البسيط ولم ينسبا لقائل معين.
اللغة: أرهب: الرهب: - بتحريك الهاء - الخوف، أراع: من الروع وهو الفزع، زكأت: لجأت، مزكأ: مفعل منه: اسم مكان منه بمعنى ملجأ، وبشر: هو ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي العيشمي الأموي، كان سمحا جوادا مات سنة (75 هـ)، وكان قد ولي إمرة العراقيين لأخيه عبد الملك، وهو أول أمير مات بالبصرة.
والشاهد في البيت: قوله: «ونعم من هو» ؛ على مجيء (من) الثانية في البيت موصولا بمعنى: الذي، -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولو لم يكن في هذا الإسناد (نعم) المضاف إلى (من) لكان فيه حجّة على صحة إسناد (نعم) إلى (من)؛ لأنّ فاعل (نعم) لا يضاف في غير ندور إلّا إلى ما يصحّ إسناد (نعم) إليه فكيف وفيه: ونعم من هو، فـ (من) هذه: إمّا تمييز، والفاعل مضمر كما زعم أبو علي (1) وقد تقدم ذلك في باب الموصولات، وإمّا فاعل. فالأول لا يصحّ لوجهين (2):
أحدهما: أنّ التمييز لا يقع في الكلام - بالاستقراء إلّا نكرة صالحة للألف واللام و (من) بخلاف ذلك، فلا يجوز كونها تمييزا.
الثاني: أنّ الحكم عليها بالتمييز - عند القائل به - مرتب على كون (من) نكرة غير موصوفة وذلك منتف بإجماع في غير محل النزاع، فلا يصار إليه، بلا دليل عليه (3). فصحّ القول بأنّ (من) في موضع رفع بـ (نعم)؛ إذ لا قائل يقول ذلك مع شهادة صدر البيت فإنّ فيه «نعم مزكأ من» ، فأسندت (نعم) إلى المضاف إلى (من) وقد ثبت أنّ الذي يسند إليه لا يضاف كما لا يصح إسنادها إليه، وفي هذا كناية، ويقع فاعل هذا الباب ضميرا مستترا، مفسرا بتمييز مطابق للمخصوص بالمدح أو الذّم، نحو: نعم رجلا زيد، ونعم امرأة هند، ونعم رجلين الزيدان، ونعمت امرأتين الهندان، ونعم رجالا الزيدون، ونعم نساء الهندات.
وهذا الضمير المجعول فاعلا، في هذا الباب شبيه بضمير الشأن، في أنه قصد إبهامه تعظيما لمعناه، فاستويا لذلك، في عدم الإتباع توكيدا وغيره، ونبهت على أنّ مميزه لا يكون إلا صالحا للألف واللّام - مع أنّ كل مميز لا يكون إلّا كذلك -
- وقعت فاعلا لنعم، و (هو) مبتدأ وخبره محذوف تقديره: مثله، والجملة صلة (من) والمخصوص بالمدح محذوف وتقديره: بشر. ينظر الشاهد في: الهمع (2/ 86)، والأشموني (1/ 155)، والدرر (2/ 114)، والخزانة (9/ 410)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 29).
(1)
في التذييل والتكميل (4/ 520): «وأما «ونعم من هو» فتأوله أبو علي على أنه تمييز وفي (نعم) ضمير، و (من) تفسير له، فهو في موضع
نصب». اه.
وينظر أيضا مغني اللبيب (ص 329) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، وخزانة الأدب (9/ 412).
(2)
شرح التسهيل لابن مالك (3/ 11).
(3)
ذكر ابن مالك هذا الوجه في الرد على أبي علي. ينظر شرح المصنف (3/ 11)، والتذييل والتكميل (4/ 520)، وخزانة الأدب (9/ 413).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالاستقراء - لأنّ أبا عليّ والزمخشريّ يجيزان التمييز في هذا الباب بـ (ما) فيزعمان أنّ فاعل (نعم) في قوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ (1) وشبهه، مضمر كما هو في: نعم رجلا زيد، و (ما) في موضع نصب على التمييز (2)، وربما اعتقد من لا يعرف أنّ هذا مذهب سيبويه وذلك باطل، بل مذهب سيبويه أنّ (ما) اسم تامّ مكنيّ به عن اسم معرّف بالألف واللام الجنسية مقدّر بحسب المعنى (3) كقولك في إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ (4): إنّ معناها: فنعم الشيء إبداؤها، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. قال أبو الحسن بن خروف: وتكون (ما) تامة معرفة بغير صلة نحو: دققته دقّا نعمّا، قال سيبويه (5): أي: نعم الدقّ، ونعمّا هي: أي نعم الشيء إبداؤها، ونعمّا صنعت، وبئسما فعلت، أي: نعم الشيء: شيء صنعت. هذا كلام ابن خروف معتمدا على كلام سيبويه، وسبقه إلى ذلك السيرافي، وجعل نظيره قول العرب: إنّي ممّا أن أصنع (6)، أي: من الأمر أن أصنع، فجعل (ما) وحدها في موضع الأمر، ولم يصلها بشيء، وتقدير الكلام: إنّني من الأمر صنعي كذا وكذا فالياء اسم (إنّ) و (صنعي) مبتدأ و (من الأمر) خبر [3/ 96](صنعي) والجملة في موضع خبر (إنّ) هذا كلام السيرافيّ، وهو موافق لكلام سيبويه رحمه الله تعالى فإنّه قال: ونظير جعلهم (ما) وحدها اسما قول العرب: إني ممّا أن أصنع أي من الأمر أن أصنع، فجعلوا (ما) وحدها اسما (7)، ومثل ذلك: غسلته غسلا نعمّا، أي: نعم الغسل (8) فقدّر (ما) بالأمر، وبالغسل ولم يقدرها بأمر، ولا غسل، فعلم أنها عنده معرفة، وحكى الفراء عن الكسائي أنّه قال: أرادت العرب أن تجعل (ما) بمنزلة الرجل ظرفا -
(1) سورة البقرة: 271.
(2)
ينظر رأي أبي علي في الإغفال له (1/ 317، 318) والشيرازيات (2/ 550)، والمسائل البغداديات (ص 127) رسالة، وينظر رأي الزمخشري في المفصل (273)، والكشاف (1/ 397).
(3)
ذكر ابن مالك هذا الوجه أيضا في الرد على أبي علي. ينظر شرح المصنف (3/ 11)، والتذييل والتكميل (4/ 520)، وخزانة الأدب (9/ 413).
(4)
سورة البقرة: 271، أي إبداء الصدقات.
(5)
ينظر: الكتاب (1/ 73)، وابن الناظم (183)، والشاطبي (4/ 23).
(6)
ينظر: الكتاب (1/ 73)، والمقتضب (4/ 175)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 24) رسالة.
(7)
في شرح الكافية: «ويقوي تعريف (ما) في نحو: «مما أن أصنع» كونها مجرورة بحرف مخبر به وتعريف ما كان كذلك أو تخصيصه لازم بالاستقراء.
(8)
ينظر: الكتاب (1/ 73).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تامّا، ثم أضمروا ما يشير إلى أنّ قولهم:«بئس ما صنعت» معناه: بئس الشيء ما صنعت، والموجود فاعل و (ما) المقدرة مبتدأ (1). هذا معنى ما نقله الفراء عن الكسائي، فمذهبه كمذهب سيبويه إلّا أنّ المحقق من أصحاب سيبويه يجعل التقدير: نعم الشيء شيئا صنعت (2)، ويقوي تعريف ما بعد (نعم) كثرة الاقتصار عليها في نحو: غسلته غسلا نعمّا، والنكرة التالية (نعم) لا يقتصر عليها إلا في نادر من القول (3)، كقول الراجز:
2003 -
تقول عرسي وهي لي عومره
…
بئس امرأ، وإنّني بئس المره (4)
ويقوى أيضا فاعلية (ما) المذكورة وأنها ليست تمييزا: أنّ التمييز إنما يجاء به لتعيين جنس المميّز، و (ما) المذكورة مساوية للمضمر في الإبهام، فلا يكون تمييزا (5)، ويقوّي تعريف (ما) في نحو:«مما أن أصنع» كونها مجرورة بحرف مخبر به، وما كان كذلك فلا يكون - بالاستقراء - إلا معرفة، أو نكرة موصوفة، و (ما) المذكورة غير نكرة موصوفة فتعين كونها معرفة، وإلّا لزم ثبوت ما لا نظير له، قال أبو علي في البغداديات - في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ (6) -: يجوز أن تكون (ما) معرفة، ويجوز أن تكون نكرة، فإن حملته على أنّه معرفة كان رفعا ولم يكن لقوله: يَعِظُكُمْ موضع من الإعراب، وإن حملته على أنّه نكرة كانت -
(1) ينظر: معاني القرآن للفراء (1/ 57).
(2)
هذا رأي الجرمي وينظر في التذييل والتكميل (4/ 476) والمساعد لابن عقيل (137 / أ).
(3)
ينظر: شرح المصنف (3/ 11) وفي التذييل والتكميل (4/ 474، 475) وليس بنادر كما قال لقوله تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا فهذا كقوله: بئس امرأ.
(4)
هذا البيت من الرجز لم أهتد إلى قائله، وقال العيني: لم أقف على اسم قائله وروي: بئس امرؤ، بالرفع وليس كذلك.
