الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أحكام الاستثناء بـ «سوى»]
قال ابن مالك: (ويساويها مطلقا «سوى» وينفرد بلزوم الإضافة لفظا، وبوقوعه صلة، دون شيء قبله، والأصحّ عدم ظرفيته، ولزومه النصب، وقد تضمّ سينه وقد تفتح فيمدّ).
ــ
«أنا أفصح من نطق بالضّاد، بيد أنّي من قريش، واسترضعت في بني سعد» (1).
ونقل الشيخ عن بعضهم أنّها بمعنى (على) وأنه حمل الحديث المذكور على ذلك (2).
قال ناظر الجيش: يعني بقوله: مطلقا أن (سوى) تساوي (غير) في الاستثناء المتصل، نحو: قاموا سوى زيد، قال الشاعر:
1755 -
كلّ سعي سوى الذي يورث الفو
…
ز فعقباه حسرة وخسار (3)
وفي الاستثناء المنقطع نحو قول الآخر:
1756 -
لم ألف في الدّار ذا نطق سوى طلل
…
...
البيت (4) وفي الوصف بها كقول الشاعر:
1757 -
أصابهم بلاء كان فيهم
…
سوى ما قد أصاب بني النّضير (5)
-
(1) ذكره القاضي عياض في الشفاء (1/ 57)، وقال صاحب شرح الشفاء: وأما حديث: «أنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش» فنقله الحلبي عن ابن هاشم، لكن لا أصل له، كما صرح به جماعة من الحفاظ وإن كان معناه صحيحا. والله أعلم. وذكره ثعلب في مجالسه - أيضا - على أنه حديث. ينظر: مجالس ثعلب (ص 111).
(2)
ينظر: التذييل والتكميل (3/ 660) وفيه: «وذهب الأموي إلى أن معنى (بيد): (على)، وأورد الحديث المذكور.
(3)
البيت من الخفيف، لم يعين قائله.
الشاهد: في استعمال (سوى) في الاستثناء المتصل، كما تستعمل (غير). ينظر: الهمع (3/ 302)، والدرر (1/ 171).
(4)
سبق تحقيقه. والشاهد: - هنا - استعمال (سوى) في الاستثناء المنقطع، كما تستعمل (غير).
(5)
البيت من بحر الوافر قاله حسان بن ثابت، من قصيدة يذكر فيها ما وقع لبني قريظة بعد وقعة الخندق، والشاهد في البيت: استعمال (سوى) صفة، بمعنى (غير).
ينظر: ديوان حسان بن ثابت (ص 133)، والعيني (3/ 120)، والهمع (1/ 202)، والدرر (1/ 171).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي قبول تأثير العوامل المفرغة رافعة، وناصبة، وخافضة (1)، وستأتي أمثلة ذلك.
وانفردت (سوى) عن (غير) بأمرين:
أحدهما: ملازمة الإضافة لفظا، بخلاف (غير)، فإنها قد تنفكّ عنها في اللفظ، وإن كانت مضافة معنى.
الثّاني: وقوعها صلة للموصول، دون أن يتقدمها شيء، فيقال: مررت بالذي سواك، فصيحا؛ بخلاف (غير) فلا يجوز: جاء الذي غيرك، في الفصيح.
قال الشيخ: إلا عند الكوفيين، وقال الشيخ: ولا يعترض على القول بلزومها الإضافة بقوله تعالى: مَكاناً سُوىً (2) فيقال: قد انفكت عن الإضافة؛ لأنّ (سوى) - في الآية الكريمة - بمعنى (مستو)، وهي مغايرة لمعنى (سوى) المستثنى بها، وإنمّا اللفظ مشترك. اه (3).
وتضمّن قول المصنّف: والأصحّ عدم ظرفيته ولزومه النصب نفي أمرين.
أحدهما: نفي لزومه النّصب على الظرفيّة.
الثّاني: نفي استعماله ظرفا البتّة، وإنمّا ذكرهما معا؛ لأنه يلزم من نفي النصب على الظرفية نفي لزوم كونه ظرفا، لجواز أن يكون ظرفا متصرفا، ولا يخفى أنه لو قال: والأصحّ عدم لزومه النصب وظرفيته، كان أولى، أما كونه لازم النّصب على الظّرفية فهو مذهب سيبويه، وأكثر النحويّين.
