الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأوجه الجائزة في تمييز المفرد من إضافة وغيرها]
قال ابن مالك: (وتجب إضافة مفهم المقدار إن كان في الثّاني معنى اللّام، وكذا إضافة بعض لم تغيّر تسميته بالتّبعيض، فإن تغيّرت به رجّحت الإضافة والجرّ على التّنوين والنّصب وكون المنصوب حينئذ تمييزا أولى من كونه حالا وفاقا لأبي العباس).
ــ
وقد نسب الشيخ المصنف في هذه المسألة إلى سوء الفهم والتخليط الفاحش، قال: لأنّك إذا قلت: «زيد أشجع رجل» فليس (رجل) معناه في هذا التركيب هو الذي كان في «زيد أشجع الناس رجلا» فحذفت (الناس) وأضفت (أشجع) إلى تمييزه، بل لم يكن هذا تمييزا البتّة، وإنما هو اسم مفرد قام مقام الجمع، واكتفى به عن الجمع، والمعنى: زيد أشجع الرجال، فليس التمييز لـ (أشجع) ألا ترى أنّه يجوز أن يأتي بالتمييز بعده، فتقول: «زيد أشجع
رجل قلبا، وأحسن رجل وجها».
ولا يكون لأشجع ولا لأحسن تمييزان. انتهى (1).
ولقائل أن يقول: لا ينافي كلام المصنف ما ذكره الشيخ؛ لأنّه يمكن أن يفهم من «زيد أشجع رجل» معنيان:
أحدهما: ما أشار إليه الشيخ، وهو أن يكون المراد أنه أشجع الرجال، فأقمنا المفرد مقام الجمع، وليس هنا تمييز، ويجوز أن يأتي بتمييز بعده.
والثاني: ما أشار إليه المصنف، وهو أنّ الأصل: زيد أشجع الناس رجلا، فحذفنا، وأقمنا التمييز مقام المحذوف، وليس لنا أن نأتي بتمييز آخر، وهذان اعتباران صحيحان.
قال ناظر الجيش: هاتان مسألتان:
الأولى:
أنّ الدّالّ على مقدار قد لا يراد به المقدار، بل نفس الدلالة التي يقع بها التقدير، فحينئذ يجب إضافته إلى ما بعده، ولا يجوز النصب لعدم إرادة التمييز نحو:
«عندي منوا سمن، وقفيز برّ، وذراع ثوب» يريد الرّطلين اللّذين يوزن بهما -
(1) التذييل والتكميل (4/ 55).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السّمن، والمكيال الذي يكال به البرّ، والآلة التي يذرع بها الثّوب، وهذا معنى قول المصنف: إن كان في الثّاني معنى اللّام؛ لأنّ المراد: منوان للسمن، وقفيز للبرّ، ولو أريد بالأول المقدار لكان في الثاني معنى (من) لكونه تمييزا، وجاز فيه النصب والجر كما تقدّم. قال المصنف: مثال مفهم المقدار الواجب الإضافة لكون معنى اللام فيما بعده «لي ظرف عسل، وكيس دراهم» تريد: ظرفا يصلح للعسل، وكيسا يصلح للدراهم، فالإضافة لهذا النوع متعينة، فلو أردت أنّ عسلا يملأ ظرفا، ودراهم تملأ كيسا جاز أن تضيف وتجرّ، وأن تنون وتنصب. انتهى (1).
وليس الظرف والكيس مفهمي مقدار لكنهما في حكم ما أفهم، فالتمثيل فيما تقدّم أصرح.
واعلم أنّه إذا أريد بالآلة المقدار جاز في المقدّر المذكور بعدها أربعة أوجه (2):
أحدها: النصب على التمييز؛ لأنّ الأصل في «عندي رطل زيتا» : عندي مقدار رطل زيتا، وكذلك «قفيز برّا، وذراع ثوبا» وإضافة مقدار إلى التمييز غير ممكنة لحجز المضاف بينهما ثم بعد تقرّر النّصب - كما ذكر - حذفوا المضاف الذي هو (مقدار) وأقاموا ما كان مضافا إليه مقامه فأعربوه بإعرابه وبقي النصب في التمييز على ما
كان عليه.
الوجه الثاني: الإضافة على معنى (من)؛ لأنه بعض ما أضيف إليه، وذلك أنّ الرطل والقفيز والذراع إنّما يراد بها المقدار المحذوف وليس لها في اللفظ ما يمنعها من الإضافة ويحجزها عنها.
وهذان الوجهان قد تقدّم التّنبيه عليهما.
الوجه الثالث: جعل ما بعد المقادير صفة لها فتعرب بإعرابها وهو قول سيبويه، وضعفه (3)، تقول:«لي منوان سمن، وقفيز برّ» وسبب ضعفه أنّ الجامد لا يوصف به إلّا بعد تكلف تضمينه معنى المشتق وهو قليل، وجوّز ابن السراج أن يكون الإتباع في مثل ذلك على البدلية (4). -
(1) ينظر: شرح المصنف (2/ 382).
(2)
ينظر في التذييل (4/ 59 - 61).
(3)
ينظر: الكتاب (2/ 117 - 118، 181، 182).
(4)
نصه في الأصول (1/ 308): يقول ابن السراج: يجوز أن تقول: عندي رطل زيت وخمسة أثواب على البدل؛ لأنه جائز أن تقول: عندي زيت رطل وأثواب خمسة فتؤخرها على هذا المعنى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الوجه الرابع: نصبه على الحال، ويكون أيضا قد ضمّن في هذا الوجه معنى المشتق، كما كان في الصفة، وحسّن وقوع الحال بعد النكرة كونه غير وصف في الأصل نحو:«مررت بماء قعدة رجل» .