اللغة: عرسي: - بكسر العين وسكون الراء - زوجتي، لي: معي، عومرة: صخب وجلبة وفي جمهرة اللغة: وقع القوم في عومرة، أي: تخبط وشر.
والشاهد في البيت: قوله: «بئس امرأ» ؛ حيث أضمر الفاعل فيه وفسرته النكرة بعده المنصوبة على التمييز وفيه ثلاثة أشياء: تذكير الفعل المسند إلى المؤنث أي: بئست المرأة، وتقديم المخصوص بالذم على بئس، لدخول الناسخ عليه، وتخفيف الهمزة من المرأة.
ينظر الشاهد في التذييل والتكميل (4/ 474)، والعيني (4/ 29)، والأشموني (3/ 32).
(5)
ينظر: شرح الكافية الشافية (2/ 1112)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 24) رسالة.
(6)
سورة النساء: 58.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منصوبة، وموضع يعظكم نصب، لكونه وصفا للاسم المنصوب (1) هذا نصّه.
وينبغي أن ينتبه بتقييدي مميز فاعل هذا الباب بقبول (أل) على أنّه لا يجوز أن يكون بلفظ (مثل) ولا (غير) ولا (أيّ) ولا أفعل من كذا؛ لأنه خلف عن فاعل مقرون بالألف واللام، فاشترط صلاحيته لهما، وكل ما ذكرته آنفا لا يصلح لهما، فلم يجز أن يخلف مقرونا بهما، وقلت: غالبا - بعد التقييد بـ: لازم - احترازا من حذف المميّز في قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من توضّأ يوم الجمعة فبها ونعمت» (2) أي فبالسّنّة أتى، ونعمت السنة سنّة، فأضمر الفاعل على شريطة التفسير، وحذف المميز للعلم به (3)، وإذا ثبت أنّ مميز هذا الباب قد يحذف للعلم به أمكن أن يحمل عليه ما أوهم بظاهره أنّ الفاعل فيه علم، أو مضاف إلى علم كقول ابن مسعود - رضى الله تعالى عنه - أو غيره من العبادلة:«بئس عبد الله أنا، إن كان كذا» وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم عبد الله خالد بن الوليد» (4) فيكون (نعم) و (بئس) مسندين -
(1) ينظر: المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات (ص 252) تحقيق صلاح الدين السنكاوي.
(2)
ينظر: الترمذي (3/ 4) باب: في الوضوء يوم الجمعة في (3/ 94) طبعة. دار الفكر - بيروت (1348 هـ/ 1930 م) وفي النهاية لابن الأثير (4/ 158) مادة «نعم» : «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، أي: ونعمت الخصلة والفعلة هي، فحذف المخصوص بالمدح، والباء في قوله: «فبها» متعلقة بفعل مضمر، أي فبهذه الخصلة أو الفعلة، يعني: الوضوء ينال الفضل، وقيل: هو راجع إلى السنة، فبالسنة أخذ فأضمر ذلك». اه.
(3)
في التذييل والتكميل (4/ 502): «وهذا الذي ذكره من جواز حذف التمييز ذكره ابن عصفور، قال: «ولا بد من ذكر اسم الممدوح أو المذموم ومن ذكر التمييز إذا كان الفاعل مضمرا، وقد يجوز حذف ذلك لفهم المعنى ومن كلامهم: إن فعلت كذا وكذا فبها ونعمت أي: ونعمت فعلة فعلتك فحذف التمييز واسم الممدوح» . اه. وينظر: المقرب (1/ 66، 67).
(4)
هذا الحديث في سنن الترمذي (5/ 352)، ولفظه: «عن أبي هريرة قال: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فجعل الناس يمرون، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا يا أبا هريرة؟ فأقول: فلان فيقول بئس عبد الله هذا، حتى مرّ خالد بن الوليد، فقال: من
هذا؟ فقلت: هذا خالد بن الوليد، قال: نعم خالد بن الوليد سيف من سيوف الله». اه.
وخالد بن الوليد هو الصحابي الجليل خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي، سيف الله، أسلم بعد الحديبية، وشهد غزوة مؤتة، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ، كما شهد خيبر وفتح مكة وحنينا، وله آثاره في حروب الشام والعراق، وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب سنة (21 هـ) تنظر ترجمته في جمهرة أنساب العرب (ص 147)، ونسب قريش (ص 320).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى ضميرين، حذف مفسراهما و (عبد الله) مبتدأ، و (أنا) و (خالد) بدلان، ومن هذا النوع - أيضا - قول سهل بن حنيف (1) رضي الله عنه:«شهدت صفين، وبئست صفون» (2)، وأما ما روي من قول بعضهم: نعم زيد رجلا، فيحمل على أنّ الأصل فيه: نعم رجلا زيد، على أنّ الفاعل مضمر، و (رجلا) مفسره و (زيد) مبتدأ خبره (نعم) وفاعلها، وليس فيه شذوذ، إلّا أن يكون التمييز مسبوقا بالمبتدأ، فيكون في ذلك نظير قول الشاعر:
2004 -
والتّغلبيّون بئس الفحل فحلهم
…
فحلا وأمّهم زلّاء منطيق (3)
وهذه توجيهات أعنت عليها، ولم أسبق إليها، والحمد لله ربّ العالمين (4).
والحاصل: أنّ فاعل (نعم وبئس) لا يكون إلّا ظاهرا معرفا بـ (أل) أو مضافا إليه، أو إلى مضاف إليه، أو نكرة مضافة، أو مفردة، أو موصولا، أو مضافا إليه، أو ضميرا مفسرا بتمييز، موجود أو مقدّر، ولا يكون غير ذلك إلّا ما ندر من نحو: مررت بقوم نعموا رجالا، ومن قال: نعم هم، فمراده نعموا، ولكن زاد ياء الجرّ في الفاعل، كما زيدت في: وَكَفى بِاللَّهِ (5) ومنع سيبويه الجمع -
(1) هو الصحابي الجليل سهل بن حنيف بن واهب الأوسي الأنصاري، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي بالكوفة، وصلى عليه عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، وحديثه يوم صفين مشهور توفي سنة (38 هـ) تنظر ترجمته في: تهذيب الأسماء، والكتاب (ص 237).
(2)
وهذا الأثر في النهاية لابن الأثير (2/ 268) هكذا: في حديث أبي وائل: «شهدت صفين، وبئست الصفون» وهو كذلك في شرح الرضي (2/ 317) وبئست الصفون.
(3)
هذا البيت من البسيط، وقائله جرير، يهجو الأخطل التغلبي.
اللغة: التغلبيون: جمع تغلبي نسبة إلى بني تغلب قوم من النصارى العرب، بقرب الروم، والأخطل منهم، زلاء: - بفتح الزّاي، وتشديد اللام ممدودة - هي لا صقة العجز خفيفة الإلية، منطيق - بكسر الميم - صيغة مبالغة، يستوي فيها المذكر والمؤنث، وهو البليغ، والمراد هنا: المرأة التي تأتزر - بحشية، تعظم بها عجيزتها.
والشاهد في هذا البيت: «بئس الفحل .. فحلا» ؛ حيث جمع بين الفاعل الظاهر والتمييز، للتأكيد، وقيل: هو حال مؤكدة. ينظر الشاهد في: ديوان جرير (1/ 192)، ومنهج السالك (ص 393)، والمقاصد النحوية (4/ 7)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 183)، والأشموني (3/ 34)، والهمع (2/ 86)، والدرر (2/ 112).
(4)
انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 14).
(5)
هذا جزء من آيات كثيرة في القرآن الكريم منها سورة النساء: 6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بين التمييز، وإظهار الفاعل (1) وأجاز ذلك أبو العبّاس، وقوله - في هذا - هو الصّحيح، وحامل سيبويه على المنع كون التمييز في (2) الأصل - مسوقا لرفع الإبهام، والإبهام إذا ظهر الفاعل زائل فلا حاجة إلى التمييز، وهذا الاعتبار يلزم منه منع التمييز في كلّ ما لا إبهام فيه كقولك: له من الدراهم عشرون درهما، ومثل هذا جائز، بلا خلاف. ومنه قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً (3)، وقوله تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا (4)، وقوله تعالى: فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (5)، وقوله تعالى: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (6) فكما حكم بالجواز في مثل هذا وجعل سبب الجواز التوكيد، لا رفع الإبهام، فكذلك يفعل في نحو:«نعم الرجل رجلا» ولا يمنع؛ لأنّ تخصيصه بالمنع تحكم، بلا دليل، هذا لو لم تستعمله العرب، فكيف وقد استعملته، كقول الشاعر:
2005 -
والتّغلبيّون بئس الفحل فحلهم
…
فحلا وأمّهم زلّاء منطيق
ومثله:
2006 -
نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت
…
ردّ التّحيّة نطقا أو بإيماء (7)
ومثله - على الأظهر، والأبعد من التكلّف -: -
(1) ينظر: الكتاب (2/ 177)، وشواهد التوضيح والتصحيح لابن مالك (107)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 14) رسالة.
(2)
ينظر: المقتضب (2/ 148)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 15) رسالة، ومنهم من أجاز ذلك، وهم: المبرد، وابن السراج، وظاهر قول الفارسي في الإيضاح وشبه ذلك المبرد، وابن السراج بقولهم:
لي من الدراهم عشرون درهما. اه.
