الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكومة المرأة
مداخلة:
…
جئت من الباكستان
…
أسأل منكم السؤال: ما الفرق بين الحكومة للمرأة وبين حكومة العبد؟ بعض العلماء يقولون: لا فرق بين حكومة المرأة وبين حكومة العبد ..
مداخلة: حكومة أو ..
مداخلة: حكومة حكومة ..
الشيخ: يعني: أنت أن تتولى المرأة؟
مداخلة: أن تتولى المرأة أو أن يتولى العبد .. يعني: لا فرق بينهم، ما رأيكم في هذه المسألة؟
الشيخ: هذا سؤال شرعي سياسي وهو من مواضيع الساعة فعلاً وبخاصة في بعض البلاد الإسلامية التي تحكمها امرأة.
قبل الجواب عن هذا السؤال ..
مداخلة: ما فهمنا هذا السؤال يا شيخ.
الشيخ: ما الفرق بين أن يحكم الرجال رجل منهم أو أن يحكمهم امرأة منهن يعني: مسلمة ..
مداخلة: عبد .. الأخ يسأل: عبد.
الشيخ: عبد يعني: رقيق؟
مداخلة: نعم رقيق.
الشيخ: هذا ليس له علاقة اليوم .. العلاقة والمشكلة امرأة ورجل وأين العبيد اليوم؟
مداخلة: بعض العلماء يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن أمر عليكم عبد حبشي» يعني: يقودكم إلى كتاب الله وسنة رسوله فاتبعوه .. هذه المسألة يا أستاذ! يعني: ..
الشيخ: فهمت الآن السؤال، ولكن ما علاقة هذا السؤال بأوضاعنا الحاضرة؟ هل هناك أحرار وعبيد؟
مداخلة: نعم، يقولون، يعني: إذا سلطت عليكم المرأة لا بأس، وكذلك العبد يعني إذا ..
الشيخ: طيب!
…
إذاً: بعد أن وضح أخانا هذا سؤاله فسأجيب عنه بعد أن نهدم الأصل الذي أقاموه عليه.
إن حكم المرأة في الإسلام مردود لأمرين اثنين:
الأول: يرد بعمل المسلمين طيلة هذه القرون الطويلة التي كان على المسلمين حكام كثيرون منهم من يطبق الإسلام تماماً كالخلفاء الراشدين، ومنهم من يكون قريباً منهم وهكذا درجات، أي: إن على مر هذه السنين قد
كان الإسلام يحكم ولو أنه كان بعضهم أحياناً ينحرف كثيراً أو قليلاً عن الحكم بالإسلام في بعض الجزئيات ولكن والحمد لله لم يقع مطلقاً في هذه القرون الطويلة أن امرأة حكمت المسلمين كما هو الشأن في بعض بلاد الكفار كالإنجليز ومن قلدهم أو تشبه بهم، فجريان عمل المسلمين على عدم تولية المرأة الخلافة وما كان قريباً منها هو الدليل لمن كان يؤمن بمثل قوله تبارك وتعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
الشاهد من هذه الآية كما تعرضنا بشيء من التفصيل في جلسة سابقة: إنما هو قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} ما اقتصر رب العالمين على قوله في هذه الآية: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: 115] وإنما عطف على مشاققة الرسول: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} فما الحكمة من هذه الجملة المعطوفة على: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} ؟
الحكمة: أن المؤمنين هم الذين ينقلون المنهج الذي سار عليه المسلمون الأولون؛ من أجل ذلك جاءت الأحاديث تترا تأمرنا باتباع السلف الأول، ومن أجل ذلك كما قلنا في محاضرة سبقت: نحن ننتمي إلى السلف الصالح وأحدنا يقول عن نفسه ويرجو أن يكون كذلك بأن قولنا: سلفي كقولنا: مؤمن، لكن هناك فرق كبير بين من يقول: مؤمن فهذه الكلمة في العصر الحاضر تشمل الثلاث وسبعين فرقة .. تشمل حتى القاديانية الذين خربوا عقيدة كثير من المسلمين وبخاصة هناك في الهند وفي الباكستان حيث إنهم
ادَّعوا أن النبوة لم تنتهي بعد، وأنه أتى نبي عندهم زعم وأنه سيأتي من بعده أنبياء آخرون وكلامهم صحيح بضميمة أنبياء كذبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«ألا إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول ولا نبي بعدي» .