قال سيبويه - في باب ما يحتمل الشعر - وجعلوا ما لا يجري في الكلام إلّا ظرفا، بمنزلة غيره من الأسماء (4) وذلك قول المرّار العجلي:
1758 -
ولا ينطق الفحشاء من كان منهم
…
إذا جلسوا منّا ولا من سوائنا (5)
-
(1) ينظر: شرح المصنف (2/ 314).
(2)
سورة طه: 58.
(3)
عبارة التذييل والتكميل (3/ 661): «ولا يعترض على (سوى) بقوله تعالى: مَكاناً سُوىً، فيقال: قد انفكت عن الإضافة؛ لأنّ (سوى) في الآية الكريمة، بمعنى (مستو) فـ (سوى) لفظ مشترك. اه.
(4)
ينظر: الكتاب (1/ 31، 32، 407)، والتذييل والتكميل (3/ 661)، والهمع (1/ 201)، والتصريح (1/ 362).
(5)
المرار بن سلامة العجلي، أحد بني ربيعة بن مالك، شاعر جاهلي إسلامي، والبيت من الطويل. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم قال: فعلوا ذلك؛ لأنّ معنى (سوى) معنى (غير)(1). اه.
قال المصنف: قد صرّح سيبويه بأنّ معنى (سوى) معنى (غير) وذلك يستلزم انتفاء الظرفيّة، كما هي منتفية عن (غير)(2). اه، وفي استلزام كلام سيبويه ما قاله نظر، فإنّه لا يلزم من كون معنى (سوى) معنى (غير) في الاستثناء، أن يكون معناها كمعنى (غير) مطلقا، ثم قال المصنف: الظرف في العرف ما ضمّن معنى (في) من أسماء الزمان، والمكان، و (سوى) ليس كذلك ولا يصحّ كونه ظرفا، ولو سلّم كونه ظرفا لم نسلّم لزوم الظرفيّة، لكثرة الشواهد الدّالة على خلاف ذلك، نثرا ونظما (3). اه. وقال - في شرح الكافية -:(سوى) اسم يستثنى به، ويجر ما يستثنى به، لإضافته إليه، ويعرب هو تقديرا، بما يعرب به (غير) لفظا، خلافا لأكثر البصريّين في ادعاء لزومها النصب على الظرفية، وعدم التّصرّف (4).
وإنمّا اخترت خلاف ما ذهبوا إليه لأمرين:
أحدهما: إجماع أهل اللّغة على أنّ معنى قول القائل: (قاموا سواك) و (قاموا غيرك) واحد، وأنه لا أحد منهم يقول: أنّ (سوى) عبارة عن مكان وزمان، وما لا يدلّ عليهما فبمعزل عن الظرفية.
الثاني: أنّ من حكم بظرفيتها حكم بلزوم ذلك، وأنها لا تنصرف، والواقع في كلام العرب نثرا ونظما خلاف ذلك، فإنّها قد أضيف إليها، وابتدئ بها، وعمل فيها نواسخ الابتداء، وغيرها من العوامل اللفظية، فمن ذلك قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«سألت ربّي ألّا يسلّط على أمّتي عدوّا من سوى أنفسهم» (5)، وقوله عليه الصلاة والسلام: «ما أنتم فيمن سواكم من الأمم إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثّور -
- معنى البيت: لا ينطق الفحشاء من كان من المجتمعين من قومنا، ولا من قوم غيرنا.
والشاهد: في جرّ (سواء) بحرف جرّ وجعله سيبويه من ضرورة شعرية.
ينظر: الكتاب (1/ 31، 407، 408)، والمقتضب (4/ 350)، والإنصاف (ص 167)، والعيني (3/ 126)، والأشموني (2/ 158).
(1)
الكتاب (1/ 32).
(2)
شرح المصنف (2/ 316).
(3)
المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(4)
شرح الكافية الشافية (2/ 716).
