الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل القول باتباع الكتاب والسنة
يعني أن المذاهب مُطَّرحة
؟
السؤال: بالنسبة للمذاهب هل القول باتباع الكتاب والسنة يعني: القول بأن المذهب يطرح؟
الشيخ: إذا كان المقصود بالمذهب يطرح ككل فهذا غير ممكن، وهذا له صلة بجوابي السابق، أن أكبر عالم لابد له من أن يُقَلِّد من هو أعلم منه، أما إذا كان المقصود بأنه يطرح بعض المسائل التي تبناها من هذا المذهب حينما تبين له أن الصواب في المذهب الآخر، هنا يأتي قولنا: لا يجوز التدين به، التمذهب أو بتقليد مذهب، لأن هذا أمر لم يفرضه الله تبارك وتعالى على أحد من الناس أن يقلد شخصاً أو إماماً أو جماعة بأعيانهم، وهذا صريح في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كقوله تعالى مثلاً:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، اسألوا أهل الذكر، أهل الذكر هم بلا شك أهل القرآن، وليس المقصود هنا بالذكر هو أن يقولوا: سبحان الله والحمد لله، الذي يشترك فيه عامة الناس عالمهم وتابعهم وجاهلهم، إنما هذه الآية تفسر بقوله تعالى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] الذكر المعرف في هذه الآية، والتي لا يمكن تفسيرها بالتسبيح والتكبير والتحميد
ونحو ذلك من الأذكار، هو عينه المقصود بالآية السابقة:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] فهذا واجب من لا يعلم، وهنا في الواقع هذه الآية تضع منهجاً للمسلمين جميعاً عالمهم وجاهلهم، يوجب على هؤلاء ما لا يوجب على هؤلاء، ويوجب على هؤلاء ما لا يوجب على هؤلاء، يوجب على من لا يعلم أن يسأل أهل العلم، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، ويوجب على هؤلاء أن يجيبوا وأن لا يكتموا العلم، كما جاء في الحديث الصحيح:«من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» فقوله تعالى: أهل الذكر، يعني: أهل العلم بكتاب الله، وبالتالي ببيان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي ذكر في الآية السابقة: {وَأَنزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] لتبين للناس ما نزل إليهم هذا البيان هو سنة الرسول عليه السلام، ولذلك فيجب على كل مسلم أن يتلقى القرآن مع بيانه، أي: أن يتلقى القرآن مع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذه السنة هي بيان القرآن الذي أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالآية السابقة أن يقوم بهذا الواجب {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
لهذا قال عليه الصلاة والسلام مبيناً وجوب التمسك بالقرآن وبيانه: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» .
فإذاً: أنت عالم فيجب عليك أن تتبع العلم، وهو: قال الله، قال رسول الله، أنت جاهل عليك أن تسأل أهل العلم، فهم أهل ذكر {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] من أجل هذا يحرم على من ليس عالماً أن يفتي
الناس بغير علم، كما قال تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا} [الإسراء: 36]، وكما جاء في الحديث في سنن أبي داود وغيره: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل سرية فجرح فيها رجل، فلما أصبح الصباح وجد نفسه جنباً، وهو يعلم أنه يجب عليه الغسل، لكن عليه جراحات كثيرة، فسأل من حوله: هل يجدون له رخصة في أن لا يغتسل لما به من جراحات؟
قالوا: لا، لابد لك من الغسل، فاغتسل فمات، فلما بلغ خبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا على الذين أفتوه وكانوا سبب موته بقوله:«قتلوه قاتلهم الله، ألا سألوا حين جهلوا، فإنما شفاء العي السؤال» ففي هذا الحديث وجوب سؤال غير العالم العالم، وتحريم إفتاء غير العالم، الذين أفتوه بوجوب الاغتسال مع وجود جراحات في بدنه كانوا غير علماء، فكان من الواجب عليهم أن يعودوا إلى علمائهم في تلك السرية، فيسألوهم حتى ما يقعوا في مثل هذه الفتوى القاتلة:«قتلوه قاتلهم الله، ألا سألوا حين جهلوا، فإنما شفاء العي السؤال» .