(3)
سورة التوبة: 36.
(4)
سورة الأعراف: 155.
(5)
سورة الأعراف: 142.
(6)
سورة البقرة: 74.
(7)
هذا البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين.
اللغة: بذلت: أعطت، بإيماء: بإشارة، مصدر: أومأ إلى الشيء.
الشاهد في البيت: قوله: «نعم الفتاة فتاة» ؛ حيث جمع بين الفاعل الظاهر: (الفتاة)، وبين التمييز (فتاة) للتأكيد. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 508) والأشموني (2/ 28)، (3/ 34) والهمع (2/ 86) والدرر (2/ 112).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
2007 -
تزوّد مثل زاد أبيك فينا
…
فنعم الزّاد زاد أبيك زادا (1)
ومن ورود التمييز للتوكيد، لا لرفع الإبهام قول أبي طالب (2):
2008 -
ولقد علمت بأنّ دين محمّد
…
من خير أديان البريّة دينا (3)
ومثله قول الآخر:
2009 -
فأمّا التي خيرها يرتجى
…
فأجود جودا من اللّافظه (4)
انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (5). أما ما يتعلق بمسائل الفصل فأبحاث:
الأول:
[3/ 97] أنّ النحاة بينهم اختلاف، في اللام المصاحبة لفاعلي الفعلين هل هي جنسية، أو عهديّة؟
فإذا كانت جنسية، فهل المراد الجنس حقيقة، أو الجنس مجازا، وإذا كانت عهدية، فهل العهد خارجيّ، أو ذهنيّ، فهذه أربعة أمور: -
(1) هذا البيت من الوافر، وقائله: جرير بن عطية، من قصيدة يمدح فيها عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
اللغة: تزود: فعل أمر، معناه: اتخذ زادا، والمعنى هنا: اتخذ سلوكا حميدا، وسيرة حسنة، و (مثل) نصب على أنه صفة لمصدر محذوف أي: تزود زادا مثل زاد أبيك.
والشاهد في البيت: قوله: «فنعم الزاد زاد أبيك زادا» ؛ حيث جمع فيه بين الفاعل الظاهر، والنكرة المفسرة تأكيدا. ينظر الشاهد في ديوان جرير (ص 14)، والمقتضب (2/ 148)، واللسان «زود» ، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 17) رسالة.
(2)
هو أبو طالب، عم النبي صلى الله عليه وسلم، تنظر ترجمته في: نسب قريش (ص 17).
(3)
البيت من الكامل، وهو في ديوان أبي طالب.
اللغة: ولقد: اللام موطئة للقسم، قد: حرف تحقيق، والباء: - في (بأن) - زائدة للتوكيد.
الشاهد في البيت: قوله: «دينا» ؛ فهو تمييز منصوب مؤكد.
ينظر الشاهد في ديوان أبي طالب (ص 13)، وتوضيح المقاصد (3/ 90)، والشذور (ص 18)، والعيني (4/ 8)، والأشموني (3/ 34)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 18) رسالة.
(4)
هذا البيت من المتقارب، وقد نسب في التصريح والعيني لطرفة بن العبد البكري.
اللغة: اللافظه: البحر، والهاء فيه للمبالغة، وفي المثل: «أسمح من لافظة: أي بحر.
الشاهد: «جودا» ؛ حيث نصب على التمييز بـ (أجود) وهو تمييز مؤكد.
ينظر الشاهد في: المقاصد النحوية للعيني (1/ 572)، والأشباه والنظائر (4/ 45).
(5)
انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 16).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أولها: أنها جنسيّة، والمراد الجنس حقيقة (1)، ودليله: أنهم التزموا في الفاعل، أو فيما أضيف هو إليه اللّام (2)، أو كونه مضمرا، مفسره اسم الجنس، فلولا أنّ المراد الجنس حقيقة ما التزموا ذلك، وأنهم يقولون - في فصيح الكلام -: نعم المرأة، ولولا إرادة الجنس ما ساغ إسناد الفعل إلى المؤنث الحقيقيّ (3) دون فصل، بغير تاء التأنيث، فعلى هذا إذا قلت: نعم الرجل زيد، فكأنّك قلت: نعم جنسه، الذي هو الرجال فينجرّ لزيد الثناء معهم، ثم تخصّه بالذكر؛ تنبيها على أنه المقصود بالمدح؛ لتحصل المبالغة في مدحه، ويقوي ذلك أنّ نحو:«زيد نعم الرجل» لا رابط في الجملة الواقعة فيه خبرا، يربطها بالمبتدأ، إلا العموم المفهوم من الرّجل، فلولا أنّ المراد الجنس لما حصل العموم، وأورد على هذا الوجه قولهم: نعم الرجلان، ونعم الرجال، والجنس لا يثنّى ولا يجمع، وأجيب عنه بأنّ كلّا من المثنّى والمجموع جعل جمع الجنس. وفيه نظر، وقد ردّ كون المراد الجنس حقيقة بأمرين:
أحدهما: أنك إذا مدحت الجنس جعلت المقصود بالمدح تبعا فيصير المقصود غير مقصود (4).
ثانيهما: أنّه يؤدي إلى التكاذب، فيما إذا قلت: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، ووصفت بهاتين الجملتين معا، وقد قال الله تعالى: نِعْمَ الْعَبْدُ (5) لنبيّه أيّوب، صلّى الله على نبيّنا وعليه وسلم، وليس كلّ العبد ممدوحا.
ثانيها (6): أنها جنسية مجازا، وذلك بأن يجعل الممدوح هو جميع الجنس كلّه مبالغة، فإذا قلت: زيد نعم الرجل، فكأنك قلت: زيد نعم الذي هو جنس الرجال -
(1) في التذييل والتكميل (4/ 461) رسالة: «فقال قوم: هي جنسية حقيقة، فإذا قلت: نعم الرجل زيد، فالرجل عام، والجنس كله هو الممدوح،
وزيد مندرج تحت الجنس؛ لأنه فرد من أفراده». اه.
(2)
ينظر: منهج السالك (ص 388)، والتذييل والتكميل (4/ 461) وشرح التسهيل للمرادي (182 / ب).
(3)
في التذييل والتكميل (4/ 462): «والوجه الثاني: قول العرب في فصيح كلامها: نعم المرأة هند، وبئس المرأة جمل، فلا تلحقهما تاء التأنيث، ولا يقولون: قام فلانة، في فصيح الكلام، فدل ذلك على أن (أل) للجنس
…
». اه.
(4)
في التذييل والتكميل (4/ 463) ذكر الشيخ أبو حيان هذا الكلام، وزاد عليه قوله:«ولأن ما ثبت للشيء على جهة الشركة فيه لا يكون مدحا يؤثر ميلا إلى الممدوح بخصوصيته، والمراد بالمدح ذلك» . اه.
(5)
سورة ص: 44.
(6)
راجع إلى قوله: أربعة أمور.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولو لم تقصد غير مدح زيد بذلك.
والعرب قد تجعل المفرد بمنزلة الجنس كلّه، مبالغة في المدح، فمن كلامهم:
«أكلت شاة كلّ شاة» فجعلوا الشاة المأكولة هي جميع الشياة مبالغة، وهكذا يكون نظيره في الذمّ، قالوا: وعلى هذا التقرير لا إشكال في التثنية والجمع؛ لأنّ كلّا منهما يجعل الجنس مجازا فالجنس هو الرجلان، أو الرجال، مثلا، وأورد على هذا الوجه أنّ ربط الخبر بالمبتدأ في نحو: زيد نعم الرجل يكون المعنى نظير قولنا:
زيد قام أبو عمرو، إذا كان أبو عمرو كنية لزيد، وسيبويه لا يجيزه (1)، وأجيب عن ذلك بأنّ المنع في نحو: زيد قام أبو عمرو إنما هو من أجل أنّ (أبا عمرو) لا يفهم منه أنّ المراد به زيد، ولو فهم لجاز، وأمّا نحو: زيد نعم الرجل، فليس فيه ما يلتبس به زيد؛ لأنّه الجنس كلّه، والجنس لا ثاني له فيلتبس به.
ثالثها (2): أنّها عهدية والمراد العهد الخارجيّ (3)، فالمراد بالرجل في قولنا:«زيد نعم الرجل» الممدوح خاصة، وكذا المراد المذموم خاصة في قولنا:«زيد بئس الرجل» حتّى كأنّك تريد: نعم هو وادّعى القائل بهذا الوجه (4) جواز الرّبط بالمعنى، متمسكا بمذهب الأخفش، في إجازة ذلك (5). أو يقول: إنّ سيبويه لا يمنع الربط بالمعنى على الإطلاق، فإنّما منعه في نحو: زيد قام أبو عمرو لما تقدم وهو كلام لا يبعد أن يكون متوجها.
رابعها: أنّها عهدية والمراد العهد الذهني (6)، وهذا الوجه هو الذي عليه الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله؛ فإنّه قال: وإنّما امتازت هذه الأفعال بأنّ فاعلها لا يكون إلا باللام، أو مضمرا مفسرا بنكرة منصوبة من جهة أنهم قصدوا إبهام الممدوح أولا، ثمّ تفسيره فلذلك أتوا به على هذه الصفة، ووجه الإبهام فيما فيه -
(1) ينظر التذييل والتكميل (4/ 464) رسالة، وتوضيح المقاصد للمرادي أيضا (3/ 84) وفي المقرب لابن عصفور (1/ 67):«وكأنك جعلت الممدوح أو المذموم جميع الجنس على حد قولهم: «أكلت شاة كل شاة» لما أثنوا على قد الشاة بالسمنة جعلوها جميع الجنس». اه.
