الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إيلاء «إلا» نعت ما قبلها]
قال ابن مالك: (ولا يليها نعت ما قبلها، وما أوهم ذلك فحال، أو صفة بدل محذوف، خلافا لبعضهم ويليها في النّفي فعل مضارع بلا شرط، وماض مسبوق بفعل، أو مقرون بـ (قد)، ومعنى «أنشدك إلّا فعلت» أي:
ما أسألك إلّا فعلك).
ــ
وجوّز ابن السيّد (1) أيضا أن تقع (إلّا) حالا، كما تقع (غير) حالا، وقال:
إنّها تكون صفة للنكرة، وتتقدّم، وتنصب على الحال (2)، وأجاز في قول الشاعر:
1729 -
وما لي إلّا الله غيرك ناصر (3)
أربعة أوجه: أن يكونا معا حالين من (ناصر) واستثناءين مقدّمين، أو أحدهما استثناء، والآخر حال، ودعوي البدلية - كما يقول صاحب البسيط، ومن وافقه في ذلك - فيه نظر، وأما دعوى الحالية فبعيد جدّا، ونقل الشيخ عن بعضهم أنّ أكثر النّحاة ينكرونه (4).
قال ناظر الجيش: شرع في ذكر أحكام تتعلق بـ (إلّا) الّتي هي أداة استثناء، فأشار بقوله: ولا يليها نعت ما قبلها إلى قول الأخفش - في كتاب المسائل له -:
لا يفصل بين الموصوف والصفة بـ (إلّا) قال: ونحو: ما جاءني رجل إلّا راكب، يقدّر: ما جاءني رجل إلّا رجل راكب، فـ (راكب) صفة لـ (رجل) المحذوف، و (رجل) بدل من الأول، قال الأخفش: وفيه قبح لجعلك الصفة كالاسم» (5) وقد تقدّم أيضا، عن أبي عليّ أنّه قال في: ما مررت بأحد إلّا قائما إلّا أخاك: إنّ (قائما) لا يجوز كونه صفة لـ (أحد)؛ لأنّ (إلّا) لا تعترض بين الصّفة والموصوف، فهذا تصريح من أبي الحسن، وأبي علي بأنّ (إلّا) لا تفصل بين صفة -
(1) هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي (521 هـ) سبقت ترجمته.
(2)
ينظر: الحلل في شرح أبيات الجمل، لابن السيد (ص 316، 317) تحقيق د/ مصطفى إمام (مكتبة المتنبي).
(3)
قائله: الكميت بن زيد الأسدي، والبيت من الطويل، وهو بتمامه:
فما لي إلا الله لا رب غيره
…
وما لي إلا الله غيرك ناصر
وقد سبق تخريجه.
(4)
ينظر: التذييل والتكميل (3/ 615).
(5)
ينظر: الارتشاف (2/ 303).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وموصوف. قال المصنّف: وما ذهبا إليه هو الصّحيح؛ لأنّ الموصوف والصفة كشيء واحد، وسيأتي أنّهما كشيء واحد، لا يختلفان بنفي الحكم عن أحدهما وإثباته للآخر كالمتوسط بينهما (إلّا)، ولأنّ الصفة توضح موصوفها، كما توضح الصلة الموصول، وكما يوضح المضاف إليه المضاف، فكما لا تقع (إلّا) بين الموصول، والصّلة ولا بين المضاف والمضاف إليه، كذا لا تقع بين الموصوف والصفة، ولأنّ (إلّا) وما بعدها في حكم جملة مستأنفة، والصفة لا تستأنف، ولا تكون في حكم مستأنف (1). وإذا تقرّر أنّ (إلّا) لا تعترض بين الموصوف والصفة وجب تأويل ما أوهم ذلك؛ فيجعل ما بعد (إلّا) في مثل: ما جاءني رجل إلّا راكب، صفة لموصوف محذوف، بدل من الاسم الذي قبل (إلّا) والتقدير: إلّا رجل راكب، كما تقدّم، وفي مثل: ما جاءني أحد إلّا زيد خير منه تجعل الكلمة التي بعد (إلّا) حالا من الاسم الذي قبلها، وإليهما