(5)
الشاهد فيه: دخول حرف الجر على (سوى) وفيه رد على حكم بلزومها الظرفية، وفي ابن ماجه - كتاب الفتن (1303) - برواية:«سألته ألا يسلط عليهم عدوّا من غيرهم» . ولا شاهد فيه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض» (1). ومن ذلك قول الشاعر:
1759 -
وكلّ من ظن أنّ الموت مخطئه
…
معلّل بسواء الحقّ مكذوب (2)
ومن الإسناد إليها مرفوعة بالابتداء قول الشاعر:
1760 -
وإذا تباع كريمة أو تشترى
…
فسواك بائعها، وأنت المشتري (3)
وقال آخر - في رفعها بـ «ليس» -:
1761 -
أترك ليلى ليس بيني وبينها
…
سوى ليلة إنّي إذا لصبور (4)
وقال آخر - في وقوعها فاعلة، وهو بيت الحماسة -:
1762 -
ولم يبق سوى العدوا
…
ن دنّاهم كما دانوا (5)
وأنشد المصنف غير ذلك في شرح هذا الكتاب، وكثّر، ثمّ قال: فإن تعلق في -
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان (201) برواية: «ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود» .
(2)
البيت من بحر البسيط قائله أبو دؤاد الإيادي شاعر جاهلي، من نعّات الخيل المجيدين.
والشاهد: في جر «سواء» بالباء.
ينظر: الإنصاف (ص 167)، وشرح المفصل (2/ 84)، والخزانة (12/ 60)، والهمع (1/ 202)، الدرر (1/ 171)، والأشموني (2/ 159).
(3)
البيت من بحر الكامل قائله ابن المولى، محمد بن عبد الله بن مسلمة المدني، يخاطب به يزيد ابن حاتم بن قبيصة بن المهلب.
الكريمة - من الخصال -: ما يمدح بها صاحبها، وأراد بالبيع: انصراف الرغبة عن الفضائل، وبالشراء:
النهوض إليها. الشاهد: في قوله: «فسواك» حيث وقعت «سوى» مبتدأ.
ينظر: ديوان الحماسة (2/ 357)، والعيني (3/ 125)، والتصريح (ص 362)، والهمع (1/ 202)، والدرر (1/ 170)، والأشموني (2/ 159).
(4)
البيت من الطويل، وقائله: مجنون ليلى، وقيل: عمر بن أبي ربيعة، أو أبو دهبل الجمحي.
الشاهد في البيت: وقوع (سوى) اسما، لـ (ليس)، وهو في ديوان المجنون (ص 61)، وملحقات ديوان عمر ابن أبي ربيعة (ص 494)، وديوان الحماسة (2/ 113) مع نسبته إلى أبي دهبل الجمحي، ونسب في الأغاني (18/ 132) للثلاثة.
ينظر أيضا: الهمع (2/ 202)، والدرر (1/ 171)، والأشموني (2/ 159).
(5)
البيت من الهزج، وقائله الفند الزماني، واسمه شهل - بالشين المعجمة - بن شيبان، من قصيدة نونية، قالها في حرب البسوس. اللغة: دناهم: جازيناهم. والشاهد في البيت: وقوع (سوى) اسما فاعلا. ينظر الشاهد في: ديوان الحماسة (1/ 6)، والأشموني (2/ 159).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ادّعاء الظرفية بقول العرب: رأيت الذي سواك، فوصلوا الموصول بـ (سواك) وحده، كما وصلوه بـ (عندك) ونحوه من الظروف، فالجواب أن يقال: لا يلزم من معاملته معاملة الظرف كونه ظرفا، فإنّ حرف الجر يعامل معاملة الظّرف، ولم يكن بذلك ظرفا، فإن ضمّن ظرفا فجائز، فإن أطلق على (سوى) ظرف، إطلاقا مجازيا لم يمتنع، وإنمّا يمتنع تسميته ظرفا بقصد الحقيقة» (1)، ثم قال: «فإن قيل: فلم استجيز الوصل بـ (سوى) ولم يستجز بغيره، وهما بمعنى واحد؟ فعن ذلك جوابان:
أحدهما: أنّ هذا من النوادر، كنصب (غدوة) بعد (لدن) وكإضافة (ذي) إلى (تسلم) (2) في قولهم: اذهب بذي تسلم (3).