(2)
أي: الأمور الأربعة.
(3)
أي: العهد في الشخص الممدوح.
(4)
في التذييل والتكميل (4/ 466): «وإلى هذا ذهب الأستاذ أبو اسحاق بن ملكون، من أصحابنا، وأبو منصور الجواليقي اللغوي من أهل بغداد» . اه.
(5)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 466).
(6)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 465) رسالة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الألف واللام أنّه قصد إلى معهود في الذهن، غير معيّن في الوجود، كقولك:
«ادخل السوق» وإن لم يكن بينك وبين مخاطبك سوق معهود في الوجود، وهذا التعريف باللام نحو التعريف الذي ذكرناه في باب:(أسامة) وإن اختلفت جهات التّعريف، وإذا كان كذلك ثبت فيه إبهام، باعتبار الوجود، ولهذا ظنّ بعض النحويّين أنّه موضوع للجنس بكماله - يعني المعرّف باللّام - كما ظنّ بعضهم أنّ أسامة موضوع للجنس بكامله، وهو خطأ محض في البابين جميعا، ألا ترى أنّك إذا قلت: نعم الرجل، لم ترد جميع الرجال، هذا مقطوع به في قصد المتكلم ولذلك وجب أن يكون المفسر له مطابقا، ووجب إذا قصد التثنية أن يثنى، ولو كان كما زعموا لوجب أن يطابق الجميع الجنس، وأن لا يثنّى ولا يجمع؛ لأنّ أسماء الأجناس لا تثنّى ولا تجمع، إذا قصد المتكلم بها الجنس (1). فإن زعموا أنّ المخصوص بالمدح مرفوع على الابتداء في الأصل، و «نعم الرجل» خبره ولا في الجملة الواقعة خبرا من ضمير، أو ما يقوم مقامه، فالجواب: أنّ هذه الشبهة لا تعارض الأمور القطعية، وما ذكرناه مقطوع به، وأيضا فما ذكرتموه إنّما هو أحد الاحتمالين في الإعراب، فإن تعذر واحد منها تعين الآخر، وما ذكرناه متعيّن وأيضا فإنّا متفقون على صحّة «نعم رجلا زيد» و (زيد) يحتمل أن يكون مبتدأ - كما زعمتم - وخبره (نعم)، ولا يصحّ أن يقال: الضمير عائد على (زيد)؛ لأنه يجب ألّا يكون عائدا على متقدم، وإلّا ورد نحو: نعم رجلين الزيدان، ونعم رجالا الزيدون، وأيضا فإنّه [3/ 98] كان يفوت الإبهام الذي هو مقصود في غرض الباب.
ثمّ قال (2): والتحقيق في جواب شبهتهم أمران:
أحدهما: أنّ الأصل أن يكون الرجل لـ (زيد) المذكور مضمرا عائدا عليه فاستعمل تارة مضمرا وتارة مظهرا، وحصل الإبهام بتأخير المفسر عنه، والآخر:
أنهم لما قصدوا إلى معهود في الذهن، كان كاسم الجنس الذي له شمول في المعنى فكما يصحّ أن يقوم اسم الجنس مقام الضمير صحّ أن يقام الاسم باعتبار المعقول في الذهن مقام الضمير؛ لأنّه يندرج تحت ما يقدر من إجازة في المعنى فإن قصدوا بقولهم:(اسم جنس) هذا المعنى فهو مستقيم، وإن قصدوا تحقيق وصفه للجملة -
(1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 467).
(2)
أي: قال ابن الحاجب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على التفضيل فهو مردود بما تقدم (1). هذا كلّه كلام ابن الحاجب، ولا يخفى تجاذب الأدلّة، في هذه (الأوجه)(2)، فعلى الناظر أن يتأمل ويرجح من الأربعة ما هو أقلّ خدشا من غيره، والذي يظهر أنّها عهديّة إما تعهد ذهني، أو تعهد خارجي، والربط بالمعنى جائز إذا لم يحصل لبس، كما تقدم فلا ينسب منعه إلى سيبويه.
البحث الثاني:
الذي ذكره المصنف في (ما) من نحو: «ما صنعت» ثلاثة أقوال للأئمة، أشار إليها في متن الكتاب: أن تكون معرفة تامة، وأن تكون موصولة يكتفى بها، وبصلتها عن المخصوص، وأن تكون نكرة منصوبة على التمييز، وذكر في الشرح أنها تركب مع الفعل، لكنّ ظاهر ما أورد أنّ التركيب ليس في نحو:«نعم ما صنعت» ، وإنّما هو في نحو:«بئسما تزويج ولا مهر» (3) وذلك حيث وليها اسم.
وابن عصفور ذكر هذه الأقوال الأربعة، وزاد قولين آخرين:
أحدهما: أن تكون نكرة غير موصوفة، وهذا القول غير الذي ذكره المصنف؛ لأنّ المصنف أراد بقوله: نكرة: النكرة المنصوبة على التمييز، والنكرة التي أرادها ابن عصفور النكرة التي هي غير تمييز (4)؛ لأنه جعلها في الأصل قسيمة التي هي تمييز.
ثانيهما: أن تكون مصدريّة.
وما ذكره الشيخ في شرحه من أنّها تكون كافة أيضا (5)، ليس خارجا من هذه الأقسام؛ لأنّ الكافة هي التي تركب مع الفعل، فيصيران معا شيئا واحدا، فليست قسما زائدا، والذي تلخص من كلام الرجلين - أعني المصنف وابن عصفور: - أن (ما) إما في موضع نصب، أو موضع رفع أو لا موضع لها. والتي في موضع رفع:
إمّا تامة، وإما نكرة، وإمّا موصولة، وإما مصدرية. فالتي في موضع نصب تمييز -
(1) ينظر: الفوائد الضيائية وشرح كافية ابن الحاجب تحقيق د/ أسامة طه الرفاعي (2/ 313)، وشرح كافية ابن الحاجب للرضي (2/ 314).
(2)
ما بين القوسين من الهامش.
(3)
في معاني الفراء (1/ 57، 58) جعلت (نعم) صلة لما، بمنزلة قولك: كلما، وإنما كانت بمنزلة حبذا فرفعت بها الأسماء، ثم قال:«وسمعت العرب تقول في (نعم) المكتفية بما: بئسما تزويج ولا مهر؛ فيرفعون التزويج بـ (بئسما)» . اه. وينظر: التذييل والتكميل (4/ 473، 474، 482).
(4)
ينظر: المقرب لابن عصفور (1/ 66).
(5)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 582).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لضمير مستتر، ذلك الضمير هو الفاعل، والتامة، والنكرة، والموصولة في موضع رفع بالفاعلية وكذا المصدرية، لكنّ الموضع ليس لها وحدها، بل لها مع الفعل الذي هي صلته، والتي لا موضع لها هي المركبة مع الفعل، وتسمّى الكافة أيضا إذا وليها فعل، فهذه ستة أقوال (1) في (ما)، لكنّ ابن عصفور خالف المصنف، فرجّح كون (ما) تمييزا لا فاعلا (2)، وقال: إنّ ذلك هو مذهب البصريّين، وهو عجيب، فإنّ سيبويه قد قال بفاعليتها (3)، وهو إمام البصريّين.
وبعد، فأنا أورد كلامه؛ ليتحقّق الواقف عليه ما ذكرته: قال (4) - بعد أن حكم بأن كونه تمييزا هو مذهب البصريين -: فإذا لم يكن بعدها فعل فهي نكرة، غير موصوفة، وإذا كان بعدها فعل فهي نكرة موصوفة و (ما) مفسرة للضمير المستتر في (نعم) و (بئس)؛ لأنهما اسم مبهم يعمّ الأشياء كلّها، وموضوع للشيء الذي يراد به الغاية، ومن ذلك قولهم: دققته دقّا نعمّا، أي: بلغت به غاية الدقّة، فوضعت مع (نعم)، و (بئس) لعموم المدح والذمّ فيهما، فقيل، نعم ما زيد، وبئسما عمرو، وذهب ابن كيسان إلى أنها اسم تامّ، تقديره في الإعراب الرفع؛ قال: وليس يمتنع أن يكون تقديره النصب، يجريه مجرى النكرة، مرّة ومجرى المعرفة أخرى (5). قال:
وقد قال قوم: إنّها ليست مع (نعم) و (بئس) كالشيء الواحد، لا موضع لها من الإعراب، وأنّ الاسم الواقع بعدها مرفوع بـ (نعم)، و (بئس). قال: والذي أذهب إليه أنها غير مخرجة من الإعراب؛ إذ الإعراب ممكن فيها، لاستحقاق الإعراب. قال: وإذا قلت: نعم ما صنعت، وبئس ما صنعت، فجئت بعدها بالأفعال، كان التقدير: نعم ما ما صنعت، وبئس ما ما صنعت، فتكون (ما) الأولى مبهمة والثانية مبهمة، تفسيرها ما في صلتهما، وكفت إحداهما عن الأخرى (6).
