الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الحال المؤكدة]
قال ابن مالك: (فصل: يؤكّد بالحال ما نصبها من فعل أو اسم يشبهه، وتخالفهما لفظا أكثر من توافقهما، ويؤكّد بها أيضا في بيان يقين أو فخر أو تعظيم أو تصاغر [3/ 80] أو تحقير أو وعيد خبر جملة جزآها معرفتان جامدان جمودا محضا، وعاملها «أحقّ» أو نحوه مضمرا بعدهما لا الخبر مؤوّلا بمسمّى، خلافا للزّجّاج، ولا المبتدأ متضمّنا تنبيها، خلافا لابن خروف)(1).
- عليه في كتابه.
ثم قال: وإذا تقرر هذا فلا يجوز «ها منطلقا ذا زيد» ولا «هذا منطلقا زيد» ، فإن ورد شيء من ذلك أضمر له ناصب، ولا ينتصب على الحال. انتهى (2).
وحاصله: أنه اختار مذهب السهيلي في هذه المسألة، وقد تقدم، وضعفه غير خفي.
قال ناظر الجيش: الحال المؤكدة نوعان: أحدهما: ما يؤكد عامله، والثاني: ما يؤكد خبر جملة لا عمل لجزءيها فيه، والمؤكد عامله ضربان: ضرب يوافق عامله معنى لا لفظا، وهو كثير، وضرب يوافق عامله لفظا ومعنى، وهو قليل.
فمن الأول قوله تعالى: وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (3)، وقوله: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (4)، وقوله: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً (5)، ومنه قول لبيد:
1836 -
وتضيء في وجه الظّلام منيرة
…
كجمانة البحريّ سلّ نظامها (6)
-
(1) تسهيل الفوائد (ص 112).
(2)
ينظر: كلام الشيخ أبي حيان في: التذييل (3/ 814 - 815).
(3)
سورة الأعراف: 74.
(4)
سورة التوبة: 25.
(5)
سورة النمل: 19.
(6)
البيت من الكامل، وهو من معلقة لبيد، وهو في شرح ديوانه (ص 309)، وشرح المصنف (2/ 356)، والتذييل (3/ 819)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 334).
والجمانة: اللؤلؤة الصغيرة، والبحري: الغواص، والنظام: الخيط الذي ينظم به اللؤلؤ.
والشطر الأخير في المخطوط هكذا: كجمانة البحرين سد نظامها. وهو تحريف.
والشاهد: في «منيرة» فهي حال مؤكدة توافق عاملها معنى لا لفظا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[وقوله]:
1837 -
فعلوت مرتقيا على ذي هبوة
…
حرج إلى أعلامهنّ قتامها (1)
وقال الآخر:
1838 -
فإني اللّيث مرهوبا حماه
…
وعيدي (2) زاجر دون افتراس (3)
فـ (مرهوبا) حال مؤكدة للخبر، وهو العامل فيها بما تضمن من معنى التشبيه، فالعامل المؤكد بالحال اسم يشبه الفعل لا الفعل، ومن هذا القبيل أيضا ما مثّل به سيبويه من قولهم:«هو رجل صدق معلوما ذلك» أي: معلوما صلاحه، كذا قدّره سيبويه (4)، و «رجل صدق» بمعنى: رجل صالح، فأجري مجراه إذا قيل:
هو صالح معلوما صلاحه، ومن هذا القبيل أيضا قول أمية بن أبي الصلت:
1839 -
سلامك ربّنا في كلّ فجر
…
بريئا ما تغنّثك الذّموم (5)
فـ (بريئا) حال مؤكدة لـ (سلامك) ومعناه: البراءة مما لا يليق بجلاله، وهو العامل في الحال؛ لأنّه من المصادر المجعولة بدلا من اللفظ بالفعل. قال المصنف:
ومن هذا القبيل عندي: «هو أبوك عطوفا، وهو الحق بيّنا» ؛ لأنّ (الأب والحقّ) صالحان للعمل، فلا حاجة إلى تكلف إضمار عامل بعدهما (6).
ومن الضّرب الثاني قوله تعالى: وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا (7)، وقوله:
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ (8)، -
(1) البيت من الكامل وهو من معلقة لبيد أيضا وهو في شرح ديوانه (ص 315) وشرح المصنف (2/ 356)، والتذييل (3/ 819). والهبوة: الغبار، والحرج: الضيق، والقتام: الغبار.
والشاهد فيه: مجيء (مرتقيا) حالا مؤكد لعاملها، وهي توافقه معنى لا لفظا.
(2)
في المخطوط: وعندي، كما في شرح المصنف (2/ 356).
(3)
البيت من الوافر وقد سبق الحديث عنه.
(4)
ينظر: كتاب سيبويه (2/ 92).
(5)
البيت من الوافر، وهو في ديوان أمية بن أبي الصلت (ص 54) برواية: بريئا ما تليق بك، وبالرواية المذكورة هنا في كتاب سيبويه (1/ 325)، وشرح المصنف (2/ 356)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 334)، واللسان «غنث، وذمم» وتغنثك: تعلق بك، والذّموم: العيوب.
(6)
ينظر: شرح المصنف (2/ 357).
(7)
سورة النساء: 79.
