الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[استعمال «أحد» استعمال «واحد»]
قال ابن مالك: (وقد يستعمل «أحد» استعمال «واحد» في غير تنييف، وقد يغني بعد نفي أو استفهام عن قوم، أو نسوة، وتعريفه - حينئذ - نادر، ولا تستعمل «إحدى» في تنييف وغيره دون إضافة؛ وقد يقال لما يستعظم مما لا نظير له: هو أحد الأحدين وإحدى الإحد).
ــ
وسكونها كسكونها في (معديكرب) حالة البناء.
وسكونها في (معديكرب) لشبهها بياء (دردبيس)(1)؛ إذ (معديكرب) جعل اسما لواحد، كما أنّ (دردبيس) كذلك.
وأما حذفها فلأنّها زائدة وأبقيت الكسرة قبلها للدّلالة على المحذوف.
وأما فتحها فيظهر أنّ ذلك على لغة من حذف الياء في الإفراد، قبل أن تركّب في العدد، فلما ركبت بنيت على الفتحة، كما أنّها في الإفراد - في هذه اللغة - تعرب حالة النصب بالفتحة.
قال ناظر الجيش: قال المصنف (2): قد يستعمل (أحد) استعمال (واحد) في غير تنييف، من ذلك قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ (3)، ومنه قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (4)، ومنه قول الشاعر:
1934 -
وقد ظهرت، فما تخفى على أحد
…
إلّا على أحد لا يعرف القمرا (5)
أراد: إلّا على واحد لا يعرف القمر، ومثله قول الآخر: -
(1) في القاموس: «الدردبيس: الداهية، والشيخ، والعجوز الفانية» .
(2)
انظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 404) وقال صاحب التذييل والتكميل (4/ 241): «هذه المسائل ليست من باب العدد، وإنما ذكرها
استطرادا على عادته».
(3)
سورة التوبة: 60.
(4)
سورة الإخلاص: 1.
(5)
البيت من الطويل، وهو لذي الرمة، يمدح ابن هبيرة الفزاري، وأخطأ السيرافي فنسبه إلى الأخطل، ورواية الديوان والسيرافي (حتى بهرت).
والمعنى: غلب ضوؤك كل ضوء، يريد علوت كل من يفاخرك، وظهرت، وقوله:«على أحد» أحد: - هنا - بمعنى واحد؛ لأن أحدا المستعمل بعد النفي في قولك: ما أحد في الدار لا يصحّ استعماله في الواجب.
والشاهد: في قوله: «على أحد» ؛ حيث استعمل (أحد) بمعنى واحد.
ينظر: ديوان ذي الرمة (2/ 1163)، شرح السيرافي (3/ 138)، والهمع (2/ 150)، والدرر (2/ 205)، واللسان «وحد» ، «بهر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
1935 -
إذا ناقة شدّت برحل ونمرق
…
إلى أحد بعدي فضلّ ضلالها (1)
وقد يغني (أحد) - بعد نفي أو استفهام - عن قوم، ونسوة فإغناؤه - بعد نفي - عن قوم، قوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (2)، وإغناؤه - بعد استفهام - عن قوم ما جاء في الحديث، من قول أبي عبيدة (3) رضي الله عنه: «يا رسول الله:
أحد خير منّا؟» أصله: أأحد خير منّا؟ (4) فحذف همزة الاستفهام، وأوقع (أحد) موقع (قوم).
وإغناؤه عن نسوة كقوله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ (5).
وحقّه - إذا أغنى عن قوم أو نسوة - أن يكون نكرة، وشذّ تعريفه في قول الشاعر:
1936 -
وليس يظلمني في أمر غانية
…
إلّا كعمرو، وما عمرو من الأحد (6)
-
(1) البيت من الطويل، وهو لأوس بن حجر، وهو في ديوانه (ص 100)، مدح به الحكم بن مروان القيس، ورواية الديوان:(إلى حكم) وعليها فلا شاهد فيه.
اللغة: النمرق: كساء يوضع فوق الرحل، على ظهر البعير.
والشاهد: قوله: «إلى أحد» ؛ حيث استعمل (أحد) بمعنى واحد.
ينظر: الشاهد في: شرح المصنف (2/ 404)، والمحتسب لابن جني (2/ 201)، واللسان «ضلل» .
(2)
سورة الحاقة: 47.
