الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[استثناء النصف، وما هو أكثر]
قال ابن مالك: (ولا يمتنع استثناء النصف خلافا لبعض البصريين، ولا استثناء الأكثر وفاقا للكوفيين).
ــ
تبيّن ذلك من تمثيله بقول الشاعر:
1711 -
أكلّ امرئ تحسبين امرأ
…
.............
البيت وليس هذا ممّا تقدّم في شيء، والّذي يظهر أنّ تعدّد البدل، وعدم تعدده إنّما هو بحسب ما يقتضيه العامل قبل (إلّا)، فإن اقتضى معمولا واحدا لم يجز أن يقع بعد (إلّا) بغير عطف إلّا بدل واحد، نحو: ما ضربت أحدا إلّا زيدا، وإن اقتضى معمولين جاز أن يقع البدلان منهما بعد (إلّا) كما تقدّم من قولهم: ما أعطيت أحدا درهما إلّا عمرا دانقا، ولا يحتاج إلى تقدير عامل للثاني، نعم إذا جاء مثل:
ما ضربت أحدا إلّا زيدا عمرا، تعيّن نصب الثاني بـ (ضرب) مقدرة، لعدم اقتضاء (ضربت) معمولين، وينبغي أن يكون من صور المسألة المتقدمة: ما ضرب أحدا إلّا عمرو خالدا، فيجعل (عمرو) بدلا من الفاعل، و (خالدا) بدلا من المفعول، وكذا ما أخذ أحد شيئا إلّا عمرو درهما، ونسبها الشيخ (1) إلى الفارسي، فـ (عمرو) بدل من الفاعل، و (درهم) بدل من المفعول، والمصنف يجعل الثاني معمولا لعامل مضمر كما تقدّم، وأمّا منع الاستثناء في مثل: ما أعطيت أحدا درهما إلّا عمرا دانقا [3/ 42] ففي النّفس منه شيء.
قال ناظر الجيش: اختلف النحاة في المخرج بالاستثناء: هل يكون أكثر من الباقي أو مساويا له بعد اتفاقهم على جواز أن يكون أقل من الباقي، وعلى منع كونه زائدا على المستثنى عن الباقي، وعلى منع كونه زائدا على المستثنى منه، أو مستغرقا له.
قال المصنف: اشترط بعض البصريين نقصان المخرج بالاستثناء عن الباقي (2) واشترط أكثرهم عدم الزيادة على الباقي، فلا يجوز على القولين عندي عشرة إلا ستة، ولا على الأول: عندي عشرة إلا خمسة، وهو على القول الثاني جائز، وكلاهما -
(1) التذييل والتكميل (3/ 578)، والارتشاف (ص 636).
(2)
اختار هذا الرأي أبو الحسن الأبذي كما اختاره ابن عصفور في شرح الجمل حيث قال: «والصحيح أن المخرج أقل من النصف أبدا وما قل كان أحسن» ينظر: الشرح الكبير لابن عصفور (2/ 249).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جائز عند الكوفيين (1) وهو الصحيح، وممن وافقهم ابن خروف (2). واستدلّ المصنف على استثناء الأكثر بقوله تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (3) قال: لأنّ من سفه نفسه أكثر ممن لم يسفه نفسه، فإنّ
المراد ب مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ المخالفون لملة إبراهيم، وهم أكثر من الذين تبعوها لأنّ القوم (الخاسرين)(4) هم غير المؤمنين، لقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا (5). واستدلّ ابن خروف بقوله تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ (6) قال: «فالقليل هو المستثنى وليس معلوم القدر، فأبدل منه النصف على جهة البيان لمقدار القليل، والضمير عائد إلى الليل، والمعنى: قم نصف الليل، والضمير في «منه) عائد إلى النصف وكذا الضمير في عليه فالتقدير: قم نصف الليل أو أقلّ منه أو أكثر منه، قال: فخرج من هذا أن المستثنى النصف، أو أقلّ منه أو أكثر، ولا محيص عنه. انتهى.