قال: وقال بعض النحويّين - يعني الكسائي -: الثانية هي المحذوفة وقال بعضهم - يعني الفراء -: الأولى هي المحذوفة، وقال قوم: ليس هنا حذف، وإنمّا تأويله: بئس صنعك، ولا يحسن ذلك في الكلام، حتّى يقول: بئس الصنع صنعك وكما أنّك -
(1) في التذييل والتكميل (4/ 482) أنها سبعة أقوال.
(2)
ينظر: المقرب (1/ 70).
(3)
ينظر: الكتاب (1/ 37).
(4)
يعني: ابن عصفور.
(5)
ينظر: الكتاب (1/ 73)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 183)، والتذييل والتكميل (4/ 479).
(6)
ينظر: المرجع السابق - الصفحة نفسها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تقول: أظنّ أن تقوم، ولا يحسن: أظنّ قيامك، وهو بمعناه.
قال: وأقول: إنك إذا قدّرت (ما) تقدير (الذي والتي)؛ لا يجوز أن يلي (نعم)، و (بئس) إلا وقبله ما تعتمد (نعم)، و (بئس) عليه، من المفسّر ومعناها فهناك، (ما) محذوفة، مكتفى عنها، بالتي وصلت بالفعل وتقديرها - لو جيء بها - تقدير المنصوب. قال: وإن جعلت (ما) في معنى ما فيه الألف واللام اكتفيت بها عن التي في معنى (الذي وصارت كقول العرب: نعم الرجل عندك، ونعم الرجل أكرمت، هذا كلّه كلام ابن كيسان (1)، نقله ابن عصفور في الكتاب المشار إليه (2). ثمّ قال: والصحيح قول أهل البصرة؛ لأنّها إذا حملت على ما ذهبوا إليه كان قوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ (3) بمنزلة قولك: نعم شيئا، وقوله سبحانه وتعالى:
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ (4) بمنزلة قولك: بئس شيئا اشتروا به أنفسهم أن يكفروا.
وإذا لم يحمل على ما ذهب إليه أهل البصرة كان في ذلك إخراج (نعم) و (بئس) عمّا استقرّ لهما في الاستعمال، ألا ترى أنّ جعل (ما) نكرة موصوفة، أو غير موصوفة في موضع رفع بـ (نعم) و (بئس) مخرج لهما عمّا استقرّ لهما في الاستعمال؛ لأنّ ارتفاع النكرة غير المضافة بهما، على أنها [3/ 99] فاعل، لا يحفظ من كلامهم (5) وكذلك أيضا جعل (ما) في قوله تعالى: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ اسما موصولا في موضع رفع بـ (بئس) لا يجوز؛ لأنّ (ما) الموصولة لا تكون نكرة في حال، وكلّ اسم ظاهر لا يكون نكرة، لا يكون فاعلا لـ (نعم) و (بئس) (6). ولذلك أيضا جعل (ما) المصدرية في قوله: بئسما -
(1) لمراجعة كلام ابن كيسان ينظر: التذييل والتكميل (4/ 459)، ومنهج السالك (ص 395)، والمساعد لابن عقيل (2/ 117) تحقيق بركات.
(2)
ينظر: شرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (49).
(3)
سورة البقرة: 271.
(4)
سورة البقرة: 90.
(5)
فوجب أن تكون تمييزا، ويقدر الفاعل ضميرا ينظر الشاطبي (4/ 26).
(6)
لأنها حينئذ ليست جنسية، بل معينة ولا يكون فاعل (نعم وبئس) الظاهر معرفة معينة ينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 25).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صنعت، وأمثاله - سادّة مسدّ الفاعل كما سدّت (أن) مع الفعل المنصوب بها، مسدّ مفعولي (ظننت) باطل؛ لأنّ (ما) المصدرية لم يثبت لها أن تسدّ مسدّ اسمين، ألا ترى أنها لا تسدّ مع الفعل الذي بعدها مسدّ مفعولي (ظننت) وأخواتهما، وإنما استقرّ ذلك في (إنّ) و (أنّ) مع صلتهما لجريان ذكر الخبر، والمخبر عنه في الصّلة التي لهما. وأما ما ذهب إليه الكسائيّ، والفراء من الحذف، فلا ينبغي أن يقال به ما وجدت عنه مندوحة، وأيضا فإنّ حذف (ما) الثانية إن قدرت موصولة فاسد؛ لأنّ حذف الموصول، وإبقاء صلته لا يجوز، وحذفها إن قدّرت نكرة موصوفة ضعيف؛ لأنّ حذف الموصوف، وإبقاء الجملة الواقعة صفة له إنما يجيء في شذوذ من الكلام يحفظ، ولا يقاس عليه وأما ما ذهب إليه من جعلها زائدة لا موضع لها من الإعراب فباطل؛ لما ذكره ابن كيسان، ولأنّ ارتفاع زيد الواقع بعد (ما) وأمثاله، من الأسماء الواقعة بعد (نعم) و (بئس) على أنه فاعل بهما لا يجوز، انتهى كلام ابن عصفور (1). وقال الشيخ: إنّ في (ما) من نحو: «بئسما تزويج ولا مهر» ثلاثة أقوال (2): فاعل (3)، أو تمييز (4)، أو مركبة مع الفعل (بئس)، و (تزويج) فاعل (5) وأنّ فيهما من نحو:«نعم ما صنعت» عشرة أقوال (6) هكذا قال، والذي يظهر أنّ هذه العشرة التي ذكرها هي بالحقيقة - الستة التي تقدّم ذكرها - وإنمّا النكرة المنصوبة في الأصل لها ثلاث صور، وهي: أن يكون الفعل صفة لمخصوص النكرة المنصوبة محذوف، وأن يكون صفة لـ (ما) والمخصوص محذوف، وأن يكون الفعل صفة لـ (ما) أخرى محذوفة وكذلك صوّروا للموصولة ثلاث صور أيضا: أن يكون الفعل صلتها، والمخصوص محذوف، وأن تكون هي المخصوص، و (ما) أخرى تمييز محذوف، التقدير: نعم شيئا الذي صنعته، وأن لا يكون حذف، بل اكتفى بها، وبصلتها عن المخصوص، فمن ثمّ صارت الأقوال عشرة. وبعد، فالواجب -
(1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 482) رسالة.
(2)
المراد أنه إذا جاء بعد (ما) اسم، ففي إعراب (ما) ثلاثة أقوال.
(3)
أي (ما) فاعل (بئس) على أنها معرفة تامة.
(4)
أي (ما) تمييز، وفاعل (بئس) مضمر مفسّر بلفظ (ما).
(5)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 482)، ومنهج السالك (ص 395).
(6)
الذي ذكره الشيخ في: «نعم ما صنعت» سبعة أقوال فقط. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 482)، ومنهج السالك (ص 395).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإعراض عن أكثر هذه الأقوال والاستمساك بما يقوم الدليل على رجحانه.
وقد عرفت أنّ المصنف ذكر أنّ مذهب سيبويه: أنّ (ما) اسم تامّ، مكنيّ به عن اسم معرّف باللام الجنسيّة مقدّر بحسب المعنى، وأنّ ابن خروف والسيرافي قرّرا ذلك، وعلى قول سيبويه والمبرد، وابن السرّاج، والفارسي في أحد قوليه، والكسائيّ موافق لسيبويه (1) كما قال المصنف، وكيف تكون (ما) تمييزا وهي مبهمة، تحتاج إلى ما يميزها. وقد قال سيبويه: فأمّا (ما) فإنّها مبهمة، تقع على كلّ شيء (2). وقد قال بعض العلماء: زاد على من قال: إنّ (ما) في قوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ (3) في موضع نصب على التمييز و (ما) كالمضمر المجهول، الذي في (نعم) لا يدرى ما يعنى به، فكيف يفسر الشيء بما هو مثله في الإبهام،؟ قال: وإنّما ينبغي أن تكون (ما) في الآية الشريفة فاعلة (نعم)، أي فنعم الشيء هي.
والذي يظهر أنّ من ادّعى أنّ (ما) تمييز فإنّه يشترط أن توصف، فعلى هذا لا تكون تمييزا في قوله تعالي: فَنِعِمَّا هِيَ؛ إذ لا توصف، بل يتعين القول بفاعليتها فتكون اسما تامّا، ويجوز أن تكون تمييزا في قوله تعالى: نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ (4) بأن تجعل الجملة بعدها صفة لها، فحاصل الأمر: أنّ (ما) في قوله تعالى:
نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ، وقوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ تامة قائمة مقام اسم فيه الألف واللّام، التقدير: نعم الشيء شيء يعظكم به، ونعم الشيء شيء هو إبداؤها، فحذف المخصوص في الآيتين الشريفتين وبقيت صفته، ويجوز أن تكون موصولة في نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ على رأي من يجيز أن يكون فاعل (نعم) اسما موصولا وأن يكون تمييزا على رأي من يرى ذلك، لو جرّد الوصف. وأما في فَنِعِمَّا هِيَ فلا يظهر فيها أن تكون غير فاعلة، وقد عرفت أنّ المصنف أبطل كون (ما) تمييزا بشيء آخر، وهو أنّ المميز في هذا الباب، لا يكون إلّا صالحا للألف واللّام، و (ما) غير صالحة لذلك وقد طال الكلام في هذه المسألة، والله سبحانه هو الهادي إلى الحقّ. -
(1) تراجع كل هذه الآراء في والتذييل والتكميل (4/ 473)، والكسائي إمام الكوفيين - رسالة ماجستير (ص 243).