إذاً: نحن نفرق بين أن يتدين المسلم باتباع مذهب من ألفه إلى يائه، لا يخرج عنه قيد شعرة، وكأنما هو كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يجب الاستسلام له بالكلية، ليس الأمر كذلك، لأن المذهب أي مذهب اليوم عليه المسلمون هو أولاً ابتداء اجتهاد إمام من أئمة المسلمين، وانتهاء دخل في هذا المذهب مئات بل ألوف الآراء والأقوال للذين ينتمون إلى الإمام، فالمسائل الموجودة الآن في كل مذهب ليس كما يتوهم كثير من الناس أن هذه المسائل كلها صدرت ونبعت من نفس الإمام، لا، أصول هذه المسائل وأمهاتها هي من
الإمام سواء كان أبا حنيفة أو مالكاً أو الشافعي أو أحمد، لكن مع الزمن توسعت هذه المسائل كثيراً كثيراً جداً، ولذلك فإذا خرج أحد المتمسكين بمذهب ما عن مسألة ما اتباعاً لحديث ما أو آية ما لا يكون في ذلك أولاً خالف الإمام ضرورة، يمكن يكون خالف من جاء بعد الإمام بمئات السنين.
ثم لو فرض أنه خالف الإمام فهو خالف الإمام الدون لاتباع الإمام الأعلى الذي ليس بعده اتباع ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك فما أجمل كلام أحد علماء الحنفية الهنود وهو أبو الحسنات اللكنوي، لما ترجم لأحد تلامذة لتلميذ من تلامذة أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة، وهو عصام البلخي، هو حنفي تلميذ أبي يوسف الذي هو تلميذ الإمام أبي حنيفة، يقول: كان يرفع يديه في الصلاة، عصام البلخي تلميذ أبي يوسف الذي هو تلميذ أبي حنيفة كان يرفع يديه في الصلاة، يعني: عند الركوع والرفع منه، وهذا مكروه تحريماً عند الحنفية، فيعلق صاحب الكتاب أبو الحسنات اللكنوي فيقول ونعم ما يقول، قال: ومنه نأخذ أن الحنفي إذا ترك مسألة من مسائل إمامه اتباعاً للدليل لم يخرج بذلك عن التقليد، بل هو لا يزال في رقة التقليد في صورة ترك التقليد. كلام شويه من كلام الفقهاء صعب فهمه، لكن هو واضح جداً، لا يزال في رقة التقليد في صورة ترك التقليد.
يشير أن هناك تقليدين: تقليد في الأصول وتقليد في الفروع، من الأصول قول الأئمة كلهم: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وإذا جاءكم الحديث عني خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخذوا به واضربوا بقولي عرض الحائط، هذا شأن كل مسلم، هذه القاعدة:«إذا صح الحديث فهو مذهبي» حينما رفع عصام
البلخي يديه، فهو أخذ بالأحاديث التي أبلغها الإمام الحافظ الزيلعي الحنفي نحو خمسة عشر حديثاً، عن خمسة عشر صحابياً أن الرسول كان يرفع يديه عند الركوع والرفع منه، لما فعل هذا عصام البلخي وخالف إمامه في هذا الفرع فهو ترك تقليده في الفرع، لكنه لا يزال مقلداً في الأصل، ولذلك قال أنه عصام هذا لما رفع يديه ما خرج عن التقليد، وإن كان هو لا يزال في رقة التقليد، هذا هو الأصل، في صورة ترك التقليد أي: في الفرع، هذا هو موقف العلماء، أنهم لا يعرضون عن السنة من أجل أقوال أئمة، ولا أيضاً يعرضون عن أقوال الأئمة كلها إذا لم تخالف السنة، بل كما قلنا آنفاً أن من لا علم عنده عليه تقليد من كان عنده علم، إلا في مخالفة السنة.
(الهدى والنور / 39/ 28: 8.: .. )