المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أحكام مختلفة لـ «كم» بنوعيها] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٥

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب السابع والعشرون باب المستثنى

- ‌[تعريف المستثنى]

- ‌[الاستثناء المتصل والمنقطع]

- ‌[إعراب المستثنى بـ «إلّا»، وبيان العامل فيه]

- ‌[حذف عامل المتروك]

- ‌[الاستثناء التام وأحكامه]

- ‌[حكم المستثنى المتصل في الكلام التام المنفي]

- ‌[مسألتان في الاستثناء التام]

- ‌[حكم تقدم المستثنى على صفة المستثنى منه]

- ‌[مسائل لا يجوز فيها الإتباع على اللفظ]

- ‌[إتباع المستثنى المنقطع عند بني تميم]

- ‌[جواز الإتباع على الاسم الظاهر أو ضميره]

- ‌[مجيء المستثنى متبوعا، والمستثنى منه تابعا]

- ‌[تقديم المستثنى]

- ‌[استثناء شيئين بأداة واحدة]

- ‌[استثناء النصف، وما هو أكثر]

- ‌[ما هو أولى بالاستثناء]

- ‌[تعدد المستثنى منه]

- ‌[حكم تكرار «إلّا» للتوكيد]

- ‌[حكم تكرار «إلّا» لغير التوكيد ولا يمكن الاستثناء]

- ‌[تكرار «إلّا» مع إمكان الاستثناء]

- ‌[«إلا» الموصوف بها]

- ‌[إيلاء «إلا» نعت ما قبلها]

- ‌[عمل ما قبل «إلا» فيما بعدها وعكسه]

- ‌[أحكام الاستثناء بـ «حاشا»، و «عدا»، و «خلا»]

- ‌[أحكام الاستثناء بـ «ليس» و «لا يكون»]

- ‌[أحكام الاستثناء بـ «غير» وبيد»]

- ‌[أحكام الاستثناء بـ «سوى»]

- ‌[حذف ما بعد «إلّا» و «غير»]

- ‌[حكم الاسم المذكور بعد «لا سيما» - اللغات فيها]

- ‌الباب الثامن والعشرون باب الحال

- ‌[تعريف الحال - بعض أحكامه]

- ‌[من أحكام الحال: الاشتقاق وقد يأتي جامدا مؤولا]

- ‌[من أحكام الحال التنكير وقد تأتي معرفة]

- ‌[وقوع الحال مصدرا وأحكام ذلك]

- ‌[مسوغات تنكير صاحب الحال]

- ‌[حكم تقديم الحال على صاحبه]

- ‌[حكم تقديم الحال على عامله]

- ‌[مسألتان بين الحالية والخبرية]

- ‌[تعدد الحال]

- ‌[حذف عامل الحال جوازا أو وجوبا]

- ‌[حكم حذف الحال]

- ‌[الحال المؤكدة]

- ‌[مجيء الحال جملة وحديث عن رابط هذه الجملة]

- ‌[الجملتان المفسرة والاعتراضية وعلاقتهما بالحالية]

- ‌الباب التاسع والعشرون باب التّمييز

- ‌[تعريفه]

- ‌[قسما التمييز: ما يميز مفردا وما يميز جملة]

- ‌[أحكام تمييز المفرد]

- ‌[الأوجه الجائزة في تمييز المفرد من إضافة وغيرها]

- ‌[حكم آخر لتمييز المفرد]

- ‌[تمييز الجملة وأحكامه]

- ‌[أحكام أخرى لتمييز الجملة]

- ‌[تعريف تمييز الجملة، وتقدير تنكيره، أو تأويل ناصبه]

- ‌[أحكام تقديم التمييز على عامله]

- ‌الباب الثلاثون باب العدد

- ‌[حكم تمييز الأعداد من واحد إلى مائة]

- ‌[أحكام خاصة بالتمييز «المفسّر»]

- ‌[حذف تاء الثلاثة وأخواتها]

- ‌[عطف العشرين وأخواته على النيف]

- ‌[مذكر ما دون ثلاثة عشر ومؤنثه]

- ‌[ياء الثماني في التركيب والإفراد]

- ‌[استعمال «أحد» استعمال «واحد»]

- ‌[اختصاص «أحد» بعموم من يعقل]

- ‌[حكم تثنية وجمع أسماء العدد]

- ‌[إدخال حرف التعريف على العدد]

- ‌[حكم العدد المميز بشيئين في التركيب]

- ‌[التأريخ بالليالي لسبقها]

- ‌[صياغة وحكم اسم الفاعل المشتق من العدد]

- ‌[استعمال «فاعل» المصوغ من العدد]

- ‌[ما يستعمل استعمال خمسة عشر من الظروف والأحوال]

- ‌الباب الحادي والثلاثون باب كم وكأين وكذا

- ‌[معنى كم - نوعاها - حكم تمييز كل نوع]

- ‌[أحكام مختلفة لـ «كم» بنوعيها]

- ‌[«كأيّن» و «كذا» وأحكامهما]

- ‌الباب الثاني والثلاثون باب نعم وبئس

- ‌[فعلان أم اسمان والأدلة على كلّ]

- ‌[اللغات فيهما]

- ‌[أنواع فاعل «نعم» و «بئس»]

- ‌[أحوال وأحكام المخصوص بالمدح والذم]

- ‌[الأفعال المحولة للمدح والذم]

- ‌الباب الثالث والثلاثون باب حبّذا

- ‌[أصلها - فاعلها - تمييزها - مخصوصها - إفرادها]

الفصل: ‌[أحكام مختلفة لـ «كم» بنوعيها]

[أحكام مختلفة لـ «كم» بنوعيها]

قال ابن مالك: (فصل: لزمت «كم» التصدير، وبنيت في الاستفهام، لتضمّنها معنى حرفه، وفي الخبر لشبهها بالاستفهاميّة لفظا ومعنى، وتقع في حالتيها مبتدأ، ومفعولا، ومضافا إليها، وظرفا، ومصدرا).