(2)
ينظر: الكتاب (1/ 73)، ومنهج السالك (ص 395)، والأشموني (3/ 36).
(3)
سورة البقرة: 271.
(4)
سورة النساء: 58.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البحث الثالث:
تقدّم من المصنّف - مستدلّا على فاعلية (ما) - قوله: ويقوي تعريف (ما) بعد (نعم) كثرة الاقتصار عليها في نحو: غسلته غسلا نعمّا، والنكرة التالية (نعم) لا يقتصر عليها إلا في نادر من القول كقول الراجز:
2010 -
…
بئس امرؤ، وإنّني بئس المره (1)
فقال الشيخ: وليس بنادر. كما قال - لقوله تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (2) - قال: فهذا كقوله: «بئس امرؤ
…
» (3). انتهى، وأقول: الظاهر أنّ (امرأ) من الرجز، ليس بمنصوب، وإنما هو مرفوع، على أنه فاعل (بئس) كما جاءت النكرة مرفوعة بعد (نعم) مقتصرا عليها في الأبيات المتقدمة الإنشاد، وذلك قوله:
2011 -
ورئد للنساء ونعم نيم (4)
وإلّا فكيف يقول المصنف: إن ذلك لا يكون إلا في نادر من القول، مع وروده في الكتاب العزيز، وكثرته في كلام العرب، نثرا ونظما. نعم: إن كانت الرواية بنصب (امرأ) قد أجمع عليها الرواة، فالمؤاخذة متوجهة كما قال الشيخ (5).
البحث الرابع:
قال ابن أبي الربيع: لا يجوز الفصل بين (نعم) وفاعلها بشيء لا تقول: نعم في الدار الرجل زيد، وتقول: نعم الرجل في الدّار زيد (6).
قال الشيخ: ووجدت في شعر العرب الفصل بين (بئس) ومرفوعها بـ (إذن)، كقول الشاعر:
2012 -
أروح ولم أحدث لليلى زيارة
…
لبئس إذن راعي المودّة والوصل (7)
-
(1) تقدم هذا الشاهد.
(2)
سورة الكهف: 50.
(3)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 474، 475) رسالة.
(4)
تقدم تخريج هذا الشاهد.
(5)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 474، 475).
(6)
في الملخص لابن أبي الربيع (ص 413) رسالة: «ولا يجوز أن يفصل بين (نعم) وفاعلها بشيء، وإن كان ظرفا، أو مجرورا، تقول: نعم الرجل في الدار زيد، ولا تقول: نعم في الدار الرجل زيد» .
(7)
هذا البيت من الطويل، وقائله غصين بن براق، وهو أبو هلال الأحدب الأعرابي، وفي المؤتلف والمختلف:
«ذكره أبو علي دعبل الخزاعي في كتاب شعراء بغداد» تنظر ترجمته في المؤتلف والمختلف (ص 89). -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما الفصل بين (نعم) ومفسر الضمير فقيل: لا يجوز أيضا، فلا يقال: نعم في الدار رجلا. والأصحّ الجواز، بدليل قوله تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (1).
البحث الخامس:
قد عرفت أنّ الفاعل في نحو قولنا: (نعم رجلا زيد) ضمير مستتر [3/ 100] مفسر بالنكرة المذكورة، وهذا هو مذهب البصريين، وذكروا أنّ الضمير المذكور يراد به الجنس، كما يراد به إذا كان اسما ظاهرا، واستغنى بتثنية مفسره وبجمعه، عن تثنيته وجمعه (2). والمنقول عن الكسائيّ والفراء أنّ الاسم المرفوع بعد النكرة المنصوبة هو فاعل (نعم)، ثمّ اختلفا في النكرة المنصوبة؛ فقال الكسائيّ: إنّها حال (3).
وقال الفراء: إنّها تمييز، وهو عنده، من قبيل التمييز المنقول، والأصل عنده: رجل نعم الرجل زيد، فحذف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه، فقيل: نعم الرجل زيد، ثم نقل الفعل إلى اسم الممدوح، فقيل: نعم رجلا. وأقول: إنّ مذاهب الكوفيّين مبنية على أصول لهم لا يعتبرها البصريّون، ولا يصادم قول هؤلاء، بقول هؤلاء (4).
ولكن قال ابن عصفور: والصحيح ما ذهب إليه البصريّون، لثلاثة أوجه:
أحدها: قول العرب: نعم رجلا كان عبد الله، فيعملون في الاسم المرفوع بعد الممكن - كان وأشباهها، من نواسخ الابتداء، ولو كان فاعلا بـ (نعم) لم يجز إعمال الناسخ فيه. -
- اللغة: أروح: بحذف همزة الاستفهام الإنكاري، واللام - من قوله:«لبئس» -: لام الابتداء والمذموم محذوف؛ لأن المراد مفهوم، وكان أهله استعجلوه عن زيارة ليلى، حيث جاء بعده في حماسة أبي تمام، والمؤتلف والمختلف:
تراب لأهلي لا ولا نعمة لهم
…
لشد إذن ما قد تعبدني أهلي
دعا على أهله؛ فقد أرادوا منه ترك ليلى وجعله عبدا لهم، كما قال التبريزي.
والشاهد: جواز الفصل بين (بئس) وفاعلها بـ (إذن).
ينظر الشاهد في حماسة أبي تمام، بمختصر شرح التبريزي (2/ 109)، والمؤتلف والمختلف (ص 90)، والهمع (2/ 85)، والدرر (2/ 111)، ومعجم شواهد العربية (1/ 302).
(1)
سورة الكهف: 50.
(2)
ينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 11).
(3)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 488).
(4)
نصب النكرة على التمييز للفاعل المضمر مذهب جمهور البصريين، والكسائي على أن النكرة منصوبة على الحال، والاسم المؤخر فاعل، والفراء على أن النكرة منصوبة على التمييز، والاسم المرفوع -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثانيها: قول العرب: إخوتك نعم رجالا، فيقدمون اسم الممدوح على (نعم) ولا يضمرون فيها ضميرا عائدا عليه، فكنت تقول: إخوتك نعموا رجالا ولو كان فاعلا حال تأخره لم يكن بدّ من تحمّل (نعم) ضميرا عائدا عليه وإذا انتفى كون الاسم المرفوع فاعلا تعين كون الفاعل ضميرا مستترا.
ثالثها: قول العرب: نعم رجلا أنت، فيفصلون الضمير، ولو كان فاعلا بـ (نعم) لزم اتصاله (1).
البحث السادس:
ذكر ابن عصفور أنّ النكرة التي يفسرها الضمير - في هذا الباب - يشترط فيها ثلاثة شروط:
أحدها: أن تكون مبنية للنوع، الذي قصد فيه المدح أو الذمّ، نحو: نعم رجلا زيد، ونعم فارسا عمرو، ولو قلت: نعم غيرك زيد، لم يجز؛ لأنّ (غير) لا تبيّن النوع الذي قصدت أن تمدح زيدا فيه.
ثانيها: أن تكون عامة، فلو قلت: نعم شمسا هذه الشمس، ونعم قمرا هذا القمر، لم يجز؛ لأنّ (شمسا)، و (قمرا)، مفردان في الوجود، ولو قلت: نعم شمسا شمس هذا اليوم ونعم قمرا قمر هذه الليلة؛ جاز ذلك.
ثالثها: ألّا يراد بتلك النكرة معنى المفاضلة، نحو: أفضل من زيد، وأفضل رجل؛ لأن فيها معنى مدح معلوم مقداره، فلو قلت: نعم أفضل من زيد أنت، ونعم أفضل رجل أنت، لم يزد فيه (نعم شيئا) لم يكن قبل دخولها. انتهى (2).
أمّا امتناع كون النكرة المميزة لهذا الضمير المستتر تكون كلمة (غير) و (أفعل من) فقد نبّه المصنف عليه باشتراط قبولها (ال) -، حيث ذكر الضمير فقال مفسرا بتمييز موجز، مطابق، قابل (ال). وقال في الشرح: ونبهت بذلك على -
- هو الفاعل أيضا.
(1)
انظر في هذه الأوجه الثلاثة: شرح المقرب لابن عصفور (1/ 381)(مرفوعات قسم أول) والتذييل والتكميل (4/ 471)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 12).
(2)
ينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 13). وتنظر الشروط الثلاثة في شرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (47).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنه لا يجوز أن تكون بلفظ (مثل) ولا (غير) ولا (أي) ولا (أفعل من) وعلل ذلك بأنّه خلف عن فاعل، مقرون بالألف واللام، قال: فاشترط صلاحيته لها وكل ما ذكرته آنفا لا يصلح لها فلم يجز أن يخلف مقرونا بهما، وأما امتناع نحو:
نعم شمسا هذه الشمس فظاهر لا يحتاج إلى التنبيه عليه؛ لأنّ الضمير الذي هو فاعل لا دلالة له على الجنس، ومن شرط الفاعل في هذا - مظهرا أو مضمرا - أن يكون مرادا به الجنس كما تقدم (1).