(3)
هو الصحابي الجليل أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال، أمين هذه الأمة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأب السابع، شهد بدرا والمواقع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفتح الله على يديه اليرموك، وولاه عمر بن الخطاب الشام، توفى في طاعون عمراس، وهي قرية بالشام سنة (18 هـ).
تنظر ترجمته في: نسب قريش (ص 445)، وجمهرة الأمثال (ص 176)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 259).
(4)
لفظ الحديث في مسند الإمام أحمد (4/ 106)، في حديث أبي جمعة حبيب بن سباع، ونصه:
تغذينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: يا رسول الله: أحد خير منا؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك؟ قال:«نعم قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي، ولم يروني» . اه.
ينظر الحديث في: إعراب الحديث النبوي للعكبري (ص 75)، أسد الغابة (1/ 444).
(5)
سورة الأحزاب: 32.
(6)
البيت من البسيط، ولم يعين قائله، وهو في اللسان «وحد» .
والشاهد: قوله: «الأحد» ؛ حيث استعمل بمعنى الناس نادر، وينظر أيضا التذييل والتكميل (3/ 611)، (4/ 243)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 405).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال اللّحيانيّ (1): قالوا ما أنت من الأحد: أي من الناس (2) وأنشد هذا البيت.
ويقال للموصوف بعدم النظير: هو أحد الأحد، وإحدى الإحد، أي: الدّواهي المقول لكلّ واحدة منها: لا نظير لها.
قال الراجز:
1937 -
حتّى استثاروا بي إحدى الإحد
…
ليثا هزبرا ذا سلاح معتد (3)
انتهى ما ذكره المصنّف.
فأمّا قوله: إنّ (أحدا) قد يستعمل استعمال (واحد) في غير تنييف؛ فحق وأمّا قوله: إنّه يغني - بعد نفي أو استفهام - عن قوم ونسوة؛ فيحتاج إلى تحقيق ذاك، فيما استشهد به على هذه الدّعوى، فتقول: أمّا (أحد) في قوله تعالى:
فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (4) فالظاهر، بل المتعين أنّه ليس هذا، بل الذي يختصّ في استعماله بالنّفي، مقصودا به عموم النفي (5)، كقوله تعالى: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (6)، فالمعنى المستفاد من قوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (7) نظير المعنى المستفاد من قولك: ما رأيت منكم أحدا. -
(1) هو أبو الحسن علي بن المبارك توفي سنة (220 هـ) سبقت ترجمته.
(2)
ينظر هذا القول في التذييل والتكميل (4/ 244)، واللسان مادة «وحد» .
(3)
البيت من الرجز وقائله المرار بن سعيد الفقعسي، كما في الأغاني والخزانة، وهو شاعر إسلامي في الدولة المروانية، وكان لصّا من لصوص العرب، وكان شديد القصر، ضئيل الجسم.
اللغة: استثاروا بي: هيجوا بي، إحدى الإحد: إحدى الدواهي، ليثا وهزبرا: بمعنى الأسد، قال في الخزانة: وهذا تفسير لإحدى الإحد، وذا سلاح صفة لقوله: ليثا وكذا معتد من الاعتداء، إلا أنه وقف عليه بتسكين المنصوب على لغة ربيعة.
والشاهد: في قوله: «إحدى الإحد» ؛ حيث استعمل (إحدى) في المدح ونفي المثل؛ لأنه لما يستعظم.
ينظر الشاهد في: الأغاني (9/ 151)، اللسان «وحد» .
(4)
سورة الحاقة: 47، وينظر البحر المحيط (2/ 365).
(5)
(أحد) الواقع في التنييف وفي غيره أي المستعمل في العدد، والذي للعموم هو (أحد) الواقع بعد النفي وشبهه. ينظر التذييل والتكميل (4/ 243).
(6)
سورة الجن: 18.
(7)
سورة الحاقة: 47.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يقال: الذي يدلّ على أنّ (أحد) في هذه الآية الشريفة بمعنى (قوم) مجيء المخبر عنه جمعا؛ لأنّا نقول: لمّا كان (أحد) دالّا على العموم كان جمعا في المعنى، فجاز مجيء خبره جمعا، بهذا الاعتبار، ويؤيد ذلك قوله تعالى:
لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ (1)؛ لأنّ (بين) لا تضاف إلّا إلى متعدّد، فلولا ملاحظة تعدّده معنى لم يجز إضافة (بين) إليه.
