الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل الاختلاف رحمة
؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«قدِ اختلفتُم وأنا بين أظهُركم، وأنتُم بعدِي أشدُ اختلافاً» .
قال الإمام:
أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (11/ 389/20818)، ومن طريقه:
الطبراني في «المعجم الكبير» (3/ 146) عن معمر عن الزهري عن سنان بن أبي سنان أنه سمع حسين بن علي يحدث:
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبأ لابن صياد (دخاناً)، فسأله عما خبأ له؟ فقال: دخ. فقال:
فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
«ماقال؟ » .
فقال بعضهم:
دخ. وقال بعضهم:
بل قال: زخ. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
…
فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح.
ثم رواه الطبراني (2909) من طريق عبدالله بن صالح: حدثني الليث:
حدثني عُقيل [عن] ابن شهاب به. وقال الهيثمي (8/ 5):
«رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح» .
وكأنه يعني الأول، والثاني كذلك عندي لولا أن عبدالله بن صالح فيه ضعف من قبل حفظه، ولكنه ممن يستشهد به، فيزداد الحديث به قوة على قوة. واعلم أن أحاديث ابن صياد وسؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إياه عن (الدخان) وعجزه عن الجواب كثيرة، وبعضها في «الصحيح» و «السنن» ، فانظر:«المشكاة» (5494)، و «صحيح سنن أبي داود» (الملاحم)، وليس هذا فيها، وإنما خرجته هنا لأمرين: الأول: لما فيه من الزيادة عليها من سؤاله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه عما قال ابن صياد، ورده صلى الله عليه وآله وسلم عليهم بقوله: «قد اختلفتم
…
».
والآخر: أنني أردت أن أذكر به أولئك الغافلين الذين ينسبون إلى الدين ما ليس منه، فيقولون: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اختلاف أمتي رحمة» أو: «اختلاف أصحابي لكم رحمة» ، وغير ذلك مما بينت وضعه في محله، ولهذا فهم يقرون الاختلاف الشديد بين المذاهب ويتخذونه ديناً، خلافاً للكتاب والسنة كما بينه العلماء- رحمهم الله تعالى-، ويغلو بعض أولئك فيزعم أن لكل قول من تلك الأقوال المتناقضة دليلاً من السنة؛ كخروج الدم مثلاً، فيتخيلون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل مرة عنه، فأجاب بأنه ينقض الوضوء، وسئل مرة أخرى فأجاب بأنه لا ينقض! ونحو ذلك من التخيلات التي لا أصل لها في السنة، وينشدون بهذه
المناسبة قول (بُوصيريِّهم) في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
وكُلُّهمِ مِن رسُولِ اللهِ مُلتمِس
…
وغير ذلك من الأقوال التي لم يقلها عالم من قبل.
فلعل في أولئك الغافلين من يتنبه من غفلته، ويعود إلى رشده حين يرون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يرضى من الصحابة- رضي الله عنهم اختلافهم في تحديد ما قاال ابن صياد؛ هل هو (الدُّخ) أو (الزخ)؟ مع أن مثل هذا الاختلاف ليس له علاقة بالدين مطلقاً كما هو ظاهر، لعلهم حين يتنبهون لهذا يتبين لهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يرضى منهم الاختلاف في الدين ولا يقره من باب أولى.
فالحق أن الخلاف- وهو الذي يسميه ابن تيمية- رحمه الله اختلاف تضاد- إنما هو نقمة وليس برحمة.
وحسب المسلم البصير في دينه أن يعتذر عن المختلفين بعذر معقول، ويعتقد بأنهم جميعاً مأجورون على التفصيل الوارد في الحديث. أما أن يقر الاختلاف نفسه ويدافع عنه، بدعوى الدفاع عن الأئمة، كما يعلن ذلك بعضهم في بعض الإذاعات الإسلامية، فذلك من التدليس على الناس، والخلط بين الحق والباطل. نسأل الله السلامة في ديننا وعقولنا.
الصحيحة (7/ 2/771 - 773).