الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أحكام أخرى لتمييز الجملة]
قال ابن مالك: (ولمميّز الجملة من مطابقة ما قبله إن اتحدا معنى ما له خبرا وكذا إن لم يتّحدا ولم يلزم إفراد المميّز؛ لإفراد معناه أو كونه مصدرا لم يقصد اختلاف أنواعه. وإفراد المباين بعد جمع إن لم يوقع في محذور أولى)(1).
قال ناظر الجيش: اعلم أن مميّز الجملة تجب فيه المطابقة للاسم الذي قبله في إفراد وتثنية وجمع سواء أكان المميّز في المعنى له أم لمتعلقه، فيقال:«كرم زيد رجلا، والزيدان رجلين، والزيدون رجالا» وكذا يقال: «حسن زيد وجها، والزيدان وجهين، والزيدون وجوها» فيطابق في الحالين ما قبله، كما يطابقه لو كان خبرا عنه.
فأمّا قوله تعالى: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (2) ففيه توجيهان:
أحدهما: أن الرفيق والخليط والصديق والعدو يستغني بمفردها عن جمعها كثيرا في الإخبار وغيره. قال المصنف: ويزيده هنا حسنا أنه تمييز، والتمييز قد اطرد في كثير منه الاستغناء بالمفرد عن الجمع، نحو:«عشرون رجلا» .
التوجيه الثاني: أنّ الأصل: وحسن رفيق أولئك [رفيقا](3)، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وجاء التمييز على وفق المحذوف (4).
ثم إنه يستثنى من التمييز إذا كان للمتعلق صورتان لا يطابق فيهما المميز ما قبله في تثنية ولا جمع، بل يلزم إفراده مع تثنية ما قبله أو جمعه، كما يلزم ذلك إذا كان ما قبله مفردا، وقد أشار المصنف إلى وجوب المطابقة في القسمين بقوله: ولمميّز الجملة من مطابقة ما قبله إن اتّحدا معنى ماله خبرا، وكذا إن لم يتّحدا، وأراد باتحادهما معنى: أن يكون المميّز في المعنى لذلك الاسم، وبعدم اتحاده: أن يكون لمتعلقه، كما بيّنّا.
ثم أشار إلى الصورتين اللّتين يلزم فيهما عدم المطابقة بقوله: ولم يلزم إفراد المميّز لإفراد معناه، أو كونه مصدرا، ومثال ما يلزم فيه الإفراد لإفراد معناه قولك في أبناء رجل واحد:«طاب بنو فلان أصلا، وكرموا أبا» ، ومثال ما يلزم فيه الإفراد لكونه مصدرا لم يقصد اختلاف أنواعه:«زكا الأزكياء سعيا، وجاد الأتقياء وعيا» . -
(1) التسهيل (ص 115).
(2)
سورة النساء: 69.
(3)
تكملة للسياق من كلام ابن مالك.
(4)
ينظر: شرح المصنف (2/ 384، 385).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأفهم التقييد بقوله: لم يقصد [3/ 97] اختلاف أنواعه أنه إذا قصد اختلاف أنواع المصدر لاختلاف محالّه لا يلزم في المصدر حينئذ الإفراد، بل يجوز فيه المطابقة، كقولك:«تخالف الناس أغراضا، وتفاوتوا أذهانا» ومنه قوله تعالى:
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (1)؛ لأنّ أعمالهم مختلفة المحالّ.
ثم نبّه المصنف بقوله: وإفراد المباين بعد جمع إن لم يوقع في محذور أولى على أنّ المميز الذي لم يتحد بالأول معنى قد يكون بعد جمع فيختار إفراده إذا لم يوقع في محذور كقوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً (2)، قال:
فالإفراد في هذا النوع أولى من الجمع؛ لأنّه أخف، والجمعية مفهومة مما قبل، فأشبه مميّز (عشرين) وأخواته (3). انتهى.