الشاهد: السلف نقلوا إلينا ما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بيانه للكتاب وللسنة القولية فتلقى الخلف ذلك عن السلف فصار طريقاً للمسلمين فحينما لم نجد في كل هذه القرون وبخاصة منها الثلاثة المشهود لها بالخيرية امرأة تولت فذلك الدليل على أن سبيل المؤمنين أن لا يتولاهم امرأة، هذا هو الدليل الأول وهو دليل قوي جداً جداً لمن يفقه ويعي هذه الآية ودلالتها:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115].
لقد وصل اهتمام بعض العلماء إلى تقديم السنة العملية التي جرى عليها المسلمون على أقواله عليه الصلاة والسلام؛ ذلك لأن القول قد يحتمل أكثر من وجه من التفسير، أما الناحية العملية فلا يمكن أن يحمل إلا على وجه واحد.
خذ مثلاً: قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فلو أن رجلاً جاء إلى هذا النص القرآني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فأتى برأي جديد .. فاقطعوا أيديهما لا سمح الله من المنكب، بماذا نحاججه؟ هذه يد .. أو قال: من عند المرفق .. أيضاً هذه يد، الجواب: السنة العملية التي جرى عليها الرسول عليه السلام وتبعه على ذلك أصحابه، هذه هي الحجة القاطعة في تحديد المراد من أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه قاعدة هامة جداً فأرجو أن تكون منكم على بال وعلى ذكر، هذا هو الدليل الأول.
الدليل الثاني: أن الله عز وجل قد قَدَّر بحكمته البالغة أن نصب العجم أهل فارس بعد وفاة ملكهم امرأة فلما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، قال:«ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» .
والحقيقة يا إخواننا! لو أن المسلم تأمل في هذا الحديث وحده لوجده كافياً ليصد المسلمين لو كانوا مؤمنين حقاً عن أن يُوَلُّوا عليهم امرأة؛ لأن معنى ذلك بلسان الحال والأمر كما يقول العلماء: لسان الحال أنطق من لسان المقال أن القضية انعكست في تلك البلاد فصارت النساء رجالاً والرجال نساءً؛ لأنهم لم يجدوا من يتولى أمرهم ويدير شؤونهم حسب شريعة الله عز وجل إلا امرأة، لا شك أن هذا الواقع وحده يكفي أن هؤلاء القوم لا يفلحون فكيف وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه العبارة الصريحة:«ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» .
إذا ثبت وهو ثابت إن شاء الله يقيناً أنه لا يجوز في الإسلام المتوارث عملياً ولا في الإسلام المؤيد هذا العمل بقوله عليه السلام أن يتولاهم امرأة .. إذا ثبت هذا يكون ذلك مقدمة للجواب عن قلب بعض الناس الحقيقة، وهي قولهم: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجاز أن يتولى أمر المسلمين رجل أعجمي حبشي، فنحن نجيب عن هذا بما قاله أهل العلم جمعاً بين الحديث الذي يتكئون عليه وبين الحديث الذي لا يُعَرِّجون إليه مطلقاً، وهم بذلك يَحْشُرون أنفسهم في زمرة أهل الأهواء الذين يأخذون من الإسلام ما يوافق أهواءهم ويدعون منه ما يخالف أهواءهم.
