الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول حديث لا يُصَلّين أحدكم العصر
…
مداخلة: حديث: «لا يصَلين أحدكم العصر إلا في بني قريضة» الكلام فيه كثير، يعني: يستدل به بعض المبتدعة لما يريدون، فنريد الفهم الصحيح .. ؟
الشيخ: هنا سؤال يقول وهو أيضاً من مشاكل الساعة ومن بعض الجماعات .. هذه الجماعة أو تلك ممن يريدون تسليك الواقع السيئ الذي عليه المسلمون مع الأسف الشديد ولا يريدون في الأرض إصلاحاً وإنما يريدون أن يدعو القديم على قدمه، ولا يريدون أن يحيوا السنة التي أماتها الناس بسبب جهلهم أو بسبب إهمالهم ولا يريدون أن يدخلوا تحت عموم الحديث السابق بعد فهمه فهماً صحيحاً:«من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة» الحديث.
أقول: يتشبث كثير من الناس وفيهم بعض الدعاة على إبقاء الخلافات التي توارثناها اليوم طيلة هذه القرون الطويلة، وهذه الخلافات ليتها وقفت عند ما يسمونها خطأ .. أقول وأعني ما أقول: ليت هذه الخلافات وقعت عند ما يسمونها فروعاً ولكنها مع الأسف تجاوزتها إلى ما يسمونها أيضاً أصولاً.
وأعني أنا بقولي: يسمونها فروعاً ويسمونها أصولاً أن هذه بدعة عصرية دخلت في المسلمين وجعلت الشريعة عندهم قسمين: قسم يجب الاهتمام به،
وقسم لا يجب الاهتمام به، من فعل ذلك فقد أحسن ومن لا فلا حرج.
ومن شؤم -إن صح هذا التعبير- التقسيم المذكور: أن هؤلاء الذين ذهبوا إليه سوف لا يفعلون لا بما سموه بالأصول ولا بالفروع وإنما يعود دينهم هوىً؛ ذلك لأن تقسيم الإسلام إلى أصول وفروع:
أولاً: يحتاج إلى علم واسع بالكتاب والسنة، وهذا كما ترون مع الأسف الشديد أهله في هذا العصر قليل وقليل جداً، لأن أكثر من يظن أنهم من أهل العلم، إنما هم أهل علم بالمذهب أو بالمذاهب، أما القرآن والسنة، والسنة الصحيحة بخاصة فقليل جداً من علماء العصر الحاضر ممن يتصفون بهذا العلم الصحيح.
أقول: لتقسيم أو لتحقيق الإسلام وجعله قسمين أصولاً وفروعاً يحتاج إلى هذا العلم الواسع بالكتاب والسنة.
وثانياً: هل يمكن للمسلمين لو اجتمعوا على صعيد واحد وفي مكان واحد، كل أهل العلم، وأهل العلم بحق، لو اجتمعوا على صعيد واحد، هل يمكنهم أن يجعلوا الإسلام قسمين: أصولاً يتفقون عليها وفروعاً يتفقون عليها، أم سيبقى هناك بعض المسائل ممكن بعضهم يدخلها في القسم الأول، وبعضهم يدخلها في القسم الآخر.
فحينئذ ما حال عامة المسلمين إذا كان أهل العلم يختلفون، وهو كما ترون حتى الآن صدق الله العظيم:{وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118 - 119].
فإذاً: الخلاف من طبيعة البشر، فلو اجتمعوا في صعيد واحد، وأرادوا أن يبينوا للناس ما يجوز أن يكون من القسم الأول، وما يجوز من القسم الآخر، لما تمكنوا من الاتفاق على ذلك، بل سيظلون مختلفين، لذلك اعتقادي الجازم أنه لا يجوز التفريق بين شرع وشرع، فيقال هذا أصل لا يجوز التهاون به، وهذا فرع يجوز التهاون به.
