الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[جواز الإتباع على الاسم الظاهر أو ضميره]
قال ابن مالك: (وإن عاد ضمير قبل المستثنى بـ «إلّا» الصالح للإتباع على المستثنى منه العامل فيه ابتداء، أو أحد نواسخه أتبع الضمير جوازا، وصاحبه اختيارا، وفي حكمهما المضاف إليه في نحو: ما جاء أخو أحد إلّا زيد).
ــ
1695 -
لم ألف بالدّار ذا نطق سوى طلل
…
قد كاد يعفو وما بالعهد من قدم (1)
وعلى هذا القول: ما بالدّار أحد ليس حمارا، أو لا يكون حمارا، أو عدا حمارا، أو عدا حمار، وكذا باقي الأدوات، وهذا الّذي أشار إليه الشيخ، يؤخذ من كلام المصنّف في الكتاب فإنّه قد نصّ على حكم المستثنى بغير (إلّا وغير) من الأدوات، وأنّه إمّا مجرور أو منصوب، وأمّا (إلّا) فهي المقصودة بالكلام عليها من أول الباب إلى هنا، وأمّا كون حكم (غير) في المنقطع (إلّا) فقد ذكر المصنف في الفصل الأخير أنّ (غيرا) مستثنى بها، فتجرّ المستثنى، وتكون هي معربة بما له بعد (إلّا) فعمّ الحكم بذلك في المنقطع وغير المنقطع، ولهذا لمّا ذكر حكم الإتباع قال: فإن كان المستثنى بـ (إلّا) متّصلا
…
إلى آخره، ولم يذكر (غير) مع أنّ الحكم فيهما واحد اعتمادا على ما ذكره في فصل (غير) كما نبّه عليه.
واعلم أنّه تقدّم من كلام الشيخ - في اعتراضه على المصنّف - أنّ الأفعال لا يستثنى بها المنفصل (2)؛ كـ (خلا)
وأختيها، وهاهنا قد مثّل بالأفعال في المنقطع، فينبغي أن يتأمل ما أورده.
قال ناظر الجيش: اعلم أنّ كلّ مسألة تقدّم فيها على المستثنى اسمان أحدهما ظاهر معمول للابتداء (3) أو لأحد نواسخه (4) والآخر مضمر واقع في خبر ذلك -
(1) البيت من بحر البسيط وهو لقائل مجهول.
اللغة: لم ألف: لم أجد. والطلل: ما شخص من آثار الدار، يعفو: يدرس.
والشاهد فيه: مجيء الاستثناء بأداة غير لفظ (إلا) و (غير) وهي (سوى). ينظر العيني (3/ 119)، والتذييل والتكميل (3/ 553).
(2)
وفي المساعد لابن عقيل (1/ 564): «ولا يستثنى بالفعل فيه - أي في المنقطع - فلا يقال: ما في الدار أحد ليس حمارا» . اه.
(3)
مثال ذلك: ما أحد يقول ذلك إلا زيد.
(4)
مثال ذلك: ما حسبت أحدا يقول ذلك إلا زيدا، وما كان أحد يجترئ عليك إلا زيد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الظاهر أو في صفته، وهو عائد عليه، يجوز للمتكلم أن يبدل ذلك المستثنى من أيّهما شاء، وذلك نحو: ما أحد يقول ذلك إلّا زيد، وما حسبت أحدا يفعل ذلك إلّا زيد، وما كان أحد يجترئ عليك إلّا زيد، فلك أن تجعله تابعا في تلك الأمثلة، لما عاد إليه المضمر من المبتدأ، أو المفعول الأول لـ (حسبت)، فيكون إعرابه على حسب إعراب متبوعه (1)، ولك أن تجعله تابعا للمضمر العائد من خبر المبتدأ، أو المفعول الثاني أو خبر (كان)(2)؛ لأنّ العامل في الضمير خبر ما دخل النّفي عليه، وإذا دخل نفي على ذي خبر فالخبر هو المنفيّ، فهذه أمثلة الضمير واقعا في الخبر.
وأمّا أمثلته واقعا في الصّفة نحو: ما فيهم أحد اتّخذت عنده يدا إلّا زيدا، فيجوز في زيد الرّفع إتباعا للمبتدأ، والخفض إتباعا للضّمير الواقع في صفته؛ لأنّ المعنى ما اتخذت عند أحد يدا إلّا زيد، وكذا ما ظننت فيهم أحدا يقول ذلك إلّا زيدا، وما كان فيهم أحد يفعل ذلك إلّا زيد، وإتباع الظاهر المخبر عنه أو الموصوف في الصّور المذكورة أولى من إتباع المضمر؛ لأنّ المسوّغ للإتباع هو النّفي، وهو أقرب إلى الظاهر منه إلى المضمر (3). قال سيبويه - بعد أن مثّل بقوله: ما علمت أحدا يقول ذلك إلّا زيدا -: وإنّما اختير النصب هنا؛ لأنّهم أرادوا أن يجعلوا المستثنى بمنزلة المبدل منه وأن لا يكون إلّا من منفيّ، والمبدل منه منصوب منفيّ، ومضمره مرفوع فأرادوا أن يجعلوا المستثنى بدلا منه؛ لأنّه هو المنفيّ، وهذا وصف أو خبر، وقد تكلّموا بالآخر؛ لأنّ معناه النّفي، إذا كان وضعا لمنفي، كما قالوا: عرفت زيدا أبو من هو، كما ذكرت لك؛ لأنّ معناه معنى المستفهم منه. انتهى (4).