وإدخال ابن خروف أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ في حيّز الاستثناء، وقوله: فخرج من هذا أنّ المستثنى أقلّ من النّصف أو أكثر، غير ظاهر؛ إذ ليس قوله تعالى: أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ (7) من الاستثناء في شيء، وأمّا استدلاله على صحة استثناء النّصف بقوله تعالى: إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ (8) فظاهر في المراد، وكذا ما تقدّم من أدلّة المصنف على صحّة استثناء الأكثر وقد أوّل المخالفون ذلك، أمّا: مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (9) فجعلوه منقطعا، إذ ليس الكلام فيه (10). -
(1) ومنع ذلك من الكوفيين القاضي أبو بكر، في آخر أقواله، ومنعه الحنابلة، ينظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (2/ 129).
(2)
ينظر: شرح جمل الزجاجي لابن عصفور (2/ 249، 250) والتذييل والتكميل (3/ 79).
(3)
سورة البقرة: 130.
(4)
ما بين القوسين من الهامش.
(5)
سورة العصر: 2، 3.
(6)
سورة المزمل، قال ابن عصفور - في الشرح الكبير (2/ 250، 251) -: «ووجه الدليل في هذه الآية أن القليل مستثنى من الليل، فالمراد به النصف بدليل أنه قد أبدل منه النصف بدل شيء من شيء، قالوا: ولا يجوز أن يكون أبدل منه بدل بعض من كل، حتى كأنه قال: قم نصف القليل لأن القليل مبهم، فلا يعلم قدر نصفه» . اه. وينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 571)، والتذييل والتكميل (3/ 579، 580).
(7)
سورة المزمل: 3 و 4.
(8)
سورة المزمل، 2، 3.
(9)
سورة البقرة: 130.
(10)
التذييل (3/ 580).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأمّا فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (1). فقال الشيخ: هذا مفرّغ ولم يذكر المستثنى منه، ولو صرّح به قدّر عامّا، أي: فلا يأمن مكر الله أحد.
وهذا الذي ذكره الشيخ لا يدفع استدلال المصنف فإنه لا بدّ من تقدير الإخراج وإن كان مفرّعا، والمخرج الْخاسِرُونَ وهم غير المؤمنين بالدليل الّذي ذكره.
أمّا قوله تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ (2)؛ فالنّاس فيه أقوال:
أحدها: ما تقدّم عن ابن خروف وهو أنّ نِصْفَهُ بدل من قَلِيلًا وهو بدل شيء من شيء (3). الثاني: أنّه بدل منه كالأول، إلّا أنّه بدل بعض من كل، والضمير للقليل. قال ابن عصفور: وجاز إن كان القليل مبهما؛ لأنّ القليل قد يعيّن بالعادة والفرق، أي ما يسمّى قليلا في العادة (4). الثالث: أنّه بدل من اللّيل بدل إضراب، قاله ابن الضائع (5). الرابع: أنّه مفعول بفعل يدل عليه المتقدّم، أي قم نصفه، إن شئت فليس النصف مستثنى، قاله الأبذي (6). الخامس: نقله الشيخ عن بعضهم، أنّه بدل بعض من كلّ قال: فيكون قد أمر بقيام نصف الليل، وقد عورض القول الأوّل بأنه يلزم منه إطلاق القليل على النّصف، ومثله يتوقف على نقل أهل اللّغة. قال ابن عصفور: ويدلّ على بطلان أن يكون القليل هو النصف أنّ النّصف ليس بقليل، فمن قام نصف الليل لا يقال فيه: قام الليل إلّا قليلا (7).
وأمّا القول الثاني: فقد ردّه ابن الضّائع على ابن عصفور بأنّه أراد بتعيين القليل بالعادة أنّ العادة عينت شخصه، حتّى صار يقع على ثلث الليل مثلا فهو باطل، بل كلّ ما دون النصف قليل، فيقع على الثلث والربع والسدس إلى غير ذلك، وإن أراد خلاف ذلك، بل ما يقع عليه القليل، فلا فائدة كبيان بإبدال النّصف منه؛ لأنّ نصف الليل قليل أيضا (8). -
(1) سورة الأعراف: 99.
(2)
سورة المزمل: 2، 3.
(3)
ينظر: المساعد (1/ 571، 572) تحقيق د/ بركات.
(4)
ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 200).
(5)
ينظر: شرح الجمل لابن الضائع (2/ 211 أ).
(6)
علي بن محمد الخشني، أحد شيوخ أبي حيان توفي سنة 608 هـ.
(7)
ينظر: الشرح الكبير لابن عصفور (2/ 250، 251).
(8)
شرح الجمل لابن الضائع (2/ 211 أ).