[3/ 60] والثّاني: أنّ (سوى) لازمة الإضافة لفظا ومعنى، فشبّه بـ (عند) و (لدى) في ذلك، مع كثرة الاستعمال، فعومل في الوصل به معاملتهما، ولم تعامل (غير) هذه المعاملة؛ لأنّها قد تنفكّ عن الإضافة لفظا (4)، ثم قال: فإن قيل: فما موضع (سوى) من الإعراب، بعد الموصول؟ قلت: يحتمل أن يكون موضعه رفعا على أنّه خبر لمبتدأ مضمر، ويحتمل أن يكون موضعه نصبا، على أنّه حال، وقبله (ثبت) مضمرا، كما أضمر قبل (أن) في قولهم: لا أفعل ذلك ما إن حراء مكانه، ويقوّي هذا الوجه قول من قال:«رأيت الذي سواك» بالنّصب على أنّه يجوز أن يكون (سواك) خبر مبتدأ مضمر، وبني لإبهامه، وإضافته إلى مبنيّ، كما فعل ذلك بـ (غير) في قوله: -
(1) و (2) ينظر: شرح المصنف (2/ 316)، والتذييل والتكميل (3/ 618)، والهمع (1/ 203)، والدرر (1/ 171).
(3)
ينظر هذا القول في الكتاب (3/ 121، 158)، والتذييل والتكميل (4/ 618)، و «تسلم» فعل، في موضع الاسم، ولكنهم لا يستعملون الاسم، للاستغناء عنه بالفعل، حتى كأن الاسم أسقط.
وفي الهمع (2/ 51): «أضيف (ذي) - بمعنى صاحب - إلى (تسلم) أي في وقت ذي سلامة، فالباء بمعنى (في) أو للمصاحبة، أي مقترنا بسلامتك، أو للقسم، والمعنى: يحق سلامتك، وقيل:
ذو موصولة، و (تسلم) صلتها، والمعنى: اذهب في الوقت الذي تسلم فيه، وتلحق الفعلين الفروع فيقال: اذهبا بذي تسلمان، واذهبوا بذي تسلمون. اه. وينظر أيضا: شرح المصنف (2/ 316)، والتذييل والتكميل (4/ 618).
(4)
ينظر: شرح المصنف (2/ 316).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
1763 -
لذ بقيس حين ينأى غيره (1)
وقد تقدّم إنشاده. انتهى.
وأمّا كونه ظرفا غير لازم النّصب، أي ظرفا متصرّفا، فقد قال الشيخ: هذا الذي ذهب إليه المصنف من أنّ الأصحّ عدم ظرفية (سوى) لا يعلم له سلف في ذلك إلّا الزّجاجيّ (2)، فإنّ ابن الضّائع نقل عنه أنها اسم غير ظرف، قال: بل المنقول أنّ (سوى) ظرف، وإنمّا الخلاف فيه، أهو متصرف، أو غير متصرّف؟ فمذهب سيبويه والفراء والأكثرين أنّه لازم الظرفيّة (3)، ومذهب الرمانيّ، والعكبريّ أنّه ظرف متمكن، أي يستعمل ظرفا كثيرا، وغير ظرف قليلا (4). انتهى نقل الشيخ، وقد تقدم من كلام المصنّف ما يناقض ذلك، فإنّه قال: من حكم بظرفيتها حكم بلزوم ذلك
وأنّها لا تتصرف، وكذا يقتضي كلام غيره (5).
وقال ابن الحاجب - في شرح المفصّل -: للنّاس في (سوى) مذهبان: أحدهما:
أنه بمعنى (غير) فيعرب كـ (غير)، ومذهب سيبويه أنّها منتصبة على الظرف أبدا ولا يستعمل غير ظرف (6). اه. وظهر منه موافقة قول المصنّف، وقد قرّر ابن الحاجب كلام سيبويه مستدلّا به، بأن قال: الدليل على ذلك أنّ (سوى) لم تجئ منصوبة إلا ما شذّ من قولهم:
1764 -
…
وما قصدت من أهلها لسوائكا (7)
-
(1) سبق تحقيق هذا الشاهد.
