الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب منه
الشيخ: ومما سبق يمكننا أن نجيب عن بعض ما في السؤال وهو: هل يثرب على من يبايع ذلك الحاكم؟
الجواب يتضح مما سبق، أولاً: إذا كان ذلك الحاكم بويع من عامة المسلمين، أي أهل شوراهم، ولو في حدود كما يقال: لا جود إلا بالموجود، وفهم المقصود من هذه الكلمة، فحينئذ لا تثريب على من يبايع هذا الحاكم، بل التثريب ينصب على من يتخلف ولكن أؤكد بأن هذه البيعة التي لا يثرب على من بايع ويثرب من تخلف عن البيعة، هو البيعة التي يجمع عليها أهل الحل والعقل من المسلمين كافة، ليس في بلد واحد، وإنما في بلاد الإسلام وإلا فستتعدد البيعة ويتعدد الحكام، وستقع الفوضى بين الدول الإسلامية إلى أن يصل الأمر أن يقاتل بعضهم بعضاً، كما هو الواقع تماماً في الجماعات المتحزبة، فكل جماعة لها رأي، وكل جماعة تبايع رئيسها، وحينذاك يقع الانشقاق والافتراق والتدابر والتباغض كما هو مشاهد اليوم، وهذه التكتلات وهذه التحزبات هي حكومات مصغرة، نتصور أنه إذا قامت هناك حكومات على رؤوسها حكام كلهم بويعوا من قبل أهل تلك المنطقة أو ذلك الإقليم بلا شك أن المصيبة ستكون أكبر من مصيبة تعدد الأحزاب ومبايعة رؤوس هؤلاء الأحزاب، لذلك فنحن نقول من بايع بذلك الشرط فهو المصيب، ومن تخلف
فهو الذي خرج عن الجماعة، فليس الجماعة هذه اللفظة التي جاءت في كثير من الأحاديث الصحيحة التي تأمر بالتمسك بها كحديث مثلاً الفرق والفرقة الناجية، ففيها أنها من صفتها الجماعة، ومن صفتها ما كان عليه الرسول عليه السلام وأصحابه الكرام، ومن ذلك مثلاً قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«فعليك بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» .
فالمقصود الذين بايعوا بيعة شرعية، والبيعة الشرعية لا تكون بلدية ولا تكون إقليمية، وإنما تكون إسلامية. نعم.
أما طاعته القهرية أنا ما فهمت ما المقصود بهذه الطاعة القهرية، فهل يمكن التوضيح حتى أفكر في الجواب بعد تبين المقصود؟
مداخلة: السائل يقول أن القصد بالطاعة القهرية أنه غير راض عن هذه البيعة، فهو مضطر لها اضطراراً، وأنه مقهور عليها قهراً.
الشيخ: الذي بايع؟
مداخلة: الذي بايع.
الشيخ: ما أعتقد أن هناك ضرورة للبيعة، فإن وجدت فمعروف أن القاعدة الضرورة تبيح المحظورات، وهي كما هو معلوم ليست على إطلاقها، إنما الضرورة تقدر بقدرها.
أما فيما جاء في آخر السؤال من قول السائل عن هل يجوز الخروج عليه أم لا؟
هذه مسألة تختلف عن سابقتها، فقد وقع في الإسلام
…
مداخلة: عفوا يا شيخ ليس كذلك، بل هو يقول في الأخير عطفاً على ما سبق، مع اعتقاد طاعته القهرية وعدم جواز الخروج عليه، هذا الذي أطاعه قهرياً يرى عدم جواز الخروج عليه، ويرى أنه حاكم مسلم إذا كانت الشروط متوفرة ..
الشيخ: أنا ما بدأت بالجواب، لو صبرت لأخذت الجواب.
مداخلة: عفواً.
الشيخ: نحن نقول أي حاكم اليوم، وليس هناك في اعتقادي حاكم بويع بيعة شرعية؛ لأن المسلمين لم يجتمعوا على هذه البيعة، إنما هي بلدية إقليمية، هذا اعتقادي.
ثانياً: أقول أي حاكم اليوم من حكام المسلمين الذين لم يقع منهم الكفر الصريح فلا يجوز الخروج عليه، ولو لم يكن بويع مبايعة بالشروط التي سبق ذكرها آنفاً، فنقول نحن: أي حاكم اليوم مسلم لم يعلن الكفر البواح الصريح لا يجوز لطائفة من المسلمين أن يخرجوا عليه، ذلك لأنه وقع في التاريخ الإسلامي أن كثيراً من البغاة بغوا على الحكام المبايعين، ثم لما استقر لهم الحكم مع بغيهم وعدوانهم لم يجز علماء المسلمين الخروج عليهم، وذلك كله من باب المحافظة على دماء المسلمين أن تسفك هكذا هدراً؛ بل أنا أقول اليوم حتى لو كان هناك حاكم مسلم ولو جغرافياً، ولو كان حاكماً ومسلم جغرافياً أو في شهادة النفوس، فأنا هذا رأيي الشخصي أنه لا يجوز الخروج عليه إلا بشروط كثيرة وكثيرة جداً أولها أن يكون المسلمون قد أعدوا أنفسهم
للخروج عليه، وهذا له بحث مخصص وأظن أنه مذكور في بعض الأشرطة تحقيق ما أعبر عنه بكلمتين موجزتين التصفية والتربية.