فلو كان الضمير العائد في غير خبره، وغير صفة مخبرا عنه، امتنع إتباعه ولزم إتباع الظّاهر كقولك: ما شكر رجل أكرمته إلّا زيد، وما مررت بأحد أعرفه إلّا -
(1) أي: يكون بدلا منه على حسب إعرابه؛ لأن المسوغ للإتباع هو النفي، وهو أقرب إلى الظاهر منه إلى المضمر وهو المختار. ينظر التذييل والتكميل (3/ 558).
(2)
فيكون بدلا منه؛ لأن النفي متوجه عليه من جهة المعنى. ينظر التذييل والتكميل (3/ 558).
(3)
قال أبو حيان: «
…
ومن صفة اسم كان عليه ومثال ذلك: ما فيهم أحد اتخذت عنده يدا إلا زيد، وما ظننت فيهم أحدا يقول ذلك إلا زيد، وما كان فيهم أحد يقول ذلك إلا زيد فحكم هذه المسائل في الصفة حكمها في الخبر، فالأولى الإبدال من الظاهر، ويجوز الإبدال من المضمر». اه. التذييل والتكميل (3/ 558).
(4)
الكتاب (2/ 314).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عمرو؛ لأنّ المعنى: ما شكر ممّن أكرمته إلّا زيد، وما مررت ممّن أعرفهم إلّا بعمرو، فلا أثر للنفي في (أكرمت) ولا في (أعرف) بل هما مثبتان، فلذلك امتنع إتباع معمولهما وقد عرف هذا من اشتراط المصنّف في العائد عليه الضمير أن يكون معمولا للابتداء، ولأحد نواسخه. قال سيبويه: وتقول: ما ضربت أحدا يقول [3/ 39] ذلك إلّا زيدا، لا يكون في ذلك إلّا النّصب؛ وذلك لأنّك أردت في هذا الموضع أن تخبر بوقوع فعلك ولم ترد أن تخبر أنّه ليس يقول ذلك إلّا زيد، ولكنّك أخبرت أنّك ضربت ممّن يقول ذلك زيدا. انتهى (1).
وهذا الحكم المذكور من جواز إتباع الظّاهر والمضمر ليس خاصّا بالمتّصل بل هو جار في المنقطع أيضا وهو غنيّ عن الأمثلة (2)، وعلى الانقطاع جاء قول الشاعر إلّا أنّه أتبع الضمير - أنشده المصنّف وهو من إنشادات سيبويه أيضا -:
1696 -
في ليلة لا ترى بها أحدا
…
يحكي علينا إلّا كواكبها (3)
فـ (كواكبها) بدل من فاعل (يحكي)، (ترى) بمعنى: تعلم فـ (يحكي) وقعت مفعولا ثانيا لها، ومعنى (يحكي علينا): يخبر عنّا، وقبله:
1697 -
ما أحسن الجيد من مليكه وال
…
لبّات إذ زانها ترائبها (4)
يا ليتني ليلة إذ هجع النّاس
…
ونام الكلاب صاحبها
وإنما قيّد المصنّف المستثنى بـ (إلّا) ليخرج ما سوى (إلّا) و (غير) من بقيّة الأدوات، كما تقرّر أنّ ما سواهما ينصب المستثنى أو يجرّه، ثمّ خصّ (إلّا) بالذّكر، وأمّا (غير) فيأتي في كلامه أنّ لها حكم ما بعد إلّا من الإعراب، كما تقدّم، وعلى هذا تقول: ما أظنّ أحدا يفعل ذلك غير زيد، نصبا ورفعا. قال -
(1) الكتاب (2/ 314).
(2)
في المساعد لابن عقيل (1/ 565): «وشمل كلامه الاستثناء المنقطع أيضا، نحو: ما أحد يقيم بدارهم إلا الوحش» .
(3)
البيت من المنسرح، وقائله عدي بن زيد شاعر جاهلي، تقدمت ترجمته. ينظر الكتاب (2/ 212)، وديوان عدي بن زيد (ص 194)، وشرح التسهيل (2/ 289)، والمقتضب للمبرد (4/ 402)، والخزانة (2/ 180).
(4)
الجيد: العنق، اللبات: جمع لبة: النحر، والترائب: عظام الصدر، والهجوع: النوم ليلا، وقائل البيتين عدي بن زيد وهما من المنسرح كالبيت السابق.