قال ناظر الجيش: قال المصنف (1): أداة الاستفهام منبّهة للمستفهم منه، ومؤذنة بحاجة المستفهم، إلى إبداء ما عنده، فنزلت ممّا في حيّزها منزلة حرف النداء من المنادى في استحقاقه التقدم، فلذلك امتنع تأخيرها، والتزم تصديرها، ولا فرق في ذلك بين (كم) وغيرها، فلذلك وجب رفع صاحب الضمير في نحو:«زيد كم ضربته؟» كما وجب في نحو: «زيد أين لقيته؟» و «بشر متى رأيته؟» والخبريّة جارية مجرى الاستفهاميّة في وجوب التصدير، فلذلك لا يجوز في نحو:«زيد كم دراهم أعطيته» إلّا الرفع، وهي أيضا مساوية لها في وجوب البناء لتساويهما في مشابهة الحرف وضعا وإبهاما.

وتنفرد الاستفهامية بتضمّن معنى حرف الاستفهام، والخبرية بمناسبة (ربّ) إن قصد بها التكثير، وبمقابلتها إن قصد بها التقليل، وهو الغالب على (ربّ)، ووقوع (كم) في حالتيها (2) مبتدأ (3) ومفعولا (4)، ومضافا إليها (5)، كقولك: -

(1) انظر شرح التسهيل (2/ 411).

(2)

أي: الاستفهام والخبر، وفي التذييل والتكميل (4/ 382):«أخذ المصنف في ذكر محالها من الإعراب؛ لئلا يتوهم أنها لما أشبهت (رب) كانت حرفا» .

(3)

من استعمالها مبتدأة قول العرب: كم رجل أفضل منك، برفع (أفضل)، ولا يقولون رب رجل أفضل منك في فصيح الكلام. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 382).

(4)

في التذييل والتكميل (4/ 387): «يريد: ومفعولا به، سواء تعدى الفعل إليه بحرف جر، أو بنفسه، مثال ما وصل إليه الفعل بنفسه: كم غلاما اشتريت؟ وكم غلام اشتريت، فموضع (كم) نصب على المفعول به، وكأنك قلت: عشرين غلاما اشتريت أم ثلاثين؟ وكثيرا من الغلمان

اشتريت، والدليل على أن (كم) مفعول بها أن (اشتريت) فعل متعد إلى واحد، وهو مفرغ للعمل في (كم)؛ لأنه لم يشتغل بغيرها فوجب لذلك أن يحكم عليها بأنها في موضع نصب على المفعول بـ (اشتريت)؛ لأنك لو لم تفعل ذلك لكنت قد هيأت العامل للعمل وقطعته عنه، وذلك غير جائز، ومثال وصول الفعل بحرف جر: على كم مسكين تصدقت؟ أو تصدقت.

(5)

في المرجع السابق، الصفحة نفسها:«مثاله: غلام كم رجل ضربت، ورقبة كم أسير فككت» .

ص: 2494

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كم درهما لك؟ (1)، وكَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً (2) وكم حزبا قرأت؟ وكم من رجال صحبت (3)، وحاجة كم رجل قضيت (4).

ووقوعها في حالتيها ظرفا، ومصدرا (5)، كقولك: كم فرسخا سرت؟ وكم فراسخ سرت وكم طعنة طعنت؟ وكم طعنات طعنت. انتهى.

قال الشيخ: أما ما ذكره من لزوم (6) التصدير في الاستفهام والخبر فعليه مناقشتان فيهما:

أمّا في الاستفهام: فإنّه ذكر التزام تصدير (كم) وأنّه لا فرق في ذلك بين (كم) وغيرها (7)، وهذا ليس على إطلاقه، كما ذكر، بل بعض أدوات الاستفهام في الاستثبات يجوز ألّا تتصدّر، وأن يتقدمها العامل اللفظيّ غير الجارّ، وذلك (من) و (ما) و (أيّ) فتقول لمن قال: لقيت زيدا - إذا استثبت - لقيت من؟ ولمن قال: أكلت خبزا: أكلت ما؟، ولمن قال: ضربت رجلا: ضربت أيّا؟، ومجوّز ذلك هو أنّ الذي تكلم بالكلام قبلك قد كان أجرى الفعل في كلام، فاستغنيت به عن إعادة آخر مثله، فوقع ذكرك لذلك الفعل كالتكرار، فكأنك لم تذكر قبل أداة الاستفهام فعلا، ولذلك لم يفعلوه إلا في الاستثبات، ولا يجوز ذلك في بقية أدوات الاستفهام، كقول القائل: خرجت يوم الجمعة، فتقول - في الاستثبات -: متى خرجت؟ ولا تقول: خرجت متى؟ وتقول [3/ 83]: سرت ضاحكا، فتقول - في الاستثبات -: كيف سرت؟ ولا تقول: سرت كيف؟ وتقول: قعدت خلف بكر، فتقول - في الاستثبات -: أين قعدت؟ ولا تقول: قعدت أين؟ وتقول - لمن قال: اشتريت عشرين فرسا، إذا استثبتّ -: كم فرسا اشتريت؟ ولا تقول: اشتريت كم فرسا؟ (8). -

(1) هذا مثال لوقوع (كم) الاستفهامية مبتدأ.

(2)

سورة البقرة: 249، وهو مثال لوقوع (كم) الخبرية مبتدأ.

(3)

هذا مثال لوقوع كم الخبرية مفعولا به، وما قبله لوقوع (كم) الاستفهامية مفعولا به.

(4)

هذا مثال لوقوع (كم) مضافا إليه.