(8)
سورة النحل: 12 والشاهد فيها - على قراءة النصب - في: والنجوم مسخرات وهي قراءة غير حفص وابن عامر. ينظر: النشر (2/ 302، 303)، والإتحاف (2/ 51، 181).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنه قول امرأة من العرب:
1840 -
قم قائما قم قائما
…
صادفت عبدا نائما
وعشراء رائما (1)
وقول الآخر:
1841 -
أصخ مصيخا لمن أبدى نصيحته
…
والزم توقّي خلط الجدّ باللّعب (2)
وأما النوع الثاني وهو المؤكد بها خبر جملة جزآها معرفتان جامدان فقد أشار إليه المصنف بقوله: ويؤكد بها أيضا
…
إلى آخره. ومثاله في بيان اليقين: «هذا زيد معلوما» ومنه قوله سالم بن دارة:
1842 -
أنا ابن دارة معروفا بها نسبي
…
وصل بدارة يا للناس من عار (3)
كأنه قال: هو زيد لا شك فيه، وأنا ابن دارة لا شك فيّ.
ومثالها في بيان الفخر: «أنا فلان شجاعا، أو كريما» . ومثالها في بيان التعظيم «هو فلان خليلا مهيبا» . ومثالها في بيان التصاغر: «أنا عبدك فقيرا إلى عفوك» .
ومثالها في بيان التحقير: «هو فلان مأخوذا مقهورا» . ومثالها في بيان الوعيد:
«أنا فلان متمكنا منك فاتّق غضبي» (4).
قال المصنف: ولا تكون هذه الحال أعني المؤكدة لهذه المعاني إلا بلفظ دالّ على معنى ملازم، أو شبيه بالملازم في تقدم العلم به، وأشرت بقولي: أو شبيه بالملازم في -
(1) هذا رجز لم يحدد قائلته، وينظر: في أمالي ابن الشجري (1/ 347)، وشرح المصنف (2/ 357)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 335)، والتذييل (3/ 820)، ورائما: من رئمت الناقة ولدها، إذا حنت عليه.
والشاهد فيه: قوله: «قم قائما» ؛ حيث جاءت الحال مؤكدة لعاملها لفظا ومعنى.
(2)
البيت من البسيط، ولم يعرف قائله وينظر: في شرح المصنف (2/ 357)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 335)، والتذييل (3/ 321)، والتصريح (1/ 387).
وأصخ: أنصت واستمع، ومصيخا: حال مؤكدة لعاملها وهي موافقة له لفظا ومعنى.
(3)
البيت من البسيط من قصيدة قالها سالم بن دارة في هجاء فزارة وينظر في: الكتاب (2/ 79)، والخصائص (2/ 270)، (3/ 62)، والأمالي الشجرية (2/ 285)، وشرح المصنف (2/ 357)، والخزانة (2/ 145).
والشاهد: في «معروفا» ؛ فإنه حال مؤكدة لمضمون الجملة الاسمية قبلها.
(4)
ينظر: شرح المصنف (2/ 357، 358).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تقدم العلم به إلى قول سيبويه: وذلك أنّ رجلا من إخوانك ومعرفتك أراد أن يخبرك عن نفسه أو غيره بأمر فقال: «أنا عبد الله منطلقا، أو هو زيد منطلقا» كان محالا؛ لأنّه إنّما أراد أن يخبرك بالانطلاق، ولم يقل: هو، ولا: أنت؛ حتى استغنيت أنت عن التسمية؛ لأنّ (هو) و (أنا) علامتان للمضمر، وإنّما يضمر إذا علم أنك قد عرفت من يعني، ثم قال: إلّا أنّ رجلا لو كان خلف حائط، أو في موضع تجهله فيه فقلت: من أنت؟ فقال: «أنا عبد الله منطلقا في حاجتك» كان حسنا (1).
قال المصنف: الانطلاق في الأول مجهول، والإعلام به مقصود غير مستغنى عنه، فحقّه أن يرفع بمقتضى الخبرية، والاسم الذي قبله معلوم مستغنى عن ذكره، فحقّه ألّا يجعل خبرا، وإذا جعل خبرا ما حقّه ألّا يكون خبرا، وجعل فضلة ما حقه أن يكون عمدة؛ لزم كون الناطق بذلك محيلا، وكون المنطوق به محالا عمّا هو به أولى، فهذا معنى قول سيبويه: كان محالا وإنّما استحسن قول من قال: «أنا عبد الله منطلقا في حاجتك» ؛ لأنّ السائل كان عهده منطلقا في حاجته من قبل أن يقول له: من أنت؟ فصار ما عهده بمنزلة شيء قد ثبت له في نفسه كشجاع وكريم فأجراه مجراه (2).
ثم العامل في الحال المذكورة مقدّر بعد الخبر، وهو «أحقّه» أو «أعرفه» إن كان المخبر عنه غير (أنا). وإن كان (أنا) فالتقدير: أحق أو أعرف أو اعرفني.
وقال الزجاج: الخبر هو العامل مؤولا بمسمّى أو مدعو، ويجعل فيه ضمير المبتدأ، وهو بعيد للزوم أن يتحمل الجامد ضميرا.
وقال ابن خروف: العامل هو المبتدأ، لتضمنه معنى تنبّه (3).
وهو أبعد من قول الزجاج، وكلام المصنف في هذا الفصل واضح لا يخفى تطبيقه على ما ذكر.
(1) الكتاب (2/ 80، 81).
(2)
انتهى كلام المصنف وينظر في: شرحه (2/ 358، 359).
(3)
ينظر: مذهبا الزجاج وابن خروف في: شرح التسهيل للمصنف (2/ 358)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 336)، وشرح الكافية للرضي (1/ 215) والتصريح (1/ 388).