الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أحكام تمييز المفرد]
قال ابن مالك: (وينصبه مميّزه لشبهه بالفعل أو شبهه، ويجرّه بالإضافة إن حذف ما به التّمام، ولا يحذف إلّا أن يكون تنوينا ظاهرا في غير «ممتليء ماء» ونحوه، أو مقدّرا في غير «ملآن ماء» و «أحد عشر درهما» و «أنا أكثر
مالا» ونحوهنّ، أو يكون نون تثنية، أو جمع تصحيح، أو مضافا إليه صالحا لقيام التّمييز مقامه في غير «ممتلئين أو ممتلئين غضبا» ) (1).
قال ناظر الجيش: قد تقدّم أنّ هذا الفصل معقود لتمييز المفرد فالأحكام التي يذكرها راجعة إليه، لا إلى مميز الجملة، فنبّه الآن على أنّ ناصب التمييز ما ميّزه، ومثال ما ينصبه لشبهه بالفعل:«هو مسرور قلبا، ومنشرح صدرا، وطيّب نفسا باشتعال رأسه شيبا، وسرعان ذا إهالة» (2).
وأما ما ينصبه مميزه لشبهه شبه الفعل فمميز العدد، ومبهم المقدار، وكذا مميّز مفهم المثليّة والغيريّة والتعجب، وقد تقدمت أمثلة ذلك فلا حاجة إلى إعادتها.
واستثنى المصنف من الأمثلة المتقدمة «أبرحت جارا» (3).
قال الشيخ: لأنّ (جارا) منصوب بالفعل، لا بشبه الفعل، ولا بشبه شبه الفعل، ولهذا استثناه مما قبله. انتهى (4).
ولا ينتظم تمثيل المصنف به أولا مع استثنائه عند ذكر العامل ثانيا، واعتذار الشيخ عنه بأنّه إنما استثناه لكون الفعل عاملا لا شبهه، ولا شبه شبهه؛ لأنّ (جارا) إمّا مميز جملة، أو مميز مفرد، إن كان الأول صحّ أن يقال: العامل فيه الفعل لكن ليس لذكره مع الأمثلة المتقدّمة وجه، فإنّ المميز فيها مميّز مفرد، وإن كان الثاني صحّ أن يمثل به لكن لا وجه لاستثنائه، ولا لقول الشيخ العامل فيه الفعل، وقد تقدّم ذكر الخلاف في المثال المذكور، وأنّ الظاهر فيه أنه من قبيل مميز الجملة لا المفرد.
وقد مثّل المصنف للعامل في التمييز لشبهه بالفعل بنحو: «هو مسرور قلبا، -
(1) تسهيل الفوائد (ص 114).
(2)
ينظر: التذييل (4/ 41).
(3)
ينظر: شرح المصنف (2/ 381).
(4)
ينظر: التذييل (4/ 42).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنشرح صدرا (1)
…
إلى آخره، والمميز نسبة الكلام في هذا الفصل إنّما هو تمييز لمفرد، والمصنف في هذا جار على اصطلاحه الذي تقدّم ذكره عنه، وهو فيه مخالف لاصطلاح النحاة.
وقد يقال: إن المصنف يرى أنّ مميز النسبة قسمان، فالنسبة التي تتضمنها جملة يسمّى مميّزها مميّز جملة، والنسبة التي لا تتضمنها جملة يسمّى مميزها مميز مفرد.
والجواب: أنّ في كلام المصنف ما يدفع أنه يرى هذا، وذلك أنه حصر مميز المفرد في العدد وفي ما أفهم مقدارا أو مثليّة أو غيريّة أو تعجبا، وليس التمييز في نحو:«هو مسرور قلبا» مميّز شيء منها، فيلزم المصنف القول بأنه مميز جملة لذلك.
ثم إنّ قوله: وينصبه مميّزه لشبهه بالفعل وتمثيله بنحو: «هو مسرور قلبا
…
» إلى آخره فيه إشكال (2)، وتدافع ظاهر، فإنه قد تقرر أنّ العامل في التمييز إذا كان عن مفرد نفس ذلك المفرد المميز، ولا شبهة في أنّ المميز في نحو:«هو مسرور قلبا» هو النسبة، فينبغي أن تكون هي العاملة، وقد قال: إنّ العامل هو (مسرور) ونحوه من الصفات لشبهها بالفعل، فيقتضي أن يكون المميز في الأمثلة التي ذكرها الصفات المذكورة لقوله: وينصبه مميّزه لشبهه بالفعل ولا قائل بذلك.
وإذا تقرر هذا علم أنّه لم يتحقق في تمييز المفرد التمثيل بما يكون العامل فيه شبه الفعل، وأمّا التمثيل لشبه شبه الفعل فصحيح، لكن الذي يقتضيه كلام المصنف أنّ أسماء الأعداد والمقادير وما ذكر معها عملت في التمييز لشبهها باسم الفاعل.
