الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول الاختلاف في الأصول وفي الفروع
مداخلة: البعض يقول: الفروع موجودة في العقيدة وفي العبادات، مثلاً موضوع رؤية الله هل هذا من الفروع؟ أقصد في الدنيا هل النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى الله سبحانه وتعالى في المعراج أو لم يره، هل هذا من الفروع أو من الأصول؟
إذا كان من الفروع فهل يجوز قياساً على هذا الاختلاف بين الصحابة في هذه النقطة أن يختلف المسلمون في قضية العرش وبعض ما يتعلق بالأسماء والصفات؟
الشيخ: الجواب على هذا السؤال يكون من ناحيتين:
الأولى: أن هذا السؤال نابع من العرف السائد عند المتأخرين بأن الإسلام ينقسم إلى قسمين: أصول، وفروع، هذا التقسيم يجب أن نعلم أنه من محدثات الأمور، وأنه أمر لا يعرفه الصحابة ولا التابعون، ولا الأئمة المجتهدون وإنما هذا التقسيم نبع من المعتزلة ثم سرت عدواه إلى غيرهم ممن ينتمون إلى جماعة أهل السنة.
ليس هناك في الإسلام شيء اسمه فرع وآخر اسمه أصل، وهذا على كل حال إن سلم به فإنما يسلم به على أنه اصطلاح وليس ديناً، وللناس أن يصطلحوا على ما شاءوا ولكن بشرط ألا يرتبوا على ما اصطلحوا عليه
أحكاماً متباينة.
من هنا يأتي الجواب من الناحية الأخرى: إذا عرفنا أنه لا فرق بين الأصول والفروع بل كل ما جاء في الكتاب والسنة فيجب اتباعه ويجب محاولة فهمه على الوجه الصحيح لا فرق في ذلك بين فرع وأصل.
إذا عرفنا هذه الحقيقة سهل علينا الجواب: وهو الناحية الثانية:
يجوز الاختلاف فيما يسمونه في الأصول كما يجوز في الفروع لكن أي نوع من أنواع الاختلاف؟ أنا ذكرت آنفاً أن هناك اختلافين اثنين: اختلاف يعود إلى المفاهيم كما وقع لأصحاب الرسول عليه السلام في قصة الصلاة في بني قريظة هذا طبيعي واختلاف متعمد مقصود يحمل عليه التكتل الحزبي والتعصب المذهبي، سواء كان الاختلاف من هذا النوع الثاني فيما يسمونه في الفروع أو في الأصول فهو مما نهى رب العالمين في كتابه الكريم في آية سبقت:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال: 46] بخلاف الاختلاف الآخر الذي ينتج من الاختلاف في الفهم فسواء كان هذا الفهم فيما يسمونه أصلاً أو يسمونه فرعاً فالمختلفون في ذلك معذورون.
إذاً: حينما نريد أن نجيب عن مثل هذا السؤال فيجب أن نتذكر أن الاختلاف اختلافين:
اختلاف مذموم، واختلاف غير مذموم، لا أقول: ممدوح، يجب أيضاً أن نكون دقيقين فهماً وتعبيراً، إذا كان الاختلاف اختلاف فهم فهو اختلاف غير مذموم، سواء كان في العقيدة أو في الأصول حسب الاصطلاح المذكور، أو
كان في الفروع، ما يضر مثل هذا الاختلاف إطلاقاً ما دام أن السبب الحامل عليه إنما هو اختلاف أفهام الناس في فهم النصوص.
أما إذا كان الاختلاف إنما يحمل عليه التحزب والتكتل والتعصب فهذا ممقوت ومذموم سواء كان في الفروع أو كان في الأصول، إذاً: الاختلاف المقصود والذي لا يحاول أصحابه الخلاص منه فهو كله مذموم فروعاً وأصولاً.
والعكس بالعكس: الاختلاف فيما يسمونه في الأصول وفي الفروع دون تعصب ودون تحزب وإنما نشأ ذلك بسبب الاختلاف في الأفهام فهذا أمر جائز في الإسلام بناءً على القاعدة العظيمة المقررة فيه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
فإذا عدنا إلى المثال المطروح في تواليف السؤال: أن أصحاب الرسول عليه السلام اختلفوا في كون الرسول عليه السلام رأى ربه ليلة الإسراء والمعراج أو لم يره؟ فعلاً اختلفوا، فيتوهم بعض الناس وهنا يأتي النكتة التي قلناها آنفاً: لا بأس في أن يصطلح الناس على بعض الاصطلاحات لكن بشرط أن لا تبنى أحكام على هذه الاصطلاحات هي أحكام مخالفة للشريعة.
