الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب التاسع والعشرون باب التّمييز
[تعريفه]
قال ابن مالك: (وهو ما فيه معنى «من» الجنسيّة من نكرة منصوبة فضلة غير تابع)(1).
قال ناظر الجيش: المقصود بالحدّ المذكور: يطلق عليه التمييز والتبيين والتفسير والمميز والمبين والمفسّر، والتمييز أغلب ألقابه، وهو في الأصل مصدر ميّز الشيء إذا فصله وأفرده من غيره، والثلاثي منه (ماز) يقال:«مز ذا من ذا» أي: افصله، ومنه قوله تعالى: وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (2) فقوله: ما فيه معنى (من) يشمل التمييز نحو: «امتلأ الإناء ماء، وله رطل زيتا» وثاني منصوبي (استغفر) كـ (ذنبا) من قول الشاعر:
1895 -
أستغفر الله ذنبا لست محصيه
…
ربّ العباد إليه الوجه والعمل (3)
والمنصوب على التشبيه بالمفعول به في نحو: «هو حسن وجهه» . والنكرة المضاف إليها في نحو: «رطل زيت» واسم (لا) المحمولة على (إنّ) نحو: «لا خير من زيد فيها» وتابع العدد إذا كان من جنس المعدود نحو: «قبضت عشرة دراهم» ونحو: أَسْباطاً من قوله تعالى: وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً (4) وصفة اسم (لا) المنصوبة به نحو: «لا رجل ظريفا» .
فأخرج ثاني منصوبي (أستغفر) بقوله: الجنسية، والمنصوب على التشبيه بالمفعول به في المثال المتقدم بقوله: نكرة. والنكرة المضاف إليها المفيدة للتمييز -
(1) تسهيل الفوائد (ص 114).
(2)
سورة يس: 59.
(3)
البيت من البسيط ولم يعرف قائله. وينظر: في الكتاب (1/ 37)، والمقتضب (2/ 320)، والخصائص (1/ 384)، وشرح المصنف (2/ 379).
وشاهده: قوله: «أستغفر الله ذنبا» ؛ حيث نصب ذنبا على المفعولية، ولا يجوز نصبه على التمييز وإن كان بمعنى «من» لأن معناها ليس للجنس.
(4)
سورة الأعراف: 160.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بقوله: منصوبة، واسم (لا) بقوله: فضلة، وتابع العدد المذكور وصفة اسم (لا) المنصوبة بقوله: غير تابع.
قال المصنف (1): واحترز بـ: ما فيه معنى (من) من الحال، فإنها تشارك التمييز فيما سوى ذلك من القيود.
ولا يخفى ما في هذا الحدّ من القلق، وإنّ قوله: احترز بـ: ما فيه معنى (من) من الحال لا يحتاج إليه، مع أنّ الجنس لا
يؤتى به للاحتراز، لكنّ المصنف لا يعتبر ذلك، وكأنّه لمّا لم يتعين عنده المذكور أولا للجنسية؛ جاز أن يحترز به [3/ 88] كما يحترز بالفصول، ولكن ترك هذا أولى.
وقد ناقشه الشيخ في قوله: ما فيه معنى (من) قال: إنّ التمييز المنقول ليس فيه معناها. وفي قوله: غير تابع قال: لا يحتاج إليه؛ لأنّ التابع لا يلزم نصبه، إنّما هو بحسب المتبوع.
قال: وكذا صفة اسم (لا) لا يحترز منها؛ لأنها يجوز رفعها بخلاف التمييز فإنه ملتزم فيه النصب، وأيضا ليس في الصفة المذكورة معنى (من) فلم يدخل أولا ليحترز عنه ثانيا. انتهى (2).
أما قوله: إنّ التمييز المنقول ليس فيه معنى (من) - فظاهر، إلّا أن يدّعي المصنف التعميم ويقول: لا يلزم من عدم جواز ظهور (من) معه فيما ذكرتم ألّا يفسّر بها المعنى، فكم من مقدّر معنى وظهوره ممتنع.
وأمّا قوله: إنه لا يحتاج لقوله: غير تابع؛ لأنّ التابع لا يلزم نصبه - فالمصنف إنّما احترز به على تقدير تبعيته للأول ما دام منصوبا.
وأمّا قوله: إنّ صفة اسم (لا) يجوز رفعها، فنقول: ما احترز عنها إلا ما دامت منصوبة.
وأمّا قوله: إنّ صفة اسم (لا) ليس فيها معنى (من) فصحيح. والأقرب في حدّ التمييز ما ذكره ابن الحاجب وهو: ما يرفع الإبهام المستقر عن ذات مذكورة -
(1) شرح المصنف (2/ 379).
(2)
ينظر: التذييل (4/ 5، 12، 13) رسالة بتحقيق د/ الشربيني أبو طالب، رحمه الله تعالى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو مقدّرة (1).
فقوله: «يرفع الإبهام» يشمل التمييز وغيره كالحال. وقوله: «عن ذات» يخرج غير التمييز. وقوله: «المستقر» يخرج به نحو: (مبصرة) من قولك: «عين مبصرة» ؛ لأنّه يرفع الإبهام عن ذات وليس بتمييز؛ لأنّ الإبهام فيها غير مستقر، بخلاف نحو:(عشرين) فإنّه موضوع لذات مبهمة في أصل الوضع، و (عين) وضع دالّا على كلّ واحد من مدلولاته، وإنما عرض الإبهام فيه من جهة تعدد الوضع. وقوله:«مذكورة أو مقدّرة» تقسيم للتمييز، فإنّه يكون عن ذات ذكرت كـ «عشرين درهما» ويكون عن ذات مقدّرة كـ «حسن زيد أبا» ؛ لأنّ (حسن) مسند في اللفظ إلى (زيد) وهو في المعنى مسند لمقدّر متعلق بـ (زيد)، وذلك المقدّر مبهم لاحتمال متعلقاته كلها، فإذا قلت:(أبا) فقد رفعت الإبهام عن الذات المقدّرة، كما رفعت الإبهام في «عشرين درهما» عن الذات المذكورة ومميز الذات المذكورة هو مميز المفرد،
ومميز الذات المقدّرة هو مميّز الجملة (2).
وحقيقة الذات المقدّرة أنّها النسبة الحاصلة بين منتسبين فكلما ميّز نسبة أطلق عليه مميّز جملة، وما لم يميز نسبة فهو مميز مفرد، ويعبّر النحويون عن القسم الأول - أعني مميز الجملة - بأنه المنتصب عن تمام الكلام، وعن القسم الثاني بأنه المنتصب عن تمام الاسم.
واعلم أن التمييز مناسب للحال من وجوه ومفارق لها من وجوه:
أمّا المناسبة: فكونهما نكرتين، ويأتيان بعد تمام الكلام، ويبيّن بهما، فالتمييز يبيّن به الذوات، والحال يبين بها الهيئات.
وأمّا المفارقة: فمن جهة أنّ الحال بابها الاشتقاق، والتمييز بابه الجمود. والحال يحسن معها تقدير (في)، والتمييز يحسن معه تقدير (من). والحال ليس في تقديمها على العامل المتصرف خلاف بين البصريين، وفي التمييز خلاف. والحال تكون منتقلة في أحد أقسامها، والتمييز لا يكون منتقلا. والحال تقع جملة، -
(1) ينظر الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 348) وهذا تعريف الزمخشري.
(2)
استفاد هذا الشرح من كلام ابن الحاجب. يراجع الإيضاح في شرح المفصل (1/ 348 - 350).