وقال الشيخ (3): عملت هذه الأسماء - يعني «عشرين، وقفيزا، ورطلا، وذراعا» - وإن كانت جوامد؛ لأن عملها على طريق التشبيه.
واختلف البصريون في الذي شبهت به: فقيل: شبهت باسم الفاعل لطلبها اسما بعدها، كما أنّ اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال كذلك وقيل: لشبهها بـ (أفعل -
(1) لم يذكر المصنف هذه الأمثلة وإنما نقل المؤلف هذا الكلام عن أبي حيان في التذييل (4/ 42)، ويراجع كلام المصنف في شرحه (2/ 379 - 381) المطبوع.
(2)
ولذلك أسقطها المصنف من شرحه كما أشرت سابقا.
(3)
انظر هذا النقل الطويل لأبي حيان من كتابه التذييل والتكميل (4/ 44). وهو تحقيق د/ الشربيني أبو طالب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من) في طلبها اسما بعدها على طريق التبيين ملتزما فيه التنكير كذلك، فالفعل هو الأصل؛ لأنه يعمل معتمدا وغير معتمد، واسم الفاعل لا يعمل إلا معتمدا ويعمل في السببي والأجنبي، والصفة المشبهة تعمل في المعرفة والنكرة ولا تعمل إلّا في السببي، و (أفعل من) لا تعمل إلّا في النكرة، لكنها تتحمل الضمير، فكل واحد من هذه أضعف من الذي قبله من الجهات التي ذكرناها، فشبه هذه الأسماء بـ (أفعل من) أقوى من شبهها باسم الفاعل. انتهى (1).
وفهم من هذا: أنّ النصب في التمييز يكون في خامس رتبة من منصوب الفعل؛ لأنّ النصب بعدها مشبه بنصب (أفعل من) و (أفعل منه) مشبّه بالصفة المشبهة، وهي مشبهة باسم الفاعل وهو مشبه بالفعل.
وعلى ما أشعر به كلام المصنف [3/ 91] يكون التمييز في ثالث رتبة من منصوب الفعل.
وقد قيل: إن العامل في التمييز هو التنوين والنون والإضافة.
وتحقيق ذلك أنّ الاسم عامل بتمامه بأحد الثلاثة، لا أنّها هي العاملة.
وقيل: العامل الظرف أو شبه الظرف المذكور مع الاسم المميز نحو: «لي عشرون جملا» (2).
وهو منقوص بما إذا جيء بالعدد ونحوه وليس مذكورا معه ظرف أو شبهه.
وقوله: ويجرّه بالاضافة إن حذف ما به التّمام إشارة إلى أنّه قد يحذف من الاسم المميّز ما حصل به تمامه فيجر التمييز بالإضافة ولما تقدّم أنّ ما به التمام قد يكون إضافة، وقد يكون تنوينا ظاهرا أو مقدرا، وقد يكون نون تثنية أو نون جمع أو نون شبه الجمع، وكان بعضه يجوز حذفه، وبعضه يمتنع حذفه شرع الآن في بيان ذلك، وقد ذكر ما يجوز حذفه واستثنى منه صورا، وعلم بسكوته عن غيره أنه يمتنع حذفه وليعلم أنّ شرط جواز الإضافة المذكورة ألّا يكون الاسم الذي يقصد إضافته مقدر الإضافة إلى غير التمييز فلهذا استثنى المصنف مادة الامتلاء من كل صورة ذكر فيها جواز الحذف، كما يأتي بيانه. -
(1) انتهى كلام الشيخ أبي حيان وينظر في: التذييل (4/ 44)، ويراجع التصريح (1/ 395)، والهمع (1/ 250).
(2)
ينظر: التذييل (4/ 46).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فما يجوز حذفه التنوين الظاهر: كقولك في «رطل زيتا، وذراع ثوبا» : «رطل زيت، وذراع ثوب» ولا يحذف من نحو: «البيت ممتلئ برّا» ؛ لأنّ تقديره: البيت ممتلئ الأقطار برّا، فامتنع مع تقدير الإضافة ما كان يمتنع مع التصريح بها، وكذلك يجوز حذف التنوين المقدّر أيضا نحو أن يقال في «هند شنباء أنيابا»:«هند شنباء أنياب» (1) وفي «زيد أشعث رأسا» : «زيد أشعث رأس» واستثنى المصنف من ذلك ثلاثة أشياء: ملآن ماء، وأحد عشر درهما، وأكثر مالا، ونحوهن.
أمّا «ملآن ماء» فلما علمت، وأمّا «أحد عشر درهما» فلامتناع إضافة العدد المركب؛ لقيام ثاني المركبين مقام التنوين، وأمّا «أكثر مالا» فلامتناع الإضافة في مثله، وهو أفعل التفضيل المميّز لسببي وعلامة السببي صلاحيته
للفاعلية بعد تصيير (أفعل) فعلا، كما تقول في «زيد أكثر مالا»: كثر ماله، ولهذا إذا لم يصلح لذلك تتعين الإضافة كقولك:«زيد أكرم رجل» (2).