(5)

في التذييل والتكميل (4/ 388): «مثال ذلك: كم ضربة ضربت زيدا، وكم ميلا سرت، وكم يوما صمت.

(6)

عبارة الشيخ أبي حيان: «من لزوم (كم) التصدير» التذييل والتكميل (4/ 376).

(7)

يعني: أنه لا فرق بين (كم) وغيرها من أدوات الاستفهام، في لزوم التصدير، وفي المساعد لابن عقيل (2/ 113) تحقيق د/ بركات:«لزمت (كم) التصدير، استفهامية كانت أو خبرية» .

(8)

من أول قوله: «وأما ما ذكره من لزوم التصدير» إلى هنا من كلام الشيخ أبي حيان. التذييل -

ص: 2495

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد يجيء ذلك في (كم) في العطف، حكى من كلامهم: قبضت عشرين وكم؟ (1)، إذا استثبتّ من قال: قبضت عشرين كذا وكذا، ومحسّن ذلك هو أنّه يجوز في المعطوف ما لا يجوز في المعطوف عليه، فهذه مناقشة على المصنّف، في نفس (كم) إذا جاز تقدم العامل عليها في العطف، وكونها لم تلزم الصدر وعلى قوله: ولا فرق في ذلك بين (كم) وغيرها، وقد بينّا الفرق بينها وبين بعض أدوات الاستفهام، في كون (أيّ) و (من) و (ما) للاستفهام، يجوز ألّا تقع صدرا، وأن يتقدم العامل عليها في الاستثبات.

وأما في الخبرية: فإنّه ذكر أنّ الخبرية تجرى مجرى الاستفهاميّة، في وجوب التصدير، وهذا الذي ذكره بالنسبة إلى أشهر اللغات، وأما في بعض اللغات فإنّه يجوز ألّا تتصدّر ويتقدمها العامل، فتقول: فككت كم عان وملكت كم غلام.

وهي لغة قليلة، وهذه اللغة (2) القياس؛ لأنّها بمعنى (كثير)(3) وهذه اللغة حكاها الأخفش، ثمّ منهم من أجاز القياس عليها (4)، ومنهم من منعه؛ لأنّها من القلّة بحيث لا يلتفت إليها. ناقض قول المصنّف أيضا: إنها لزمت التصدير قوله - بعد حين ذكر محال إعرابها -: ومضافا إليها، فإنّها إذا كانت مضافا إليها لم تلزم التصدير، إذ قد تقدّمها ما عمل فيها، وما انخفضت بسببه، وكذلك إذا دخل عليها حرف جرّ لم يلزم التصدير، نحو:«بكم درهم اشتريت ثوبك؟» ؛ لأنه دخل عليها عامل، فخفضها، فكان ينبغي أن يقيد كلامه فيها، فيقول:(كم) لزمت التصدير، إلا إذا أضيف إليها أو دخل عليها حرف جرّ، أو كانت استفهاما، وعطفت في الاستثبات فإنّه يجوز ألا تتصدر، أو كانت خبرا في اللغة الشهيرة، -

- والتكميل (4/ 376).

(1)

تراجع هذه الحكاية في التذييل والتكميل (4/ 377). المرجع السابق.

وفي المساعد لابن عقيل (2/ 114) تحقيق بركات: «قد جاء في الاستفهامية عند الاستثبات تقديم العامل عليها معطوفة، حكى من كلامهم: قبضت عشرين وكم؟ في استثبات قائل: قبضت عشرين كذا وكذا.

(2)

في التذييل والتكميل (4/ 377): «

كانت القياس».

(3)

ينظر: المرجع السابق، الصفحة نفسها، والمساعد لابن عقيل (2/ 114).

(4)

في التذييل والتكميل (4/ 377): «فإذا قلت: كم عان فككت فالمعنى: كثير من العناة فككت، فكما يجوز فككت كثيرا من العناة، وهو الأصل، أعني تقديم العامل هنا، فكذلك كان ينبغي أن يجوز في (كم) الخبرية» .

ص: 2496

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأما في اللغة الأخرى فيجوز ألا تتصدر (1). انتهى كلام الشيخ. والموجب لذكره المناقشتين المذكورتين هو أنّ أبا الحسن ابن عصفور - رحمه الله تعالى - قال في شرح المقرب (2): إنّ العامل قد يتقدم في الاستثبات على (من) و (ما) و (أيّ)، ومثل لذلك وأردفه بكلام متعلق بالمسألة، لكنّه قال: إنّ هذا مذهب الكوفيّين، وإنّ مذهب البصريين أنّ أسماء الاستفهام كلّها لها الصدر في الاستثبات وغيره»، قال:

ولم يحفظوا من تقديم الكلام عليها، في الاستثبات إلّا قول بعض العرب: ضرب من منّا؟ وهو عندهم شذوذ.

وقال أيضا في الشرح المشار إليه: إنّ (كم) الخبرية في لغة غير فصيحة يعمل فيها العامل المتقدم عليها، وذكر أنّ الأخفش حكى هذه اللغة.

والحقّ أنّ هاتين المناقشتين لا تتوجّهان على المصنّف:

أما الأولى: فلأنّ تقديم العامل على ثلاث الكلمات - في الاستثبات - إن ثبت عن العرب فإنّ التكلم به يكون في غاية القلّة، على أنّه مع ذلك مذهب الكوفيّين، لا مذهب البصريّين، كما ذكر ابن عصفور، ثم إنّ ذلك لا معول عليه عند أرباب الصّناعة، فكلام المصنف حينئذ جار على مذهب البصريّين، وعلى المعروف المشهور، وبتقدير أن يكون ذلك من مذهب البصريّين، فهو في غاية الندارة، وإذا كان بهذه الحيثية فكيف يذكره المصنف؟ بل أقول: لو تعرّض المصنف لذكر ذلك لكان الشيخ يردّ عليه بأن هذا الذي ذكره مذهب كوفي، ويشنّع عليه بذلك، كما فعل هذا في أماكن عدة من هذا الكتاب.

وأما الثانية فلأنّ اللغة التي تنسب إلى حكاية الأخفش، إن ثبتت فهي غير فصيحة؛ لأنّ ابن عصفور قال: اللغة الشهيرة هي الفصيحة، ثم إنّها لا معول عليها، وإذا كان كذلك فكيف يناقش المصنف في أنه لم يذكر لغة ضعيفة؟.

وأما قول الشيخ: ويناقض قول المصنف: إنّها لزمت التصدير قوله - بعد ذلك -:

وتقع مضافا إليها، فإنّها إذا كانت مضافا إليها لم تلزم التصدير؛ إذ قد يتقدمها ما -

(1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 379).

(2)

كتاب مفقود لابن عصفور وقد بحثنا عنه كثيرا فلم نجده وأما شرح المقرب الموجود فهو للدكتور علي محمد فاخر، فك به طلاسم المقرب

في عدة أجزاء.

ص: 2497

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عمل فيها، وكذلك إذا دخل عليها حرف الجرّ لم يلزم التصدير، نحو:«بكم درهم اشتريت ثوبك؟» (1). اه. حتّى (قال)(2): كان ينبغي للمصنف أن يستثني هاتين الصورتين من الحكم بلزوم التصدير (3)، فالجواب عنه أن يقال: تقدّم عامل الخفض كلا تقدّم، لعدم استقلاله؛ لأنّ الخفض - إن كان بالإضافة فالمضاف لا بدّ له من عامل فيه: لأنّ الجملة إنّما يتصور وجودها به، فهو الذي يصير اللفظ جملة، فتقدم الاسم على هذا العامل كاف في التصدير، وتقدم المضاف لازم؛ لأنه عامل جرّ، وعامل الجرّ لا يمكن تأخره، فإذا ذكر مقدما كنّا قد وفينا حقّ الخافض بتقديمه، وحقّ الاسم الذي يستوجب التصدير بتصديره؛ لأنه تقدّم على العامل في المضاف، وذلك العامل هو العمدة في تصيير اللفظ جملة، وإن كان بالحرف فالأمر أقرب؛ لأنّ الحرف إنّما هو موصل معنى العامل إلى الاسم الذي دخل عليه، فالاسم إنما هو معمول للعامل الذي تعلق حرف الجرّ به، ولا شكّ أنّه مؤخر عن الاسم، وإنّما قدّم الحرف؛ لأنّ الخافض لا يكون مؤخرا، وإذا كان كذلك فكلّ من المضاف إليه في نحو:«غلام من أكرمت؟» والمجرور بحرف، نحو:«بكم درهم اشتريت ثوبك؟» (4)، مصدّر على جملته، بل على عامله أو على العامل فيما أضيف إليه، وإذا كان كذلك كان كلام المصنّف صحيحا، ولا تناقض فيه وليعلم أنّ معنى قول المصنّف - في المتن -: إنّ (كم)[3/ 84] الخبرية شابهت الاستفهامية معنى، مع مشابهتها لها لفظا، وهو أنّ (كم) الخبرية كناية عن عدد مبهم، كما أنّ (كم) الاستفهامية كذلك، فالمراد المشابهة المعنويّة، ذلك، وإلا فمدلول الخبرية غير مدلول الاستفهامية، ثم إنّ في قوله - في الشرح -: وهو الغالب على (ربّ) بعد قوله: وبمقابلتها إن قصد به التقليل ينافي قوله - في باب حروف الجرّ -: والتعليل بها - يعني (ربّ) - نادر.

والذي تلخّص في الموجب لبناء (كم): أمّا إذا كانت استفهامية فلتضمّنها معنى -

(1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 379).

(2)

ما بين القوسين من الهامش.

(3)

ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها.

(4)

ينظر: التذييل والتكميل (4/ 379)، وشرح المصنف (2/ 421)، والمساعد لابن عقيل (2/ 114) تحقيق بركات.

ص: 2498

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حرف الاستفهام (1)، وأما إذا كانت خبرية فلمشابهتها الاستفهاميّة (2)، وقال الشيخ: وزعم بعضهم أنّ (كم)

الخبرية بنيت لشبهها بـ (ربّ) في أن كل واحدة منهما تستعمل في المباهاة والافتخار، ولذلك عطفت (كم) على (ربّ) قال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير (3):

1971 -

فإن تكن الأيام شيّبن مفرقي

وكثّرن أشجاني وفللن من غربي

فيا ربّ يوم قد شربت بمشرب

شفيت به عنّي الظما بارد عذب

وكم ليلة قد بتّها غير آثم

بساجية الحجلين مفعمة القلب (4)

وقد فهم من كلام المصنف أنّ بناء (كم) الخبرية قد يعلّل بأنّ (كم) حملت على (ربّ) وأنّ (ربّ) للتقليل، و (كم) للتكثير، وهذا هو الذي أراده بقوله:

ومقابلتها إن قصد بها التقليل. يعني أنّ (كم) قابلت (ربّ)؛ لأنّ (كم) -

(1) في التذييل والتكميل (4/ 380): «لما تضمنت معنى همزة الاستفهام بنيت» . اه. وفي المساعد لابن عقيل (134 / أ)«وبنيت في الاستفهام لتضمنه معنى حرفه، وهو همزة الاستفهام، وبذلك علل النحويون بناءها» . اه.

(2)

قال ابن مالك في شرح التسهيل (2/ 422): «وهي أيضا - يعني الخبرية - مشابهة لها - أي الاستفهامية - في وجوب البناء، لتساويهما في معنى الحرف، وضعا وإبهاما» . اه.

(3)

هو شاعر وابن شاعر، وابن عم جرير الشاعر المشهور، تنظر ترجمته: في: ترجمة الأنساب (ص 226) وينتهي نسبه إلى بني كليب بن يربوع.

(4)

الأبيات من بحر الطويل، وقد أنشدها الشاعر في مولاة لبني الحجاج.

اللغة: الغرب: حد الشيء، والدمع، كما في القاموس مادة (غرب) والقلب: - بضم القاف ولام ساكنة - سوار المرأة.

والأبيات الثلاثة في أمالي القالي (2/ 60) مع اختلاف الرواية في بعض الألفاظ، يروى:«فإن يصبح الأيام .. وأذهبن أشجاني .. شفيت به غيم الصدى .. ومن ليلة قد بتها» ، بدل «وكم ليلة» وعلى ذلك فلا شاهد هنا، وروي:«بناحية الحجلين» ، وروى:«ريانة القلب» ، و «منعمة القلب» .

والشاهد هنا: قوله: «فيا رب يوم قد شربت» و «وكم ليلة قد بتها» ؛ حيث عطفت (كم) على (رب) واستعملت (كم) و (رب) في معنى المباهاة، إذ يفتخر بكثرة الجواري اللاتي تمتع بهن، ولهذا زعم بعضهم أن سبب بناء (كم) هنا شبهها بـ (رب)، كما في هذه الأبيات.

ينظر الشاهد في توضيح المقاصد للمرادي (3/ 327)، والأشموني (4/ 80)، والتذييل والتكميل (4/ 381).

ص: 2499

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للتكثير، كما أنّ (ربّ) للتقليل (1) ثم إنّك قد عرفت أنّ المصنف ذكر أنّ (كم) في حالتيها (2) تقع في خمسة

مواضع من محالّ الإعراب، فتكون مبتدأة، ومفعولا بها، ومضافا إليها، وظرفا، ومصدرا، وتقدمت الأمثلة لذلك. غير أنّ الشيخ تعرض لذكر أمور يقتضي الحال إيرادها:

منها: أنّه قال: إذا كانت مبتدأة، فالأحسن في خبرها أن يكون فعلا، واسما نكرة، نحو قولك: كم رجل قام؟ وكم رجل ذاهب؟ وكم رجال قاموا؟ وكم رجال ذاهبون؟ ويقبح أن يكون خبرها اسما معرفة، نحو: كم رجال قومك؟

وكم غلمان غلمانك؟، يريد قوما معهودين، أو غلمانا معهودين (3)، وكذلك لا يحسن أن يخبر عنها بالظرف، ولا بالمجرور؛ لأنّ في ذلك ضربا من التخصيص، ألا ترى أنّ قولك: كم غلمان لك؟ معناه معنى قولك: كم غلمان غلمانك؟

سواء بسواء فضعف لذلك (4).

وقد يحذف الخبر إذا دلّ عليه دليل، كقوله:

1972 -

وكم مالئ عينيه من شيء غيره

إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى (5)

-

(1) في التذييل والتكميل (4/ 381): «وقيل: حملت - يعني كم - على (ربّ) في البناء؛ لأن (ربّ) للتقليل و (كم) للتكثير، والشيء يحمل على نقيضه كما يحمل على نظيره» . اه.

(2)

يعني الاستفهام والخبر.

(3)

في التذييل والتكميل (4/ 384): «فإن لم ترد ذلك بل أردت أن تقول: كم رجال هم قومك؟

وكم غلمان هم غلمانك؟ جاز ذلك». اه.

(4)

في المرجع السابق الصفحة نفسها: «ومما يبين لك أنّ الأحسن في خبرها أن يكون مبهما أنه لا يجوز الإخبار عنها بالمؤقت، لو قلت: كم رجل عشرون، وكم امرأة ثلاثون، لم يسغ ذلك؛ لأنّ الإخبار عنها بالمؤقت ينافي ما وضعت له من الإبهام» . اه.

وفي الهمع (2/ 75): «فيقبح الإخبار عنها بمعرفة وظرف، ويمنع بمؤقت» . اه.

(5)

البيت من الطويل، قائله الشاعر المشهور عمر بن أبي ربيعة المخزومي في بنت مروان بن الحكم، وكانت قد حجت، وباقي القصة في الحلل.

ينظر: الشعر والشعراء (2/ 557)، والبيت في ديوانه (ص 8) طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب برواية:

ومن مالئ عينيه من شيء غيره

...

ولا شاهد هنا على هذه الرواية. ورواية سيبويه (1/ 165)، والأعلم (1/ 83)، والأغاني (1/ 62)، (8/ 53)، كرواية الديوان، ويروى (البيض)

بالرفع وهو المشهور، ويروى (البيض) بالخفض على -

ص: 2500

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كأنّه قال: في الحجّ أو بمنى، لدلالة الكلام عليه (1). انتهى.

أما قوله: إنّ المعرفة يصحّ وقوعها خبرا عن (كم)، فغير ظاهر؛ لأنّ سيبويه جعل (مالك) خبرا عن (كم) في نحو: كم مالك مع إمكان أن يكون (كم) في هذا التركيب خبرا، و (مالك) مبتدأ، فكيف ترك سيبويه الأمر الجائز، بل الظاهر، الذي هو الأصل - وهو جعل النكرة خبرا عن المعرفة، إلى شيء فيه قبح هذا أمر فيه بعد، وأما أنّ الإخبار عنها بالظرف والمجرور لا يحسن فلم يظهر لي عدم حسنه؛ لأنّني لم أتحقق العلة التي ذكرها، وهي قوله: إنّ في ذلك ضربا من التّخصيص (2)، وأمّا قوله:«وأنّ معنى قولك: كم غلمان لك؟ كم غلمان غلمانك (3)» ، فغير ظاهر؛ فإنّ المعنى: كثير من الغلمان استقرّ لك، ويلزم من ذلك أن الغلمان المستكثرة غلمانه، فيستفاد من الكلام أنّ الغلمان الذين له كثيرون.

ومنها: أنّه قال: ذكر المصنف لـ (كم) خمسة مواضع من الإعراب، وترك ثلاثة.

أحدها: أن يكون خبرا للمبتدأ، نحو: كم درهمك؟ في أحد الوجهين، يعني إذا لم تجعل (كم) مبتدأ (4).

الثاني: أن يكون خبرا لـ (كان) وأخواتها المتصرفة في معمولها، نحو: كم غلاما كان غلمانك، وكم كريم كان قومك. -

- البدل من (شيء)، كأنه قال: وكم مالئ عينيه من البيض كالدمي. ينظر: الحلل (116).

اللغة: من شيء غيره: يعني نساء غيره، الجمرة: موضع رمي الجمار بمنى، وسميت جمرة العقبة، والجمرة الكبرى، وهي تلي مكة من آخر منى، والبيض: النساء البيض، والدمى: جمع دمية، الصور، تشبه النساء بها، لما يبذل في تحسينها، ولما لهن من الوقار.

والمعنى: وكم مالئ عينيه من النظر إلى نساء غيره الجميلات، إذا راح لرمي الجمرة بمنى.

فالشاهد: في قوله: «وكم مالئ عينيه من شيء غيره» ؛ حيث حذف خبر (كم) كأنه قال: في الحج، أو بمنى؛ لوجود الدليل على الخبر، وهذا الشطر الثاني من البيت.

وينظر الشاهد أيضا في التذييل والتكميل (4/ 386)، والجمل للزجاجي (ص 97)، وأمالي المرتضي (ص 506)، والكامل للمبرد (2/ 10).

(1)

ينظر: التذييل والتكميل (4/ 386).

(2)

ينظر: المرجع السابق (4/ 384)، والهمع (2/ 75).

(3)

ينظر: المرجع قبل السابق الصفحة نفسها، والهمع (2/ 75).

(4)

في المرجع السابق (4/ 388): «فإنه يجوز أن تعرب (كم) مبتدأ، ويجوز أن تعرب خبرا، و (درهمك) هو المبتدأ، وهو أقيس الوجهين» . اه.

ص: 2501

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثالث: أن تكون مجرورة بحرف جرّ (1)، نحو: بكم درهم اشتريت ثوبك؟

وبكم جارية تمتعت؟ ولكم عرض قصدتني؟ (2). انتهى.

وهذه الثّلاثة التي ذكرها هي اثنان لا غير؛ لأنّ خبر (كان) وأخواتها دخل تحت قوله: أن يكون خبرا لمبتدأ.

ثمّ العذر عن المصنّف في أنّه لم يذكر هذين الموضعين، أما المجرورة بحرف، فهي مندرجة في قول المصنف: ومفعولا بها؛ لأنّ الحرف إنّما هو متعدّ للعامل، ولهذا يقال: المجرور في موضع نصب، وإذا سقط الحرف لضرورة أو غيرها انتصب الاسم.

وأما كونها خبرا لمبتدأ فلا شكّ أنّها نكرة، والأصل في الخبر التنكير، فنحن، في نحو: كم دراهمك؟ - نعرب (كم) خبرا، ولولا قول الأئمة بجواز الابتداء في هذا التركيب بـ (كم) لما أقدم عليه (3)، فلمّا كان كونها خبرا هو الأصل لم يحتج المصنف إلى ذكره، واحتاج أن ينبّه على وقوعها مبتدأ من جهة أنّ الابتداء بالنكرة خلاف الأصل، أو يقال: مراد المصنف التنبيه على أنّ (كم) تقع عمدة، وتقع فضلة، فاكتفى بالعمديّة بذكر المبتدأ؛ لأنه الأصل في العمد، وما صحّ وقوعه مبتدأ صحّ وقوعه خبرا؛ إذ لم تلزم ابتدائيته، وعلى هذا لا يحتاج إلى أن يذكر وقوعها خبرا، وإنّما ذكر المصنف وقوعها مصدرا، أو ظرفا مع أنهما من الفضلات كالواقعة مفعولا بها ليحصر المواضع التي تقع (كم) فيها منصوبة، فيعلم منها أنّها لا تقع منصوبة في غير ما أشار إليه (4)، ولهذا قالوا: إنّها لا تكون مفعولا لها؛ لأنّها ليست مصدرا، ولا مفعولا معه. -

(1) بشرط أن يكون ذلك الحرف متعلقا بالفعل بعدها، ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها.

(2)

ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها حيث قال بعد ذلك: «إلا أنّ من قاس على اللغة التي حكاها الأخفش في الخبرية، من أنه يتقدم عليها العامل» في نحو: ملكت كم غلام؟ يجوز في قوله أن يتقدم هنا الفعل، الذي يتعلق به حرف الجر، فتقول: تمتعت بكم جارية؟». اه.

وفي توضيح المقاصد والمسالك للمرادي (4/ 333): «وحكى الأخفش أن بعض العرب يقدم العامل على (كم) الخبرية، فيقول: ملكت كم غلام. فقيل: هي من القلة بحيث لا يقاس عليها، والصحيح أنه يجوز القياس عليها وأنها لغة» . اه.

(3)

ينظر: المرجع قبل السابق الصفحة نفسها، وشرح التسهيل للمرادي (179 / ب)، وحاشية الصبان (4/ 83).

(4)

ينظر: الهمع (2/ 75).

ص: 2502

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها: أنّه (1) ذكر مسائل:

الأولى:

قال: تقول - في الاستفهامية -: كم مالك إلا درهمان؟ وكم عطاؤك إلا عشرون؟ إذا كنت تستقلّه كما تقول: هل الدنيا إلا ظلّ زائل؟ فما بعد (إلّا) بدل، ترفعه إذا كانت (كم) رفعا، وتنصبه إذا كانت نصبا نحو: كم أعطيت إلا درهما؟ وتجرّه إذا كانت جرّا، نحو: بكم أخذت [3/ 85] ثوبك إلا بدرهم؟ ولا يكون هذا البدل في الخبريّة؛ لأنّه استثناء من موجب (2). انتهى.

ويعطي كلامه أنّ الاستفهام في: «كم مالك إلا درهما؟» مراد، وليس بظاهر، فإنّ تقدير:«كم مالك إلا درهما؟» : أيّ شيء مالك إلا درهما؟ والمراد بهذا الاستفهام النفي، فالمعنى: ما لك شيء إلا درهما، ومن ثمّ جاز الإبدال؛ لأنه إنّما يجوز بعد كلام تضمن نفيا، أو معنى النّفي، وتنظيره المسألة بقولهم: هل الدنيا إلا ظلّ زائل؟ تحقق أنّ المراد بقولك: «كم مالك إلا درهمان؟» : النفي؛ لأنّ معنى: «هل الدنيا إلا ظلّ زائل؟» : ما الدّنيا إلا ظلّ زائل، وإذا كان الأمر كذلك فلا حاجة إلى التنبيه على هذه المسألة؛ لأنّه أمر لا يجهل، وكذا لا حاجة إلى قوله: ولا يكون ذلك في الخبريّة (3).

الثانية:

قال: وتقول في الخبريّة: كم رجل جاءك، لا رجل ولا رجلان؛ فيعطف على (كم) بـ (لا)؛ لأنّ الكلام موجب، ولا يكون هذا في الاستفهامية؛ لأنّ (لا) لا يعطف بها في الاستفهام (4). انتهى. هذا أيضا من الأمور الواضحة.

الثالثة:

قال: وتمييز (كم) يجوز دخول (من) عليه، سواء كان متصلا بها، أم متأخرا عليها، وسواء كانت خبرية أم استفهامية، إلّا إذا دخل على (كم) الاستفهامية حرف -

(1) يعني الشيخ أبا حيان.

(2)

ينظر في ذلك: التذييل والتكميل (4/ 390).

(3)

ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها.

(4)

ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها.

ص: 2503

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جرّ، فلا يدخل (من) على التمييز حينئذ؛ لأنّ الحرف الداخل على (كم) جعل عوضا من (من) فلا يجمع بينهما (1). انتهى وهذا أيضا من الأمور التي لا تخفى.

الرّابعة:

قال: (كم) لفظها مفرد ومعناها الجمع، واللفظ يتبع تمييزها في التذكير والتأنيث، تقول: كم رجل لقيته، وكم امرأة رأيتها، قال تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها (2) ويتبع المعنى فيكون العائد جمعا، فيقال: كم رجل رأيتهم، وكم امرأة رأيتهنّ، وقال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً (3)، ومتى كان التمييز جمعا - وذلك في الخبريّة - تعيّن أن يكون الضمير العائد ضمير جمع، كقوله:

1973 -

كم ملوك باد ملكهم

... (4)

ولا يجوز أن يعود مفردا. انتهى. وقد ذكر المصنف هذه المسألة - أعني أنّ (كم) لها لفظ ولها معنى - في باب الموصول. -

(1) عبارة التذييل والتكميل (4/ 391): «

فلا يجوز أن تدخل على تمييزها (من)؛ لأن ذلك الحرف جعل عوضا من (من) فلا يجتمعان». اه.

(2)

سورة الأعراف: 4.

(3)

سورة النجم: 26. وفي المرجع السابق الصفحة نفسها: «والحمل على اللفظ هو الأقيس؛ لأن الضمير والمظهر من قبيل الألفاظ». اه.

(4)

البيت لعدي بن زيد العبادي، وهو من المديد.

ينظر: ديوانه (ص 131) تحقيق محمد عبد الجبار المعيبيد طبعة بغداد سنة (1965 م) لكن روايته في الديوان:

كم ملوك بار ملكهم

ونعيم سوقه بارا

وهو في حاشية مجاز القرآن لأبي عبيدة (2/ 153) منسوب إلى عدي بن زيد العبادي وبنفس رواية الديوان.

وقال العيني: لم أقف على اسم قائله.

اللغة: باد: هلك، ونعيم: - بالجر - عطفا على ملوك، تقديره: وكم نعيم سوقه، والمعنى: كثير من الملوك هلك ملكهم، وكم من نعيم بار سوقه.

والشاهد فيه: قوله: «كم ملوك باد ملكهم» ؛ حيث إنّ تمييز (كم) الخبرية هنا جمع، ولذلك كان الضمير العائد ضمير جمع، وهو (هم) في (ملكهم)، وهذا باعتبار معنى (كم)؛ لأن معناها الجمع، وإن كان لفظها مفردا، ولا خلاف في جواز هذا وحسنه وكثرته.

ينظر الشاهد في: العيني (4/ 495)، والتذييل والتكميل (4/ 358، 391)، والشرح الكبير لابن عصفور (2/ 33)، والأشموني (4/ 80)، والهمع (1/ 254)، والدرر (1/ 211)، وشرح الألفية للمرادي (4/ 336).

ص: 2504

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخامسة:

قال: لا تستعمل (كم) - يعني الخبرية - و (ربّ) إلّا في الماضي، والمستقبل المتحقّق الوقوع، تقول: كم غلام لقيته، وربّ عالم لقيته، ولا تقول: كم غلام ألقاه، ولا: ربّ غلام سألقاه، وقال تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (1) فـ «يودّ» مستقبل متحقّق الوقوع، ثابت، كما أنّ الماضي كذلك، قال الشاعر:

1974 -

فإن أهلك فربّ فتى سيبكي

عليّ مهذّب رخص البنان (2)

ولو وقعت (كم) هنا - فقيل: كم فتى سيبكي - لساغ ذلك (3). اه.

السادسة:

قال: قول القائل - ويعزى إلى الحجّاج بن يوسف (4) -: كم ترى الحروريّة رجلا (5) - يحتمل أن تكون (كم) فيه استفهامية، أو خبرية، وكلاهما لأبي علي، وتروى مبنية للمفعول، فإنّ أعملت فالضمير المستكنّ فيها هو المفعول الأول، -

(1) سورة الحجر: 2.

(2)

البيت من الوافر، وقائله: جحدر بن مالك من بني حنيفة من اليمامة، وكان لصّا مبرزا فتاكا شجاعا، وتنظر ترجمته في الخزانة (7/ 463) تحقيق الأستاذ/ عبد السّلام هارون.

وروي (مخضب) بدل (مهذب) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 393)، رخص: ناعم، البنان:

طرف الإصبع.

والشاهد: في قوله: «فرب فتى سيبكي» ؛ حيث جاز وقوع الفعل الدال على المستقبل بعد (رب) ولو وقعت (كم) بدل (رب) لساغ ذلك.

ينظر الشاهد أيضا في: أمالي القالي (1/ 282)، والتوطئة للشلوبين (ص 228)، والبحر المحيط (5/ 444)، وشواهد التوضيح لابن مالك (ص 106).

(3)

ينظر: التذييل والتكميل (4/ 393).

(4)

هو الحجاج بن يوسف الثقفي المشهور، وهو أبو محمد الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل ابن مسعود، ينتهي نسبه إلى بني عوف بن ثقيف، وقد أمر بقتل ابن الزبير رضي الله عنه وقد صلبه بمكة سنة (13 هـ) فولاه عبد الملك بن مروان الحجاز ثلاث سنين، ثم ولاه العراق فوليها عشرين سنة، وقد ظلم أهلها، توفي بواسط، ودفن بها، وقد عفى قبره، وكان موته سنة (95 هـ).

تنظر ترجمته في: جمهرة الأنساب (ص 267)، ووفيات الأعيان (2/ 29، 54)، ترجمة (149).

(5)

في المقتصد في شرح الإيضاح قول أبي علي الفارسي: «وتقول: كم ترى الحرورية رجلا، إذا أعملت (ترى) كأنك قلت: أعشرين رجلا

ترى الحرورية؟ وإن شئت ألغيت فقلت: كم ترى الحرورية رجلا». اه.

ص: 2505

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و (كم) هي الثاني، و (الحرورية) هو الثالث، وإن ألغيت فـ (كم) في موضع رفع على الابتداء، والحرورية خبر، ويجوز العكس، و (رجلا) في الحالين تمييز، قد فصل بينه وبين (كم). والأحسن: كم رجلا ترى الحرورية؟ أو كم رجل ترى الحرورية، والحرورية صنف من الخوارج، ويقال: إن عليّا (1) أسماهم بذلك، نسبة إلى (حروراء) قالوا فيها: حروريّ (2) وهو من شاذ النسب (3).

السابعة:

قال: تقول: بكم ثوبك مصبوغا؟ النصب على الحال، وهو يسأل: كم يساوي الثوب في تلك الحال؟ و (ثوبك) مبتدأ و (بكم) خبره، وإن قلت: بكم ثوبك مصبوغ؟ فالمعنى: بكم صبغ الثوب؟ فـ (ثوبك) مبتدأ و (مصبوغ) خبره، و (بكم) متعلق بـ (مصبوغ)(4). انتهى، ثم قد بقي الكلام على مواضع (كم) من الإعراب، بالنسبة إلى التراكيب الواقعة فيها (5): فاعلم أنّ (كم) إن تقدّمها حرف جرّ فهي مجرورة به، وكذا إن تقدمها مضاف إليها وإلّا: فإن كانت كناية عن مصدر، أو ظرف زمان، أو ظرف مكان، فهي منصوبة على المصدر، أو الظرف، وإلّا (6): فإن لم يلها فعل، أو وليها فعل لازم، أو مقدر رافع ضميرها، أو مسببها فهي مبتدأ، وإن وليها فعل متعدّ، ولم يأخذ مفعوله، فهي معمولة له. وإن أخذه فهي مبتدأ، إلا أن يكون ضميرا يعود عليها ففيها الابتداء، والنصب بفعل مضمر، فتكون المسألة إذا من باب الاشتغال (7). ثمّ حرف الجرّ الداخل على (كم) يتعلق بالعامل الذي بعد (كم)، وأما المضاف إليها فحكمه في الإعراب حكم (كم) كما ذكرناه آنفا. -

(1) هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، كرم الله وجهه، تنظر ترجمته في: كتاب نسب قريش (ص 39).

(2)

في القاموس مادة «حرر» : حروراء كجلولاء، وقد تقصر، قرية بالكوفة، وهو حروري بين الحرورية».

(3)

ينظر: التذييل والتكميل (4/ 394).

(4)

ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها، ودرة الغواص (ص 264)، مسألة رقم (202).

(5)

في هذه المسألة التالية يتكلم الشيخ أبو حيان عن مواضع (كم) من الإعراب بالنسبة إلى التراكيب الواقعة فيها.

(6)

عبارة التذييل والتكميل (4/ 395): وإن لم يكن كناية عن ذلك». اه.

(7)

هذه المسألة من كلام الشيخ أبي حيان نقلها العلامة ناظر الجيش هنا، مع تصرف كثير في النقل، ولذا يحسن الرجوع إليها في التذييل

والتكميل (4/ 395).

ص: 2506