قال الشيخ - بعد ذكر هذه الأوجه -: واعلم أنّ انتصاب الاسم في الأعداد والمقادير إنما يكون إذا تعذّرت الإضافة، فإن لم يتعذّر لم يجز النصب؛ لأنّ النصب في هذا الباب ضعيف لكونه في خامس رتبة من الفعل - كما تقدّم - تقول:«ثلاثة أثواب، ومائة ثوب، وألف درهم» فلا يجوز التنوين والنصب إلا في اضطرار الشعر، وإنّما نصبوا في «عشرين، وأحد عشر» وبابهما؛ لأنّ الأصل:
من الرجال، واختصروا بحذف (من) و (أل) واجتزائهم بالمفرد المراد به الجنس عن الجمع ولم يجيزوا «عشرو رجل» ولا «أحد عشر رجل» ؛ لأن الإضافة على معنى (من) ولو صرح بـ (من) عاودت الأصل وهو الجمع بـ (ال)، فكما امتنع دخول (من) على المفرد امتنعت الإضافة إليه؛ لأنّه مفرد، وجاز النصب في «رطل سمنا» باعتبار أنّ الأصل: مقدار رطل سمنا، كما تقدّم (1).
المسألة الثانية:
أنّه إذا كان معنا اسمان والأول منهما بعض من الثاني ومبيّن به، فلا يخلو إمّا أن يستبدل الأول باسمه الذي كان له غيره، أو لا، إن لم يستبدل وجبت إضافته إلى الثاني نحو:«عندي جوز قطن، وحبّ رمّان، وغصن ريحان، وتمر نخلة، وسعف مقل» وإن استبدل اسما جاز في الثاني الجر بالإضافة، والنصب على التمييز أو الحال - كما سيأتي - نحو:«جبّة خزّ، وخاتم فضة، وسوار ذهب» فإنّ أسماءها حادثة بعض التبعيض [3/ 93] والعمل الذي هيّأها بالهيئات اللائقة بها، وأشار المصنف إلى القسم الأول بقوله: وكذا إضافة بعض لم تتغير تسميته بالتبعيض أي: بسبب التبعيض، ثم أشار إلى القسم الثاني بقوله: فإن تغيرت به رجحت الإضافة
…
إلى آخره أي: فإن تغيرت تسمية ذلك البعض بسبب التبعيض جاز الوجهان: الجر والنصب، والإضافة أرجح لكونه بعضا. قال المصنف: والنصب على التمييز أو على الحال، والثاني هو ظاهر قول سيبويه (2)، وقد تقدّم في باب -
(1) انتهى كلام الشيخ أبي حيان، وينظر في: التذييل (4/ 61، 62).
(2)
ينظر: الكتاب (2/ 117).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحال بيان شبهة سيبويه في جعله حالا، والأول قول أبي العباس (1) وهو أولى؛ لأنّه لا يحوج إلى تأويل، مع أنّ فيه ما في المجمع على كونه تمييزا، بخلاف الحكم بالحالية فإنه يحوج إلى تأويل بمشتق مع الاستغناء عن ذلك، ويحوج إلى كثرة تنكير صاحب الحال، وكثرة وقوع الحال غير منتقلة، وكل ذلك على خلاف الأصل فاجتنابه أولى (2).
ثم قال: فلو كان ما قبل (خزّ وفضّة) وشبههما معرفة رجحت الحالية، وقد تقدّم ذلك في باب الحال. انتهى (3).
والذي تقدّم له في باب الحال أنّه إذا كان ما قبل معرفة لم يكن ذلك الاسم المنصوب إلّا حالا نحو: «هذا خاتمك حديدا، وهذه جبّتك خزّا» والظاهر أنّ ما (4) ذكره هنا أقرب؛ إذ لا وجه لامتناع التمييز بعد المعرفة.
ونقل الشيخ عن بعضهم تفصيلا فيما تقدّم فقال: إذا قلت: «عندي جبّة خزّ» فإمّا أن تريد مقدار جبّة، أو الجبّة نفسها التي نسجت من الخزّ، فإن أردت الأول كان بمنزلة «رطل سمنا» فيجوز فيه أربعة الأوجه المتقدمة، وهي الجر بالإضافة، والنصب على التمييز، أو الحال أو التبعية على الوصف، وإن أردت الثاني فالجر بالإضافة، ولا يجوز النصب على التمييز بل إن جاء منصوبا فعلى الحال، وذلك لما تقدّم من أنه لا يجوز النصب على التمييز في هذا الباب إلّا إذا تعذّر الخفض، وهاهنا لا يتعذر لعدم تقدير إضافة مقدار إلى جبّة، ولهذا حمل سيبويه انتصاب (خزّ) في قول العرب:«عندي جبّة خزّا» على الحال، لا على التمييز للعلة التي ذكرناها وهو إذ ذاك مضمّن معنى المشتق
والعامل فيه ما في (عندي) من معنى الفعل (5).
ثم قال الشيخ: ويجري إذ ذاك «جبّة خزّ» وبابه مجرى «رطل زيت» في التقسيم إن أريد بها الآلة فالجرّ بالإضافة، أو المقادير فالوجوه الأربعة.
قال: وهذا مخالف لما قرره المصنف (6).
(1) ينظر: المقتضب (3/ 272).
(2)
ينظر: شرح المصنف (2/ 382).
(3)
السابق نفسه.
(4)
في المخطوط: «إنما» خطأ في الرسم.
(5)
ينظر هذا النقل في: التذييل (4/ 65، 66).
(6)
التذييل (3/ 66).