نعم إذا كان المقصود بالفرع والأصل هو ما يقابل الفرض ويقابل السنة هذا بلا شك ممكن، لكن ليس هذا هو المقصود، المقصود هو ما يتعلق بالعقيدة وما يتعلق بالعبادة، وما كان متعلق بالعقيدة وهو الأصل وهو الذي يجب الاعتماد والتمسك به وعدم الإخلال بشيء منه، وما يتعلق بالعبادات فالخطب سهل وبخاصة أنهم جاؤوا بمعول من قلد عالماً لقي الله سالماً، وهذا لشهرة هذه الجملة يتوهم كثير من الناس أنها حديث عن الرسول عليه السلام، ولا أصل له حتى في الأحاديث الموضوعة، لا أصل لهذه الجملة: من قلد عالماً لقي الله سالماً، حتى في الأحاديث الموضوعة، ونستطيع أن نقول هذا حديث موضوع طازج، يعني حديث في العصر الحاضر، وهذا من مشاكل هذا العصر أنه تروج هناك عبارات لم نجدها حتى في الأحاديث الموضوعة، فمن أين جاءت؟
من ذاك المنبع الذي جاءت الأحاديث الموضوعة القديمة التي وضعت لها كتب الموضوعات، والشاهد يستدل أولئك الذين أشرنا إليهم على معنى هذه الجملة: من قلد عالماً لقي الله سالماً، بحديث صحيح واستدلالهم هذا يشبه تماماً من حيث الانحراف عن معناه الصحيح كاستدلال المبتدعة بقولهم أن
في الإسلام بدعة حسنة، بحديث:«من سن في الإسلام سنة حسنة» ما هو هذا الحديث الصحيح الذي ركن إليه أولئك الذين يقررون الخلاف، ولا يريدون أبداً حمل المسلمين إلى قول رب العالمين:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
تأملوا معي هذه الآية: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} ما قال عقيدة وغير عقيدة، ما قال أصلاً وفرعاً، وإنما في أي شيء من أحكام الشريعة، إن تنازعتم في شيء {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخرِ} .. الآية، هؤلاء الذين لا يريدون، ولا ينطلقون معنا لإصلاح ما أفسد الناس من قبلنا، يقولون: حجتنا في ذلك حديث بني قريظة لما أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم طائفة من أصحابه إلى بني قريظة قال لهم: «لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة» ، وانطلقوا وهم مسرعون، ثم أدركهم وقت العصر فتفرقوا إلى قسمين إلى قولين منهم من قال لا بد أن نصلي العصر قبل خروج وقتها ومنهم من قال لا نبينا قال:«لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة» ، فاختلفوا ناس منهم فعلاً صلوا العصر في الوقت المعتاد قبل غروب الشمس وناس أخروا الصلاة لما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكروا له الخلاف الذي وقع بينهم، الخطأ الآن من أولئك الناس أنهم يروون الحديث خطأً عمداً أو سهواً ربهم اعلم بهم لكن الواقع أنهم يقولون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقر كلاً من الفريقين على عملهم وهذا خطاء روايةً ودرايةً أما الرواية لان الحديث في الصحيحين كما ذكرنا من رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
فهو قال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سمع اختلافهم قال ابن عمر فلم يعنف طائفة منهم لم يعنف طائفة منهم، ليس أقرهم جميعاً وإنما لم يعنف وهذا هو مقتضى الشريعة بقواعدها العامة كما تعلمون جميعاً إن شاء الله من قوله عليه الصلاة والسلام:«إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» ، إذا الذي يكون مأجورا لايعنف ومن هنا ينبغي أن نأخذ أدباً هذه جملة معترضة قد تطول كثيراً، فمعذرة من هذا الحديث ينبغي أن نأخذ أننا إذا رأينا إماماً من أئمة المسلمين قد خالف سنة من السنن الصحيحة، لا ينبغي أن نحط عليه وأن نطعن فيه، وإنما أن نلتمس له عذراً؛ ذلك أنه كان مجتهداً فإن أصاب فله أجران وان أخطأ فله أجر واحد، ومن الأعذار التي شرحها شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في كتابه «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» شرح من هذه الأسباب أن السنة لم تكن قد تجمعت يومئذ، فقد كانت السنة متفرقة في البلاد الإسلامية التي تفرق إليها الأولون من أصحاب الرسول عليه السلام، فبذلك تفرقت السنة ولم يتمكن المسلمون علماؤهم في ما بعد أن يجمعوا هذه السنة، إلا في القرن الثاني أخيراً والقرن الثالث وهكذا .. ولذلك كان من ميزة من تأخر من علماء المسلمين يتميز؛ لأنه جمع من السنة أكثر من الإمام الذي قبله، ولذلك نجد الواقع يشهد أن أكثرهم جمعاً هو آخرهم عصراً فأكثر الأئمة الأربعة سنةً وجمعاً للحديث إلامام احمد ثم شيخه الشافعي، ثم شيخه الإمام مالك، أخيراً يأتي الإمام الأول من حيث العصر وهو أبو حنيفة، وهو أقلهم حديثاً؛ بسبب أنه لم يخرج من الكوفة التي نشأ فيها وترعرع فيها إلا نادراً جداً بمناسبة حج أو عمرة، فلم يطف البلاد يجمع السنة كما فعل الشافعي في
رحلته إلى مصر وكما فعل تلميذه الإمام احمد حيث طاف البلاد.