وكذلك تقول في الآية الشريفة التي هي: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ (2)[3/ 70] إنّ (أحدا) - فيها - المراد به العموم، لوقوعه في سياق النّفي، والمعنى: ليست واحدة منكنّ كأحد من النساء، وليس المعنى لستنّ كنسوة، إذ لا فائدة في الإخبار بذلك، والمراد إنما هو تفضيل نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم لشرفهنّ - على كلّ من النساء، وغيرهنّ.
وأمّا قول أبي عبيدة: «أحد خير؟» فإمّا أن يكون المراد بهذا الاستفهام النفي، وهو الظاهر، فأحد للعموم، كما هي في الآيتين الشريفتين المذكورتين (3).
وإما أن يكون الاستفهام هو المراد، فلا يكون (أحد) للعموم، ويتعين أن يكون (أحد) هو المستعمل في العدد،
وحينئذ يتعين أن يكون المراد: هل قوم من الأقوام خير منّا؟ لأنّ القطع حاصل بأنّه لا يجوز أن يكون التقدير: هل واحد من الناس خير منّا؟ إذ ذلك غير مراد جزما.
وقد نازع الشيخ المصنّف فيما ادّعاه، وقال: إنّ الذي ادّعاه ليس بصحيح (4) وأجاب عما استشهد به بما توقّف عليه من كلامه. -
(1) سورة البقرة: 285، وفي البحر المحيط (2/ 365): «أحد هو المختص بالنفي وما أشبهه فهو للعموم، والمعنى: بين آحادهم، وإن كان (أحد) بمعنى واحد ففي الكلام معطوف محذوف، دل عليه (بين) والتقدير: بين واحد من رسله، وواحد منهم.
(2)
سورة الأحزاب: 32.
(3)
أي قوله تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة: 285]. وقوله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب: 32].
(4)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 244).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأمّا قوله: وتعريفه - حينئذ - نادر أي حين يغني عن قوم، أو نسوة، واستشهاده بقول الشاعر:
1938 -
وليس يظلمني في أمر غانية
…
إلّا كعمرو وما عمرو من الأحد (1)
فغير ظاهر، فإنّ (أحد) المعرّف في البيت هو (أحد) المختصّ بالنّفي، الدالّ على العموم، وليس بمعنى (قوم) ولا (نسوة) ولا شكّ أنّ (أحدا) المختصّ بالنفي لازم التنكير، ليفيد العموم، فكان الواجب أن يؤخّر قوله: وتعريفه نادر إلى أن يذكر (أحدا) ذاك، أعني الدالّ على العموم، مع النّفي.
وأمّا قوله: ولا تستعمل إحدى في تنييف وغيره دون إضافة فإنّ المصنف لم يتعرض إلى شرحه، قال الشيخ: «وبعضه وهم؛ لأنّ (إحدى) تستعمل في تنييف دون إضافة، فإنك تقول: إحدى وعشرون امرأة، وإحدى عشرة جارية، قال:
وإصلاح ذلك أن تقول: ولا تستعمل (إحدى) في غير تنييف، دون إضافة، فإنه حكم صحيح، قال الله تعالى: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (2)، أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى (3)، قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ (4)، قال:
«ولها شرط في الإضافة، وهو: أنّها لا تضاف إلى العلم (5).
وأمّا قول النّابغة (6):
1939 -
إحدى بليّ وما هام الفؤاد بها
…
إلا السّفاه، وإلا ذكرة حلما (7)
-
(1) سبق تخريج هذا الشاهد.
(2)
سورة المدثر: 35.
(3)
سورة البقرة: 282.
(4)
سورة القصص: 26.
(5)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 244).
(6)
النابغة الذبياني، الشاعر الجاهلي المشهور، وهو زياد بن معاوية، نبغ في الشعر وهو كبير، تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 163).
(7)
البيت من البسيط، وهو في ديوان النابغة (ص 61). اللغة: إحدى بلي: يريد أن سعاد من بلي، وبلي: حي من قضاعة. والمعنى: يذكر أنه لم يكلف بحبها إلا سفها منه، وتذكر منه كان من أجل رؤيتها في النوم؛ لأن الصبا لا يصلح له.
والشاهد فيه: إضافة (إحدى) في الظاهر، إلى (بلي) مع أنّها علم، وقد تؤول على حذف مضاف، والتقدير: إحدى نساء بلي.
ينظر الشاهد أيضا في: المساعد لابن عقيل (2/ 85)، والأغاني (1/ 23)، والدرر (2/ 205)، والتذييل والتكميل (4/ 244)، وديوان شعراء النصرانية قبل الإسلام (ص 704).