حينما يجتمع المسلمون في بلد ما، في إقليم ما على التصفية والتربية، ومن التربية العمل بكل النصوص التي أمروا بها كتاباً وسنة، ومن ذلك قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] .. إلى آخر الآية.
فحينما نجد مثل هذه الجماعة التي قامت على تطبيق الإسلام المصفى وربيت على هذا الإسلام المصفى، وقامت بإعداد العدة المعنوية والمادية، حينئذ نقول يجوز الخروج على هذا الحاكم المعلن بالكفر الصراح، ولكن أيضاً على شروط، وهو إنذاره وعدم الغدر به بطريقة ما يسمى بثورات أو بانقلابات عسكرية أو ما شابه ذلك، فهذا أيضاً في اعتقادي أو فيما أفهم من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا نجيزه إلا بهذا الشرط.
وأنا أعتقد أن فيما وقع من ثورات من بعض الجماعات الإسلامية في بعض البلاد الإسلامية بدءاً من جماعة الإيمان في الحرم المكي وجماعة التكفير والهجرة في مصر، وجماعة مروان حديد في سوريا، ثم الآن في الجزائر أيضاً نقول نحن أن هذا لا يجوز؛ لأنهم كما قال تعالى:{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: 46]، ولنا كلام طويل بالنسبة للجزائريين ربما هناك بعض التسجيلات محفوظة.
إذاً: نهاية هذا السؤال نحن لا نجيز الخروج إطلاقاً في هذا الزمان، لما يترتب من ورائه من سفك دماء المسلمين دون أي فائدة تذكر، بل بأضرار تنشر ويظهر آثارها في المجتمعات الإسلامية، أول ذلك انتكاس الدعوة السلفية في
البلاد الحجازية بسبب هذه الثورة التي قام بها ذاك المعروف بجهيمان وبذلك ينتهي جوابي عن هذا السؤال.
مداخلة: جزاكم الله خيراً.
الشيخ: وإياكم.
مداخلة: فيما يتعلق بهذا السؤال والجزء الأخير من الجواب يا شيخ، احتج بعضهم بما وقع في التاريخ الإسلامي كما في فتنة ابن الأشعث، وخروج الكثير من القراء على رأسهم سعيد بن جبير ومن كان معهم، وأيضاً ما وقع من عائشة رضي الله عنها والزبير وطلحة مع علي رضي الله عنهم أجمعين، وأن هذا قد وقع، وأن هذا يعد خروجاً ولكن ما حقق لهم هذا المطلوب، لكن هذا الخروج أنه يجوز، فهل هذا الاستدلال بتلك القصص التي وقعت في العهد الأول صحيح، وما الجواب؛ لأن هذا يثار كثيراً ما وقع من فتنة الأشعث وما وقع من عائشة مع من كان معها من الصحابة يثار كثيراً من أجل تبرير قضية الخروج.
الشيخ: نعم، الخروج لا يجوز يا أخي، وهذه أدلة على من يحتج بها وليست صالحه إطلاقاً.
هناك حكمة تروى عن عيسى عليه السلام ولا يهمنا صحتها بقدر ما يهمنا صحة معناها، أنه وعظ الحواريين يوماً وأخبرهم بأن هناك نبياً يكون خاتم الأنبياء، وأنه سيكون بين يديه أنبياء كذبة، فقالوا له: فكيف نميز الصادق من الكاذب، فأجاب الحكمة المشار إليها وهي قوله: من ثمارهم تعرفونهم.
فهذا الخروج وذاك الخروج ومنه خروج عائشة رضي الله عنها، نحن نعرف حكم هذا الخروج من الثمرة، فهل الثمرة كانت مرة أم حلوة، لا شك أن
التاريخ الإسلامي الذي حدثنا بهذا الخروج وذاك ينبي بأنه كان شراً، وسفكت دماء المسلمين وذهبت هدراً بدون فائدة، وبخاصة فيما يتعلق بخروج السيدة عائشة، السيدة عائشة لقد ندمت على خروجها، وكانت تبكي بكاءً مراً حتى يبتل خمارها وتتمنى أنها لم تكن قد خرجت ذاك الخروج، وهناك نكته قرأتها في بعض الكتب ولا يهمني أيضاً الآن صحة السند أنه بلغها أن خلافاً نشب بين عبيد لها وعبيد لشخص آخر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتهيأت للخروج فسألها قريب لها: إلى أين يا أم المؤمنين؟ قالت: للنظر في الخلاف الذي نشب بين هؤلاء وهؤلاء، بخصوص بغلة ادعاها كل من الفريقين، قال لها: يا أم المؤمنين! ألا يكفينا وقعة الناقة حتى تثيري لنا وقعة البغلة
…
يعني.
الاحتجاج بمثل هذا الخروج أولاً هذا حجة عليهم؛ لأنه لم يكن منه فائدة.
ثانياً: لماذا نتمسك بخروج سعيد بن جبير ولا نتمسك بعدم خروج كبار الصحابة الذين كانوا في عهده كابن عمر وغيره، ثم تتابع علماء السلف كلهم بعدم الخروج على الحاكم.
إذاً: هناك خروجان، خروج فكري وهذا هو أخطر، وخروج عملي وهذا ثمرة الأول، فلا يجوز مثل هذا الخروج، والأدلة التي ذكرتها آنفاً فهي عليهم وليست لهم.
(الهدى والنور /606/ 50: 00: 00)
(الهدى والنور /606/ 07: 12: 00)