أشار بقوله: وما أوهم ذلك فحال، أو صفة بدل محذوف، وأشار المصنف أيضا بقوله: خلافا لبعضهم إلى أنّ الزمخشري جعل ما بعد (إلّا) في مثل: ما مررت بأحد إلّا زيد خير منه، جملة ابتدائية، واقعة صفة لـ (أحد)، وقد قلت: إنّ المصنف منع ذلك؛ لأنّ (إلّا) لا تعترض بين الصفة والموصوف، للعلّة التي تقدمت على الخلاف لذلك، وما منعه المصنف فيه نظر، فإنّه قد تقدّم عنه الكلام على الاستثناء المفرغ أنّ التفريغ يكون باعتبار الصفات، كما يكون باعتبار غيرها، وإنّ من ذلك: ما مررت بأحد إلّا زيد خير منه، وكذا:
ما جاءني من أحد إلّا قائم؛ لأنّ الوصف يكون مفردا، ويكون جملة، وحكمها في الصّحّة واحد، وإذا قصد التفريغ باعتبار الوصف تعيّن دخول (إلّا)؛ لأنّ المعنى المقصود بالتفريغ - وهو قصر الموصوف على الصّفة في مثل: ما جاءني رجل إلّا راكب - يفوت لو لم يأت بها، وقد أوضح هذا المعنى سيبويه حيث قال في قولك: ما مررت بأحد إلّا زيد خير منه: كأنك قلت: مررت بقوم زيد خير منهم، إلّا أنك أدخلت (إلّا) لتجعل (زيدا) خيرا من جميع من مررت به، ولو قلت: مررت بناس زيد خير منهم، لجاز أن يكون قد مرّ بناس آخرين هم خير من زيد، فإنّما قال: ما مررت
بأحد إلّا زيد خير منه، ليخبر أنّه لم يمرّ بأحد يفضل -
(1) تسهيل الفوائد (ص 105)، والمساعد لابن عقيل (1/ 580).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيدا (1). انتهى كلام سيبويه. والظاهر منه أنّ الجملة الواقعة بعد (إلّا) في قولك:
ما مررت بأحد إلّا زيد خير منه، صفة لـ «أحد» ، وأنّ «إلّا» دخلت بين الموصوف والصفة، لتقيد المعنى الذي أشار إليه، فهي ملغاة لفظا، معتبرة معنى، وإذا [3/ 52] تقرّر هذا بعد المنع الذي أشار إليه المصنف إلّا أن يمنع التفريغ باعتبار الصفات، ولما منع المصنف كون الجملة المشار إليها وصفا، جعلها حالية كما تقدّم، وجعلها حالا لا يمتنع، ويكون ما قبل (إلّا) مفرغا لما بعدها، باعتبار الأحوال، نحو: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ (2)، وقد تقدّم.
وطرد الزمخشريّ الحكم المتقدم، فجعل: وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (3) - من قوله تعالى: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (4) جملة واقعة صفة لـ قَرْيَةٍ وسطت الواو بينهما لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، كما يقال - في الحال -: جاءني زيد عليه ثوب، وجاءني زيد وعليه ثوب (5)، وردّ ذلك المصنف بأوجه خمسة (6):
منها: أنّه قاس في ذلك الصفة على الحال، وبين الصفة والحال فروق كثيرة، كجواز تقدّمها على صاحبها، وجواز تخالفها بالإعراب، وجواز تخالفها بالتعريف، والتنكير، وجواز إغناء الواو عن الضّمير في الجملة الحالية، وامتناع ذلك في الواقعة نعتا، فكما بينت المخالفة بينهما في هذه الأشياء سبب المخالفة في الاقتران بالواو، جاز في الحاليّة وامتنع في الواقعة نعتا.
ومنها: أنّ مذهبه - في هذه المسألة - مذهب لا يعرف لبصري ولا لكوفي.