وكذا لو قلت: «الزيدون قرّوا عينا» كان الإفراد أولى، ولا شك أنّ الجميع لا يكونون ذوي نفس واحدة، ولا ذوي عين واحدة، ويفهم من قول المصنف أنّ الإفراد في ذلك أولى: أنّ الجمع غير ممتنع فيجوز أن يقال: «طاب الزيدون أنفسا، وقرّوا أعينا» . ثم قال المصنف: فإن أوقع الإفراد في محذور لزمت المطابقة، كقولك:«كرم الزيدون أبا» أي: ما أكرمهم من آباء، فلا بدّ من كون مميز هذا النوع جمعا؛ لأنّه لو أفرد لفهم أنّ المراد كون أبيهم واحدا موصوفا بالكرم، وفي الجمع أيضا احتمال أن يكون المراد: كرم أبا الزيدين، ولكنه مغتفر؛ لأن اعتقاده لا يمنع من ثبوت المعنى الآخر (4). قال الشيخ: وقد يلزم الجمع أيضا بعد المفرد في المباين إذا كان معنى الجمع يفوت بقيام المفرد مقامه، نحو قولك:«نظف زيد ثيابا» ؛ لأنك لو قلت: (ثوبا) توهّم أنّ له ثوبا واحدا نظيفا. انتهى (5).
وها هنا بحثان:
الأول:
أن تمثيل المصنف لما يجب فيه المطابقة بنحو: «كرم الزيدون آباء» غير ظاهر؛ لأنّ كلامه الآن إنما هو في المميّز المباين وليس (آباء) بمباين للزيدين؛ لأنّ المراد -
(1) سورة الكهف: 103، وينظر: التذييل (4/ 93).
(2)
سورة النساء: 4.
(3)
شرح المصنف (2/ 385).
(4)
السابق نفسه.
(5)
التذييل (4/ 95).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالمباين ما لا يصدق على الاسم الذي قبله، ولا شك في صدق (آباء) على الزيدين، فلا يكون مباينا فكان الواجب التمثيل بما فيه مباينة، نحو:«حسن الزيدون دورا» إذا كان لكل منهم دار، فلا يجوز الإفراد هنا لئلّا يتوهم أن للجميع دارا واحدة، أو الاقتصار على قوله: وإفراد المميز بعد جمع إن لم يوقع في محذور أولى دون تقييد بالمباين ليشمل المتحد والمباين، وحينئذ يتمشى التمثيل بنحو:«كرم الزيدون آباء» .
فإن أجيب عن ذلك بأن المراد بالمباين: ألا يكون التمييز لذلك الاسم الذي قبله بل لمتعلقه سواء صدق المميز عليه نحو: «كرم زيد أبا» إذا كان الممدوح هو أبو زيد، أم لم يصدق نحو:«حسن زيد علما» كان هذا الجواب مدفوعا بأمرين:
أحدهما: أن المصنف لما مثّل للمسألة بنحو: «كرم الزيدون آباء» إنّما فسّره بما أكرمهم من آباء، فبيّن أنّ المراد بآباء نفس الزيدين، ولم يجعل المراد بهم متعلق الزيدين، وهو آباؤهم.
الثاني: أنه قال في أول الفصل: فإن صحّ الإخبار به عن الأوّل فهو له أو لملابسه فجوّز في ما يصح الإخبار به عما قبله أن يكون لملابسه - يعني لمتعلقه - ولا شك أن ما صح الإخبار به عن شيء لا يكون مباينا لذلك الشيء، فلزم من هذا ألّا يكون مراده بالمباين ما كان لمتعلق الاسم، بل ما لا يصدق على ذلك الاسم، وإذا كان كذلك تبيّن أن التمثيل لما يجب فيه المطابقة من المباين بـ «كرم الزيدون آباء» ليس بجيّد، ثم تفسير المصنف لذلك بأنّ المراد: ما أكرمهم من آباء، غير واضح، ولو قلنا: إنّ المراد بالمباين هنا هو أن يكون التمييز لمتعلق الاسم لا له؛ لأنّه قد جعل التمييز للاسم الأول حيث جعل الزيدين هم الآباء، وكان الواجب أن يجعله لمتعلقه، فيقال: المراد: ما أكرم آباؤهم، وما برحت أستشكل هذا الموضع من كلام المصنف.