البحث السابع:
قد تقدم قول المصنف عند ذكر المميز المفسر للضمير المستتر في (نعم) وقلت:
غالبا - بعد التقييد بـ: لازم - احترازا من حذف المميز، في قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:«من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت» (2) أي: فبالسنة أتى، ونعمت السنة سنة، فأضمر الفاعل، على شريطة التفسير، وحذف المميز، للعلم به، وهو تقرير صحيح.
ولو أتمّ الكلام بأن قال: والمخصوص للعلم بهما، بعد قوله: وحذف المميز - لكان أولى؛ لأنّ الواقع كذلك، ولما ذكر ابن عصفور المسألة قال: ومن كلامهم:
إن فعلت كذا وكذا فبها ونعمت، أي: فنعمت فعلة فعلتك، بحذف التمييز، واسم الممدوح (3). انتهى، وأشار إلى حذف المخصوص وقدم - في التفسير - ذكر المميز فكان كلامه أتمّ من كلام المصنف.
واعلم أنّ سيبويه قد نصّ على وجوب ذكر هذا التمييز ولزومه، فبعد أن ذكر: نعم رجلا عبد الله، وبعد أن قال: ومثله: ربّه رجلا، قال: ولا يجوز لك أن تقول:
نعم، ولا: ربّه، وتسكت؛ لأنهم إنّما بدأوا بالإضمار على شريطة التفسير، وإنما هو إضمار مقدم، قبل الاسم، والإضمار الذي يجوز السكوت عليه إضمار بعد ما ذكر الاسم مظهرا، فالذي تقدّم من الإضمار لازم له التفسير حتى يبينه (4). انتهى. -
(1) ينظر شرح الألفية للشاطبي (4/ 13) والتذييل والتكميل (4/ 472).
(2)
وتتمة الحديث: «ومن اغتسل فالغسل أفضل» والحديث في صحيح البخاري كتاب الوضوء، وصحيح مسلم كتاب الطهارة، ومسند ابن حنبل (5/ 8).
(3)
المقرب (ص 68) وشرح المقرب (1/ 362) المرفوعات: قسم أول.
(4)
كتاب سيبويه (2/ 176).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يرد على سيبويه بما ورد في الحديث، فإنّه إنّما قال: على شريطة التفسير، ولا شكّ أنّ الوارد في الحديث فيه الدلالة على المفسر، فكان في حكم المذكور.
البحث الثامن:
إذا كان مفسّر الضمير المستتر - في هذا الباب - مؤنثا نحو قولك: نعم امرأة هند، وبئس امرأة فلانة - اختلفت أقوال النحاة المتأخرين، في لحاق الفعل تاء التأنيث، فقال ابن أبي الربيع: إنها لا تلحق. قال: فلا يقال: نعمت امرأة هند، وإنمّا يقال: نعم امرأة هند، استغنوا بتأنيث المفسّر (1) وما ورد في الحديث الشريف، من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:«فبها ونعمت» يردّ ما قاله، وكان منهم من أوجب لحاق التاء، ومنهم من أجاز الأمرين، وهذا هو الظاهر، وتقدم تمثيل المصنف - عند ذكر مسألة الضمير - بنحو: نعمت امرأتين الهندان، بإثبات التاء، وكأنّ الشيخ فهم - من كونه مثّل بذلك - وجوب لحاق التاء، وتبعد إرادة المصنف ذلك، وبعد فقد ذكروا أنّ المراد بالضمير الجنس، كما أنّ المراد بالفاعل الظاهر الجنس، ولا شكّ أنّ اللحاق جائز مع الاسم الظاهر، غير واجب فليكن حكم المضمر - حيث كان مرادا به الجنس - حكم الظاهر.
البحث التاسع:
قد عرفت أنّ مذهب أبي العبّاس جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر وأنّ المصنف صحّح مذهبه، مستدلّا عليه بما تقدّم ذكره من الشّواهد (2)، ولا شكّ أنّه لا يعقل معنى التمييز، في نحو: نعم الرجل رجلا، إذا لم يكن في الكلام شيء مبهم مفتقر إلى تمييز. وأما قول المصنف: إنّ هذا الاعتبار يلزم منه التمييز في كلّ ما لا إبهام فيه، كقولك: لي من الدراهم عشرون درهما، ومثل هذا جائز بلا خلاف، إلى آخر ما ذكره. -
(1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 462، 467، 505) وفي الملخص لابن أبي الربيع (ص 414) رسالة: «لا تقول: نعمت امرأة هند إنما تقول: نعم
امرأة هند استغنوا بتأنيث المفسر». وينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 87، 88).
(2)
ينظر: المقتضب (2/ 148)، والأصول لابن السراج (1/ 138)، وابن يعيش (7/ 132).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فالجواب عنه أنّه يقال: نعم التمييز يمتنع في كلّ ما لا إبهام [3/ 101] فيه ولا دليل في الآيات الشريفة (1) على ما ذكره؛ لأنّ أسماء العدد مبهمة في أصل وضعها، فهي محتاجة إلى التمييز من الأصل، فإذا انطوى الكلام الذي هي فيه على ما يدلّ على المراد بها، ثم ذكر التمييز كان ذكره بعدها منصرفا إلى التأكيد، لكنها لوضعها مبهمة، واحتياجها إليه في الأصل لم يستنكر ذكره معها؛ لأنّ استغناءها عن التمييز إنّما هو لأمر عارض، فلا يمتنع ذكر ما يستحق بالأصالة، من أجل ذلك العارض، وقد وقفت في كلام الشيخ على شيء من هذا المعنى (2)، وكان ذلك قد وقع في خاطري قبل الوقوف عليه، فمن أجل هذا لم أنسبه إلى الشيخ أولا، وأمّا الأبيات التي استشهد بها المصنف فليس فيها دليل، أمّا:«بئس الفحل فحلهم فحلا» (3) و «نعم الزاد زاد أبيك زادا» (4)؛ فقال ابن عصفور (5):
إنّ (فحلا) حال مؤكدة، وساغ ذلك؛ لأنّ (فحلا) فيه معنى الاشتقاق، والعامل فيها (نعم) ولا ينكر إعمال (نعم) و (بئس) في الحال، كما أنهما قد يعملان في المجرور، ومن ذلك قوله تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (6). قال:
و (زادا) معمول لـ (تزود)، ويحتمل هذا التأويل بأمرين:
أحدهما: أن يكون مصدرا له، على حذف الزوائد، وقد حكى الفراء استعمال (الزّاد) مصدرا، وعلى هذا تكون (مثل) مفعولا لـ (تزود).
الثاني: أن تكون مفعولا به لـ (تزود)، ويكون (مثل) - إذ ذاك - منصوبا على الحال، من (زاد)؛ لأن صفة النكرة إذا قدّمت عليها انتصبت على الحال.
قال: ويحتمل أيضا وجهين آخرين:
أحدهما: أن يكون تمييزا، فيكون من قبيل التمييز الآتي بعد تمام الاسم، نحو: لي -
(1) هذه الآيات هي: قوله تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا [الأعراف: 155]، وقوله تعالى:
فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف: 142]، وقوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً [التوبة: 36].
(2)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 507، 508).
(3)
،
(4)
جزأن من بيتين شعريين سبق تحقيقهما قريبا.
(5)
ينظر: شرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (47).
(6)
سورة الكهف: 50.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مثله رجلا، التقدير: تزود مثل زاد أبيك فينا زادا، فيكون إذ ذاك مفسّرا لـ (مثل).
والثّاني: أن يكون مبدلا من (مثل) ويكون (مثل) في الوجهين مفعولا به، لـ (تزود) إلّا أنّ التاويل الذي يكون فيه معمولا لـ (تزود) أولى من جهة أنّ قوله:
«فنعم الزاد زاد أبيك» جملة اعتراض، فإذا جعل (زاد) معمولا لـ (تزود) كان قد فصل بها من الفعل الذي هو (تزود) ومعموله، الذي هو (زادا) وإذا جعل تفسيرا لـ (مثل) كانت قد فصل بها بين التمييز والاسم الناصب له، وإذا جعل بدلا كانت قد فصل بها بين البدل والمبدل منه، والوصل بجمل الاعتراض بين الفعل ومعموله أكثر من الفصل بها بين التمييز والاسم الناصب له، وبين التابع والمتبوع.
انتهى كلام ابن عصفور (1) وكذا (فتاة) من قوله: «نعم الفتاة فتاة» ، جعلت حالا. قال الشيخ (2): وعندي تأويل غير ما ذكروه، وهو أقرب، وذلك أن يدعى أنّ في (نعم) و (بئس) ضميرا و (فحلا) و (فتاة) و (زادا) تمييز لذلك الضمير، وتأخر عن المخصوص على جهة الندور، كما روي نادرا: نعم زيد رجلا، على نية التقديم، أي: نعم رجلا زيد، والفحل والزاد والفتاة، هي المخصوص، و (فحلهم) و (هند) و (زاد أبيك) أبدال من المرفوع قبلها، قال: وهذا تأويل سائغ سهل. انتهى، وفيه أنّه قد ورد على المصنف تقديم المخصوص على التمييز حيث قال في قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:«فبها ونعمت» : إنّ التقدير: ونعمت السنة سنة وقال: هذا ليس بجيد.