ومنها: أنّه تعلل بما لا يناسب؛ وذلك أنّ الواو تدلّ على الجمع بين ما قبلها، وما بعدها، وذلك مستلزم لتغايرهما، وهو ضدّ لما يراد من التّوكيد.
ومن الأحكام المتعلقة بـ (إلّا) وقوع الفعل بعدها: فاعلم أنّ (إلّا) إنّما هي - أبدا - للاستثناء لفظا أو معنى، ولما كان الذي يتصوّر استثناؤه إنّما هو الاسم، -
(1) الكتاب (2/ 342) هارون.
(2)
سورة الأنفال: 16.
(3)
سورة الحجر: 4.
(4)
المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(5)
ينظر: شرح المفصل (1/ 39)، والكشاف (2/ 444).
(6)
شرح المصنف (2/ 302)، والتذييل والتكميل (3/ 618)، وفي الشرحين بقية الأوجه الخمسة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم تدخل (إلّا) عليه، أو على الجملة الاسمية؛ لأنّ (إلّا) إذا دخلت عليها في اللفظ مباشرة للاسم، فأشبه دخولها على الجملة الاسمية دخولها على الاسم المسبوق بفعل، أو على ما يشبه الاسم وهو المضارع، أو الماضي المقرون بـ (قد) وشرطوا في مباشرتها الفعل وجود نفي قبلها، فقول المصنف: ويليها في النّفي مضارع بلا شرط إشارة إلى أنّه لا يشترط في وقوع الفعل المضارع بعد (إلّا) تقدم فعل، بلا وجود نفي كاف، فعلا كان ما ولي النّفي أو اسما، نحو: ما كان زيد إلّا يضرب، وما زيد إلا يسير، وقوله:
وماض مسبوق بفعل، أو مقرون بـ (قد) إشارة إلى أنّه يشترط في وقوع الفعل الماضي بعدها - مع وجود النّفي - تقدم فعل، نحو: قوله تعالى: وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (1) واقتران الماضي بـ (قد) كقول الشاعر:
1730 -
ما المجد إلّا قد تبيّن أنّه
…
بندى وحلم لا يزال مؤثّلا (2)
فإن لم يسبق الماضي فعل، ولم يقترن بـ (قد) لم يجز وقوع الماضي بعد (إلّا)، فيمتنع: ما زيد إلّا قام.
قال المصنف (3): وإنّما أغنى اقتران الماضي بـ (قد) عن تقدّم فعل، إلّا أنّ اقترانه بها يقرّبه من الحال، فيكون بذلك شبيها بالمضارع وإنما كان المضارع مستغنيا عن شرط في وقوعه بعد (إلّا) لشبهه بالاسم، والاسم بـ (إلّا) أولى؛ لأنّ المستثنى لا يكون إلّا اسما، أو مؤولا، وإنّما ساغ لتقديم الفعل وقوع الماضي بعد (إلّا)؛ لأنّ تقدّم الفعل مقرونا بالنفي يجعل الكلام بمعنى: كلّما كان كذا وكذا كان كذا وكذا، فكان فيه فعلان كما كان مع (كلّما)(4)، وقوله: ومعنى: أنشدك إلّا فعلت كذا، كأنّه جواب عن سؤال مقدر، وهو أن يقال: قد وقع الفعل بعد (إلّا) ولم يوجد النّفي قبلها، وقد شرطوه فقال: هو مؤول بالنّفي، فصورته موجب، -
(1) سورة الحجر: 11، وسورة يس:30.
(2)
البيت من الكامل، ولم ينسب لقائل معين. الندى: الجود، والحلم: الأناة، والمؤثل: المؤصل.
والشاهد: في وقوع الفعل الماضي، بعد (إلّا) مقرونا بـ (قد) التي سوغت وقوعه بعدها.
ينظر: شرح المرادي (1/ 177)، والمساعد لابن عقيل (1/ 581)، وهمع الهوامع (1/ 195).
(3)
شرح التسهيل لابن مالك (2/ 303).
(4)
آخر كلام ابن مالك، شرح التسهيل (2/ 303).