البحث الثاني:
قال الشيخ: قول المصنف: إن لم يوقع في محذور شرط في كون المباين أولى من المطابقة في الجمع، ومفهوم الشرط: أنه إذا أوقع في محذور لزمت المطابقة. انتهى.
والأمر في لزوم المطابقة حينئذ كما قال، وقد تقدّم لك من كلام المصنف في شرحه التصريح بذلك، ولكن الذي ألزم به المصنف غير لازم؛ لأنه قد ذكر قبل أنّ -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مطابقة مميّز الجملة لما قبله واجبة سواء اتّحد المميز وهو أم لم يتحد، إلّا ما استثناه من ذلك، فأثبت وجوب المطابقة بالمنطوق، ثم لما كان غير المطابقة جائزا في بعض الصور التي شملها الإطلاق الأول وكان مع جوازه أولى من المطابقة وجب أن يحمل قوله: أولى على أنّ المراد به أنّه جائز جوازا أولى؛ لأن عدم المطابقة لم يكن جائزا، فيقال: أنه في هذه الصورة التي ذكرها أولى، بل كان ممتنعا بما دلّ عليه كلامه المتقدّم، وإذا كان ممتنعا فلا بدّ من التنبيه على جوازه، ولذا اتفق مع جوازه أنّه أولى من الوجه الآخر الجائز، وهو المطابقة، فقصد المصنف بقوله: أولى إفادة جواز عدم المطابقة في مثل هذه الصورة مع التنبيه على الأولوية، وإذا تقرر هذا، كان قوله: إن لم يوقع في محذور شرطا للجواز، لا للأولوية، وإذا كان كذلك كان مفهومه أنه إذا أوقع في محذور انتفى الجواز، أي: جواز عدم المطابقة، وإذا انتفى ذلك لزمت المطابقة.
واعلم أنّ الشيخ أبا عمرو بن الحاجب - رحمه الله تعالى - ذكر مسائل مطابقة التمييز وعدم مطابقته بطريق أخصر من الطريق التي ذكرها المصنف، ثم إنه لم يقتصر على [3/ 98] ذكر مميز الجملة، بل تعرّض لذكر مميز المفرد أيضا، فقال: تمييز النسبة إما أن يكون اسم جنس أو غيره، فإن كان غيره طابق ما قصد به، وإن كان اسم جنس كان مفردا إلّا أن يقصد الأنواع. مثال الأول:«حسن زيد أبا» إذا قصدت إلى أبوّته لابنه، أو أبوّة أبيه خاصة له، فإن قصدت أبوّة قلت:«حسن زيد آباء» وكذلك إذا قلت: «حسن الزيدان» وقصدت إلى مدحهما بأبوتهما لغيرهما، قلت:«حسن الزيدان أبوين» وإن قصدت إلى مدح أبوّة أبيهما لهما، قلت:«حسن الزيدان أبا» وكذلك: «حسن زيد دارا واحدة، ودارين، ودورا» إذا قصدت اثنين أو جماعة. ومثال الثاني: «طاب زيد ماء، وعسلا، وتمرا» فهذا يجب إفراده إذا قصد إلى الحقيقة؛ لأنه لا يستقيم تثنية ولا جمع فيه، فإن قصدت إلى الأنواع كان الأمر فيه كما تقدّم من جواز التثنية والجمع. وأما تمييز المفرد فلا يخلو إما أن يكون جنسا أو غيره، إن كان جنسا أفرد إلّا أن يقصد الأنواع فيثني ويجمع، وإن كان غيره جمع لا غير. تقول في الأول:«عندي راقود خلّا، ورطل زيتا» فإن قصدت الأنواع قلت: «خلّين، وزيتين، وزيوتا» . وتقول في الثاني: -