ومما يجوز حذفه نون التثنية: كقولك في منوان سمنا، وذراعان ثوبا:«منوا سمن، وذراعا ثوب» . ويستثنى من ذلك نحو: «ممتلئين غضبا» لما تقدّم.
وكذا نون جمع التصحيح: نحو: «هم حسنو وجوه» وقد علمت أنّ هذا من قبيل مميز الجملة، فلا وجه لذكره هنا، ولكن المصنف مشى على ما قرّره أوّلا (3)، واستثنى من نون الجمع نحو:«ممتلئين غضبا» لما تقدّم أيضا.
وعلى الذي علم من اصطلاح النحاة في تمييز الجملة وتمييز المفرد لا وجه لاستثناء «ممتلئ ماء، وممتلئين غضبا» ؛ لأنّ المميز المذكور بعدهما من قبيل مميز الجملة، وكذا لا وجه لاستثناء «ملآن ماء، وأنا أكثر مالا» من الذي تنوينه مقدر، لأنّ المميز بعدها من قبيل مميز الجملة أيضا، وهذا الفصل معقود لمميز المفرد خاصة، وكذا لا وجه لتمثيله للتنوين المقدّر بنحو «هند شنباء أنيابا» ؛ لأن التمييز فيه لنسبة، فهو من قبيل مميز الجملة أيضا، وأمّا استثناء (ممتلئين) فلا وجه له أيضا، ولا لذكر ما استثنى منه هنا (4).
وعلم من سكوته عن نون شبه الجمع: أن لا يجوز حذفها، وإضافة ما تمّ بها إلى -
(1) ينظر: شرح المصنف (2/ 381).
(2)
شرح المصنف (2/ 381).
(3)
ينظر: التذييل (4/ 54).
(4)
ينظر: التذييل (4/ 57).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التمييز، فلا يقال:«عشر ودرهم» بل: «عشرون درهما» وحكى الكسائي أنّ من العرب من يقول: «عشر ودرهم» (1).
ومما يجوز حذفه مما حصل به التمام المضاف إليه الصالح لقيام التمييز مقامه: كقولك في «زيد أشجع الناس رجلا» : «زيد أشجع رجل» فاحترز بالصالح لقيام التمييز مقامه من مضاف إليه لا يصلح لذلك، نحو:«لله درّه فارسا، ويا ويحه رجلا» فلا يجوز: «لله درّ فارس» ، ولا «يا ويح رجل» .
ويمكن أنه احترز بذلك أيضا من نحو: «زيد أكثر الناس مالا» فإنه لا يجوز فيه الحذف وإقامة التمييز مقام المحذوف، بل إن حذفت المضاف إليه بقي ما بعده تمييزا بحاله، وهذا الذي يظهر من شرح المصنف لكلام نفسه
كما يأتي. وإدراج مثل «زيد أشجع الناس رجلا، وأكثر مالا» في فصل مميّز المفرد على (2) قاعدته في ذلك، وإنّما هو من قبيل مميّز الجملة؛ لأنه ميّز نسبة، وشرح المصنف لهذا الموضع لا يطابق عبارته في المتن ظاهرا، فإنّه قال: إن كان أفعل مضافا إلى جمع بعده تمييز لا يمتنع جعله مكان (أفعل) جاز بقاؤهما على ما كان عليه، وجاز حذف الجمع، والإضافة إلى ما كان تمييزا كقولك: زيد أشجع الناس رجلا، وأشجع رجل». انتهى (3).
واحترز بقوله: لا يمتنع جعله مكان (أفعل) من مثل: «زيد أكثر الناس مالا» واقتضت عبارته في الشرح أن المعتبر هو إقامة التمييز مقام أفعل، وهو المضاف لا إقامته مقام المضاف إليه، وهو ما بعد (أفعل) وعبارة المتن تقتضي عكس ذلك فإنّ قوله: أو مضافا إليه معطوف على قوله: تنوينا فكأنه قال: لا يحذف ما به التمام إلا أن يكون مضافا إليه، ثم قال: صالحا لقيام التمييز مقامه فالضمير إنما يدل على المضاف إليه لا على المضاف؛ لأنّه لم يتقدم له ذكر، والاعتباران صحيحان، لكن المذكور في الشرح أنه جعل صحة الإضافة إلى التمييز موقوفة على جواز وقوع [3/ 92] التمييز موقع (أفعل)، وأما الذي يقتضيه كلامه في المتن فهو وقوف صحة الإضافة على جواز وقوع التمييز موقع المضاف إليه فرجع إلى وقوف صحة الإضافة على نفسها، وهو دور. -
(1) ينظر: شرح المصنف (2/ 381).
(2)
في المخطوط: وعلى، والصواب ما أثبته.
(3)
شرح المصنف (2/ 381).