الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من ذلك علي؛ فإني أعلم أيضاً أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، وأن:
«من أرضى الناس بسخط الله؛ وكله الله إلى الناس» ؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولله در من قال:
ولست بناحٍ من مقالة طاعنٍ
…
ولو كنتُ في غارٍ على جبل وعر
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالماً
…
ولو غاب عنهم بين خافيتي نسرٍ
فحسبي أنني معتقد أن ذلك هو الطريق الأقوم، الذي أمر الله تعالى به المؤمنين، وبينه نبينا محمد سيد المرسلين، وهو الذي سلكه السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وفيهم الأئمة الأربعة-الذين ينتمي اليوم إلى مذاهبهم جمهور المسلمين-، وكلهم متفق على وجوب التمسك بالسنة، والرجوع إليها، وترك كل قول يخالفها، مهما كان القائل عظيماً؛ فإن شأنه صلى الله عليه وآله وسلم أعظم، وسبيله أقوم.
ولذلك فإني اقتديت بهداهم، واقتفيت آثارهم، وتبعت أوامرهم بالتمسك بالحديث؛ وإن خالف أقوالهم، ولقد كان لهذه الأوامر أكبر الأثر في نهجي هذا النهج المستقيم، وإعراضي عن التقليد الأعمى. فجزاهم الله تعالى عني خيراً.
أقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها:
ومن المفيد أن نسوق هنا ما وقفنا عليه منها أو بعضها، لعل فيها عظة وذكرى لمن يقلدهم- بل يقلد من دونهم بدرجات- تقليداً أعمى، ويتمسك بمذاهبهم وأقوالهم؛ كما لو كانت نزلت من السماء، والله عز وجل يقول:
{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3].
1 -
أبو حنيفة رحمه الله:
فأولهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله، وقد روى عنه أصحابه أقوالاً شتى، وعبارات متنوعة؛ كلها تؤدي إلى شيء واحد وهو: وجوب الأخذ بالحديث، وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة له:
1 -
2 -
«لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا؛ ما لم يعلم من أين أخذناه» .
وفي رواية: «حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي» .
زاد في رواية: «فإننا بشر؛ نقول القول اليوم، ونرجع عنه غداً» .
3 -
«إذا قلتُ قولاً يخالف كتاب الله تعالى، وخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فاتركوا قولي» .
2 -
مالك بن أنس رحمه الله:
وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله؛ فقال:
1 -
2 -
3 -
قال ابن وهب:
سمعت مالكاً سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء؟ فقال:
قال: فتركته حتى خف الناس، فقلت له: عندنا في ذلك سنة. فقال: «وما هي؟ » .
قلت: حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه. فقال: «إن هذا الحديث حسن، وما سمعت به قط إلا الساعة» .
3 -
الشافعي رحمه الله:
وأما الإمام الشافعي رحمه الله؛ فالنقول عنه في ذلك أكثر وأطيب وأتباعه أكثر عملاً بها وأسعد؛ فمنها:
1 -
2 -
3 -
وفي رواية: «فاتبعوها، ولا تلتفتوا إلى قول أحد» .
4 -
5 -
6 -
7 -
«إذا رأيتموني أقول قولاً، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلافه؛ فاعلموا أن عقلي قد ذهب» .
8 -
«كل ما قلت؛ فكان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلاف قولي مما يصح؛ فحديث النبي أولى، فلا تقلدوني» .
9 -
«كل حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني» .
4 -
أحمد بن حنبل رحمه الله:
وأما الإمام أحمد؛ فهو أكثر الأئمة جمعاً للسنة وتمسكاً بها، حتى «كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي»؛ ولذلك قال:
1 -
«لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري،
وخذ من حيث أخذوا». وفي رواية:
2 -
«رأي الأوزاعي، ورأي مالك، ورأي أبي حنيفة؛ كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار» .
3 -
«من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فهو على شفا هلكة» .
تلك هي أقوال الأئمة رضي الله تعالى عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث، والنهي عن تقليدهم دون بصيرة، وهي من الوضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلاً ولا تأويلاً.
وعليه: فإن من تمسك بكل ما ثبت في السنة، ولو خالف بعض أقوال الأئمة؛ لا يكون مبايناً لمذهبهم، ولا خارجاً عن طريقتهم؛ بل هو متبع لهم جميعاً، ومتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وليس كذلك من ترك السنة الثابتة لمجرد مخالفتها لقولهم؛ بل هو بذلك عاص لهم، ومخالف لأقوالهم المتقدمة، والله تعالى يقول:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وقال:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: