الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم آخر لتمييز المفرد]
قال ابن مالك: (ويجوز إظهار «من» مع ما ذكر في هذا الفصل إن لم يميّز عددا ولم يكن فاعل المعنى)(1).
قال ناظر الجيش: المذكور في هذا الفصل هو المميّز المفرد، وذكر أنّه يجوز إظهار (من) معه في جميع الصّور المتقدّمة إلّا (2) صورتين، فيقال:«لي ملء الكيس من ذهب، وإردبّ من قمح، وجمام المكوك من دقيق، وأمثالها من إبل، وغيرها من شاء، وويحه من رجل، ولله درّه من فارس، وحسبك به من رجل، وأبرحت من جار، وما أنت من فارس» . والصورتان المستثنيان: هما مميّز العدد، والمميز الذي هو فاعل في المعنى، فالأول نحو:«أحد عشر دينارا، وعشرون درهما وشبههما، والثاني مثّله المصنف على قاعدته في مميز المفرد بقوله: «زيد أكثر مالا، وطيّب نفسا، بتفجّر أرضه عيونا» (3). وقد علمت ما فيه.
قال الشيخ: وفي كلام المصنف مناقشتان:
إحداهما: أنّ قوله: فاعل المعنى ليس بجيّد؛ لأنّ من أمثلته أفعل التفضيل و (مالا) في «أكثر مالا» ليس فاعلا معنى؛ إذ لا يقدّر بـ «كثر ماله» ؛ لأنّ (كثر) تدلّ على مطلق الكثرة، و (أكثر) يدل على الأكثرية، ولم تبن العرب فعلا يدل على هذا المعنى فليس لنا فعل [مضمن معنى أفعل التفضيل، فلا يصحّ أن يقال:
إنّه فاعل في المعنى؛ إذ لا فعل] (4) له، ولذلك ذهب بعض النحويين [إلى](5) أنّ هذا التمييز غير منقول لا من فاعل ولا مفعول، وسيأتي.
المناقشة الثانية: أنّ من مثل المصنف في شرح «هو مسرور قلبا» (6) و (قلبا) ليس فاعلا فعلى ظاهر كلامه يجوز دخول (من) عليه ولا يجوز ذلك، و (قلبا) هو مفعول لما لم يسمّ فاعله. انتهى (7). -
(1) التسهيل (ص 115).
(2)
في المخطوط: «إلى» وهو سهو.
(3)
ينظر: شرح المصنف (2/ 383).
(4)
ما بين المعقوفين مستدرك.
(5)
زيادة لحاجة السياق من التذييل.
(6)
لم أجد هذا المثال في شرح المصنف المطبوع ويراجع (2/ 382، 383).
(7)
انتهى كلام الشيخ أبي حيان وينظر في: التذييل (4/ 73).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والجواب عن المناقشة الأولى: أنّه لا يلزم من قولنا: «فاعل معنى» صحة وجود فعل مسند إلى ذلك الاسم على أنّه فاعل، ومراد المصنف بذلك أنّ المعنى المنطوي عليه الكلام قائم بذلك الاسم، ولا شكّ أنّ الأكثرية في «زيد أكثر مالا» قائمة بالمال، وإن كانت مسندة إلى ضمير زيد، ومعنى الكلام: مال زيد أكثر من مال غيره، فالمال فاعل معنى بهذا الاعتبار، وإنما امتنع وجود فعل بهذا المعنى لعدم دلالته على المشاركة والزيادة، وأما صيغة «أفعل» فلها دلالة على ذلك، وإسنادها إلى شيء يحقق فاعليته.
وأما المناقشة الثانية: فيمكن أن يقال في الجواب عنها: إنّ (قلبا) من «مسرور قلبا» وإن كان في الأصل مفعولا لما لم يسمّ فاعله فحكمه حكم الفاعل في ذلك لقيامه مقامه، فيمتنع فيه ما امتنع في الفاعل، وقد علم مما تقدّم أنّ مميز المفرد على ما يراه المصنف منه ما ينصب، ويجرّ بالإضافة ويجرّ بـ (من) وذلك مميّز الكيل والوزن والمساحة، ومنه ما ينصب ويجرّ بـ (من) ولا يجرّ بالإضافة وهو الواقع بعد مفهم المثليّة والغيريّة ومفهم التعجب في مثل «لله درّه فارسا» ومنه ما ينصب ويجرّ بالإضافة ولا يجرّ بـ (من) نحو:«زيد أشجع الناس رجلا» ومنه ما ينصب فقط وهو مميّز العدد الذي هو فاعل معنى.
قال الشيخ: واختلف النحويون في (من) التي تظهر مع التمييز المذكور فقيل:
إنّها للتبعيض، ولهذا لم تدخل على التمييز [3/ 94] المنقول؛ لأنّه ليس أعمّ من المبهم الذي أتي به لتفسيره فليس (نفسا) أعمّ من المبهم الذي انطوى عليه «طاب زيد» .
وقال الأستاذ أبو علي (1): ويمكن أن تكون زائدة عند سيبويه؛ لأنه جعل (من) في قوله: «ويحه من رجل» مؤكدة لمعنى التبعيض، وشبّهها في ذلك بقولهم:«ما جاء من أحد» (2) إلّا أنّ المشهور أنها لا تزاد في الواجب، وحكم ابن عصفور (3) بعدم زيادتها، وجعلها مؤكدة لمعنى التبعيض (4).
(1) ينظر: توضيح المقاصد للمرادي (2/ 184)، والتصريح (1/ 398).
(2)
ينظر: كتاب سيبويه (4/ 225).
(3)
ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 283)(أبو جناح) وتوضيح المقاصد (2/ 184) والتصريح (1/ 398)، والأشموني (2/ 200).
(4)
ينظر: كلام أبي حيان في التذييل (4/ 69، 70).