فهنا يقول بعض الناس: لا نستطيع أن نقول: إن الرؤية .. رؤية الله التي اختلف فيها أصحاب الرسول فضلاً عمن بعدهم رؤيته لربه هي مسألة فرعية أو مسألة حكمية وإنما هي مسألة أصولية عقائدية فإذاً لماذا يأتي السؤال هنا الذي نشأ منه توجيه هذا السؤال، لماذا تنكرون على الماتريدية وعلى
الأشاعرة؛ لأنهم تبنوا عقائد أو أصولاً تخالف ما كان عليه السلف الصالح والسلف الصالح أنفسهم اختلفوا في بعض هذه الأصول .. في بعض هذه العقائد والاختلاف في زعم هؤلاء الذين قسموا الشريعة إلى أصول وفروع يقولون: إنما يجوز الاختلاف في الفروع دون الأصول، لكنهم في الواقع يصطدمون بالواقع فيرون الصحابة اختلفوا أيضاً ليس في الفروع بل وفي الأصول فاستغلوها فرصة يبنوا على ذلك الإنكار على الذين يخالفون السلف في فهمهم لبعض الآيات المتعلقة بصورة عامة بالأمور الغيبية منها مسألة رؤية الرسول عليه السلام ربه ليلة الإسراء، ومنها الرحمن على العرش استوى.
فنحن نقول: كما ننكر الاختلاف في هذه الأمور التي يسمونها أمور أصول وعقائد لا فرق عندنا، نحن ننكر هذا الاختلاف كما ننكر اختلافهم في تعصبهم لقولهم: هذه الصلاة صحيحة، وأولئك يقولون: باطلة، هذا الوضوء صحيح وآخرون يقولون: غير صحيح ونحو ذلك، كل ما كان مخالفاً للكتاب والسنة فنحن ننكره ونعود في ذلك إلى الكتاب والسنة بضميمة الرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح؛ وذلك لأنهم كانوا أطهر الناس قلوباً وأزكاهم فهماً إلى آخر ما هناك من صفات معروفة فيهم.
من ذلك: أنهم كانوا أقرب عهداً بالقرآن وبحديث الرسول عليه الصلاة والسلام.
إذاً: خلاصة الجواب: من الخطأ التفريق بين مسألة وأخرى بدعوى هذه الأصول وهذه الفروع، وما دام أن الصحابة اختلفوا في الأصول فيجوز أن نختلف في الأصول.
جوابنا: إذا كان الاختلاف في الأصول ناشئاً عن فهم خاص وليس عن تعصب لعقيدة معينة أو لمذهب معين فهذا جائز، ومن هذا الباب اختلف أصحاب الرسول عليه السلام في تلك المسألة التي ذكره السائل كمثال، وهي: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربه؟
منهم من قال: رآه، ومنهم من قال: لم يره.
ولكن: ما الذي يقصده هؤلاء حينما يقولون: ما دام أن الصحابة اختلفوا في الأصول في حد تعبيرهم فإذاً: لماذا تنكرون الاختلاف علينا نحن المتأخرين بحجة أن هذا اختلاف في الأصول.
نحن نقول: ليس بحجة أنه اختلاف في الأصول فقط، وإنما نحن ننكر الاختلاف كله ما دام صار مذهباً متبعاً سواءً كان في الأصول أو كان في الفروع، ونقر الاختلاف الصادر عن إخلاص وعن حرص في فهم النص من الكتاب والسنة فهماً صحيحاً ومع ذلك اختلفت المفاهيم فنحن نقر هذا ولا ننكره، ومعنى نقره: أي: لا نتخذ الذين يخالفون رأينا في هذه المسألة التي يسمونها من العقل .. لا نتخذهم أعداء وخصوماً لنا؛ لأنهم خالفونا باجتهاد منهم، لكننا ننكر التعصب المذهبي بصورة عامة سواء كان هذا التعصب متعلقاً بالأصول أو الفروع.
هذا أظن جواب سؤالك هذا.
(الهدى والنور / 170/ 07: 04: 00)