الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير آية (من لم يحكم)
السؤال: يقول السائل: ما هو التفسير الصحيح لقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].
الجواب: نعم. التفسير الصحيح هو ما جاء في تفسير ابن جرير الطبري وتفسير ابن كثير الدمشقي أن المقصود بالكافرون هنا: هم الذين لا يؤمنون بشريعة الله تبارك وتعالى أي: لا يحكمون بما أنزل الله؛ لأنهم لا يرون ما أنزل الله شرعاً صالحاً للحكم به في كل زمان، وفي كل مكان، فكل من اعتقد هذا الاعتقاد كاليهود الذين في حقهم نزلت هذه الآية الكريمة، يكون كافراً مرتداً عن دينه، ولكن هنا شيء لابد من ذكره: إن آمن بشريعة الله تبارك وتعالى، وأنها صالحة لكل زمان، ولكل مكان، ولكنه لا يحكم فعلاً بها، إما كلاً وإما بعضاً أو جزأً فله نصيب من هذه الآية، له نصيب من هذه الآية، لكن هذا النصيب لا يصل به إلى أن يخرج عن دائرة الإسلام، فيجب أن نعلم أن هناك إيماناً وهناك إسلاماً، الإيمان هو الذي استقر في القلب، والإسلام: هو أثر هذا الإيمان الذي يظهر على الجسد والأبدان، وبنسبة قوة الإيمان الذي يكون لقلب المؤمن يكون صلاح ظاهر هذا الإنسان واستقامة جوارحه وبدنه.
كما أشار عليه الصلاة والسلام إلى هذه الحقيقة بقوله في حديث النعمان بن بشير الذي أوله: «إن الحلال بين والحرام بين
…
» إلى أن يقول عليه الصلاة
والسلام: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي: القلب» .
فصلاح الظاهر مرتبط بصلاح الباطن بشهادة هذا الحديث وبعض الأحاديث الأخرى التي سبق ذكرها في ابتداء هذه الجلسة، لكن إذا كان بنسبة قوة الإيمان يكون نسبة الصلاح في البدن كما ذكرنا، هذا الصلاح الظاهر هو الإسلام، فإذا المسلم أخَلَّ بشيء من الأحكام الإسلامية، فالإخلال هذا لا يخرجه عن دائرة الإسلام قد يخرجه عن دائرة الإيمان، المطلق أي: الكامل، بعض العلماء يفسرون قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: الزاني حين يزني، «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» هل الزاني إذا زنى كفر وارتد عن دينه؟ الجواب: لا أحد من المسلمين الذين هم على طريقة أهل السنة والجماعة يقولون بأن الزنى أو غير الزنى من المعاصي، بل ومن الكبائر يخرج المسلم من دائرة الإسلام.
إذاً: ما معنى قوله عليه السلام: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن؟ » أي: لا يكون مؤمناً كامل الإيمان، لكن هو بذلك لا يخرج عن دائرة الإسلام، وشبه بعضهم الإيمان بدائرة وحول هذه الدائرة دائرة أخرى تحيط بالدائرة الأولى، فحينما زنى الزاني خرج من الدائرة الأولى أي: الإيمان الكامل، لكنه ما خرج من الدائرة الأخرى وهي: دائرة الإسلام فهو لا يزال مسلماً.
كذلك كل من يعصي الله عز وجل أي معصية كانت، لا يجوز إخراجه من الدائرة الأخرى الكبرى وهي: دائرة الإسلام إلا إذا جحد شيئاً مما يتعلق بالدائرة الأولى أي: دائرة الإيمان، فإذا أنكر ما جاء في الشرع، وهذا الإنكار له
علاقة بالإيمان حينئذ خرج عن دائرة الإيمان، وعن دائرة الإسلام.
فالآية السابقة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] إن كان الذي لا يحكم ينكر صلاح الشريعة أن يحكم بها في كل زمان ومكان، فقد خرج عن الدائرتين: دائرة الإيمان، ودائرة الإسلام أي: صار مرتداً عن دين الله تبارك وتعالى.
أما إن كان يؤمن بما في الدائرة الأولى وهو: وجوب الحكم بما أنزل الله، لكن هو فعلاً كما قلنا آنفاً لا يحكم بما أنزل الله إما كلاً وإما جزءً، فحينئذ خرج عن دائرة الإيمان الدائرة الكاملة، ولكنه لا يزال داخل الدائرة الأخرى وهي دائرة الإسلام؛ لذلك قال ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ليس الأمر في تفسير هذه الآية: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] كما يقولون: أي: كما يقولون الغلاة قديماً، ويقول بعضهم اليوم حديثاً: إنه الكفر بعينه؟ قال: لا ابن عباس يقول: لا إنما هو كفر دون كفر، إنما هو كفر دون كفر، وهذه الجملة التي نطق بها ترجمان القرآن وفسر بها تلك الآية الكريمة عليها شواهد عديدة جداً من السنة بل ومن القرآن الكريم.
في الحديث الصحيح المتفق على صحته بين الشيخين: أنه عليه السلام قال: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» .
فالمسلم حينما يقاتل أخاه المسلم كفر بنص هذا الحديث كفراً، لكن احفظوا جيداً كلمة عبد الله بن عباس كفر دون كفر، ما الدليل على ذلك؟ أدلة
كثيرة كما قلت آنفاً منها: قوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9].
فإذاً: هنا طائفتان من المؤمنين اقتتلوا إحداهما: باغية، إحداهما معتدية أُمرت الطائفة المسلمة المُحِقَّة أن يقاتلوا الطائفة الباغية، لكن نحن نرى هنا في نص الآية أن الله عز وجل ما رفع عنهم اسم الإيمان، وهو قوله تبارك وتعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9].
فإذاً: هؤلاء البغاة الذين يقاتلون أهل الحق هم مؤمنون من جهة، ولكن وقعوا في الكفر من جهة أخرى، ذلك هو معنى قول ابن عباس: كفر دون كفر.
فإذاً: الآية المسؤول عنها: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].
إنما تعني كفر جحود أو كفر عمل، فمن جحد شرعية العمل بالقرآن فهو كافر مرتد عن دينه، ومن اعترف وأقر بذلك فهو مؤمن، ولكنه إيمانه ناقص؛ لأنه لا يعمل بما يؤمن به، من هنا قال أهل العلم: بأن الإيمان يزيد، وينقص وزيادته الطاعة، ونقصانه المعصية.
(الهدى والنور / 218/ 01: 28: 00)