فكيف يقول هو بشيء، ويستحسنه بعد أن أنكر نظيره على غيره، بل قال في شرحه: وهذه المسألة فيها خلاف، البصريون يوجبون تقديم التمييز على المخصوص، فلا يجوزون:«نعم زيد رجلا» وقد منع ذلك سيبويه في كتابه، وذهب الكوفيون إلى الجواز (3)، وقبّحه الفراء (4). ثمّ إنّ هذا التخريج إنّما أخذه من كلام المصنف، -
(1) ينظر: المقرب (1/ 68)، وشرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (47) وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 94)، والتذييل والتكميل (4/ 512).
(2)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 513).
(3)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 521)، وفي العبارة تصرف، وينظر أيضا: شرح التسهيل للمرادي (185)، والمساعد لابن عقيل (2/ 131) تحقيق بركات، والكتاب (2/ 176، 178).
(4)
لمراجعة رأي الفراء ينظر: تعليق الفرائد للدماميني (2/ 422). وشرح المرادي (185 / ب) والمساعد لابن عقيل (2/ 132) تحقيق بركات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حيث خرج نحو: نعم زيد رجلا؛ على أن أصله: نعم رجلا زيد كما تقدم تقرير ذلك، حتّى قال المصنف بعد ذكره هذه الصور ونظيرها: وهذه توجيهات أعنت عليها، ولم أسبق إليها، واعلم أنّ ابن عصفور لم يمنع المسألة، ولم يجوزها على الإطلاق؛ بل ذكر فيها تفصيلا، فقال (1): إن أفاد التمييز معنى لا يفيده الفاعل جاز نحو: نعم الرجل رجلا فارسا زيد، قيل: ومنه قول الشاعر:
2013 -
تخيّره ولم يعدل سواه
…
فنعم المرء من رجل تهام (2)
قال (3): ولا يجوز دخول (من) على هذا التمييز إلّا في شذوذ من الكلام أو في ضرورة نحو قوله: وأنشد:
2014 -
فنعم المرء من رجل تهام
وعلل ذلك بأن قال: إنّ التمييز المنقول لا يجوز دخول (من) عليه كما لا يجوز دخولها عليه قبل نقله، قال: والتمييز في باب (نعم)، و (بئس) يشبه المنقول، ألا ترى أنه كان فاعلا، قبل الإضمار في (نعم)، فلمّا أضمر فيها الفاعل صار منتصبا على التمييز لذلك الضمير، وإنما جعلته شبيها بالمنقول - ولم -
(1) ينظر: المقرب (1/ 69).
(2)
هذا البيت من الوافر وقد نسبه أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 513) لأبي بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي، وشعوب أم الأسود.
تنظر ترجمته في جمهرة أنساب العرب (ص 182)، وهو من أبيات قالها في رثاء هشام بن المغيرة من أشراف قريش، وقد نسب البيت لبحير بن عبد الله القشيري في الوحشيات لأبي تمام (57)، والمؤتلف والمختلف للآمدي (ص 76)، والعيني (4/ 14) وروايته في التذييل والتكميل (4/ 513).
…
... فنعم الحي من حي تهام
اللغة: تخيره: اصطفاه، لم يعدل سواه: لم يمل إلى غيره، تهامي: منسوب إلى تهامة، وهو اسم نزل عن نجد.
الشاهد في البيت: «فنعم المرء من رجل» ؛ حيث جمع بين فاعل (نعم) الظاهر، وهو المرء والتمييز، وهو رجل، وأفاد التمييز معنى زائدا على الفاعل، وهو كونه تهاميّا.
ينظر الشاهد في: الاشتقاق (ص 101)، والتذييل والتكميل (4/ 513)، والكامل (1/ 264)، والأشموني (3/ 35)، والتصريح (2/ 96)، والهمع (2/ 86)، والدرر (2/ 112)، واللسان (14/ 239)«تهم» ، وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 95)، وتهذيب النحو (ص 224)، والمقرب (ص 69)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 17).
(3)
أي: قال ابن عصفور.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أجعله منقولا؛ لأنّ النقل فيه إنّما هو في اللفظ، لا في المعنى، ألا ترى أن الضمير الفاعل في (نعم) هو الاسم المنتصب على التمييز في المعنى، وليس كذلك الفاعل في: تصبّب زيد عرقا، ووَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً (1). قال: و (من) الداخلة عليه زائدة وليست للتبعيض؛ لأنّ الضمير هو التمييز في المعنى، ولكون (من) لا تزاد في الموجب، بقياس، لم تدخل عليه إلّا في ضرورة شعر، كالبيت الذي تقدّم أو في شذوذ من الكلام، كالوارد في الأثر:«نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا» (2).
البحث العاشر:
قد تقدّم من كلام المصنف ما يفهم منه أنّ شرط الفاعل في هذا الباب - إذا كان معرفا باللّام - أن يجوز فيه نزع اللّام، وجعله تفسيرا للضمير المستكن، وكذا إذا كان الفاعل مضافا إلى ما فيه اللام، بشرط ذلك أيضا، فمن ثمّ جاز: نعم الرجل زيد، ونعم غلام القوم عمرو؛ لجواز أن يقال: نعم رجلا زيد، ونعم غلام القوم عمرو، وأمّا ما جاء من قولهم:«نعم العمر عمر بن الخطاب» (3) فقالوا: هو من تنكير العلم كقولهم:
2015 -
لا هيثم اللّيلة للمطيّ (4)
-
(1) سورة مريم: 4.
(2)
ينظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري (9/ 94).
(3)
ينظر هذا القول في: التذييل والتكميل (4/ 525) وينظر مع تأويله في منهج السالك (ص 392).
(4)
البيت من الرجز وهو بتمامه:
لا هيثم الليلة للمطيّ
…
ولا فتى مثل ابن خيبريّ
وهو من شواهد سيبويه التي لم يعرف قائلها، ونسب لبعض بني دبير في الدرر (1/ 134)، و (بني دبير) من بني أسد كما في الخزانة (4/ 95) اللغة: هيثم: اسم رجل، كان حسن الحداء للإبل، وقيل: جيد الرعية، وقيل: هو هيثم بن الأشتر، وكان مشهورا بين العرب بحسن الصوت في حدائه، وابن خيبري: جميل صاحب بثينة المشهور، نسب إلى أحد أجداده، وكان شجاعا، ذا نجدة، يحمي الإبل، وقيل: أراد بابن خيبريّ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وقيل: أراد الذي بارز عليّا يوم خيبر فقتله علي، وكلاهما بعيد. اه. ينظر: شرح أبيات المفصل بهامش (ص 76) والخزانة (4/ 58، 59).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فكأنّه قيل: نعم المسمّون بهذا الاسم.
وقد جاء في الشّعر [3/ 102]:
2016 -
بئس قوم الله قوم طرقوا
…
فقروا جارهم لحما وحر (1)
مع أنّ نزع اللّام من الاسم المعظّم لا يجوز وأشدّ منه مجيء اسم الإشارة فاعلا لـ (بئس) قال الشاعر:
2017 -
بئس هذا الحيّ حيّا ناصرا
…
ليت أحياءهم فيمن هلك (2)
وفي هذا البيت الجمع بين الفاعل الظاهر والتمييز، ويحتمل أن يخرج البيت على ما خرج عليه «نعم عبد الله رجلا» ، التقدير: بئس حيّا ناصرا هذا الحيّ، فلا يكون فيه إلا تقديم المخصوص على التمييز، والكوفيون لا يمنعون ذلك، والبصريون يجيزونه، على قبح.
- الشاهد في البيت قوله: «لا هيثم» ؛ حيث نصب (هيثم) بـ (لا) النافية للجنس وهو اسم علم، وهي لا تعمل إلا في نكرة، ولا تدخل على العلم، ولذلك أول البيت، إما بتقدير مضاف، على أن (لا) نافية للجنس، واسمها محذوف، أي: مثل، وإما بتأويل العلم - وهو هيثم - باسم الجنس.
ينظر الشاهد في: الكتاب (2/ 296)، والمقتضب (4/ 362)، وابن الشجري (1/ 239)، والأشموني (2/ 4)، والهمع (1/ 645).
(1)
هذا البيت من الرمل، ولم أقف على اسم قائله.
اللغة: طرقوا: من الطرق، وهو الإتيان ليلا، فقروا: أطعموا من القرى، وهو الضيافة، وحر: بفتح الواو، وكسر الحاء -: اللحم الذي دبت عليه الوحرة، دابة صحراوية، من نوع الوزغ، صغيرة حمراء، لها ذنب دقيق، وحر: أصله: وحرا، فأسكنت الراء للضرورة.
الشاهد في البيت: «بئس قوم الله» ؛ حيث ورد فيه فاعل (بئس) اسما مضافا إلى علم، وهو لفظ الجلالة. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 534)، ومنهج السالك (ص 392)، والمخصص لابن سيده (16/ 132)، وتوضيح المقاصد (3/ 82)، والعيني (4/ 19)، والهمع (2/ 87)، والأشموني (3/ 29)، والدرر (2/ 114).
(2)
البيت من الرمل، ولم أعرف قائله.
والشاهد فيه: «بئس هذا الحيّ» ؛ فقد استشهد به على شذوذ مجيء فاعل (نعم وبئس) اسم إشارة متبوعا بذي أل.
ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 525)، ومنهج السالك (ص 392)، والهمع (2/ 86)، والدرر (2/ 114).