(2)
ذهب إلى هذا الزجاجي في الجمل (ص 74) حيث قال: «الذي يكون به الخفض ثلاثة أشياء:
حروف، وظروف، وأسماء ليست بحروف، ولا ظروف، ثم قال:«وأما الأسماء فنحو: مثل، وشبه، وشبيه، وسوى، وسوى، وسواء» .
(3)
ينظر: الكتاب (1/ 31، 32، 407)، والتصريح (1/ 362)، والهمع (1/ 201).
(4)
ينظر: اللباب للعكبري (ص 249)، والتبيان له أيضا (1/ 104)، والتصريح (1/ 362)، والأشموني (2/ 160)، وينظر: التذييل والتكميل (3/ 661).
(5)
شرح المصنف (2/ 315، 316).
(6)
ينظر: الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 319) تحقيق موسى بناي العليلي.
(7)
قائله الأعشى ميمون بن قيس، والبيت من الطويل، وهو بتمامه:
تجانف عن أهل اليمامة ناقتي
…
وما قصدت من أهلها لسوائكا
-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإذا لم تستعمل إلّا منصوبة فهو المراد من كونها غير متصرّفة، و (سوى) مثلها، ولا قائل بالفرق، ثمّ قال: وبيان الظرفية فيها هو: أنّ العرب تجري الظّروف المعنويّة المقدّرة، مجرى الظّروف الحقيقيّة، فيقولون: فلان مكان فلان ولا يعنون إلّا منزلة في الذّهن مقدرة، فنصبوه نصب الظّروف الحقيقية، فكذلك إذا قالوا: مررت برجل سواك، وسوائك، إنّما يعنون مكانك، وعوضا منك، من حيث المعنى، فانتصب ذلك الانتصاب، ثمّ ذكر مستند المخالف فقال: وأما حجّة من قال: إنها بمعنى (غير)، يعتورها الإعراب على اختلاف وجوهه فالنقل والمعنى، أما المعنى
فقولهم: مررت برجل سواك، كقولهم: مررت برجل غيرك، وأما النقل فقول الشاعر:
1765 -
ولم يبق سوى العدوا
…
ن دنّاهم كما دانوا (1)
وبقولك: ما ضربت سواك، وما جاءني سواك، والجواب ما ذكرناه، من أنّ (سوى) لم يستعمل إلّا منصوبا، ومجيئه غير منصوب شاذّ، ولا قائل بالفرق بينه وبين (سوى)، وأما ما ذكروه من المعنى فمردود؛ لأنه يؤدي إلى رفع (سوى) ولم يستعمل فردّه إلى الظرف أولى، ليوافق كلام العرب، وإن كان مخالفا للظاهر، وأما في البيت، وغيره من الكلام، فهو صفة لموصوف محذوف، وذلك المحذوف هو الّذي دخل عليه العامل (2).
انتهى كلام ابن الحاجب، وقد وضح تجاوب الطرفين في هذه المسألة.
والّذي يقتضيه الإنصاف: الحكم بظرفيته، لصحّة وقوعه وحده صلة، في قولهم: جاءني الذي سواك، وما ذكره المصنّف، من أنّه يقدر له مبتدأ محذوف، أو غيره خلاف الأصل، وعدم الحكم بلزوم الظرفيّة، لما تقدّم من الشواهد الدّالة -
- ويروى: «عن جو اليمامة» ، و «عن جلّ اليمامة» وتجانف أصله: تتجانف، ومعناه: تنحرف.
ومعنى البيت: أنه لم يقصد سواه من أهل اليمامة.
والشاهد: في قوله: «لسوائكا» ؛ حيث جرّت «سوى» باللام، وخرجه سيبويه على أنه ضرورة شعرية.
ينظر: ديوان الأعشى (ص 589)، والكتاب (1/ 32، 408)، والمقتضب (4/ 349)، والإنصاف (ص 167)، وشرح المفصل (2/ 44، 84)، والهمع (1/ 202)، والدرر (1/ 161).
(1)
سبق تخريجه قريبا. والشاهد فيه - هنا - كون (سوى) بمعنى (غير) يعتورها الإعراب، على اختلاف وجوهه.
(2)
ينظر: شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 319 - 321) تحقيق موسى العليلي.