الشاهد فقوله في الحديث لم يعنف طائفة منهم، ينسجم تماماً مع ملاحظة أنهم كانوا مجتهدين أما أقرهم على ذلك لا، لأن هذه مسألة السر فيها أنه لم يبين هنا يرد سؤال تقليدي، أو كما يقولون اليوم يطرح نفسه بنفسه، لماذا لم يبين الرسول عليه السلام الطائفة التي أصابت والطائفة التي أخطأت بينما نجد خلاف ذلك تماماً .. (انقطاع)، أخرى جاء في سنن أبي داوود وغيره أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرجا مسافرين، ثم حضرتهم الصلاة ولم يجدا الماء فتيمما صعيداً طيبا وصليا، ثم وجدا الماء أحدهما أعاد الصلاة والآخر لم يعد، فلما عادا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للذي أعاد الصلاة:«لك أجرك مرتين وللذي لم يعد أصبت السنة» ، أيضاً هذا الحديث والحديث أيضاً والحديث ذو شجون ترى هل الأفضل الذي أعاد، أم الذي لم يعد؟ أو بعبارة أخرى: إذا وقعت هذه القصة لبعض الناس فيما بعد، وهذا طبعاً يقع كثيراً وهنا الشاهد، هل السنة أو هل الصح أن يعيد من صلى متيمماً بعد أن يجد الماء، أم يقتصر على الصلاة التي صلاها ولا يعيد؟ إن وقفنا دون تأمل ما في الحديث السابق قد يتبادر للذهن، أن الأفضل أن يعيد؛ لأن الرسول عليه السلام قال:«لك أجرك مرتين» ، لكن هذا الجواب خطأ نحن نقول قال له لك أجرك مرتين؛ لأنه اجتهد، ولأنه لم يكن بين يديه السنة، أما وواقعنا اليوم أننا عرفنا السنة وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الله عليه وسلم قال للذي لم يعد:«أصبت السنة» ، فإذاً: من ابتلي بمثل ما ابتلي الذي أعاد فلا يعيد اليوم؛ لأن ذاك كان معذوراً مجتهداً، ولا اجتهاد في مورد النص ولا يجوز مخالفة السنة، وقد قال عليه السلام في
الحديث الصحيح: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» .
فإذاً: في هذه الحادثة نفهم أنه من صلى متيمماً، ثم وجد الماء أنه لا يعود؛ لأنه خلاف السنة.
الشاهد من هذه الحادثة أن الرسول قال لفلان: «لك أجرك مرتين» ولفلان: «أصبت السنة» ، ولماذا لم يقل أنتم أصبتم السنة، وأنتم لكم أجركم مرتين؟
الجواب: لأن هذه الحادثة لم تتكرر، حادثة مخالفة صلاة نظام الصلاة، لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ومن أدرك ركعة من صلاة العصر فقد أدرك العصر، ومن لم يدرك فلا صلاة له، هذه الحادثة لن تتكرر، ولذلك اكتفى عليه الصلاة والسلام بأنه لم يعنف لماذا؟ لا تتكرر يفترض الآن مثل هذه الحادثة تماماً يقع فيها الخليفة الأول الخليفة الراشد يقول لمن يرسلهم إلى مكان ما: لا تصلوا العصر إلا في ذلك المكان، سوف لا يتخلف هؤلاء المسلمون إذا تداركهم الوقت؛ لأنهم يعلمون أن الإسلام قد تم كما قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فإذا كان من الممكن أن تتغير الأحكام في زمن الرسول عليه السلام؛ لأن الوحي كان لا يزال ينزل عليه تتراً، فذلك لا سبيل إليه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلو أن خليفة مسلماً قرشياً راشداً قال لطائفة منهم: لا تصلوا العصر إلا في مكان كذا، ثم ضاق عليهم العصر لوجب عليهم جميعاً ولما وقع بينهم أي اختلاف إطلاقاً أنهم يصلون الآن، أو يصلون في ذلك المكان، السبب أن في حادثة بني قريظة كان هناك شبهة لدى بعضهم أن في هذا حكم جديد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال:«لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة» ، أما لو وقع مثل
ذلك بعد الرسول عليه السلام، فليس لأحد أن يدخل تخصيصاً ولا تقييداً في نص عام، ولا مبدءاً عاماً بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الكلام قد تم ولا مجال للاستدراك عليه.
(الهدى والنور /391/ 44: 00: 00)