نحن نقول: لقد قال عليه الصلاة والسلام كما تواتر ذلك بشهادة أمير
المؤمنين أحمد بن حجر العسقلاني قال: إن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الأئمة من قريش» هذا حديث صحيح وليس فقط صحيحاً بل وهو متواتر أيضاً بشهادة أمير المؤمنين في زمنه وبعد زمنه أيضاً فيما نعلم.
إذاً: رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم يضع في هذا الحديث شرطاً في الحاكم الذي يريد أن يحكم المسلمين وهو أن يكون قرشياً، وأنا أعلم أن بعض ذوي الأهواء قديماً وحديثاً يتأولون هذا الحديث بما ذكره أحد مؤرخيهم قديماً أن ذلك كان لأن قريشاً كانت صولة وكانت لهم قوة ومكانة ومنزلة في العرب حيث كانوا يخضعون لهم وراثة وإجلالاً وتقديراً لهم وعلى هذا جاء قوله عليه السلام:«الأئمة من قريش» أما بعد أن تفككت هذه الرابطة القبلية العربية بين قبيلة قريش وسائر القبائل لم يبق هناك مجال للاستمرار لتحكيم هذا الحديث؛ لأنه قيل في زعمهم للسبب المذكور آنفاً، وردنا تبعاً لعلمائنا على هذا التأويل الذي هو أشبه بالتعطيل في موضوع آيات الصفات وأحاديث الصفات .. ردنا على هذا التأويل بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» .
إذاً: تأويلهم الحديث الأول؛ لأنها كانت على حد تعبيرهم في العصر الحاضر شريعة زمنية، يبطل هذا التأويل هذا الحديث الصحيح .. إذا عرفنا هذه الحقيقة ومجال الكلام في هذه المسألة واسع أيضاً نظراً لظروفنا الحاضرة لكن لا بد من ربط أيضاً هذه المقدمة للإجابة عن الشبهة التي ذكرها الأخ الفاضل آنفاً.
لقد جاء في السنن ومسند أحمد ومن طُرُق يقوي بعضها بعضاً عن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خطبهم يوماً فقالوا:
«يا رسول الله! أوصنا وصية لا نحتاج إلى أحد بعدها أبداً، قال عليه السلام: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» وزاد في رواية وهي صحيحة في غير هذا الحديث: «وكل ضلالة في النار» .
إذاً: قوله عليه السلام: «وإن ولي عليكم عبد حبشي» وله شواهد بعضها في صحيح مسلم، لا يعني: وإن ولي عليكم من ناس لا يحكمون شريعة الله وإنما ولي عليكم من حاكم يحكم بما أنزل الله؛ لأن هذا الحاكم قد عرفنا مما سبق أنه يشترط فيه أن يكون عربياً قرشياً فهذا إذا ولَّى عبداً حبشياً على ولايةٍ ما وجب إطاعته؛ لا لأنه عبد حبشي وإنما لأنه ولاه مسلم قرشي له حق الولاية.
وعلى هذا أيضاً جرى عمل المسلمين فهنا نحن أمام قضيتين اثنتين لا تنافر ولا تعارض بينهما:
القضية الأولى: الولاية الكبرى، جرى المسلمون على أنه يشترط فيها أن يكون عربياً قرشياً.
الولاية الصغرى: لا يشترط فيها أن يكون قرشياً، على هذا أيضاً جرى عمل المسلمين، وإذا عرفنا هذه الحقيقة تم الاستدلال الصحيح على رد دعوى من يتخذ حديث:«وإن كان عبداً حبشياً» دليلاً على أنه يجوز تولية المرأة؛ لأننا سنقول: إن كان عبداً حبشياً فهو أولى بالولاية التي تليق به على التفصيل
السابق آنفاً ذكره .. أولى من المرأة القرشية؛ لأن المرأة القرشية ليس لها ولاية بحكم ما سبق آنفاً، فبذلك ينتهي ما عندي من الجواب عن ذاك السؤال.
(الهدى والنور /390/ .. : 33: .. )